احتضار القراءة في الوطن العربي
2008-01-09
ماذا تعني القراءة ؟
القراءة هي عملية معقدة 0 تقتصر على نشاط العينين في تتبع الحروف والكلمات المطبوعة وإنما هي مجهود
وضعف التعامل مع الكلمة قراءة وكتابة يبقي المجتمعات في السكون والركود 0 ويعشعش فيها الجهل والمرض ويتفشى الاستبداد ويزدهر 0وتسود العلاقات الاجتماعية قيم التزلف والنفاق
والكذب ومن يلقي نظرة سريعة على واقع القراءة من حوله يصاب بالذهول فاهتمام الناس يكاد يكون محصورا ببطونهم في حين المطلوب أن يتم التوازن بين حاجات الجسد وحاجات العقل 0
وغذاء العقل الكتاب وبحرمان العقل من الغذاء يتجمد العقل ويتشرب شيئا فشيئا ثقافة المجتمع السائدة المستندة إلى مرجعيات فقهيه مذهبية حزبية شفوية تنهل من ثقافة قروسطية 0 سادت وانتعشت في عصر الانحطاط العربي الفكري والثقافي والعلمي الذي أصاب المنطقة زمن الدولتين العثمانية والصفوية في إيران 0 واهم ميزات هذه الثقافة الطابع الخرافي أولا 0وقدرتها على تجديد نفسها ثانيا وضعف مشاريع التحديث وفشلها ثالثا 0
وفي هذا الوسط بالذات يكثر مدعوا الحقيقة بغض النظر عن لون هذه الحقيقة دينية كانت أو سياسية 0 ومن هذا الوسط تنطلق دعوات التايتم والتكفير والدعوة إلى إلغاء الآخر أو سجنه أو تجويعه أو قتله أو دفعه إلى الهجرة خارج الوطن 0
وليس الهدف من القراءة هو الحصول على المتعة فحسب 0 وإنما من أهدافها الغير مباشرة تخليص العقل من الجهل و الخوف و التذلل والنفاق 0 وإحلال الحب والصدق والجرأة فهي تمحوا التعصب الحزبي أو الديني أو المذهبي أو القبلي أو الطائفي أو العائلي أو العرقي 0 وفي غياب القراءة واحتضارها تبقى الأحكام أللتي نطلقها على قضايا الوطن ألاجتماعيه والدينية والسياسية والثقافية خاضعة للميول والرغبات والمصالح 0
أن القراءة عملية مجانية –في الغالب – تهبنا عقلا جديدا كل يوم 0 قادرا على التعامل مع الماضي والحاضر والمستقبل 0 فهي دواء ناجح ومجرب ضد الانغلاق والتقوقع 0والتشنج والبلادة 0 وتدفع القارئ دفعا إلى الانفتاح على الناس والحياة والإقبال عليها 0 وتحدي مشاكلها ومواجهتها مع الأخر المختلف جنبا إلى جنب ويد بيد .
إن شح القراءة أو احتضارها 0 هو احتضار الأمة وإضعافها وخرابها وتعني فيما تعنيه أن الأمة بلا رؤوس وإنما هي جثث تمشي تم إعدام عقولها عبر عملية التجهيل والتخويف 0 ومثل هكذا أمه لاتتقن ولا تبدع صناعة ولا زراعة ولا علما ولا ثقافة 0 وإنما تتقن فن التذلل والخضوع والنفاق 0 والأمة أللتي لاتاخذ بأسباب التحضر تصبح ضعيفة يطمع الطامعون في نهشها واحتلالها وتمزيقها والامثله كثيرة 0
إن على النخب الثقافية والفكرية والدينية والسياسية إن تولي مسالة تعميم القراءة في كل الأوساط 0 بين طلبة المدارس والنساء والكبار وجعلها أي القراءة مشروعا وطنيا 0 وفشل هذه النخب في أنجاح المشروع سوف يبقي الأمة في حال احتضار تجتر الماضي الذي مضى دون أن تتطلع إلى مشاكل الحاضر ودون أن تستشرف المستقبل وتعد العدة له 0 وسوف نرتع في التردي والتخلف والتمذهب إلى حد الاقتتال 0
نعم علينا أن نمتلك الشجاعة على طرح الأسئلة واستخدام العقل بأنفسنا دون أوصياء دينيين أو سياسيين ولن نتخلص من هذه الوصايات بالسهولة كما نتصور 0 أنها مسالة صعبة بلاشك ولاكتنا دون أن نملك الوعي سوف نبقى في زريبة المخلوقات الأليفة التي أتقن المروضون تربيتها على الطاعة والانضباط والخضوع 0
أن التحرير يبدأ من تحرير العقل وتحرير العقل لن يتم بدون تفعيل القراءة ونشرها والتشجيع على ممارستها واعتبارها مشكلة حقيقية مثل مشكلة الاحتلال أو مشكلة الغذاء والماء والمسكن والدواء 0
أن القراءة تدخلنا في فضاء المعرفة 0 ولنكون أبناء حقيقيين لعصرنا ونكون أوفياء للدعوة التي دعانا أليها الإسلام باعتبار القراءة هي الخطوة الصحيحة إلى المعرفة 0 وهي العلاج على مستوى الفرد القارئ لأنها تغسل صدا العقل وتجلوه وتلمعه وتجدد شبابه وتحرضه على اقتراف أثم التخيل والإبداع وتنقله من الحالة البشرية التي هي اقرب إلى التوحش أو البداوة إلى حال الرقي والانسنة والشفافية 0
ماذا تعني القراءة سوى الشغف بالحقيقة وتنشيط العقل والذاكرة 0 ماذا تعني القراءة سوى بعث روح التوثب في الفرد وعلى مستوى الأمة 0 ماذا تعني سوى قبول المواجهة 0 ماذا تعني سوى إطلاق سراح العقل المعتقل من قيود الجهل و التقوقع 0
حال القراءة وأحوالها في الوطن العربي :
حال القراءة كحال رجل يحتضر أو امة مريضة يكفي أن نشير إلى بعض الأرقام المفزعة 0
فعدد الأميين في الوطن العربي 71 مليون نسمه وهذه الإحصائية نقلا عن الدائرة الثقافية في جامعة الدول العربية .
ونشرت صحيفة "أنت" الأردنية نقلا عن نفس المصدر أن حصة الفرد العربي من القراءة 6دقائق في العام الواحد .
وان إجمالي ما تنتجه الدول العربية من الكتب يساوي 101من الإنتاج العالمي رغم أن نسبة السكان العرب يساوي 5 من عدد سكان العالم
ويقرأ كل عشرين عربي كتابا واحدا في السنة 0 بينما يقرا كل بريطاني 7 سبعة كتب في السنة ويقرا الأمريكي 11 كتاب في العام 0اي أن البريطاني يقراء بقدر مايقراء 140 مئة وأربعون عربيا
وان إسرائيل تطبع كتبا أكثر مما يطبعه كل العرب قي العام الواحد 000التذكير بتجربة محمد الرميحي
وان إسرائيل تترجم كتبا عربية لكبار المبدعين العرب إلى اللغة العبرية 0 والمفجع أيضا أن عدد قراء هذه الكتب المترجمة أكثر من عدد القراء العرب .
وان الهند تصدر عشرين ألف صحيفة ومجله دورية وبعملية حسابية بسيطة فان حصة كل عشرين مليون نسمة ألف كتاب ترى ما عدد المطبوعات في سوريا مثلا .
3- واقع الترجمة في الوطن العربي :
لاشك أن هناك فجوة معرفية بين العرب وباقي الأمم وهذه الفجوة المعرفية من المسؤول سوى النخب الثقافية والحزبية والسياسية حاكمة ومعارضة مهما كان لونها ومن المفترض أن تدق هذه النخب ناقوس الخطر بقصد الخروج من هذا المأزق المدمر أليس مخجلا أن نترجم كل عام فقط 330 أي بمعدل كتاب واحد لكل مليون نسمة وهذا الرقم يمثل عشرمايترجمه بلد صغير مثل اليونان بينما حصة كل مليون مجري 519 كتابا مترجما وحصة كل مليون أسباني 920 كتابا وهذه الاسبانيا تترجم في العام الواحد أكثر من عشرة آلاف عنوان وهذا الرقم يساوي مجموع ما ترجمه العرب منذ عصر المأمون حتى الآن .
وحتى ستوضح بؤس حال الترجمة في الوطن العربي فقد تشكل في مصر هذا العام المجلس الأعلى للترجمة براسة الدكتور والباحث والناقد والمترجم جابر عصفور وقد صرح بان المجلس المشكل إذا استطاع أن يصل إلى ترجمة ألف 1000كتاب خلال العشرة سنوات قادمة فيعني أننا وضعنا أنفسنا على الطريق الصحيح .
أن للترجمة دورا لا يستهان به فوحدة الحضارة وتشابك مصالح الأمم في عصر المعلومات تتطلب منا بذل جهود مضاعفة لمسالة الترجمة وايلائها الاهتمام الذي تستحقه فليس عيبا أن نكون متخلفين لألف سبب وسبب ولكن من المعيب والمشين أن نبقى متخلفين بينما أمم وشعوب لأتملك ما نملك من إمكانيات وعراقة قد قطعت أشواطا تحسد عليها في صناعة الكتاب وتسويقه وقراءته وترجمته فكل من أسبانيا وايطاليا وإسرائيل وتركيا تترجم في العام عشرة ألاف كتاب .
إن أية امة تريد النهوض والتشكل لن تستطيع دخول العصر دون الاعتناء بالكتاب قراءة وتوزيعا ودراسة ونقدا وترجمة 0
وقد وعت رسالة الإسلام هذه المسالة بعمق فحرضت على فعل القراءة مفتتحة القران الكريم بفعل الأمر اقرأ وكان شرط تحرير الأسير في الإسلام آن يعلم كل أسير عشرة من رجال المسلمين وقال علي بن أبي طالب ع العلم دين يدان به عدا عن عشرات الأحاديث التي تدعو إلى تعلم العلم حتى لو كان في الصين
وبهذا المعنى فان امة لاتقراهي امةلاتستجيب لما يحييها فهي إذن امة من الأموات تعيش عالم الحياة السفلي ومن المستحيل أن تنهض وتتطور وتتقدم وتعيش بسلام مع غيرها ولسوف تنتقل من ضياع إلى ضياع ومن نوت إلى موت 0
4- هل يمكن أن تكون القراءة سلبية ومدمرة ؟
نعم يمكن أن تكون القراءة سلبية ومدمرة حين تكون هذه القراءات أحادية الجانب وأمثلة ذلك القراءات الدينية المذهبية بأنواعها والقراءات القومية أو القراءات اليسارية أو القراءات الطائفية أو العرقية وهي تقود القارئzشيئا فشيئا إلى مرحلة الشعور بامتلاك الحقيقة حينها يحل محل الله يكفر الأخر المختلف ويصدر الفتاوى بتجريمه أو إهدار دمه أو محاربته بمصادر رزقه والأمثلة لأتعد ولا تحصى 0
ففي هذا الشرق المنكوب بداء الجهل والتخلف والمتحجر على قراءات أحادية وثقافة أحادية كل فئة تكفر الأخرى وتدخلها النار وهي الفرقة الوحيدة الناجية لها جنة عرضها السماوات والأرض يحق لها مصادرة إرادة الله والحلول محله وإصدار فتاوى التكفير للآخر المختلف تحلل إهدار دمه وماله وعرضه هل نذكر تفجيرات العراق المذهبية أم نذكر ببعض حوادث تاريخنا المزدهر بالتكفير و فن القتل كحادثة قتل ابن المقفع والحلاج وغيلان الدمشقي .
وفي العصر الحديث من لا يعرف قضية تكفير طه حسين وعلي عبد الرازق وطال التكفير حتى الإمام محمد عبده مرورا بنصر حامد ابو زيد وإصدار فتوى بتطليق زوجته وتم محاكمة الفنان مرسيل خليفة بسبب اغنية وفي السعودية أصدرت إحدى جهات الفتاوى –وما أكثرها – في أوائل تسعينيات القرن الماضي فتوى بإهدار دم أكثر من مئة وستين كاتبا ومبدعا عربيا0 وفي الأنظمة التي كانت تقتات على الفكر الواحد اضطهدت وسجنت وخونت الكثير من المبدعين والقائمة كبيرة فقط يمكن أن نذكر بان المعلم الذي يصلب كان يفصل من عمله والروائي العالمي ميلان كونديرا تم اتهامه الخيانة والجنون ونقلى إلى مستشفى للأمراض العقلية وتم منع مئات الإبداعات من النشر لأنها تطاولت بالنقد بعض حسنات والهامات شيوخ الثورة العظام
أن القراءات الأحادية مهما بدت عميقة فأنها غير قادرة على الصمود أمام سنن الخلق القائمة على التنوع والاختلاف .
5- بعض أسباب احتضار القراءة 0
أن لكل مشكلة عندنا تبريرا مراوغا أو منافقا وكثيرا ما تكون لدينا الحجج جاهزة عندما نصطدم بمثل هذا السؤال هل تقرا ؟ الإجابة جاهزة لا وقت لدي الشغل لفوق راسي اعمل بعد دوامي قوت العيال أهم من القراءة وهذه التبريرات لا تحمل أي قدر من المعقولية فالاورو بي يعمل إضعاف ما يعمل العربي إلا أن العربي ى يستغل ما يتوفر لديه من أوقات الفراغ لان أوقاته موزعة بين لعبة طرنيب أو دق 41او سرة نميمة أو سهرة فيها سكرة أو صفقة والبعض الأخر لا تنقصه الحجج في الدفاع عن نفسه من مثل لا يوجد لدي المال الكافي لشراء الكتب وكان صاحبنا قرأ كل ما يمكن أن يتيسر له من كتب وبالمجان وقرا جميع ما يملكه الأقرباء والأصحاب والجيران وقرا ما تحويه دور الكتب والمراكز الثقافية في القرى والمدن 0
والحقيقة لا تبرير لضعف القراءة في بلدنا سوى أن وروثنا الثقافي السلبي ترك بصماته على عقولنا فالقراءة عندنا ليست عادة موجودة في الأسرة0 لا بل توجد بعض النصائح كان يقال لك 0 الم تعمى بعد 0 أو كلمة نظيفة أحسن من جريدة وسخة 0 أو ما اضرط الحبر الاالورق 0
المقصود منه0 الفهم والتفسير0وكشف للمكبوت وتحليله 0 وتفكيك رموزه وتاويله0
والكلمة المكتوبة المقروءة قلبت البشرية من حال إلى حال وانتقلت بها من حالة التوحش والبدائية والهمجية والفوضى إلى حالة الحضارة والرقي فهي أي الكلمة (0 لسان الحضارة وسلاحها )0
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |