تعجيل النظر في التطبيع لتسهيل الظفر بالملك السريع
2007-12-10
"استغناؤك عن الشيء خير من استغنائك به لأن الحاجة إلى الشيء افتقار إليه والمفتقر إلى الشيء عاجز عنه" قول مأثور
مجموعة من الأحداث الهامة حصلت في الأسابيع الأخيرة تركت العديد من الدلالات والتوصيات كفيلة بأن تؤثر على الوضع المستقبلي للمنطقة في الشرق الأوسط الكبير وربما قد تعجل باندلاع حرب أخرى بين الغرب والشرق على غرار التحرشات المعتادة والتصادمات السابقة.
الحدث الأول حصل في تركيا ويتمثل في اجتماع رؤساء تركيا وإسرائيل وفلسطين على طاولة واحدة وتبادل الجميع كلمات الود والمجاملة والثناء والمدح على تحلي الجميع بقيم المسامحة والانفتاح وإعلان محمود عباس عزمه عدم التخلي عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية في مفاوضات أنابوليس،ثم إشادة الرئيس الإسرائيلي بالتجربة الديمقراطية التي أرساها حزب العدالة والتنمية في الشرق الأوسط وجو السلام والحوار العقلاني الذي أرساه في المنطقة ورغبته في تعايش جميع الشعوب في كنف العلمانية والشراكة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب والحوار الذي ينبغي أن يقوم بين مختلف الأديان.
الحدث الثاني من تركيا العثمانية هو احتفال العاصمة التاريخية اسطنبول باليوم العالمي للقدس والنظر إلى المدينة المقدسة في الديانات التوحيدية لا من زاوية دينية بل من زاوية كونية واعتبارها معلم حضاري ينبغي العمل على صيانته من كل تهديد أو اعتداء واستدعاء العديد من الشخصيات المقدسية إلى طاولات حوار وحلقات نقاش لتدارس الوضعية الصعبة التي تعيشها المدينة القديمة.
الحدث الثالث حصل في مصر حيث بدأت الجماعات الإسلامية الكبرى الإخوان والجهاد القيام بمراجعات كبرى في الأسس التي قامت عليها تدفع بالأولى إلى التفكير في تأسيس حزب مدني على شاكلة حزب العدالة والتنمية التركي يربط بين الديمقراطية والشورى ويقطع من التوريث ويحيد المعضلة العربية مع الفكر الصهيوني عن الصراع من أجل الإصلاح السياسي والرقي الاجتماعي يضم في صفوفه من غير المسلمين ويسمح للعناصر النسائية بالمزيد من المشاركة الفعالة وتدفع بالثانية إلى العودة إلى العمل الدعوي والاعتزال الصوفي والإصلاح الخلقي والتخلي عن عقلية التكفير وعن العمل العسكري المسلح لتغيير الأنظمة والإيمان بالتداول السلمي والاكتفاء بالمناصحة غير أن بعض الخلافات بين قيادات الجماعة حول الأولويات وبروز التيار البرغماتي الشبابي وتناقضه مع الحرس القديم الذي مازال يتشبث بالأصول القديمة التي تعود إلى كتابات حسن البنا عكر صفو المشهد وعطل مسيرة الحوار الداخلي وقلل من حدة الصدمة التي أنتجها هذا الحدث التاريخي الذي يعبر عن حاجة المنطقة إلى الاقتحام لحظة "المنعرج الديمقراطي" كما يقول بعض رفاق اليسار الجديد.زد عل ى ذلك تزايد الحديث عن إمكانية سماح بعض الأنظمة العربية لحساسيات الإسلام السياسي التنويري التي لم تتورط في أعمال عنف خطيرة بالنشاط السياسي والتنظم العلني والشرعي داخل حزب مدني وما رافق ذلك من تحفظ وتخوف لجهات نافذة داخل هذه الأنظمة ومن ترحيب شعبي وإعلامي لكون ذلك يخرج المنطقة من حالة الاحتباس الحراري والقصور الوظيفي الذي تعاني منه الحياة السياسية في جميع الدول العربية وللشروع في غراسة نبتة الديمقراطية في التربة العربية بطريقة ملموسة وعدم الاكتفاء بالديمقراطية الواجهات التي تشبه طريقة الري قطرة قطرة في الزراعة.
الحدث الرابع هو انعقاد قمة أنابوليس ومشاركة سوريا التي تعتبر نفسها قلعة الصمود والتصدي إضافة إلى السعودية التي لها علاقات مميزة مع حماس كحركة فلسطينية ممانعة ومازالت إلى حد الآن غير معترف بالكيان الصهيوني الغاصب كدولة شرعية إلى جانب الدول المعدلة الأخرى وقد انتهى إلى التأكيد على مواصلة الحوار والتفاوض وتمسك إسرائيل بمبدأ يهودية الدولة والتعجيل باستئناف مسيرة السلام دون التطرق إلى الثوابت وخاصة مصير الشتات والأرض الممزقة بالجدار العازل ونقاط التفتيش والمعابر مع التزام العرب بالتعاون مع اسرائيل كشريك اقتصادي وسياسي وثقافي في منطقة الشرق المتوسط الكبير مما زاد من درجة التطبيع المجاني وضاعف إيقاع الهرولة والمحاباة نحو أمريكا وحلفائها وأضعف الحلف المعادي لها المتكون من إيران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد وبعض الدول العربية المؤيدة لهم بطريقة غير رسمية مثل السودان واليمن وقطر وجعله في وضع لا يحسد عليه من الناحية اللوجيستية والدبلوماسية.
الحدث الخامس هو حضور رئيس إيران القمة الخليجية وتقديمه ضمانات على سلمية البرنامج النووي وعدم استهدافه لدول المنطقة وطرحه مشروع تعاون تجاري كبير معها مما يكون قطب خليجي هام يجلب الاستثمار ويوفر فرص الشغل ويعجل بحركة التنمية ويحقق الرخاء الاقتصادي للشعوب الإسلامية التي سئمت الحروب والنزاعات غير المجدية بين الإخوة والأشقاء .
ما يمكن استخلاصه من هذه الأحداث أن محاولات الإصلاح الديمقراطي الآنية التي تقوم بها بعض الجهات المحلية بالتعاون مع بعض الجهات الأجنبية تمت بالتضحية ببعض الثوابت الاستراتيجية وبإلغاء العديد من الحقوق الرمزية الحضارية من أجل تحقيق بعض المنافع المادية وتوفير بعض الحقوق الفورية حتى تخرج الشعوب العربية من غرفة العناية المركزة المحبوسة فيها وتتجاوز حالة الاحتضار الباقية عليها لمدة طويلة فلا هي اندثرت وأراحتنا من همومها وهمومنا عليها ولا هي استفاقت استفاقة نهائية وانزاحت عنا هذه الغمة وتمكنت الشعوب من الانتشار في الأرض من أجل الفلاح والتعمير. لكن ما يلفت انتباهنا هنا أن أنظمة الحكم العربية وتيارات الإسلام السياسي قد التقت في نفس النقطة واتفقت على نفس الأمر للمرة أولى وهو الدخول في هدنة مع العدو الإسرائيلي وتأجيل الحسم في القضية الفلسطينية وترك المأمورية للأجيال القادمة بعدما فشلت هذه الأجيال في فعل أي شيء مع اختلاف بسيط بينها وهو أن الأنظمة العربية جعلت من التطبيع وسيلة للمحافظة على الكراسي والعروش بينما برمجت تيارات الإسلام السياسي الهدنة كطريق ملكي للوصول إلى الحكم والبقاء فيه فهل تنقذ توبة الإسلام السياسي العرب من مصائب الحروب القومية؟ إلى أي مدى ينفع التطبيع ما أفسده دهر التحزب والتخريب؟ فهل قدر المقاومة أن تلقى في سلة مهملات المفاوضين أم أن شرفها أن تتحول إلى مقاومة ثقافية حضارية من أجل حفظ ماء وجهها؟ أليس العزوف عن الرغبة في الشيء أفضل من الحاجة إليه مادام التشوق إظهار للعجز والخول؟
08-أيار-2021
05-تشرين الأول-2019 | |
10-آب-2019 | |
13-شباط-2010 | |
12-تشرين الأول-2009 | |
23-أيلول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |