مطلب المروءة – مختارات من كتاب مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية للشيخ رفاعة رافع الطهطاوي
2010-06-19
يعتبر الشيخ رفاعة الطهطاوي ( كما ورد في مقدمة المختارات ) من طلائع النهضة الفكرية و الاجتماعية التي جاءت في عصر التنوير الإسلامي ( و هذه الصفة نضعها بين قوسين لأنها تحمل أكثر من معنى يدمج في أساس الهوية و بنية الذهن الدين مع العرق ) . و قد فتح الطهطاوي الباب بمجموعة من الأحاديث الجريئة من أهمها :
1 - تعليم البنت في وقت كان فيه تعليم الولد من الكبائر.
2 - أهمية قناة السويس قبل بنائها كإشارة على فهمه الجغرافي و الاقتصادي المستنير الذي مهد لمفاهيمنا المعاصرة عن الأمن الاقتصادي و الجيوبوليتيكا .
3 - و كذلك " الامتيازات الأجنبية " كعلامة على الطريق في تفكيك الاستعمار الجديد في وقت كان الاستعمار القديم هو الموجود على الساحة.
لقد كان الطهطاوي رائدا و مبكرا و له بصيرة نافذة و رسولية ( بتعبير الشيخ ماجد الغرباوي في حديثه عن تجديد الفكر الديني ) ، فقد بشر بالإصلاح الزراعي و تكلم عن دور العمال الزراعيين في دورة الإنتاج ، و عن القيود المفروضة على العملية الإنتاجية نتيجة الظلم الذي تعرض له العمال من قبل كبار الملاك و الإقطاعيين.
و لد الشيخ رفاعة سنة 1216 هـ ( 1801 م ) و انتسب لكل من الأزهر و الجيش و مدرسة الطب و مدرسة المدفعية و مدرسة الألسن. و ضمت مؤلفاته مجلدات في مختلف العلوم مثل علم الكلام و الفقه و النحو و الحديث و الأدب و التاريخ و الجغرافية و السياسة و الاقتصاد و التنقيب عن المعادن ، إلخ...
و قد سافر إلى فرنسا ليس عضوا في البعثة التعليمية و لكن بصفة واعظ و مرشد و إمام لها.
من أهم مؤلفاته : مناهج اللباب المصرية في مباهج الآداب العصرية ، 1869 ، المرشد الأمين للبنات و البنين ، 1872 ، نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز ، 1874 ، قلائد المفاخر في غريب عوائد الوائل و الأواخر ، 1833 ، مواقع الأفلاك في وقائع تليماك ، 1885 . و غير ذلك له مجموعة من الخطب و القصائد المترجمة و الموضوعة.
أسرة تحرير مجلة الف
* مطلب المروءة – مختارات من كتاب مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية للشيخ رفاعة رافع الطهطاوي
و يقال : ثلاثة من حقائق الإيمان : الاقتصاد في الإنفاق ، و الإنصاف من نفسك ، و الابتداء بالسلام. و ضابط الاقتصاد في الإنفاق أن ما دبره العقل ، و ناله الفضل فهو الاقتصاد الجميل الحسن ، فالعقل السليم لا يميل إلى الفرط و لا إلى الشطط ، بل يتبع الوسط الذي هو خير الأمور.
و من شواهد فضيلة البر و دلائل الكرم و الإنفاق المروءة التي هي حلية النفوس و زينة الهمم ، و هي مجاراة النفس على أفضل أحوالها. روي عن النبي – صلى الله عليه و سلم – أنه قال : " من عامل الناس فلم يظلمهم ، و حدثهم فلم يكذبهم ، و وعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته و ظهرت عدالته ، و وجبت أخوته ، و حرمت غيبته ". و سئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل و المروءة فقال : العقل يأمرك بالأنفع ، و المروءة تأمرك بالأرفع. و لا ينقاد للمروءة مع ثقل تكلفها إلا من سهلت عليه المشاق رغبة في المحمدة ، و هانت عليه الملاذ حذرا من المذمة. و لذلك قيل : سيد القوم أشقاهم ، أي أكثرهم مشقة ، قال المتنبي :
لو لا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر و الإقدام قتّال
و قال :
و إذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
و الادعي إلى استسهال الصعب في التمسك بالمروءة شيئان : علو الهمة ، و شرف النفس. فأما علو الهمة فإنه باعث على التقدم ، و داع إلى التخصص ، أنفة من خمول الضعة ، و استكبارا لمهانة النقص. و في الحديث الشريف : " إن الله تعالى يحب معالي الأمور ، و يكره سفاسفها ". و أما شرف النفس فبه يكون قبول التأديب ، و تقويم التهذيب ، فإذا شرفت النفس كانت للآداب طالبة ، و في الفضائل راغبة. فإذا تجرد شرف النفس عن علو الهمة كان الفضل به عاطلا ، حتى قيل : إن شرف النفس مع صغر الهمة أولى من علو الهمة مع دناءة النفس ، لأن من غلبت عليه همته مع دناءة نفسه كان متعديا إلى طلب ما لا يستحقه ، و متخطيا إلى التماس ما لا يستوجبه. و من شرفت نفسه مع صغر همته فهو تارك لما يستحقه ، و مقصر عما يجب له. و الفرق بين الأمرين ظاهر ، و إن كان لكل واحد منهما من الذم نصيب . قال الشاعر :
إن المروءة ليس يدركها امرؤ
ورث المكارم عن أب فأضاعها :
أمرتْه نفس بالدناءة و الخنا
و نهتْه عن سبل العلا فأطاعها :
فإذا أصاب من المكارم خلّةً
يبني الكريم بها المكارم باعها.
قال أنو شروان : الكامل المروءة من حصّن دينه ، و وصل رحمه ، و أكرم إخوانه. و قال بعض الحكماء : كامل المروءة من أحب المكارم ، و اجتنب المحارم. فالبر الحقيقي المذكور في قوله تعالى : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " حليف للمروءة الكاملة. و يطابق هذه الآية الشريفة قوله صلى الله عليه و سلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ". ( رواه الإمام مسلم – رضي الله عنه – بلفظ : " إذا مات المسلم " بدل " ابن آدم " ) فقد حث الحديث النبوي على ثلاث فضائل جامعة شاملة لأساس الدنيا و الدين في حق صاحب العمل ، تديم عمله ، و تجعله باقيا ، كأن صاحب العمل حي بعمله مأجور دائما. فهذه الفضائل مخلدة للذكر ، مؤبدة للأجر. و بضدها تتميز الأشياء ، فإن من لا صدقة له في حياته ، و لا علم و لا ذرية فعمله مقطوع من أصله ، فهو ميت الأحياء ، حيث عدم الفضائل الثلاثة.
( ص 29 – 31 ).
- بالاقتباس من طبعة وزارة التربية و التعليم في الجمهورية العربية المتحدة ، الإقليم الجنوبي ، 1958 .
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |