"مسرحية أصوات" للكاتب فليكسنر،
خاص ألف
2010-06-02
لا يسعني إلا استهلال نبذة صغيرة عن الملحمة الشعبية الفرنسية جان دارك قبل تقديم ترجمة "مسرحية أصوات" للكاتب فليكسنر، و هو أحد الكتاب الذي استلهم من شخصية جان موضوعاً رئيسياً لمسرحيته ورؤية هادفة لتحرير فرنسا و نساء فرنسا، فهذه الفتاة ذات التسعة عشر ربيعاً لا تزال إلى يومنا هذا رمزاً في النضال والتمرد والكفاح، ومثلاً في الجرأة والبطولة و الشجاعة و التضحية في سبيل الوطن.
ولدت جان دارك (1412- 1431) في قرية دومريمي الفرنسية من الأبوين جاك و إيزابيلا جان دارك ، وتلقت مهاراتها وتعاليمها الدينية من والدتها، وفي طفولتها كانت فرنسا تعيش حرباً ليس مع الانكليز فقط و إنما مع مجموعة فرنسية انفصالية من بريغاندي.
يُقال أن جان دارك عند بلوغها سن الثالثة عشر تلقت أوامر الرب من خلال أصوات القديس مايكل و القديستان مارغريت وكاثرين. و بعد خمس سنوات استطاعت الفتاة الجميلة المظهر ذات السحنة السمراء و الشعر الأسود بحنكتها و حكمتها اقناع ابن الملك الفرنسي الأصل تشارلز لقيادة الجيش في شباط عام 1429، و قد حققت نصراً في كسر حصار أورليانز واستعادة المدينة في أسبوع واحد. و بعد تتويج تشارلز السابع كملك فرنسا في شهر تموز من العام نفسه فقد ثقته و اهتمامه بجان، لكنها تابعت القتال إلى أن خسرت في معركة ضد البريغانديين، تم أسرها من قبلهم و بيعها إلى الإنكليز، و أصدرت الكنيسة التي اتهمتها بالهرطقة والالحاد حكماً في حقها بالإعدام حرقاً، تم تنفيذ الحكم في 30 أيار عام 1431 حيث ربطت جان دارك إلى وتد وحرقت.
في القرن السادس عشر جعلت فرنسا من جان دارك بطلة قومية، و خلال عقود متلاحقة ألهمت قصتها العديد من الشعراء و الكتاب و المسرحيين و الفنانيين، و أطلق عليها ألقاباً عدة مثل روح فرنسا، العذراء، المحاربة القديسة، و غدت شعاراً لنابليون في حربه ضد الإنكليز ورمزاً فرنسياً للدفاع عن الوطن، و في الحرب العالمية الثانية استخدم تشارل ديغول رمز جان "صليب لورين" كشعار لفرنسا الحرة، وفي عام 1920 مُجدت جان كقديسة من قبل البابا بنديكتوس الخامس عشر.
أصوات
للكاتب: هورتنس فليكسنر
ترجمة: ماريان إسماعيل
الشخصيات:
§ إيفون
§ الأخرى
(الشارع الرئيسي لدومريمي، عند أطلال كنيسة جان دارك، بيوت غير مسقوفة و أبنية محطمة تقف بإهمال في الآثار المتداعية، المكان مهجور وهادىء، تدخل فتاة قروية من اليمين تدعى إيفون، شابة و مرتبة. ترتدي تنورة خشنة من الصوف، وتضع شالاً رمادي ينسدل على كتفيها، تمشي نحو الطريق المحفور، تقف عند باب الكنيسة و تركع. في هذه الأثناء تخرج من الكنيسة فتاة قروية أخرى، نحيلة و ثابتة، تمشي بهدوء. الوقت متأخر في إحدى مساءات أيار، رياح الجنوب تنشط، تقف إيفون)
إيفون: سمعت صوتاً ينادي عبر الريح!
الأخرى: صوتاً؟ أفكاري كانت صلوات. أي رؤية راودتني، لم تُنطق أي كلمة
إيفون: الأموات! أرواحهم غريبة عن الريح، لا تجد طريقها إلى الفردوس، ربما تكلموا
الأخرى: أو صوت مدفع بعيد جداً
إيفون: (تغطي أذنيها) أوه .. لا
الأخرى: واحسرتاه! .. وهل نشأت في دومريمي؟
إيفون: قبل أن يأتوا، أما الأن ، القذائف الكبيرة لم تترك بيتاً واحداً على حاله، حتى الكنيسة، كنيسة جان حيث سمَعت الملائكة تتكلم، متداعٍ حتى الأرض
الأخرى: أقامت جان مرةً في سجن بعيد عن البيت، كان يومَ ، أه حسناً ، يمكنها أن تنسى أمر الكنيسة
إيفون: (متحمسة) ولكن لا ، سوف نعيد بناؤه حجراً فوق حجر، لن يستريح أي قروي إلى أن يكتمل
الأخرى: هناك ما هو أفضل لجان من بناء كنيسة
إيفون: ونجعلها تعتقد بأننا نسيناها مرة أخرى، أو أننا خائفون؟
الأخرى: كان ذلك منذ وقت طويل، أما الأن
إيفون: و لكن جان من دومريمي! نفكر فيها كما لو أنها لم تمت، وفي بداية الربيع نقيم مهرجاناً، في كل ربيع خصيصاً لجان، لنريها أين عاشت كفتاة و أين سمعت الأصوات، فتاة راعية، بثياب مثلك، كثيابك أنت، كنت العذراء في آخر أيار!
الأخرى: أنت كجان؟ وامتطيت فرساً أيضاً؟ ووضعت درعاً كالرجال؟ وهل سخروا منك، حتى اليوم الذي توجت فيه الملك في ريميس ، أًرُميت في سجن، أَحُرقت؟ هل فعلت كل ذلك في المسرحية؟
إيفون: رأيتِ كل ذلك! ربما سكنت في الجوار؟
الأخرى: في الجوار
إيفون: هل جئت لتشاهدي ما تبقى من قصف الجنود ؟
الأخرى: لم .. لا .. لا
إيفون: (بتحدٍ) ولا أنا
الأخرى: ماذا إذاً؟ تذكار مخبأ في الكنيسة؟
إيفون: يجب ألا ألتمس هذا في دومريمي، الشيء الذي ارتديته لسنوات عديدة حول عنقي لأجل الحظ، قدمته للشاب الذي لعب دور حبيب جان في مسرحية القدر، (بفتور) التذكار و الشاب دفنا في خندق وراء أراس .. كيف لي أن أعلم؟
الأخرى: وقد أتيت؟
إيفون: أتيت لأصلي لجان دارك
الأخرى: ومشيت مجهدة طوال الطريق في الدماء و الأوحال
إيفون: أصلي لأن تأتي مرة أخرى، يقولون بأنها تسمع، عندما يكون أيار في أوله، تطوف روحها قريبة ً .. قريبةً من دومريمي، حين تنمو الأوراق، و الأشياء الرقيقة تولد من جديد
الأخرى: أتريديها أن تأتي؟ ألا توجد نزاعات كافية؟ فرنسا لديها أصدقاء جيدون، و جميع الملوك متوّجون
إيفون: جان دارك ستضع حداً للحرب، و ستوقف البنادق، عندما كانت فتاة وحيدة تتعرض للسخرية، حملت سيفاً لمع عبر الأرض، و نالت من خصومها على البحر. ألا تفعل ذلك اليوم؟ هل يستطيع أحدهم أن يحب وجوده الآمن في الفردوس أكثر من فرنسا؟
الأخرى: يا لجان المسكينة
إيفون: (تتذكر) كانت معجزة
الأخرى: لا أدري
إيفون: كانت شابة جداً و نحيلة جداً، لكن روحها احترقت كمشعل، هناك روحاً في جان تبعث الموتى، إذا كانت ستأتي لا يمكننا الانتظار و الانتظار، نربح هنا .. و نخسر هناك، نختبىء في الخنادق، ننتظر و نطيل الحرب لسنوات مديدة، أوه .. كانت لتنير لنا الطريق، لن تُوجد فتاة في هذا الوقت سوى قديسة لتسحب سيفها-
الأخرى: (بحدة) لا .. لا
إيفون: (ساخرة) جان دارك بلا سيف!
الأخرى: بلا سيف!
إيفون: كان مصدر قوتها، رأت ذلك في حلم..
الأخرى: امتلكت جان روحاً قبل أن تمتلك سيفاً
إيفون: (باحتقار) روحاً مقابل البنادق
الأخرى: إنه الشيء الوحيد الذي لا يمكن هزيمته
إيفون: ومن سيتعرف على جان دارك بلا سيفها؟
الأخرى: صمتاً، لتبكي جان في نعيمها لو سمعت ذلك
إيفون: (مرتعبة) إني أحبها
الأخرى: تكره سيفها
إيفون: أتجرؤين؟ حملته يوم تتويج الملك
الأخرى: يوم سقطت، جان المسكينة، لم تعلم أن علىفتاة قروية ألا تتوج الملك و ألا تحارب أعدائه، لو أنها علمت، لو أنها علمت فقط
إيفون: (تزداد حيرتها) لكن جان علمت ، روحاً ما أنارت دربها
الأخرى: (متابعة حديثها) كان عليها أن تصرع الملك حين ركع بضربة من سيفها، ذنبها أنها لم تقتله، كان عدو فرنسا، جميع الملوك أعداء شعبهم، كيف إذاً يرسلون رجالاتهم إلى الموت لأشياء تافهة؟ إن ما يخيف الملك يعادل موت شاب فلاح واحد ، شابٌ يحب السماء؟ لم تكن جان قديسة بل راعية لم تدرك كيف ستنطوي عليه الأمور
إيفون: الأصوات تكلمت!
الأخرى: أجل، الأصوات، كان من الأفضل لو سمعت قلبها الرقيق -
إيفون: جان فتاة محاربة، و قلبها الرقيق كان مجرد لفتاة -
الأخرى: كانت كما هي، بجوارحها، الشعلة، وسوف تقود عندما تأتي من جديد
إيفون: قلب رقيق لقائد جيش؟
الأخرى: (بسعادة) أجل.. أجل.. قلب رقيق
إيفون: (بسخرية و جنون) أي جيش هذا؟
الأخرى: جيش من القلوب الرقيقة، و التي سيخافها الملك أكثر من الهزيمة و الموت
إيفون: (تستعد للذهاب) إنه حلم، كحلمي، مجرد حلم
الأخرى: و الأصوات لم تكن أكثر من ذلك
إيفون: لو كان ذلك صحيحاً، لأتت جان و سمعت صلواتي
الأخرى: (مستمرة في حالتها) جيش الملك سيهاب جيشاً صامتاً مبعثراً.. محروماً.. ينوح عند المواقد المتكسرة في كل الأراضي، يكرهون شيئاً واحداً، كره يجعلهم أنسباء، أقوى من رابطة الدم و اللحم، هو كره الموت. و الذي هو ولع حياتهم ، جان هذه ستقود هؤلاء الجدد، وسيقدمون عبر الحزن و الدموع ومدركين تماماً إلى أين تقود النهاية، رابية الأرض الرطبة التي بقيت، والتي عبرها الملوك، جان هذه ستجد-
إيفون: (متأثرة) نساء .. نساء فرنسا
الأخرى: كل نساء الأرض سيصبحن قوة جان، وهي ستذهب إليهم، بثياب قروية، عذراء! وعندما تجد امرأة كادحة ستقف و تقول "ألا تريدين استعادة موتاك" و بأجوبتهم سيتبعون جان، حتى يكبر جيشها و يجري كالطوفان، يصب في الأرض ولا يحجز بسد، مالذي سيبنيه الملوك لدحض هذا الجريان، الرعب و الغضب، العجالة و اليأس، كل النساء الساخطات من كل الأعمار، سينقلبن عليهم أخيراً، ماذا يفعلن إن لم يعد الرجال غاضبون، ومتجهمون من العذاب والدماء والموت، يزحفن من الخنادق و يحطمن الأسلحة القوية، و النساء اللواتي يرغبن بالعودة إلى منازلهن، أوه .. في تلك اللحظة سيرى الملك الضعيف جبلاً يعلو نحو السماء، ظل غضبنا، و يلقى الهزيمة، كل الملوك على حد سواء، ولكن الشعب سيتحرر،
إيفون: (منتشية) جان و النساء .. متى؟
الأخرى: كانت فتاة قروية..
إيفون: (تنظر إلى حذائها الخشبي) فتاة قروية! (عندما ترفع رأسها تجد نفسها وحيدة، ترتعب) أصوات!.. كانت القديسة نفسها، إني خائفة
(تركع على درجة الكنيسة، ومن خلال صدع تنمو زهرة زنبق بشكل غريب)
ســــــــــــــتــــــار
××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
16-كانون الثاني-2021 | |
22-آب-2020 | |
14-آذار-2020 | |
16-تشرين الثاني-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |