Alef Logo
المرصد الصحفي
              

رد على مقالة د.محمد حبش: اللبرالية والإسلام / حسن الصفدي

2010-05-25


من غير المفهوم جدوى محاولة لمِّ مقولات أو مفاهيم أو مباني على بعضها، من دون الالتفات إلى تباين منطقها الداخلي. وهناك أمثلة كثيرة صريحة عن مثل هذا في الماضي، ومازالت المحاولة قائمة، وستبقى. أنما من الواجب التنطح لها ومواجهتها، بغية لفت النظر إلى العبث الكامن وراء جمع ما لا يُجمع. من مثل هذا التوفيق بين الديمقراطية - مع لاحقة- الشعبية والأنظمة الشمولية! وكذلك محاولات استنباط الاشتراكية من الإسلام (وفي كلا الأمرين تعسف بتحميل مالا يمكن تحميله). والآن دارت الدائرة وها نحن نسمع الصياح بالويل والثبور وعظائم الأمور على الديمقراطية والاشتراكية كلتاهما معاً.
الآن استجدت محاولات استنباط وجود اللبرالية في الإسلام، كسابقاتها من الاكتشافات. إذ كتب د.محمد حبش مقالة عن الليبرالية والإسلام في كلنا شركاء 20/5/2010. وسأطيل، قاصداً، في الشواهد المأخوذة من المقالة، بغية تفنيدها، كيلا يتخّذ من الابتسار متكأً.
1- القول "لكن المسألة ليست بهذه الصورة من التناقض فلا الليبراليون يطالبون بحياة أبيقورية ولا الإيمانيون يطالبون بكهنوت مفارق، بل يتبادل كل منهما موقع الآخر ويتداعى كل فريق للزج بنفسه في حمأة خيار زميله وذلك توكيداً على ثقافة المشترك.". يدفع إلى السؤال لماذا جرى انتقاء الأبيقورية من بين كل الفلسفات؟ أترى الهدف من ذلك تحسين صورة اللبرالية! غير أن اللبرالية في كافة أوجهها لا تقارب فلسفة بعينها. بل يمكن القول إنها تأخذ على عاتقها الدفاع ضد تعرض أي فلسفة أو عقيدة أو ثقافة للإقصاء أو الحجر. وبذلك فلا مأرب لها بتبادل المواقع مع أحد، فهي قائمة بذاتها، مكتفية بنفسها، تحتضن ولا تؤاخي.
2- أما قول "فليس في الليبرالية مكان لحاكمية الله وليس في الإسلام حاكمية الهوى.". فيجانب الدقة والواقع، فليس في اللبرالية حاكمية أصلاً، وليس في أنظمة الحكم/ الإدارة، التي تعتمد اللبرالية منهجاً، أي متسع للهوى، إذ أنها مشغولة إلى قمة رأسها بالمصالح. وطبعاً الشذوذ الفردي لا يعتد به في النقض أو النقد.
3- وقول إن "من وجهة نظري فالليبرالية ليست مفهوماً معانداً للعقيدة الإسلامية، وعلى الأقل ليست كذلك في فهم النبي نفسه، فقد كان ذلك المجدد الرهيب على الرغم من اعتصامه بالوحي،......." مع أن هذا الكلام يبقى وجهة نظر (شخصية)، إلا أن التنطع للحديث عن فهم النبي - الذي لا ينطق عن الهوى - أمر بالغ الإشكالية، وقد يوصل أحياناً إلى عكس المقصود. أيضاً القول أن اللبرالية ليست مفهوماً معانداً للعقيدة الإسلامية، ليس مضبوطاً لوضعهما بالتقابل. فليست اللبرالية في أصلها بمعرض معاندة أي عقيدة، بل إنها تأخذ على عاتقها ردع من يحاول إقصاء تلك العقيدة أو منعها أو الحجر عليها، هي والمذاهب والفروع والطرق المنبثقة عنها جميعاً. أما قول: "ذلك المجدد الرهيب" فليس موفقاً. بل إنه العظيم الخالد.
4- ويتابع "تبدو ظاهرة النسخ لاهوتية مفارقة مستعلية، ويتم فقهياً اختزال دور الإنسان فيها إلى حد المتبع الخاضع، لكنها في الحقيقة ليست كذلك إنها في الواقع موقف ليبرالي خطير يقف فيه الإنسان في مواجهة نص الغيب، يطالب السماء أن تقدم نصوصاً أكثر تلبية لحاجات الناس، ....... فالمبادرة التي مارسها النبي نفسه أدت في كثير من الأحيان إلى تجاوز النص القرآني، وعلى سبيل المثال نذكر هنا سلسلة مواجهات بين المطلب الليبرالي والصورة النصية كانت تنتهي دائماً بتحقيق المطلب الواقعي للأمة........ وفي تقرير هذه الحقيقة فإنني أستعين بأربعة أمثلة من التطور الليبرالي في التشريع الإسلامي،".
هذا كلام يستغرقه إيهام التوفيق بين إشكاليات مازالت قائمة. كيف يمكن نفي أن النسخ ليس ظاهرة لاهوتية؟ (وهي ليست مفاِرقة بالتأكيد)، ومن الطبيعي أن يكون هناك، حتى الآن، آراء مختلفة، بل متعارضة، حول الناسخ والمنسوخ.
أما القول إن النسخ موقف لبرالي وخطير، فهذه شطحة مذهلة. إذ أن استبدال قانون بقانون ليس من شأن اللبرالية، بل من اختصاص الديمقراطية، فهي التي تحوي جانباً اجتماعياً، أما اللبرالية فليست من هذا بشيء. غير أن الأكثر إذهالاً وقوف الإنسان في مواجهة السماء يطالبها بتقديم نصوص أكثر تلبية لحاجاته! أما قول إن النبي نفسه تجاوز النص القرآني فهذا قول شديد الغرابة، أليس النبي هو الشارح والمفسر والمؤول والمكمل والمتمم، فما حاجته إلى التجاوز؟! هنا يبدو مأزق التوفيق في أوضح صوّرِهِ.
أما الذي يضفي طرافة على المقالة فهو الحديث عن "سلسلة مواجهات بين المطلب الليبرالي والصورة النصية، كانت تنتهي دائماً بتحقيق المطلب الواقعي للأمة..." فيا لها من مواجهات وسنرى الموقف من نتائج بعضها...
5- ويستطرد "لكن الشريعة مع ذلك لم تفرض نمطاً واحداً في شكل الحكم وإنما ترك ذلك للأمة تختار لنفسها ما تفرضه مصالحها الكبرى، ....... واختير معاوية عن طريق مصالحة وطنية وتوافق سياسي فيما جاء اختيار يزيد عن طريق الوراثة المحضة: الحكم العضوض.".
القول لم تفرض نمطاً واحداً لشكل الحكم، ليس دقيقاً، إذ أن الشريعة لم تتطرق إلى ذكر أي أمر يتعلق بهذا. وأما الشورى وطاعة أولي الأمر فلا علاقة لهما بشكل الحكم. ومادام معاوية قد حكم عن طريق مصالحة وطنية وتوافق سياسي، فما تفسير إلحاق اعتبار الوراثة ملكاً عضوضاً، في حين أنها النتيجة الطبيعية لكبرى مصالح الأمّة بعد أن قُتِل غيلة ثلاثة من أربعة اختيروا بأساليب، يوهمنا بعض كتبة التاريخ بأنها مضطربة/ مرتبكة، في حين، كانت قمة في التجريب، ولا علاقة لها باللبرالية على الإطلاق. حتى أفضى الأمر إلى اعتماد النمط السائد المستقر في حضارة المنطقة، مادامت الشريعة لم تضع ضوابط لذلك، ما خلا مشاورة أهل الحل والعقد (المقتبسة من الملأ المكي. وطاعة أولي الأمر المنحدرة من النظام القبَلي.).
وإذا كان لي أن أقول رأياً شخصياً فأنا أعتبر المرء عندما يقول "حكماً عضوضاً" فكأنما يشتم نفسه، كوارثٍ، وأسلافه، الذين دانوا لهذا الحكم قرونا طوالاً، رفعوا خلالها من شأن قومهم وحكمهم وعلمهم وعمرانهم إلى الدرجات الأرفع.
6- ويتابع "الرقيق: ظلت النصوص القرآنية تذكر الرقيق بواجب الخضوع والطاعة والسمع والإنابة،......... ولا شك في أن روح الآيات طافح بوجوب خضوع الإماء والعبيد للسادة والاستجابة لما يقررونه، لكن الأمة تمكنت بعد عهد من الزمن من اعتبار ذلك أمراً تكرهه روح الشريعة التواقة إلى الحرية، وتم إلغاء الرقيق. ويكاد يجمع الخطاب الإسلامي المعاصر اليوم على أن من محاسن الإسلام أنه ألغى الرق........ مع أن النصوص لا تساعد على ذلك أبداً، ولكنه تطور الأمة في سياقها الحر للبحث عن المعرفة والحقيقة والعدالة.....".
في تفنيد هذا المقطع يمكن تذكّر قول مشايخنا {وهنا وقف حمار الشيخ في العقبة}. فكل هذا الكلام عن وجوب خضوع العبد/ العبيد، يأتي بعده زمن تكرهه فيه روح الشريعة (الصالحة لكل زمان ومكان) فيتم إلغاء الرقيق "مع أن النصوص لا تساعد على ذلك أبداً،" فوفّق إن كنت موفقْ بين عدم مساعدة النصوص مع تطور الأمة والسياق الحر والتوق إلى الحرية!!!!
ثم كما يقال – رحنا بعيد وجينا قريب- من الذي ألغى الرق؟ هل هناك مرجع/ فقيه/ عالم/ واحد قال باستحسان إيقاف الاسترقاق (لا إلغائه)؟؟؟ فليفدنا من عنده علم بذلك. بل ليراجع آخر طبعة من طبعات التفسير أو الفقه لكافة المذاهب الإسلامية قاطبة. أم أن الرق ألغي بمراسيم وقوانين وضعية فرضتها ظروف دولية، بدليل عدم شمول ذلك بلاد الأمة إلا عبر قرن أو قرنين من إلغائه.
7- ويقول "ووجد الفقهاء من يبرر لهم الحكم العضوض وولاية العهد ونظام الدواوين والخراج والأجناد والبيعة والوصاية، ومضى بعض المرتزقة من الفقهاء لتبرير السلوك الشخصي للخلفاء مما يعارض القيم الإسلامية الأصيلة، وفاحت في قصور الخلفاء رائحة الخمر والفاحشة والمجون........". - واضح ان الكاتب يقصد: ووجد الخلفاء/ السلاطين-. ليس جلد الذات مقتصراً على السلاسل الحديدية، فهناك جلد فكري أمرّ وأدهى لذواتنا ولأسلافنا ولتاريخنا، يدفعنا إليه، ويجعلنا نعتاد عليه كأنه تحصيل حاصل، أناس اعتقدوا أن في الطهرانية، والكلام انطلاقاً منها، ما يعوض عن قساوة سرد أحداث التاريخ - قياساً إلى أخلاقيات الزمن الراهن-. في تلك الأيام لم يكن الحكام المسلمون أسوأ من جوارهم، وما من داع للتفاخر بتعداد ما أنجزه العظماء من بني أمية أصحاب الدولة التي مازلنا نفاخر بها وبما أنجزته من إبداعات. ومع ذلك ترانا نلتفت تلقائياً إلى ندب النادبين من الطهرانيين البسطاء، فنشتم حتى أصبح الشتم شيمتنا. فنشبع الأعداء شتماً وهم يودوا بالمغانم.
ماذا يفترض أن يكون دور الفقهاء في ذلك الزمان وحتى في زماننا هذا، هل يمكن تصور أن يأخذ فقيه عالم بتلابيب والٍ، لا أكثر، ليقسره على اتباع ما يراه حكم الشرع، وهناك في صلب الشريعة آراء؟؟!!
8- ويختم "لست هنا لأبرر ما صنعه الخلفاء، وليس لدي أدنى شك بأن ما مارسوه كان مشيناً ومخزياً،". لا ليس مشيناً ولا مخزياً، فقد خلفوا لنا مآثر، وعاشوا حياتهم على طريقة عصرهم.
أليس غريباً شدّة الاهتمام بالسلوك الفردي/ الشخصي، وغض الطرف عن نواتج العمل المجتمعي. فهل يتحدث المتنطعون عن أعمال الوليد وهشام ابني عبد الملك بن مروان؟ أم تراهم يعيدون ويكررون الحديث عن تقى عمر بن العزيز فقط! ألم يتح واحد من المروانيين فرصة ليتبوأ عمر الخلافة، ما كانت لتتاح لو لم يقررها. وينسون أو يتناسون أن ذلك كان من خلال ذلك "الملك العضوض" الذي لولاه لما كان عمر خليفة أموياً.
المأزق أن أن حاملي العقائد والإيديولوجيات لا يعنيهم ما تعنيه المراجعة والتحليل التاريخي، بقدر ما يعنيهم التوفيق بين ما تفرضه الظروف الموضوعية بحكم التطور الطبيعي، وبين عقيدتهم أو إيديولوجيتهم. المهم الإشادة ولتتطور الدنيا كما تشاء، فنحن الموفقون بين مالا يوفق.
يمكن الاطلاع على مقالة حبش موضوع الرد في موقعنا على الرابط التالي:
http://all4syria.info/content/view/26525/104

(كلنا شركاء) 24/5/2010

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow