رواية الشهوات المكبوتة في سورية إلى أين؟
2008-03-15
ألف منذ تأسيسها كموقع ألكتروني إلى الحوار، وتحاول جاهدة نشر الاختلاف ليحث القراء والمتصفحين على الحوار البناء .. نحن هنا لسنا مع رأي خيري الذهبي ولكنا ننشره من أجل الحوار .. ولكن الحوار البناء وليس التعليق البذيء أو التعليق أنه مع أو ضد .. نرغب أن تكون مقالة خيري الذهبي هذه بداية حوار جدي خول الأدب الإيروتيكي عموما والعربي خصوصا .. ونذكر أن عددا كبيرا من الروائيين والروائيات لم يكتبوا تجاربهم ـ ن بل كتبوا أدبا رفيعا يرقى ليكون بداية الطريق نحو رواية عربية مختلفة.
ألف
باموق، أما الثانية، فكانت (اسم الوردة) للروائي والناقد وعالم السيميائيات الشهير أومبرتو ايكو. رواية اسم الوردة كنت قد قرأتها منذ سنوات، ولكن صادف أني رأيتها في فيلم سينمائي أيقظ قراءتي القديمة لها ورقياً.
ما زلزل مسلماتي في هاتين الروايتين هو أنَّا قد تعارفنا منذ بداية القرن العشرين على اعتبار أنفسنا ورثة الحضارة العربية الإسلامية، ورثة الأمويين والعباسيين، ورثة كل ما هو جميل في هذه الحضارة التي غيَّرت وجه العالم والحضارة لقرون.
ما زلزل مسلماتي هو قراءة أورهان باموق للجدل بين الحضارتين الإسلامية والغربية والذي بدأ منذ عصر النهضة في أوروبة، وعصر الجمود والانكفاء في الحضارة الإسلامية.
أورهان باموق رأى أن يجادل هاتين الحضارتين من خلال فن التشكيل، أو فن الرسم في كلا الحضارتين، اللون، والظل والمنظور وانعكاسهما على الثقافة وقراءة العالم ورؤية السماء والأرض، ففي الوقت الذي انحنت فيه حضارة النهضة الغربية أمام الإنسان، ولم تقبل أن يكون انعكاساً صغيراً لإرادة السماء، فرسمته بظله وعلاقته بالمشهد الخارجي من حوله. رسمته كما هو إنساناً، لا قزماً، ولا ظلاً لقوى أخرى، وكان هذا انحطاطاً للإقطاع وقياماً للبرجوازية تلك التي حملت الحضارة الغربية، وقذفت بها إلى أقاصي الأرض، ثم غيَّرت لون وطعم الأرض غربياً.
أما الحضارة الإسلامية عثمانياً وفارسياً، ومغولياً، ونحن هنا لا نتحدث عن الأقطار العربية التي طردت لقرون خارج مكان وموقع الفعل في الحضارة الإسلامية، لقد انتزع العثمانيون – السلطان سليم، والفرس إسماعيل الصفوي، والبخاريون ثم الهنود تيمورلنك والمغول - منها أعظم أيديها الصانعة، النقاشين والحفارين والسيوفيين والرَّخاميين، وأعظم عقولها من مفكرين وشعراء ومناطقة، حملوهم إلى سمرقند وإلى أسطنبول وأصفهان، وكان على مدن العراق والشام أن تذبل وتتقوقع، وتخرج خارج دائرة الحضارة. (المؤرخ ابن اياس يحدث عن أكثر من خمسين صنعة ماتت في مصر والشام بعد انتصار السلطان سليم على دولة المماليك).
المهم، وعوداً إلى أورهان باموق، فها هو يتحدث عن تلك المرحلة الجميلة حين حاول السلطان العثماني الذي أراد تحديث الإمبراطورية العثمانية استقبال الرؤى الغربية من لون ومنظور وظل في فن التشكيل الإسلامي.. ولكن المحافظين والرجعيين من رسامين ونقاشين ومنظرين لهم يبدأون رحلة القتل بين الفنانين الذين يريدون إدخال المفهوم الغربي النهضوي إلى التشكيل الإسلامي.
من خلال هذه المقاربة التي لا تلفت نظر الكثيرين دخل أورهان باموق إلى ذلك المنعطف الخطير الذي أخفقت فيه الحضارة الإسلامي عثمانياً في دخول التجديد والتغير ودخول العصر.
الحق حين قرأت رواية باموق أحسست بقهر مرعب، فلم فكر هذا التركي الجميل في هذه المقاربة، ولم يفكر خيري الذهبي ولا أيٌ من روائيي العالم العربي كله في هذه المقاربة أصلاً. لم فكر فيها باموق ولم يخطر على بالي هذا الموضوع أصلاً.
وحين قرأت أومبرتو ايكو سينمائياً، ثم ورقياً، فأرى استفادته من ابن حزم ومن ابن رشد، ومن ألف ليلة وليلة في روايته التي جادل فيها آخر سيطرة البابوية والإقطاع ومحاكم التفتيش على أوروبة فتمنعها بقسوة من قراءة أرسطو وكتابه المفترض عن الكوميديا الذي لا بد من أن تسخر من مقدسات أوروبة الإقطاعية.
حين قرأت هاتين الروايتين فذكرت كتابات ميلان كونديرا الكاتب التشيكي- الفرنسي، اليهودي–المسيحي مختصر الحضارة الأوروبية المعاصرة في قراءته للعالم في رواياته.
حين قرأت هذا كله وذكرته وتمعنت فيه تساءلت..: الرواية الجنسية الناشطة في سورية الآن إلى أين؟، فتذكرت أنه في أوائل ستينيات القرن الماضي ترجمت دار الآداب كتاباً لكولن ويلسون اسمه »اللامنتمي« فانفجر الكتاب بين أيدي الكتاب الصغار ومبتدئي الكتابة وصار إنجيلهم وكنت لا ترى شاباً في تلك الأيام ماضياً إلى مقهى الهافانا أو البرازيل إلا وهو يحمل نسخة من الكتاب مفاخراً وسائلاً زميله إن لم يكن يحمل الكتاب. أفلم تقرأ كتاب »اللامنتمي«، وكان الآخر إما أن يتلعثم، أو يتفاخر بأنه قرأه والمضحك أن الكتاب كان دراسات نقدية عن روايات غربية لم يترجم معظمها إلى العربية، ولا يعرف القراء عنها شيئاً، ولكن العنوان المُلبس والملتبس (اللامنتمي) والآتي إلى جيل كان قد عانى من مباحث السراج ما عاناه بغض النظر عن انتمائه السياسي، هذا الجيل وجد إجابة عن خوفه وحيرته في كتاب »اللامنتمي« فكنت إذا سألت واحداً منهم في ذلك الحين عن انتمائه أجابك في فخر: لا منتمي، وكأن اللامنتمي هو انتماء إلى من لا يخافون عقوبات المباحث.
بعد تلك الفترة وصل إلى السلطة أحزاب ثورية شجعت الكتابة الملتزمة، والنضال، والأيديولوجيا، وصارت الكتابات في معظمها ملتزمة بالحديث عن الفلاح المناضل ضد الإقطاعي والمنتصر عليه، والعامل المناضل ضد الرأسمالي المستغِّل مصاص الدماء إلى آخر أدبيات تلك الفترة، ثم ينتصر العدل والفلاح المظلوم والعامل المسروق.
ثم دارت الأيام وسقط الاتحاد السوفييتي، وتراجعت القضية القومية، وتراجعت الاشتراكية، وصار الأدب الملتزم، وأدب الأيديولوجيات وأدب القضايا حكاية مملولة وسقيمة ولا تقنع أحداً، والحق إن ميكانيكية كتابتها وعدم إيمان كاتبيها الحقيقي بما يكتبون جعلهم يكتبون بهذا الإملال الذي ما لبث القارئ والكاتب والناشر أن ملَّوه.
وحتى لا نظلم كتابنا في العربية، وفيهم الكبار من أمثال نجيب محفوظ الذي كتب »أولاد حارتنا«، وكتب ملحمة »الحرافيش«، والكاتب المغربي بن سالم حميش الذي كتب عن عدد من الشخصيات الإشكالية في تاريخنا العربي من أمثال »الحاكم بأمر الله، وابن خلدون«، وأنا لا أزعم أني محيط بكل المشهد الروائي العربي، ولكن، والحق يقال إن الكاتب العربي، بشكل عام لم يشغل نفسه بالقضايا الكبرى للإنسانية، وللعربية، وللإسلامية، بل كان غارقاً في معظم الأحيان إما في مقارعة الاستعمار، أو في مقارعة الحاكم الظالم، أو في مقارعة الطبقة المستغلة الظالمة جاعلاً من المواضيع السابقة مبارزاً مجسداً لم يحاول تجريده ليصبح واحداً من قضايا البشرية الكبرى كما فعل أورهان باموق وأومبرتوايكو.
والآن.. ما الذي تبقى أمام الكاتب السريع الذي يريد الكتابة الروائية ولا يريد أن يتعب في سبيل كتابتها. ما الذي تبقى أمام كاتب لا يريد أن يقرَّ بأن الرواية الحديثة هي خلاصة ورحيق ثقافة عميقة متعمقة، وهي والحق يقال نتاج لبحث جاد، إنها دراسة أكاديمية تتحول إلى فن، إلى رواية.. ما الذي تبقى أمام الكاتب السريع الذي لا يعرف كتابة الرواية البوليسية والتي تباع في أكشاك الميترو في أوروبة، فالرواية البوليسية لها تقنيتها ولها أبحاثها ودراستها أيضاً، ولنكر رواية »شيفرة دافينشي« والتي ليست في المحصلة الأخيرة إلا بحثاً في الأديان المقارنة وفي التاريخ أعيد طبخه في رواية بوليسية. هل يستطيع كاتبنا نصف الصحفي ونصف الكاتب أن يجهد نفسه في بحث كبحث دان براون عن مريم المجدلية ومصائرها، أو.. هل يجرؤ؟
إذاً ما الذي تبقى أمام كاتبنا السريع والمتسرع للكتابة؟ الرواية التاريخية. يا إلهي حتى الرواية التاريخية في حاجة إلى درس وبحث وجهد حتى تستخلص منها المادة الصالحة لكتابة رواية تاريخية.
وإذاً.. ما الذي تبقى أمام كاتبنا السريع المتسرع إلى الشهرة وإلى الوصول إلى القراء وإلى الثراء الذي وعدوه بالوصول إليه حين يكتب الرواية.
نظر من حوله. فكر، تأمل وأخيراً رأى جسده.. رائع ها هو حقل عظيم للكتابة لن تلاحقك إليه الأيديولوجيا والأيديولوجيا المضادة ورجالها لو كتبت عن الجسد.. حسن لن تضطر إلى الدراسة والبحث، فجسدك مبذول.. وما عليك إلا أن تتذكر مغامراتك الجنسية، وما سمعت عن مغامرات أو خياليات أصدقائك ثم تبهرها وتكتبها و.. تصبح كاتباً.
وماذا بعد.. أنا لست ضد الكتابة عن الجنس ولا عن الجسد ولكن حتى الكتابة عن الجنس لها شروطها، فهناك من حوَّلها إلى حالة شعرية مثل أراغون، وهناك من حوَّلها إلى جدل سياسي وتهديم لبنى المجتمع الظالم كما فعل هنري ميللر، وهناك من حوَّلها إلى نقد للمجتمع المتحجر الفيكتوري المنافق كما فعل د. هـ. لورنس. فماذا عن كاتبنا السريع المتسرع الذي لا يملك إلا تجاربه الجنسية وتجارب أصدقائه الغنية جداً!!!
وماذا بعد..
ستنتهي الحكايات والتجارب والخبرات.. وماذا بعد.. إلى أين ستنتهي روايتنا ومخدوعونا من المتسرعين الهاربين إلى كتابة تجاربهم الجنسية. إلى أين سيصلون. وهل حكم علينا أن نظل دائرين في هذه الدوامة. لطمة مباحثية تهرب بنا إلى كتاب اللامنتمي، ولطمة من هزيمة الأيديولوجيات تهرب بكتابنا الصغار والشباب إلى كتابة تجاربهم الجنسية وماذا بعد.. وما نصيب الرواية من كل هذا.. ما نصيب علم الجمال الذي تنتمي إليه الرواية من كل هذا.. هل سنظل شحاذين على أبواب كولن ويلسون وميلان كونديرا. أم سيأتي اليوم الذي ننشئ فيه فننا الروائي الحق. الفن القائم على الثقافة والحضارة والجمال.
منذ أمد قصير صادف أني صدمت بروايتين هامتين زلزلتا كثيراً من مسلماتي في الرواية والحضارة والتاريخ، الرواية الأولى كانت »اسمي أحمر« للروائي التركي الجميل أورهان
08-أيار-2021
06-شباط-2021 | |
28-تشرين الثاني-2020 | |
22-آب-2020 | |
15-آب-2020 | |
09-أيار-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |