الفساد .. آفة سورية المستشرية / التلفزيون العربي السوري نموذجا ـ التحرير
2007-09-23
حين يعم الفساد في أي دولة ، أو مدينة ، أو بيت ، لا يستطيع أحد أن يوقفه .. فهو ينمو ويترعرع ويكبر حتى لا يعود بالامكان وقفه أو الحد منه، وإذا كنا وخلال السنتين الماضيتين من عمر الموقع قد كتبنا الكثير عن الفساد، وتابعنا مؤسسات بعينها .. ومنها التلفزيون السوري، فهذا لايعني أن نتوقف لعدم استجابة أحد من المسؤولين عما تكتبه الصحافة كل يوم محلية وعربية .. لقد فاحت رائحة الفساد في التلفزيون العربي السوري حتى وصلت إلى حد يمنعنا من التنفس .. وصارت وقحة بحيث اقتنع الفاسدون داخل التلفزيون أن لاأحد قادر على الوقوف في وجههم .. وليس ما ساسوقه هنا إلا واحدة من القصص التي تؤكد مانذهب إليه.
في مقابلة مع مدير دائرة االانتاج في التلفزيون العربي السوري أجرتها معه مجلة الدراما السورية يقول حسب ما جاء في المقابلة
"إذا كان مديرو الإنتاج في مديرية الإنتاج التلفزيوني في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون يحملون الشهادة الابتدائية فلا تستغرب ضياع الملايين على مسلسلات ليست ذات قيمة لا بل مسيئة وغير صالحة للعرض ليس هذا فقط بل كان التلفزيون وأموال الدولة عرضة "للهبش" ومجالاً للاسترزاق ولا أحد يحاسب أحداً هذا ما أكده السيد عماد ياسين المدير الجديد لمديرية الإنتاج في الهيئة الذي أكد أيضاً أنه "فنان بالفطرة وعملت في المسرح وأنا عمري 15 سنة وقد كتبت عدة مسلسلات تلفزيونية.. قبل أن أنتقل للهيئة" وهو يرد بذلك على الذين شككوا بقدراته باعتباره كان ضابطاً سابقاً بالجيش السوري، "
هذا كلام ثقة .. فهو صادر عن مدير له وزنه في التلفزيون .. من هذا الكلام الثقة نقول كيف يمكن لرجل يحمل الشهادة الابتدائية كمخلص القادري الذي هبش مع الهابشين الذين تحدث عنهم عماد ياسين أن يكتب أو يشارك في كتابة مسلسل .. من يمكن أن يقتنع بذلك .. بل أن معظم الذين قرأوا اسمه على المسلسل تبادلوا الابتسامات وعلقوا .. يبدو أن مخلص لم يكتفي بالهبش " هذا إذا كان عماد ياسين يقصده مع من قصدهم ، بل أصبح يريد أكثر من ذلك .. هو الآن يريد أن يشارك الكتاب ، كتاب الدراما المساكين رزقهم .. ويقاسمهم المكافأة التي يحصلون عليها بعد جهد كبير يستمر أشهرا طويلة..
إذن الفساد مستمر، والصحافة تكتب وما من مجيب .. ومع ذلك جمعنا هذا الملف من مجموعة مقالات كتبت في الصحافة المحلية والعربية .. لنحدد موقفا معلنا .. نحن ضد الفساد .. ضد الفساد .. ضد الفساد ..
ألفالتلفزيون السوري... على صفيح يحترق
خليل صويلح
مديرية الإنتاج في التلفزيون السوري هي البؤرة التي صنعت مجد الدراما في بلد دريد لحّام، وأطلقتها في الفضاء العربي. لكنّها اليوم تعيش وسط دوّامة من الفوضى والضياع، بين الهدر المالي وغياب المهنية... من يوقف النزف؟ من يحمي المسلسلات السوريّة من براثن المنتج الخليجي؟
يشبّه بعضهم واقع الإنتاج الدرامي في القطاع العام السوري، بما أصاب شركة «الكرنك» للنقل: كلاهما أُحيل على التقاعد المبكر، لتحلّ مكانه «بولمانات» سياحية، خاصة ومكيّفة، لنقل الركاب... والمشاهدين. وحال مديرية الإنتاج في التلفزيون الرسمي، تحتاج إلى عملية «قلب مفتوح». وذلك في ظلّ فوضى معلنة، وموت كامل للضمير المهني، وأموال تُصرف بالملايين على نصوص «نص كم» تحت شعار: «بدنا نعيش»، حسب ما وصفته صحيفة «تشرين» الرسمية، في تحقيق ساخن تناول آليات الإنتاج والعراقيل الشخصية التي تواجه صنّاع الدراما. ما جعل كتّاب النصوص يهربون إلى شركات الإنتاج الخاصة. أما إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون فقد تراجع شكلاً ومعنى. ووصلت المساومات بين أصحاب النصوص، وبعض موظفي مديرية الإنتاج إلى ما يشبه «نقطة جمارك إجبارية»! الميزانية الضخمة التي تُصرف سنوياً على الإنتاج الدرامي (4 ملايين دولار)، لم تفرز منذ سنوات أعمالاً تضاهي في مستواها، ما ينتجه القطاع الخاص. كما أن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لم تتمكن من تسويق ما تنتجه إلى المحطات العربية، وتكتفي بعرض بعض إنتاجاتها على الشاشة السورية فقط. وغالباً ما تحصل على جوائز ترضية في مهرجان الإذاعة والتلفزيون في القاهرة، فيما يُخزّن بعض الأعمال في المستودعات بسبب عدم صلاحيتها للعرض، بعد أن تشاهدها لجان غير تلك التي أجازتها للتصوير. وهناك أعمال تم صرف مستحقاتها منذ سنوات، ثم طويت في الأدراج لأسباب مجهولة.
جاء في التقرير الذي أصدرته اللجنة الخاصة بتقويم الأعمال الدرامية، بين عامي (2000-2004) التي ترأسها المخرج محمد ملص، أنّ المشكلة الأساسية بالنسبة إلى 54 عملاً أنتجها التلفزيون، تكمن في ضعف النصوص. وذلك سواء لجهة الأفكار أو لجهة المعالجة الدرامية والرؤية الفنية و«كأن كل الأحداث ليس لها مسرح إلا موائد الطعام والأسرّة أو المنتجعات، في دراما كلامية، تنتهي غالباً نهايات سعيدة في قضايا ومشاغل مستهلكة ومكرورة، أبعد ما تكون عن مشكلات المجتمع السوري». وتساءلت اللجنة: «هل السبب يكمن في الرقابة أم في موهبة الكاتب، وتالياً كيف تم إقرار مثل هذه الدراما الهزيلة؟ وكيف تمكّن مخرجوها من التعامل مع هذه النصوص؟». ودعت اللجنة المذكورة بإلحاح إلى «إيجاد آلية أكثر تفتّحاً ونزاهة في قرار اعتماد النصوص». ولاحظت اللجنة غياب الأعمال النوعية ذات الطابع الإنتاجي الضخم، على رغم أن الهيئة تمتلك الكوادر والمعدات الفنية المتطورة. فيما ارتفعت الكلفة الإنتاجية لهذه الأعمال بما يفوق ضعف كلفتها في القطاع الخاص. وأفرد التقرير جدولاً خاصاً في تصنيف الأعمال إلى حقول «جيد ووسط وضعيف» وقد تفوقت الأعمال الضعيفة على ما عداها.
وحسب تقارير لجان الرقابة في مديرية الإنتاج التلفزيوني في تفسير سبب تملّك النصوص الهزيلة: «حسم الخلاف مع الكاتب» أو «إعانة الكاتب»، وكأن المديرية جمعية خيرية لأصحاب المواهب الضعيفة...
منذ أشهر، فجّر السيناريست قمر الزمان علوش فضيحة أخرى. كانت مديرية الإنتاج التلفزيوني قد كلفته كتابة مسلسل عن الثورة العربية الكبرى ودور «لورنس العرب» في المؤامرة على العرب. وبعدما أنجز النص، وافقت لجنة الرقابة على إنتاجه بعد إجراء بعض التعديلات الثانوية، وفجأة، توقف إنتاج العمل ودخل نفق متاهات أخرى. يقول علوش مفسّراً: «يتعلّق السبب الأساسي برفضه دفع جزء من أجره إلى مدير شؤون الإنتاج (أُحيل على التقاعد).
هذا ليس كل شيء، فالمدير العام لمؤسسة إعلامية سابق، كتب مسلسلاً رديئاً، وبعد تصويره، رفضت لجنة المشاهدة عرضه بسبب عدم صلاحيته. علماً بأن كلفته الإنتاجية وصلت إلى 20 مليون ليرة سورية (400 ألف دولار). أضف إلى ذلك، أنّ مدير شؤون الإنتاج الحالي هو ضابط متقاعد، يهوى الكتابة الدرامية والتمثيل، ولأن أحد المخرجين رفض منحه دوراً في مسلسل «قمر أيلول» (كان قيد التصوير)، أوقف العمل بذرائع عدة. تفاعلت قضية «قمر أيلول» في أروقة التلفزيون ووصلت إلى الصحافة. إذ اتهم مخرج العمل علي شاهين، مدير شؤون الإنتاج بأنه يقوم بتصفية حسابات شخصية. أما محمود عبد الكريم، مؤلف العمل، فقد اضطر إلى سحب نصه، كي لا يدخل في مهاترات ومساومات لا تليق به، واكتفى بالقول: «يعتقد مدير شؤون الإنتاج أن المديرية ملك شخصي له، وهذا جزء من آلية الفساد في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون». أما عماد ياسين، مدير شؤون الإنتاج، فأوضح أن «القوانين التي تتحكّم في عمل مؤسسة الأعلاف هي نفسها التي تتحكّم في عمل مديرية الإنتاج التلفزيوني». ولعلّ في هذه البلاغة تكمن الإجابة. أليس ضرورياً أن نتذكّر اليوم بعض الأعمال التي أنتجها التلفزيون السوري ولا تزال في الذاكرة مثل «الجرح القديم» و«أسعد الورّاق» و«حكايا الليل» وكلّها من زمن الأبيض والأسود؟
جريدة الأخبار
تقرير اللجنة الخاصة بتقييم الإنتاج الدرامي السوري
مصطفى علوش
الانتاج الدرامي للتلفزيون العربي السوري، حكاية معظم الأحاديث الصحفية، وميزانية تقدر بـ «200» مليون ليرة سورية سنوياً.
ومديرو انتاج مرّوا على هذه المديرية تحدثوا كثيراً عن التطوير والتحديث الدرامي وعن أشياء وأشياء. وماذا كانت النتيجة، أعمال القطاع الخاص تحلّق في الريح، وتجلب لسورية السمعة الدرامية الرائعة. وأعمال التلفزيون السوري متواضعة وميزانيات بالملايين صرفت على أعمال، الجيد منها قليل والوسط هو السائد والضعيف نسبته الربع تقريباً. وحتى لايعتقد أحد أننا نظلم أحداً، سنلقي الضوء على تقرير اللجنة الخاصة بتقييم الإنتاج الدرامي بين أ عوام (2000و2004) التي شكلّها المدير العام السابق للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون معن حيدر. وحمل قراره رقم ـ3ـ تاريخ ـ3ـ كانون الثاني من العام «2005» وقد تكونت اللجنة من محمد ملص رئيساً، وعضوية ريم حنا، وجورج لطفي الخوري، وقمر الزمان علوش، وسهيل الصالح، وقد جاء في التقرير:«بعد مشاهدة مالا يقل عن ثلاث ساعات تلفزيونية لأربعة وخمسين عملاً درامياً، أنتجتها الهيئة ما بين عام2000 وحتى نهاية عام 2004، أي مشاهدة مايعادل مئة وخمس وأربعين حلقة، فقد قررت اللجنة أن تطرح في البداية التصورات والملاحظات التالية:«لقد بدا لنا أن المشكلة الأساسية، تكمن في النصوص، فمعظم الأعمال التي شاهدناها تعاني من ضعف سواء على مستوى الأفكار التي تتناولها أو الموضوعات التي تعالجها، وأن هذا الضعف يصل أحياناً الى درجة يمكن أن تشكل لدى المتلقي التباسات متعددة في هوية المجتمع الذي تتناوله وطبيعة المشكلات التي يعاني منها هذا المجتمع، كما تعاني هذه السيناريوهات من الضعف في البناء وفي المعالجة الدرامية، وكأن كل الأحداث ليس لها مسرح إلا موائد الطعام أو الأسرّة أو المنتجعات، والدراما في هذه النصوص، إذا وجدت، هي دراما كلامية، ودائماً الرجال ضحايا للنساء، والنساء ضحايا للرجال ولا أحد ضحيّة أي شيء آخر، أما الحلول الدرامية فهي أخلاقية، والنهايات السعيدة محسومة لصالح الخير، وقد تساءلنا ترى هل حالت السقوف الإنتاجية دون طموحات الكاتب؟
أم هي الرقابة؟ أم السبب هو موهبة الكاتب؟ لقد جعلتنا هذه النصوص نتساءل أيضاً، عن كيف أقرت؟ أو كيف يستطيع المخرج أن يتعامل مع مثل هذه النصوص؟ وفي كثير من المرّات تساءلنا لماذا يقبل المخرج بها؟ إن هذا الوضع يدفعنا الى أن ندعوكم بإلحاح، لإيجاد الوسيلة والآلية الأكثر تفتحاً ونزاهة في قرار اعتماد النصوص، سواء في مرحلة الرقابة، أو في مرحلة قرار الإنتاج، لايخفى عليكم أننا في عصر المنافسة والعرض والطلب.
ولاحظنا أيضاً غياب الأعمال النوعية. فعلى الرغم من اعتقادنا أن الهيئة ومديرية الإنتاج تملك الكوادر البشرية المؤهلة فنياً وتقنياً، وتملك المعدّات الفنية والإمكانات المالية التنفيذية، فقد غابت الأعمال الدرامية ذات الطابع الإنتاجي الكبير، ونحن نعتقد بأنه لابد للهيئة من أن يكون لها حضورها في مثل هذه الإنتاجات، حتى ولو في عمل واحد في العام، كي لاتبقى هذه الأعمال حكراً على الإنتاجات الخاصة، وللقيام بذلك لابد من إيجاد الحلول الذهنية المقررة للنواظم المالية المقيّدة.
نعتقد أن الهيئة لن تستطيع توفير الإمكانيات الضرورية والشروط الإنتاجية للقيام بمثل هذه الأعمال بعيداً عن مفاهيم السوق السائدة حالياً في الإنتاج الدرامي.
وقد تبيّن لنا أن تكلفة الأعمال التي ينتجها التلفزيون هي في معظمها أعلى من تكلفة الإنتاج في القطاع الخاص.
الأعمال الأربعة والخمسون التي شاهدناها قام بتحقيقها ثمان وثلاثون مخرجاً، ومن الملاحظ أن الفرص المتاحة للمخرجين تتحقق في فترات متباعدة جداً، وهذا يعني أنّ الخبرة لدى المخرجين الشباب لايتاح لها أن تتطور، فالممارسة هي المعلم الأول.
وقد غابت عن الأعمال التي شاهدناها أسماء مخرجين أثبتوا قدراتهم وموهبتهم في أعمال سابقة للهيئة. أو ممن هم أبدعوا في الأعمال التي قدموها في القطاع الخاص، لذلك ندعو لإيجاد الطرق لاستقطابهم وإتاحة الفرص والشروط لجذبهم من جديد.
الواضح أن الهيئة تواجه مشكلة تسويق إنتاجها، حيث غابت الأعمال التي شاهدناها من على شاشات المحطات العربية باستثناء القليل منها، وحرصاً منا على الإنتاج وتطوير إمكانياته ندعو الى ايجاد الآلية والاستعانة بالخبرات التي تستطيع تسويق هذه الأعمال». كما أبدت اللجنة ملاحظات عامة عن الأعمال المنتجة:
ـ بدا بشكل عام أن المستوى الفني للإخراج يكاد يكون متقارباً لكن الصعوبة الكبيرة التي واجهناها في تقييمنا هي العثور على الأعمال المكتملة أو المتألقة فنياً.
ـ هناك ضعف في المضامين الفكرية وفي الرؤية الفنية وأن الإنتاج لا يزال محصوراً في التعبير عن مشكلات وقضايا ومشاغل مستهلكة ومكرورة.
مقارنة بما استطاعت الدراما في سورية تحقيقه من تألق وتطور فإن الإنتاج في التلفزيون بدا لنا بأنه لا يزال بعيداً عن مواكبة هذه النقلة النوعية التي وصلتها هذه الدراما.
وقد صنفت الأعمال الى ـ عمل ضعيف ـ عمل وسط ـ عمل جيد ـ عمل جيد جداً.
الأعمال الدرامية المنتجة عام 2000.
ـ النصيب إخراج أنيسة عساف ضعيف
ـ خوف غامض إخراج خالد الخالد ضعيف
ـ أحلام لاتموت إخراج غسان باخوس وسط
ـ عشاق الخيال إخراج سوزان الصالح وسط
ـ قضية عائلية إخراج نبيل ع شمس وسط
ـ المقلع إخراج محمد اسماعيل آغا وسط
ـ ذاكرة صعبة إخراج عباس النوري وسط
ـ أنا وأبنائي إخراج حسن عويتي وسط
ـ الخطيبة إخراج عباس النوري وسط
ـ حروب عائلية إخراج نبيل ع شمس وسط
ـ الغريب إخراج فردوس أتاسي جيد
ـ بيت العيلة إخراج واحة الراهب جيد
ـ حب تحت اسم آخر إخراج هند ميداني جيد
ـ حكاية حلم إخراج فراس دهني جيد جداً
ـ الخيزران إخراج محمد بدرخان جيد جداً.
انتهى كلام اللجنة.
نكتفي بهذا القدر من التقرير. ونعيد طرح السؤال المحوري في تقرير هذه اللجنة: كيف أقرت هذه الأعمال؟ وهو ما يضعنا أمام أسئلة أخرى يستدعيها السؤال الأول:
ـ لماذا كل هذا الضعف في أعمال مديرية الانتاج التلفزيوني؟ ومن المسؤول عن صرف عشرات الملايين على أعمال لاتستحق المشاهدة؟
أين الرقابة المالية والتفتيشية؟. ولماذا لم يفكر أحد بالمحاسبة؟. وكأن مديرية الانتاج في التلفزيون، وهي جمعية خيرية توزع المساعدات حسب أمزجة مديرها أيا كان. وما زال عصب «الاختلاس» فيها هو معظم آلياتها التنفيذية وعلى رأسهم منفذو الانتاج والمخرجون! الى أسماء ومهن أخرى غامضة.
أمام هذه المعطيات يحق لنا أن نحرق كل الكلام الذي تحدث به أصحاب هذه المديرية عن أعمالهم. لأنه كلام هوائي وليس له أية صلة بالوقائع على الأرض. إن ما يحدث داخل أسوار هذه الهيئة مخيف حقاً، بعد أن استشرى الفساد والمحسوبيات في العمل، والمشكلة أن جدران الفشل تحيط بكل حالم من هذه الإدارات. فالبيروقراطية التي تتحكم بعمل الهيئة مالياًً وادارياً ستبقيها على حالها الى أمد بعيد. وإلا كيف نفسر أسباب امتلاك نصوص ودفع ثمنها وطيها لاحقاً .
ماهي الأسباب التي جعلت التلفزيرن يتملك هذه الأعمال ولاينتجها، نكتشف مثلاً أن سهرة بعنوان «عروس حسب الطلب» تاريخ تملكها عام 1997. وقد كان سبب التملك بحسب تفسير المديرين «مساعدة صاحب النص»! وسهرة أخرى بعنوان «غوايات» تم تملكها عام 2004 والسبب العجيب الغريب هو حسم الخلاف مع الكاتب، وسهرة أخرى بعنوان «جدران دافئة» تم شراء النص لإعانة الكاتب! وطبعاً هناك عشرات الأعمال تم تملكها ولم تنتج.
ومن أسماء الأعمال المتملكة بين 1980ـ 2002، وأسباب عدم إنتاجها تعود إما لضعف في معالجتها الدرامية أو أصبحت موضوعاتها مستهلكة كثيراً:
ـ نزيه قبرصلي سهرة
ـ العين تقاوم المخرز سهرة
ـ رزقة العيد سهرة
ـ عودة المرواني سهرة
ـ زغرودتان قبل الغداء سهرة
ـ القبعة ثلاثية
ـ البسطاء ثلاثية
هكذا تسير الأمور في مديرية الانتاج التلفزيوني، ويبدو أن معظم المبدعين على صعيد الإخراج أو التمثيل سيجدون خلاصهم الحقيقي في الهروب الى خارج أسوار مديرية الانتاج التلفزيوني. ومن بقي منهم يعمل فإن لسان حاله يقول: «بدنا نعيش»
وإذا لم يكذبنا المكتب المركزي للإحصاء نستطيع أن نصنف العاملين في مديرية الانتاج التلفزيوني على الشكل التالي:
ـ عارفون بكل الجنايا والخفايا ومستفيدون من كل الخفايا
ـ عارفون ببعض الخفايا ويأملون بالاستفادة مستقبلاً
ـ لا يعرفون ما يحدث داخل الغرف وداخل الأوراق المالية.
وبعد كل ذلك، هناك من يحاضر بك عن تطوير في عمل المديرية وأن «زمن الهبش» ولى، وأن قوانين مؤسسة الإعلان تتحكم في عمل مديرية الانتاج؟.
مصطفى علوش
المصدر: تشرين
الجمعة,حزيران 22, 2007
الإنتاج الدرامي في التلفزيون السوري: الخلط المقصود والسمعة المستعارة!
بقلم: محمد منصور
يتابع المشاهد العربي، والسوري أحياناً المسلسلات السورية التي تعرضها المحطات العربية في موسم رمضان التلفزيوني وعلي مدار العام، دون أن يميز أو يعرف أيها من إنتاج شركات القطاع الخاص، وأيها من إنتاج التلفزيون السوري... ففي المحصلة العمل يحمل هوية سورية تأليفا وتمثيلا وإخراجا... والحكم يبقي علي مقدار الجودة، لا علي هوية من أنتج... رغم أهمية ذلك في العرف الفني!
والواقع أن التلفزيون السوري اليوم، يعيش درامياً علي هذا الخلط المقصود... فقد وجد صناع الدراما الذين تعاقبوا علي إدارة مديرية الإنتاج التلفزيوني التابعة له في السنوات العشر الأخيرة، أن من مصلحتهم القول بالهوية السورية لكل ما ينتج من مسلسلات في القطاع الخاص، كي يستفيد التلفزيون الذي يعيش أسوأ عهوده الدرامية، مما تكسبه مسلسلات القطاع الخاص من ألق وحضور وقوة انتشار في المحطات التلفزيونية العربية، وكي تتلهي الصحافة عن واقع مديرية الإنتاج التلفزيوني الأسود، لتتغني بواقع مسلسلات القطاع الخاص المزدهر، فتكف ألسنة السوء عن النعيق كالبوم... وعن تعكير صفو السادة المدراء والعاملين في مديرية الإنتاج أثناء احتفالاتهم الصحافية الدائمة بإطلاق المسلسلات الرديئة التي باتت سمة إنتاج التلفزيون السوري رغم كل أبواق النفاق وشهود الزور.
وما أثارني للحديث عن مديرية الإنتاج التلفزيوني اليوم، الوعود التي أطلقها مؤخرا، مدير الإنتاج الجديد في التلفزيون السوري (عماد ياسين) الذي تسلم مهامه منذ بضعة أشهر، والذي صرح أن مديرية الإنتاج تبلغ ميزانتها هذا العام 200 مليون ليرة سورية (حوالي أربعة ملايين دولار أمريكي) مخصصة كلها بالطبع لإنتاج المسلسلات والسهرات الدرامية، وأن عهد المحسوبيات ولي... وأن عهد توزيع الفرص دون محاسبة ودون الاعتماد علي معايير الكفاءة انتهي!
والمعروف أن مدير الإنتاج الدرامي الجديد في التلفزيون السوري هو ضابط سابق في الجيش، وقد انزعج حين نشرت إحدي الصحف المحلية هذه المعلومة، فأرسل ردا يذكرها فيه بتاريخه الفني (المحدود) في الكتابة الدرامية، وفي العمل في المسرح حين كان في الخامسة عشرة من العمر... وقد عاد عماد ياسين للتذكير بهذا التاريخ في الحوار المنشور معه مؤخرا...
ومن يعرف أجواء العمل في التلفزيون السوري، سوف يتذكر أيضا أن مدير الإنتاج الأسبق الكاتب الياس إبراهيم والذي كان أطول المعمرين في إدارة مديرية الإنتاج، كان أيضا ضابطا سابقا في الجيش... ناهيك عن آخرين أتوا من الأمن وارتبطوا به حتي وهم يمارسون عملهم داخل التلفزيون... وبالتالي فحالة عماد ياسين مستغربة ومستهجنة في تلفزيون آخر ، له تقاليد عمل مدنية، وليس في ثكنة التلفزيون السوري التي يختلط فيها العسكري بالأمني ويداس الإعلامي والفني تحت الأرجل...
وحين يأتي ضابط مثل عماد ياسين ليقدم نص مسلسل لمديرية الإنتاج في بداية تعامله مع التلفزيون وقبل أن يصبح مديرا آمرا ناهيا، سوف يعرف الجميع ما هي المعايير النقدية التي يعامل بها ضابط جيش امتهن الكتابة... وكيف يجتاز بوابة التلفزيون وبالتالي ليس مستغربا ولا مستبعدا أن يصبح مديرا بعد سنوات، سواء توقعنا منه ذلك أم لم نتوقع!
يأتي عماد ياسين لإدارة مديرية الإنتاج التلفزيوني، بعد بضعة مسلسلات كتبها لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وبعد ظهوره كممثل في إحدي حلقات مسلسل المخرج علاء الدين كوكش الأخير (حكايا الليل والنهار) والإنتاج الدرامي في التلفزيون السوري يترنح تحت ضربات الفساد والمحسوبيات والوساطات والإنتاج الرديء... فهذا التلفزيون العريق الذي أسس للإنتاج الدرامي في سورية وقدم أول مسلسل له عام 1962 (سلسلة ساعي البريد للمرحوم سليم قطايا) بعد عامين فقط من انطلاقته وهذا بحد ذاته معجزة، ثم استمر علي مدي سنوات بث الأبيض والأسود يقدم مسلسلات تقف اليوم منارات شامخة بحق في الإنتاج الدرامي، أمثال (حمام الهنا) لدريد ونهاد و(مذكرات حرامي- أولاد بلدي- حارة القصر- أسعد الوراق) للمخرج علاء الدين كوكش، و(حكايا الليل- دولاب- الزباء) للمخرج غسان جبري، و(فوزية) لشكيب غنام، و(سمر) لسليم صبري و(موت الياسمين) لرويدا الجراح، و(الوسيط) لهيثم حقي... استمر في فترة البث الملون ينتج المسلسلات الجيدة... وحتي سنوات التسعينيات من القرن العشرين كانت مديرية الإنتاج تقدم مسلسلات تستحق الاهتمام والتسويق والمشاهدة من قبيل (أبو كامل) لعلاء الدين كوكش، و(هجرة القلوب) لهيثم حقي و(أيام شامية) لبسام الملا و(المحكوم) لفردوس أتاسي و(الشريد) لغسان باخوس... وسواها من الأعمال التي لاقت اهتماما عند عرضها والتي لا يتسع المجال لذكرها... ثم تحول الحال كلياً، وغدا إنتاج التلفزيون السوري الذي تطور نسبيا من حيث الكم، في أسوأ حالاته من حيث النوع... فالمخرجون الجيدون إما ابتعدوا عنه كلية واتجهوا لشركات القطاع الخاص التي تعفيهم من التعقيد الإداري، ودفع الرشاوي لتمرير أعمالهم، أو انسجموا مع الروح التي باتت تحكم آلية العمل، إن لم يجدوا فرصة في القطاع الخاص وتحولوا إلي مخرجين باحثين عن فرصة في نظام محاصصة ومحسوبيات تتدخل فيه الإدارة العامة للتلفزيون وليست إدارة مديرية الإنتاج وحسب، وتحكمه أحيانا اعتبارات الوظيفة علي اعتبار أن المديرية يجب أن تشغل المخرجين الموظفين لديها بغض النظر عن انعدام موهبة كثير منهم، وانحطاط ذائقتهم الفنية في اختيار النصوص ومعالجتها إخراجيا!
وهكذا صار حتي التلفزيون نفسه الذي ينتج هذه الأعمال، لا يقوي علي عرضها في أوقات الذروة في موسم رمضان التلفزيوني، لأن إنتاج القطاع الخاص ينافسها ويتفوق عليها بقوة، بغض النظر عن الضغوطات الأخري التي تحكم العرض الرمضاني أيضا!
والمشكلة في الإنتاج الدرامي التلفزيوني أن الإنتاج الرديء والإنتاج الجيد مكلف، فأسوأ مسلسل يمكن أن يكلف (15) مليون ليرة سورية في أضعف تقدير... لكن المسلسل الرديء لا يعيد من كلفة إنتاجه شيئا، بينما المسلسل الجيد حتي وإن كلّف ضعف أو ضعفي هذا المبلغ قادر علي استردادها من خلال تسويقه وشرائه من قبل المحطات الفضائية!
كل الأعمال والمسلسلات السورية، التي سوقت وعرضت في السنوات العشر الأخيرة، في أقوي المحطات العربية بلا استثناء كانت من إنتاج القطاع الخاص... وكانت مساهمة التلفزيون الأم في دعم مسيرة هذا الإنتاج، تتوقف علي إلزام كل الشركات، تقديم نصوص المسلسلات لرقابتها، ثم تقديم نسخة من المسلسل بعد التصوير لرقابتها مجددا وأخذ موافقة للتصدير، بعد دفع أجور هذه الرقابة الجائرة... أي يجب أن أراقبك وتدفع لي ثمن رقابتي، وأمارس الحجر علي فكرك وإبداعك عندما لا تعجب رقيبا ما هذه الأفكار أو تلك!
قبل سنوات، كانت ثمة مقولة خادعة تقول ان التلفزيون تطور درامياً... ويجب تطويره برامجياً. اليوم تساوي النوعان: فهو يقدم أسوأ أنواع الإنتاج في الدراما... كما أن حاله البرامجية لا تخفي علي أحد... وهذا دليل أن الفساد بات هو القاعدة... وأن العملة الرديئة في التلفزيون تطرد العملة الجيدة.
دراما فلسطينية رديئة!
وما دمت أتحدث عن الإنتاج الدرامي الحكومي الرديء فنياً... فلا بد أن أتوقف عند الدراما الفلسطينية الحكومية الرديئة التي نتابعها في الضفة والقطاع هذه الأيام... فهي والحق يقال لا تقل سوءا عن دراما التلفزيون السوري، وإن كانت تفوقها ضررا فلسطينيا وقومياً!
فلسطينيا لن أستطيع أن أزيد عما قاله الأستاذ عبد الباري عطوان في مقالته الشهيرة التي ذهبت مثلا والتي عنوانها (أخجل من كوني فلسطينيا) أما قومياً فأنا أدعو القضاء السوري الشهير باتهاماته التي لا تخطر علي بال، أن يحاكم الأطراف الفلسطينية، وليس ناشطي المعارضة السورية بتهمة (إضعاف الشعور القومي) فهذه القضية القومية التي تربينا علي الإحساس بمأساتها، واحترام كل أشكال نضالها، والتبرع حتي ونحن أطفال صغار في المدارس بمصروف جيبنا من القروش المعدودة، من أجل دعم الشعب الفلسطيني طواعية ومن دون قسر أو منة، والتي كانت آخر حالة تضامن حقيقية معها حركت مشاعرنا واستفزت مخزون غضبنا النائم، هي أثناء عملية شارون (السور الواقي) وتدمير مخيم جنين... هذه القضية التي أكلت أحلام جيل يليه جيل، والتي هزت عروشا، وأسقطت أنظمة، هاهي اليوم تغدو صراعاً سلطوياً مخجلا علي سلطة شكلية ترزح تحت احتلال بشع، يهدد كل مقومات الحياة والعيش الكريم... قبل مقومات السيادة... فهل ثمة دراما في التاريخ أسوأ من ذلك؟
جريدة (القدس العربي) 22/6/2007
الخميس,حزيران 28, 2007
التلفزيون السوري والعداء للصحافة: يكاد المريب يقول خذوني!
بقلم: محمد منصور
يُنظر للتلفزيون باعتباره جزءا من وسائل الإعلام، وحين يعترف التلفزيون بنسبه إلي شجرة العائلة هذه... سوف يتذكر بالتأكيد أشقاءه الأكبر والأعرق ونعني: الصحافة والإذاعة... وقد استفاد التلفزيون في السنوات الأولي لدخوله المنطقة العربية لأغراض سياسية ودعائية، من أسلوب عمل الإذاعة والصحافة معا، ومن خبرة العاملين في كلا الحقلين حتي استطاع أن يقف علي قدميه قليلا، قبل أن يجري الحديث شيئا وشيئا عن عنصر الصورة باعتباره أمرا جوهريا يختلف به التلفزيون عن الإذاعة، وعن اللغة التلفزيونية، باعتبارها لغة لها أسلوبها وتقنياتها المختلفة عن لغة الصحافة.
لكن الصحافة التي هي فن البحث عن المتاعب، وجدت دائما في التلفزيون بؤرة للمتاعب التي تستحق الاهتمام، نظرا للدور الجماهيري الذي يلعبه... ولذلك ظلت الصحافة بالنسبة للتلفزيون مثل الأخ الناصح، الذي يحاول أن يستوعب سفه وعبث شقيقه الأصغر، ولكنه حين يقطع الأمل من أن يجد لديه أذنا صاغية، قد يقسو عليه ويشهر به، أملا في أن يجد رادعا لتحسين أدائه، والوعي بأهمية دوره.
وإذا أردنا أن نسقط كل هذه المفاهيم والمقدمات علي آلية عمل تلفزيونية تفسرها وتشرحها، فإننا بالتأكيد لن نجد أفضل من تجربة التلفزيون السوري، التي تقدم نموذجا لعلاقة (الأخوة الأعداء) ليس بين التلفزيون والصحافة فقط، بل وبين التلفزيون وجوهر البحث عن الحقيقة الذي يمثل روح الصحافة في كل زمان ومكان!
عملتُ في التلفزيون السوري لأكثر من خمسة عشر عاما، معدا للبرامج وكنت آتياً من الصحافة، التي علمتني أن الصحافي الذي يصفق ويهلل وينافق ليس صحافياً... وقبل دخولي التلفزيون كزائر وبعده، كنت أجد في الصحافة ملاذي وبيتي... لكنني سرعان ما اكتشفت أن انتمائي الصحافي، هو مدعاة للريبة والنفور والشك... لأن هذا يعني أنني أريد أن ألتقط خبرا، أو أكشف سرا، أو أميط اللثام عن حالة فساد... وبالتالي يجب اجتنابي، والسكوت أمامي، وحجب المعلومات عني... حتي لو كنت في الوجه الآخر أعمل ضمن طاقم عمل كبير يسعي ما أمكنه لتطوير برنامج هنا، أو تقديم فكرة جديدة هناك.. ويرتبط بما يمكن أن يسمي في مؤسسات سليمة ومعافاة: علاقات زمالة!
وخلال الخمسة عشر عاما الماضية، ُمنعتُ من دخول التلفزيون السوري ست مرات في عهود تعاقب عليها مدراء عامون ومدراء تلفزيون عديدون... والغريب أنني خلال المرات الست، لم يكن المنع بسبب خطأ برامجي ارتكبته في البرامج الكثيرة التي توليت إعدادها، أو سرقة مالية من السرقات الكثيرة التي تحدث في ميزانيات البرامج وما يجري في كواليسها، أو تجاوز أخلاقي من التجاوزات التي تقترب أحيانا من حدود الفضائح الجنسية... بل كانت كل أسباب المنع بلا استثناء هي التعبير عن رأيي ككاتب صحافي، سواء في برامج التلفزيون السوري نفسه، أو في قضايا سياسية عامة خارج إطار الصحافة السورية.
وبعيدا عن تداعيات الحالة الشخصية التي لا تخلو من مدلولات عامة... فالمشكلة كانت تبدأ أن الصحافي الذي يريد أن يدخل مبني التلفزيون السوري، حتي لمجرد أن يغطي حدثا، أو يتابع خبرا، يجب أن يحصل علي موافقة من إدارة التلفزيون نفسه، فإما تضع اسمه مسبقا عند المفرزة الأمنية التابعة لفرع المداهمة التي تحرس التلفزيون من رمشة العين... أو تمنحه بطاقة دخول مؤقتة تجدد كل ثلاثة أو ستة أشهر حسب الرضا. وبالتالي فالإدارة يحق لها إن لم تعجبها الطريقة التي تكتب فيها عن التلفزيون، أو عن ظواهر الفساد المزمنة التي فيه... أن تعاقبك وأن ترفض استقبالك باعتبارك زائرا غير مرغوب به... وقد حدث أن اشتكيت لمرة واحدة لنقيب الصحافيين السابق الدكتور صابر فلحوط، لكن وجود ابنته كمذيعة في التلفزيون، منعه من أن يمارس واجبه كنقيب للصحافيين علي النحو الذي يحب!
أما من يستطيع أن يحصل علي دعم يجعل دخوله إلي المبني أمرا تافها وشكليا... فسيكون له علاج آخر غير المنع عينك عينك! فهو إما سيخضع لرشوي مبطنة بالتلويح له بإعداد برنامج ما، أو سيخضع لرشوي معنوية عن طريق إرضاء غروره بمسألة حب الظهور التلفزيوني في البرامج بطعمة وبلا طعمة كي يحقق شيئا من النجومية التي لا تتحقق للصحافي السوري بفعل أدائه الصحافي بسبب الوضع المبكي للصحافة السورية الذي يعرفه القاصي والداني!
تكره أروقة التلفزيون السوري علي العموم الوجوه الصحافية المتعبة (بكسر العين)، التي لا تعرف لغة المديح والتي تحب بالفطرة الصحافية السليمة التي لم يشوهها التدجين أن تكتب عن الفساد الذي يعشعش ويستشري، فيجعل من العاملين في أسر وسلالات وأنساب أين منها عهود الإقطاعيات وعائلات المهن... فالمذيعة المدعومة بعد سنوات قليلة توظف شقيقتها وشقيقها وأولاد خالتها وعمومتها، والمحاسب يجعل من ابنه فني المونتاج المبتدئ مونتير دراما بين ليلة وضحاها حيث فارق الأجور يستحق فعلا... والمسؤول الأمني يشغّّل ثلاثة أرباع أسرته، وهذا ينقل زوجته من وزارة أخري كي تداوم معه في التلفزيون بضع ساعات علي مزاجها... وذاك ينقل زوجته من عاملة مقسم أو سكرتيرة كي تصبح مساعدة مخرج أو مخرجة... والكثير الكثير من الظواهر التي تشعر إدارات التلفزيون المتعاقبة أنها تهدد سمعتها وترمي بيتها الذي من زجاج بالحجارة... فتقرر أن تنظر للصحافة باعتبارها فعل شر وأذي وخراب بيوت، لا فعل نقد وقول كلمة حق في ضرورة إصلاح وتطوير مؤسسة تحمل سمعة وطن... ويمكن أن تلوث شيئا من تلك السمعة أيضا حين تتخلف وتصبح خارج قيم المنافسة والحضور!
والعداء للصحافة لا يقتصر علي إدارة التلفزيون بقنواته المختلفة، بل يسري إلي الأعلي ليشمل وزراء الإعلام، الذين يفترض أن مهمتهم تطوير عمل الصحافة وحماية الصحافيين... لكن هذا لم يمنع وزراء سابقين أن يصدروا توجيها بعدم نقد التلفزيون في الصحافة المحلية، أو وزراء لاحقين أن يصدروا هم بأنفسهم قرارات العقاب بحق الصحافيين الذين يتجرؤون علي كشف ملفات التلفزيون السوداء في الصحافة العربية أو علي شبكة الإنترنت. وإذا اعتبرنا أن تطوير التلفزيون في كل أنحاء العالم يتم من خلال الارتقاء بالخبرة التقنية التلفزيونية شكلا، وتشجيع روح العمل الصحافي في الرؤية والمعالجة مضموناً، فإننا سنجد أن بعض البرامج الجيدة كبرنامج (ملفات حرة) للصحافي إبراهيم ياخور منعت وأوقفت، لأنها كانت أمينة لجوهر العمل الصحافي في الرؤية التلفزيونية: البحث عن الحقيقة بلا خوف من عواقب وهواتف!
وقد تعاقب علي إدارة بعض مفاصل التلفزيون السوري في السنوات الأخيرة بعض الصحافيين والصحافيات، لكن هذا لم يغير في جوهر الأمر شيئا، لأن هؤلاء كانوا في كتاباتهم الصحافية لا يهشون ولا ينشون، فهم لم يمنعوا يوما من الكتابة... ولم يجرجروا إلي فروع الأمن للتحقيق معهم بسبب آرائهم وكتاباتهم... بل كانوا يصعدون في سباق حواجز أمنية بلا إنجاز مهني يستحق الذكر، وكانوا أيضاً أقرب إلي شهود الزور في الوقت الذي تحتاج فيه الصحافة كي ترقي وكي تعبر عن وجع الناس إلي شهود من نوع آخر. وفي الحالات التي كان يلجأ فيها أهل التلفزيون، تحت ضغط العسف الإداري، وسد الآذان والأبواب في وجوههم، إلي الصحافة لبث شكواهم وإيصال صوتهم، كانت عبارات التهديد والوعيد تتعالي في وجوههم... فمن يذهب إلي الصحافة، فليطلب منها أن تحل له مشكلته إن استطاعت... وهي عبارة بعث بها أكثر من مدير لأكثر من متضرر في أكثر من عهد، وآخرهم السيد ماجد حليمة المدير العام الحالي، ردا علي شكوي إحدي الممثلات علي تجاوز استبدال مخرج لها في مسلسل من إنتاج التلفزيون، بعد توقيع العقد رسميا... ومن دون حتي الاعتذار منها!
وهذه الروح الكيدية التي تستهين بدور الصحافة، وتري أن البديل هو الصمت والاستجداء والتغاضي عن الكرامات... لا تحكم مدراء الهيئة من فراغ... بل من صلف حقيقي في التمادي بالخطأ لأنه ليس هناك من يحاسب!
إن علاقة التلفزيون السوري بالصحافة هي جزء من فهم مشكلته... فحتي في الوقت الذي صار فيه التلفزيون السوري آخر خيارات المشاهد المحلي في المتابعة والاهتمام، استمر نهج العداء للرأي الآخر الذي كانت تمثله الصحافة أو ما تبقي منها أحيانا، كي يكرس واقعا يقول: إن التلفزيون هو حصن الرأي الواحد الذي لا يجب اختراقه، وإذا ما تم الحديث عن الرغبة اليائسة في تطويره، فيجب أن يتم ذلك بمعزل عن منغصات وشرور ووجع رأس الرأي الآخر مهما كانت درجة اختلافه الفني والإعلامي والخدماتي... ولن نقول السياسي بالتأكيد!
(فنون) الخاسرة ماديا ومعنويا!
ولا يكتمل الحديث عن علاقة التلفزيون السوري بالصحافة، من دون الإشارة إلي المجلة نصف الشهرية التي كان يصدرها التلفزيون تحت عنوان (هنا دمشق) وتوقفت في ثمانينيات القرن العشرين، وكانت مجلة ُتقرأ لأنها كانت تنطوي علي حرفية وهامش صحافي ورغبة في تقديم الأفضل، قبل أن تعود بشكل أسبوعي في منتصف التسعينيات تحت اسم (فنون) لتشكل نموذجا باهتا لمجلة فنية تولد ميتة كل أسبوع، رغم أن سورية فيها حركة فنية وتلفزيونية ناشطة اليوم... مجلة لا يتجاوز رقم توزيعها في الأسواق السورية الخمسمئة نسخة رغم رخص ثمنها، ولا يهتم بها حتي موظفو التلفزيون نفسه رغم مجاملاتها السمجة لهم... والغريب أن وزارة الإعلام السورية تخسر الملايين سنويا علي الإنفاق علي هذه المجلة الخاسرة ماديا، من دون أي مردود معنوي يذكر...سوي تكريس الصورة البائسة التي تفضلها إدارات التلفزيون السوري للعمل الصحافي الذي ينطبق عليه القول المأثور: لأنك لست باردا ولا حارا... تقيأتك نفسي !
جريدة (القدس العربي) 28/6/2007
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |