الفنان الفرنسي ديغا يعود لواجهة الأحداث / بقلم : وليام د. كوهان / ترجمة
خاص ألف
2010-05-21
يذكر أن (ديغا) أفضى مرة لزميله الفنان (جورج رينولت) في لحظة تأمل للمستقبل: "ليس الغبار أكبر مخاوفي, بل هي يد الإنسان."
وبالفعل كانت بصيرة ديغا نافذة جدا ,فبعد93 سنة من وفاته في 1917 يحتدم اليوم بين الباحثين في فنه جدل حول 74 قالب جصي اكتشفت حديثا و صحة كونها صنعت خلال حياته, مضافا إليها التماثيل البرونزية المسبوكة فيها. وينسب هذا الاكتشاف إلى (ليوناردو بيناتوف) الذي يدعي إيجادها في مخزن (مسبك فالسواني) خارج باريس والذي بدأ منه تجارته سنة 1980.
وسط هذا الجدل يظهر قالب جصي للراقصة الصغيرة ذات الأربع عشرة سنة Petite Danseuse de Quatorze Ans والموجودة اليوم في الطابق الخامس لصالات هرشل وأدلر Hirschl & Adler Galleries في نيويورك وحوله سيقرر المتجادلون: أهو قطعة ثمينة ونادرة صنعت خلال حياة ديغا كما يرغب المعجبون, أم هو من صنع حرفي ماهر بعد سنوات من موت الفنان كما يعتقد الباحثون!!؟
في هذا (القالب الأصلي), كما سمي, صب مسبك فالسواني 46 تمثالا برونزيا للراقصة الصغيرة بين عامي 1997و1998 يعتقد أنها بيعت بالمجمل من المسبك ويقدر ثمن التمثال اليوم بما يزيد عن 2 مليون دولار في السوق الثانوية. أما بقية القوالب فيقوم بيناتوف بمشاركة (والتر ب. ف. مايبوم) بسبك البرونز فيها خلال مشروع هذا الأخير (مشروع منحوتات ديغا المحدود) Degas's Sculpture Project Ltd. ويعرض متحف هيراكليدون في اليونان نماذج عن التماثيل البرونزية المسبوكة في هذه القوالب الأخيرة وعددها 74 قطعة.
لا شك في أن القالب الجديد يشبه إلى حد كبير تمثال الراقصة الصغيرة الذي يعرفه أغلب الناس إلا أن الخبراء أكدوا وجود فروقات بينهما في تفاصيل معينة مثل الوجه وعظام الرقبة وموضع القدمين والشعر. وعندما بدأ أولئك الذين لم يقتنعوا برواية القالب الأصلي بتغيير رأيهم, عقد اجتماع مغلق في نيويورك في 19 كانون الثاني لمناقشة القضية والحسم بالأمر.وحتى الآن لاتزال المجموعة محتارة حول إعلان يشجب مصداقية القوالب المكتشفة والتماثيل العائدة لها مما سيؤدي إلى تسرب الأخبار عنها في سوق الفن ,وهذا شيء محتوم سببه الشكوك التي لاتزال تدور حولها.
تشير بعض المصادر أن من بين المجتمعين كان (غاري تينترو) رئيس قسم الفن المعاصر والحديث وفن القرن التاسع عشر في متحف ميتروبوليتان للفن The Metropolitan Museum of Art و(ريتشارد كيندال) القيم الاستشاري في مركز كلارك للفن Sterling And Finance Clark Art Institute في وليامز تاون, ماساشوستس, و(ثيودور ريف) الأستاذ في قسم التصوير والنحت الأوربي في جامعة كولومبيا, و(باتريشيا فايلينغ) الأستاذة المحاضرة في قسم تاريخ الفن واشنطن والمحررة في مجلة آرت نيوز, و(شيلي ستورمان) و(دافني باربور) القيمتان المختصتان في صالة الفن الوطنية National Gallery of Art و(آرثر بيل) الرئيس المتقاعد لقسم الصيانة وإدارة المجموعات في متحف الفنون الجميلة في بوسطن Museum of Fine Art وصاحب كتاب (ديغا والراقصة الصغيرة) بالتعاون مع (ريتشارد كيندال).
وحتى الآن, يلتزم المؤرخون والقيمون المجتمعون في نيويورك الصمت في خوف من الدعاوى القضائية التي قد تسببها أي مطالبة شعبية حول شرعية مايسمى بالقوالب الأصلية.
فمثلا, أدلى (جون كاهيل) عضو لجنة نيويورك القانونية Lynn & Cahill لآرت نيوز: "إنه لعار أن يخاف دارس من إدلاء رأيه فالقانون في صف الشعب الذي يعطي آراء صادقة ولكن كلفة إثارة مثل هذه الدعاوى هي من يوقفها." ورغم هذا, ليس هناك أدنى شك بأن إثارة مثل هذه الدعاوى تجبر المؤرخين على التزام الصمت في عدة قضايا حركت مؤخرا. وكان كاهيل قد تحدث مسبقا في مؤتمر ترعاه هيئة التقييم الأميركية Appraisers Association ومؤسسة كلية الفن College Art Associationعن مشكلة تأكيد مصداقية الأعمال الفنية.
في اتصال على الهاتف قال السيد كيندال أنه لا يرغب "بإدلاء أية آراء حول القطع الفنية ولكم أن تستنتجوا رأيي من خلال ما سأقول". أما ريف الذي قام بتحرير رسائل ديغا أرسل إلينا عبر البريد الالكتروني "ليس لدي ما أقول حول القطع المكتشفة". كما رفضت فايلينغ التعليق عند محاولتنا الاستفسار عبر الهاتف.
وكتب بيل في رسالة الكترونية لآرت نيوز: "حيثما وصل اهتمامي في مكتشفات ديغا خلال السنوات السابقة إلى إنتاج فيلم عنها فإني أفضل ألا أكون نفسي جزءً من القضية ولهذا السبب ليس لدي أي شيء أعلق به في الوقت الحاضر."
وعند مطالبتنا بمعلومات إضافية كتب في بريد لاحق "أنتم تعلمون أكثر من أي جهة اقتصادية مهتمة بالقضيةأنه من الصعب إيجاد دارس في هذه البلاد أو فرنسا مستعد لإدلاء أي تصريح علني بشأن المكتشفات."
هذا وقد صرح أحد الحاضرين رافضا أن يذكر اسمه: "هنالك إجماع عالمي بأن حقيقة هذه المكتشفات مخالفة لما أعلن لها." ويعتقد أغلب الموجودين أن هذه القضية "ستنهار لعدم قيمتها, لاسيما عند تحولها للسوق الثانوية, عندها سيتهافت الناس إليها في دور المزاد والتي لن تقبل ببيعها إلا سرا بين التجار. وهذا لسوء الحظ لأن الناس سيسرفون الكثير من المال حتى هذا الوقت."
كما تحدث موظف تنفيذي في أحد دور المزايدة رافضا ذكر اسمه عن قلق المزايدين بشأن التماثيل البرونزية المسبوكة في القالب المزعوم كما التماثيل المسبوكة في القوالب الأخرى مما يمنعهم من الاقتراب منها. ويقول: "يتحدث جميع من في السوق من جمهور وقيمين عن العدد الكبير للتماثيل, فهذا في السوق الاحترافية يعد مشروعا رخيصا. والناس ينظرون إليها كقطع مبهرجة ولماعة كما لو كانت تماثيل مكررة, أي أنها لا تملك جودة المنحوتات الأصلية."
بدأ هذا الجدال نهاية السنة الماضية حين نشر متحف هيراكليدون Herakleidon Museum غير ذي الشهرة كتيبا ملفتا للنظر بثلاث لغات ليرافق معرضا ل 74 قطعة برونزية سكبت في القوالب المكتشفة باسم (المنحوتات الكاملة لإدغار ديغا). وحسب مايبوم فإن المعرض سيسافر بعد إغلاقه في 25 نيسان إلى صالة الفن الوطنية National Art Gallery في صوفيا, بلغاريا, ثم إلى المتحف المقدوني للفن المعاصر Macedonian Museum of Contemporary Art في سالونيكا, اليونان. كما ستعرض مجموعة ثانية عن نفس القوالب في متحف تل أبيب Tel Aviv Museum بين 25 آذار و26 نيسان وسيكون العرض الأميركي الوحيد حتى الآن في متحف نيو أورليانز الفني New Orleans Museum of Art في تشرين الثاني من السنة القادمة في انتظار عروض أميركية أخرى.
تظهر منحوتة برونزية للراقصة الصغيرة في كتيب المعرض, سبكت في القالب المزعوم. وفي هذا الكتيب يطرح راويي قصة الاكتشاف قضيتهما. مايبوم , مدير نقابة نيويورك لفنون الحداثة وجورج هيدبرغ , مدير قسم الفنون الأوروبية في صالات هرشل وأدلر منذ 1992.
يشرف على عرض أثينا مايبوم وزوجته كارول كون, وحسب الكتيب سيصدر لمايبوم كتاب بجزئين بداية 2010 عنوانه (ديغا, اكتشاف منحوتات, اكتشاف التاريخ) (Degas, Sculpture Uncovered-History Revealed). بينما ينشغل هيدبرغ في وضع اللمسات الأخيرة لكتابه ,(الراقصة الصغيرة, النسخة الأصلية المجهولة) (The Little Dancer, The Unknown First Version) ويخطط ليلقي خطابا حول الاكتشاف في 6 آذار في المعهد الجامعي للفنون الجميلة في نيويورك.
وحول العرض, يعطي الموقع الالكتروني لمتحف هيراكليدون أهمية قاطعة لهذه المجموعة, فنقرأ فيه: "كل المنحوتات في هذا المعرض سبكت في قوالب حديثة الاكتشاف صنعت من التماثيل الشمعية الأصلية خلال حياة ديغا وبموافقته. وهذا شيء استثنائي لأن بقية المنحوتات البرونزية التي يراها الناس في المتاحف الأخرى مسبوكة من قطع صنعت بعد حياة الفنان. وبذلك نستطيع اعتبار هذه التماثيل بمثابة النسخ الأصلية, بينما تعتبر القطع الأخرى نسخا ثانية للمنحوتات. لذا, وللمرة الأولى يمكن للخبراء والدارسين كما العوام مقارنة تماثيل الفنانين قبل وبعد, وهذه سابقة في تاريخ الفن."
يبدو (مورديكا عمر), مدير متحف تل أبيب, أكثر ترددا رغم أن متحفه من مستضيفي المعرض, حيث يقول في مقابلة مع آرت نيوز" لطالما أحاطت الأسئلة بمنحوتات ديغا,كما تبدو قصة مايبوم قصة ممكنة, ولو كنت مؤمنا بها لاعتبرتها فرصة رائعة للاستمتاع بمنحوتة لديغا إلا أني أعلم بوجود نسخ لنسخ."
يعلم الجميع أم ديغا عمل بالشمع والطين لما يقارب 40 سنة إلا أنه لم يقم بصب أي من أعماله بالبرونز وفي هذا يستكمل عمر:"إنها لمسؤولية كبيرة أن تنجو بمنحوتة برونزية, فالبرونز لا يتلف أبدا."
وكان ورثة ديغا قد كلفوا مسبك (هيبرارد) في باريس للقيام بصب 74 قطعة من حوالي 150 تمثال شمعي وفخاري وجدت في منزله في حالة سيئة. وبعد الحرب العالمية الثانية طلب هيبرارد إلى الحرفي الموهوب (ألبينو بالازولو) صنع 22 نسخة برونزية لكل تحفة , 20 منها للبيع ويحصل كل من هيبرارد وورثة ديغا على نسخة.(لم يحدد عدد نسخ الراقصة الصغيرة).
وخلال الفترة التي قام بالازولو فيها بإنهاء 657 قطعة كان مسبك هيبرارد منهارا إثر الكساد العظيم. ومن المعتقد أن بالازولو نسخ ما يقارب 1400 قطعة برونزية من منحوتات ديغا في محترف آخر خلال سنوات مابعد الحرب العالمية الثانية وكان هذا محترف فالسواني.
لم يسمح ديغا إلا لصغيرته الراقصة بالظهور للناس, وهذا عندما وضعها في المعرض السادس للانطباعيين سنة 1881. كانت حينئذ من الشمع الأصفر مرتدية قطعة من القماش وتنورة من الغاز وتضع شريطة في شعرها. وهي اليوم في صالات العرض الوطنية بعد أن أهداها لها باول ميلون الذي اشتراها سنة 1955 من تحف ديغا الشمعية الأصلية.
تعرضت الراقصة الصغيرة للكثير من النقاد المعاصرون "فقد اعترض الجميع على بشاعتها إلا أنهم لم يتمكنوا من إنكار واقعيتها المبهرة وطبيعتها الثورية" وهذا بالتحديد ما كتب في الموقع الالكتروني للصالة الوطنية مضيفا "تعد الراقصة الصغيرة نقطة إبداع فني في إطار تطور النحت وتكمن ثوريتها في أن كل ما له أن ينقل الأثر المرجو منها هو ما يجعلها عرضة للنقد المتواصل."
وكان مزاد سوذبي لندن Sotheby's Londonقد باع السنة الماضية تمثالا برونزيا للراقصة الصغيرة مسبوك سنة 1922 لهاوٍ آسيوي مقابل 19,2 مليون دولار. ويقال أن تماثيل الراقصة الصغيرة جميعها معروضة في متاحف مختلفة إلا عشرة منها تعود لملكيات خاصة.
ووفقا لهيدبرغ, فقد نظمت صالات هرشل وأدلر سنة 2005 لبيع (القالب الأصلي) المزعوم ليد (لويد غريف) مستثمر مصرفي في لوس أنجلس مقابل ما يقارب 400,000 دولار, إلا أن هيدبرغ يقدر ثمنها اليوم بحوالي 10 مليون رغم وجود اشتراط بعدم بيعها مجددا وبإمكانية التبرع بها لمتحف حصرا. وعندما سألناه عن صحة ما قيل عن هذه المنحوتات بدا غريف غير مستعد لمثل هذا الاستفسار في مكالمة هاتفية مختصرة فأجاب :"أي جدل تقصدون؟".
بدأ ما يدعوه والتر مايبوم في كتيبه لمعرض هيراكليدون (الفصل الجديد والمثير) في تاريخ منحوتات ديغا سنة 2001 عندما أخبره زميله (لورنس سافير) عن "عملية نسخ لنموذج برونزي جديد للراقصة الصغيرة في فرنسا". وسافير هذا هو تاجر خاص وناشر فني, ألف أعمالا حول (فيرناند ليغر, أندريه ماسون, وسلفادور دالي) وكان قد صرح لآرت نيوز ذات مرة:"عند التدقيق في الدلائل بدت لي قوية ومطلقة, والبراهين المطلقة هي أساس كل مشكلة" أما مايبوم فقد كان ميالا للشك لأن قالبي الجص المعروفين كانا في صالة العرض الوطنية (بيعا لميلون سنة 1968 وتبرع بهما سنة 1985) ثم في متحف جوسلين الفني في أوماها Joslyn Art Museum (والذي تبرع بهما لمعرض م. نودلر وشركاه نيويورك السنة نفسها New York gallery M. Knoedler & Company) "ولم تكن كلتا المؤسستان لتسمح بإعارة المنحوتات لهذا الغرض." وهذا ما كتبه مايبوم في كتيب آثينا. عنئذ فكر مايبوم "بوجود قالب ثالث لايعرفه الباحثون" لذا سافر مع زوجته وسافير في رحلة بحث عن القالب وبعد تحقيقات عدة استطاعوا الكشف عن نسخة مجهولة لها.
لاحظ مايبوم في النسخة المجهولة الاختلافات التي تميزها عن القالبين المشهورين إلا أن إيمانه بأن ديغا هو وحده قادر على خلق مثل هذا الإتقان رده عن شكوكه. فهو يكتب في كيتب أثينا "لايمكن أن تكون هذه نسخة أو زيف." لأنه ولو كانت هذه هي الحال, لكانت التفاصيل تطابق تفاصيل القوالب الأصلية المعروفة, أضف إلى ذلك أن بنية القطعة مثالية ولاتعوزها الدقة بأي شكل." وفي نهاية البحث كتب مايبوم "سافرت بين أوروبا والولايات المتحدة وشاهدت عدة قطع برونزية عن مسبك هيرارد للراقصة الصغيرة لكني لم أستطع إيجاد مثل هذا التمثال."
وأخيرا تعرف مايبوم وزوجته إلى بيناتوف مالك القالب الجديد وصاحب دار فالسواني Valsuani foundry ومنه اشترى مايبوم بعض التماثيل البرونزية للراقصة. وفي كانون الثاني من عام 2004 قام بيناتوف عن كرسيه فجأة ليقود مايبوم وكون إلى غرفة مقفلة في نهاية المسبك حيث كشف عن قوالب أخرى. وبحسب بيناتوف " يذكر سباك سابق عمل في المحترف أن بالازولو هو من أحضر القطع إليه سنة 1955." يكمل مايبوم," لقد كان مشهدا صاعقا..وازى بالنسبة لي فتح قبر الملك توت في مصر أو حتى الكشف عن محاربي الطين في الصين. ففي اللحظة التي نظرت فيها إلى هذه القوالب الفريدة, عرفت بوجوب إعادة النظر في كل ما كتب عن منحوتات ديغا."
كان غريغوري هيدبرغ قد سمع صدفة عن صديقه أليكس كورنو (المحامي وتاجر الفنون الشاب) في 2003 عن تمثال برونزي للراقصة الصغيرة معروض للبيع في منزل باريسي غني. وهكذا بدأ هيدبرغ, المؤرخ الفني والمتخرج من جامعة برنستون والمعهد الجامعي للفنون الجميلة في نيويورك والقيم على متحف لأكثر من 20 سنة بالتباهي بالكشف عن أعمال فنية غير ذات قيمة.
يقول هيدبرغ أن الرسالة الالكترونية التي تلقاها من كورنو غيرت حياته فقد أراد كورنو أن يعرف ما إذا كان مهتما بشراء تمثال برونزي للراقصة الصغيرة من باريس وجاء الرد كالتالي:"ماذا؟, تسعة, عشرة, إحدى عشر مليون؟" فقال "إنها مجرد بضع مئات الآلاف","مالذي تتكلم عنه ؟" عندها أرسل كورنو صورة عن التماثيل.
يخبرنا هيدبرغ أنه لم ير هذه القطع قبل استلام الرسالة وكان سعرها حينئذ 300,000 دولار,"لم تكن عشرة ملايين, أعني أنها لم تكن تساوي شيئا!"
وفي أيار 2004 اصطحب كورنو هيدبرغ إلى المنزل السري, قرب متحف رينوار لإلقاء نظرة على التمثال. فكر هيدبرغ أنها أفضل من النسخ التي رآها أبدا لذا أرجح كونها مصنوعة في فترة سابقة وربما خلال حياة ديغا."لقد كانت فائقة الجمال فحسب." كما لو كنت تستمع إلى الصرير طوال حياتك ثم استمعت إلى موزارت للمرة."
أمضى هيدبرغ فصل الصيف وهو يفكر في ما رأى وكان يدرس ما كتبته الجامعات حول التمثال. قرأ المراسلات بين ديغا و(لوزين هافماير) التي أرادت شراء تمثال الراقصة الصغيرة الشمعي في الثمانينات. كما قرأ المراسلات بين هافماير و(ماري كاسات) المصورة الانطباعية الأميركية والتي لعبت درو صلة الوصل بين هافماير وديغا. واستعرض المراسلات المطولة بين ديغا وصديقه (بول آلبرت بارثولومي) النحات.
وفي خريف 2004, ألح صديق لهيدبرغ يدعى (كريستوفر كيب فوربس) وهو وريث ثروة فوربس الفنية على هديرغ للم شمل عدة من هواة الفن الأثرياء عن طريق دعوة لباريس لحضور اجتماع مجموعة (أصدقاء اللوفر في أميركا) ولإلقاء نظرة على القطعة البرونزية. هنا قام هدبرغ بدعوة (روبرت إيمونز )الأستاذ المحاضر في علم النفس في جامعة كاليفورنيا,(ديفيس غريف) طالب سابق لإيمونز ومؤسس شركة غريف وشركاه وهي مؤسسة مصرفية فينة استثمارية في لوس أنجلس. كتب هيدبرغ لهما فيها عن شكوكه حول المنحوتة.
وبناء على هذا اتصل غريف بهيدبرغ بعد استلامه الرسالة مخبرا إياه أنه سيشتري التمثال دون رؤيته. وعندما شاهد إيمونز التمثال أعلن أنه يريده إلا أن هيدبرغ أخبره بنوايا غريف وقطع له وعدا بإيجاد منحوتة برونزية تحمل نفس السعر. وبعد عودته من نيويورك حدث أن تكلم مع تاجر آخر أعلمه أن السيد مايبوم يملك عدة تماثيل برونية للراقصة الصغيرة في شقته في الشارع 57. حينها كان مايبوم قد قرر بعد سنتين من الدراسة أنها صنعت من قالب ثالث. هنا كتب هيدبرغ لمايبوم يعلمه عن وجود شار لها مضيفا:"يجب علي إخبارك أنها صنعت خلال حياة ديغا."
وكما يصف هيدبرغ "كانت صدمة مايبوم كبيرة." فالخبر السيء تمثل بأن عليه إعادة النظر في كتابه أما الخبر الجيد هو أن قيمة التماثيل كانت أكبر مما ظنوا. وهكذا وافق مايبوم على بيع التمثال البرونزي لإيمونز عن طيرق هيدبرغ.
المهمة التالية كانت في إيجاد القالب. فيذكر هيدبرغ أنه في تشرين الثاني من عام 2005 طلب لمايبوم جمع معلومات إضافية عن القالب. وخلال شهر, التقى مايبوم وزوجته بيناتوف في مسبك فالسواني الذي قادهم إلى مخبئ قديم لقوالب مجهولة المصدر فما كان من مايبوم إلا أن اشتراها لمشروعه (منحوتات ديغا المحدود).
أعطى بيناتوف مايبوم أيضا شهادة رسمية مسجلة بتاريخ 23 كانون الثاني 2004 تقول: حسبما يذكر مدير المسبك السابق (م. ج. سوكولفسكي) فإن ألبينو بالازولو عمل على عدة قوالب لإدغار ديغا سنة 1950.
كما كتب في رسالة لآرت نيوز عن عقد أبرمه مسبك فالسواني سنة 2004 مع مشروع ديغا المحدود (أي مايبوم وكون) صب 29 تمثالا برونزيا من كل قطعة من أصل 73 ليس بينها الراقصة الصغيرة التي قام بسبكها مسبقا. كان التمويل على عاتق المشروع كما امتلك حق شراء المنحوتات وبيعها.
أضاف بيناتوف أن المسبك بارع برونزيات الراقصة الصغيرة "مباشرة لعدد من الزائن منهم السيد مايبوم. بيعت أعداد منها في أوروبا وبعضها في الولايات المتحدة وأماكن أخرى. وليس لي الحق في إعلامكم عن أسماء الشارين والأسعار التي بيعت بها القطع."
"لم يشكك أحد في مصدافية البرونزيات ولا أعرف لم قد يفعل. فقد وافق ورثة ديغا على هذه النسخ التي سكبت بإشراف القانون الفرنسي."
كان هيدبرغ قد سافر إلى فرنسا في شباط سنة 2005 للاطلاع على القالب في أحد المخازن. "اعتقدت أنه رائع." وبعدها قرر بيناتوف تحت إصرار مايبوم أن الوقت قد حان لإخراج هذا الشيء إلى عالم الفن. أحضر هيدبرغ القالب إلى صالات هرشل وأدلر مرفقا بتعليمات حول عدم صنع أي نشخ إضافية عنه أو بيعه لأي جهة أخرى. مترتبا على خارق هذه التعلميات عقوبات عدة ومع السماح بالتبرع به إلى متحف أو أي مؤسسة غير ربحية أخرى.
وبالفعل كان بعض ممثلي المؤسسات غير الربحية يحومون حول القالب آملين اقتناءه. منهم كان جوزف كارول عضو رابطة وسام الشرف الفرنسية ورئيس مجموعة أصدقاء معهد فرنسا الأميركيين الأخيرة إلى المتاحف الفرنسية مقابل دفع بعض الالتزامات الضريبية للمالكين.
وعلى حد قول هيدبرغ في رسالة الكترونية فإن كارول قام بدراسة القوالب ثلاث مرات وليس له أي مصالح تجارية في هذه القضية ويستكمل: "يريد السيد كارول أن يقوم بشيء لصالح فرنسا فحسب ولم يكن ليطلبها لصالح أي مؤسسة إلا إذا كان مقتنعا تماما بموثوقيتها."
وإلى آرت نيوز تحدث السيد كارول باعتقاده أن "هذه القوالب من أعظم الاكتشافات في تاريخ القرن العشرين"مع إقراره بكونه خبيرا بالفن البوذي الكوري لا بالفنون الانطباعية.
وأضاف "على الرغم من مضاهاتها لكل ما نعرفه اليوم عن راقصة ديغا الضغيرة, فإنه من الهام جدا العودة إلى دراسة هذه المكتشفة قبل الخلاص إلى أي نتيجة بحقها."
أما هيدبرغ فمقتنع تماما بأن ديغا هو من أذن بصنع القالب المذكور ويقول أن ديغا قام بأخذ تمثال الشمع بعد عرض 1881 إلى شقته في باريس. كما أنه يعتقد بأن بارثولومي صنع قالبا عن هذا التمثال بين تاريخي 1887و1903 وهو المتوفى سنة 1928.
وكدليل على هذا وثق هيدبرغ رسالة بغير تاريخ من ديغا إلى بارثولومي عن تمثال يقوم بصنعه جاء فيها:" في اللحظة التي وصلت فيها قررت الإسراع إلى مدام كارون*." وهذه ترجمة هيدبرغ للرسالة بناء على رسالة قبل عرض ديغا في متحف ميتروبوليتان للفنون سنة 1988 جاء فيها "عليك أن تجد لها مكانا بين فتات قوالبك الثمين."
وفي ترجمة أخرى لمارغريت كاي, ناقلة رسائل ديغا إلى الانكليزية فسرت عبارة chastes gravats ب precious relics أو الرفات الثمين لكن أحد خبراء ديغا اعتقد أن هذه العبارة مبهمة فليس هنالك أي أرشيف آخر يدعم القضية ويؤكد أن بارثولومي أعاد سكب مجموعة ديغا لنفسه خلال حياته.
مع ذلكو استشهد هيدبرغ في حواشي مقاله في كتيب أثينا بالسيد ريف الذي يعيد الرسالة لتاريخ الثلاثاء 30 آب 1892. ويختتم :"في العام 1892 كان بارثولومي يكرر صب القوالب من تماثيل ديغا الشمعية." وفي دليل إضافي استشهد هيدبرغ برسالة أخرى بعثها ديغا إلى بارثولومي في تاريخ 22 شباط 1901 حيث لقبه فيها ب"صديقي العزيز ولنقل سباكي العزيز (fondeur)" وفي ترجمة هيدبرغ فكلمة (fondeur) هو "الشخص الذي يصب البرونز في قوالب الجبس."
كما نشر هيدبرغ دراسة مفصلة لشرح الفروق الرئيسية بين القالب الأصلي الذي صبه بارثولومي سنة 1881 من التمثال الشمعي والتمثال الشمعي الأصلي الموجود في المتحف الوطنيز وعلى حد قول هيدبرغ, أعاد ديغا تشكيل التمثال الشمعي بعد أن زارت هافماير وكاسات شقته في باريس سنة 1903 وكانت هذه الزيارة بعدما صنع بارثولومي قالب الجبس كما يدعي.
أعجبت هافماير بالمنحوتة الشمعية وأرادت شرائها إلا أن ديغا لم يكن ليبيعها لها لأن الشمع كان قد اسود لذا قرر إصلاحه. وفي كتاب نشره متحف ميتروبوليتان سنة 1998 ذكر أن ديغا حدد سعر منحوتته 40,000فرنك وطلب نصيحة بارثولومي في ترميمه لأن التمثال سيسافر إلى أميركا. ولكن ديغا بدا دوما غير مقتنع بانتهاء عملية الترميم والسماح بإرساله إلى السيد هافماير. وبعد سنتين من موته في 1917 طلبت هافماير إلى كاسات إعادة فحص تمثال الشمع لتقرر فيما إذا كان يستحق الشراء إلا أن كاسات ردت في تلغراف هو اليوم بين أرشيف متحف الميتروبوليتان :التمثال في حالة سيئة" وهذا ما وضع حدا لاهتمام هافماير وبقي التمثال دون بيع حتى عام 1955 عندما اشتراه باول ميلون.
وإذا وضعنا جانبا كل هذه القصاصات من الأدلة المكتوبة, يؤمن هيدبرغ بأن الدليل الأقوى لهذه النظرية يكمن في القوالب نفسها والتي يصطف بعضها أمام الحائط مقابل مكتبه. يمتلك هيدبرغ تمثالين برونزيين للراقصة الصغيرة صنعت في (القالب الأصلي) المزعوم قدر قيمتها بحوالي 4 مليون دولار وينوي توريث واحدة منها إلى ابنه بينما سيتبرع بالثانية إلى متحف.
الشيء الوحيد الذي أغضب مؤرخي الفن خلال كل ما قام به هيدبرغ من أبحاث وخاصة من يشكون في مصداقية الاكتشاف أنه وثق أسماءهم في كتيباته حول القوالب الأصلية كي يدعم استنتاجاته. فهو يشير إلى تصوير الأشعة الذي قام به بيل ل20 قالب وإلى تغير رأيه حول تاريخ صنع قالب الراقصة الصغيرة بسبب وجود لفائف من الفولاذ يعتقد هيدبرغ أنها تعود للقرن التاسع عشر (نشير هنا إلى رفض بيل إدلاء أي تصريحات حول الدراسة). كما كتب هيدبرغ حول فحص الليزر الذي قامت به باربور وستورمان من الصالة الوطنية واكتشافهن للكروم على برونز منحوتة ديغا. وفي كتيب أثينا يشير هيدبرغ إلى عمل تينيترو وكيندال وبيل وريف وخاصة في قول كيندال: "البحث اليوم بين أيدي العوام أما بأيدينا فليس هناك أي حيلة" خلال مقابلة قصيرة بعد اجتماع نيويورك.
تجاهل هيدبرغ عدة رسوم توضيحية للتمثال الشمعي موجودة في الصالة الوطنية أظهر فيها ديغا الشكل الدقيق للجسم ووضعيته بينما اعتمد مستعيضا على رسم وحيد موجود في مكتبة مورغان Morgan Library, يبدو فيه موضع الرجلين مشابها لموضعهما في التمثال و"لكن هذا ليس بكاف."على حد قوله.
يتحدث هيدبرغ عن سنوات بحثه الأربع واختبارات الكربون التي قام بها على الأسلاك والألياف المثبتة بالقالب و300 من مقارنات حسابات المساحة والمقارنات بين صور التماثيل الشمعية الأصلية أخذت سنة 1918 بعد موت ديغا والقوالب المكتشفة. وتجاهل أيضا وفي قليل من الغيرة ادعاءات آن بيغيوت, القيمة العامة لمتحف أورساي Musée d'Orsay والمشاركة في تأليف a catalogue raisonné of Degas's bronzes في رسالة تزعم فيها أن القوالب فحصت حاسوبياً في الستينات. فيقول هيدبرغ أن بيغيوت تشعر الآن بالخجل لذا تركت القوالب تغادر فرنسا.
لدى هيدبرغ قائمة طويلة بأسماء الخبراء المتخصصين في فن ديغا والذين قاموا بدراسة القوالب بحذر كما الذين شكوا في كونها قوالب أصلية منهم ستيفن ناش مدير Palm String Art Museumوالمدير الأسبق لمركز ناشر للنحت في دالاس Nasher Sculpture Center.و جون بولارد مدير متحف أورليانز للفنون New Orleans Museum of Art وجون هارغروف رئيس قسم تاريخ الفن في جامعة ماريلاند University in Maryland وله كلمة في كتيب أثينا. وجون تانكوك, نائب الرئيس الأسبق لقسم الفن الحديث والانطباعي في دار سوذبي نيويورك Sotheby's New York ومايكل كونفورتي مدير مركز كلارك للفنون Clark Art Institute.
نذكر هنا أن جون بولارد مثلا صرح لأرت نيوز أنه ليس من خبراء ديغا إلا أن له أصدقاء يعملون في هذا المجال قائلا: يستحيل أن تكون هذه القوالب مزيفة. لابد أنها نسخت عن تماثيل أصلية." يوافقه ستيفن ناش بقوله:"بالنسبة لي تشير معظم الأدلة إلى أن هذه القوالب صنعت مبكرا خلال حياة ديغا, وهنا يقع على المشككين عبء إثبات حقيقتها إن لم تكن كذلك. أنا جون تانكوك فيصرح أنه رأى القوالب إلا أنه لا يحبذ إعطاء أي رأي بشأنها . وأما كونفورتي فقد بدا مدهوشا عند رؤية اسمه في حواشي المقال بهدف تأكيد أصلية المنحوتات وقال مستنكرا خبرته في هذا المجال: "آرائي في القضية ليست مهمة وهذه لست أملكها."
أصبح مايبوم اليوم, وهو من كان مقتنعا بالعكس, يعتمد استنتاجات هيدبرغ ويقول:"لست أنا من يدعي أنها قوالب أصلية, إنه غريغ, لكني أتمنى لو كانت كذلك. لقد عملت لتسع سنوات في هذا المشروع وحاولت استثمار ما استطعت." ودون أن يذكر كم من المال كلف المشروع أضاف: "هذه مغامرة كبيرة وأتوقع أن ألقى أرباحا بعد هذا الجهد."
يرحب مايبوم بعقد ندوة لتقديم الدلائل وإرساء وجهات النظر قائلا:" يصعب جدا تصديق موثوقية مثل هذا الاكتشاف وخاصة لعدم ارتباطه بمؤسسة رسمية لذا فهو مصدر قلق للكثيرين. كنت ساذجا حينما اعتقدت أن الناس سينبهرون قائلين (ياله من اكتشاف رائع). بعض الناس انبهروا لكن البعض الآخر لايزالون يشكون في النظرية الجديدة ويبقى البعض الأخير منتظرا. أعرف أشخاصا لايزالون يشككون في نظرية الانفجار العظيم."
وليام د.كوهان
مؤلف (بيت البطاقات) House of Cards
كاتب في NY Times ومنشورات أخرى
شارك في المقال كل من إيلين كينسيلا وميلتون إيسترو
Additional Reporting by Eileen Kinsella and Milton Esterow
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |