قصة / عندما يعشقون العاهرات
خاص ألف
2010-07-18
دفعتُ الباب الثقيل بحرص شديد , لم تغب الشمس بعد وإنما كانت تتأهب للرحيل، انسلت خيوطها الذهبية من خلال الستائر المخملية الثقيلة فغدت كأسهم ذهبية منقوشة بزغب فضي , تفقدتُ المكان؛ الأثاث الفاخر، الكرسي المرقط بالقطيفة الحمراء. رائحة الثراء تعبق في كل زاوية, تسللت بخفة, نفذت إلى أنفي رائحة غريبة، أتراها كانت رائحة الموت؟ نظرت إلى الجثة الممدة على الأرض بلهفة. فجأة رأيتك منتصبا أمامي، ووجهك شاحب قاس كجليد منسي في زاوية غابة منسية، رفعت حاجبي متسائلة والنصر يرقص على شفتي المغلقتين.
- قتلته؟
- لم أستطع , وجدته مقتولا عندما دخلت ...
بدهشة ممزوجة بالخيبة تابعت النظر إلى الجثة
- سبقونا إليه.
- نعم سبقونا إليه، لكن مازلنا نستطيع أن ندعي قتله، لقد نفذنا المهمة.
تابعتُ تأمل الجثة، كانت الرصاصة قد اخترقت رأسه من الناحية اليسرى.
- دعنا نسرع فربما سيأتي أحد الآن, هل فتشت الغرفة ؟
- لم أجد شيئا , أظنهم أخذوا كل شيء .
هرعت إلى مكتب القتيل، فتشت الدروج بسرعة, لم أجد شيئا فجأة لمحت مغلفا أزرق اللون بداخله مجموعة من الصور، لم يكن مغلقا لكثرة الصور فيه لا ادري لماذا أخذت المغلف ودسسته في حقيبتي.
- هلم دعنا نرحل بسرعة.
تسللنا من الباب الخلفي، اختفى السديري شمالا، و هرعت أنا غربا .
أرشفُ قهوتي متأملة الصور, صورٌ كثيرةٌ كانت جميعها للقتيل, رحلات تزلج على الجليد في أوروبا , سهرات صاخبة, زوجة القتيل الأولى تقبله في يوم الزفاف, زوجة القتيل الثانية تقبله في يوم الزفاف, هو يتصدر مكتبه، وسيجار ضخم بين أصابعه الثخينة , القتيل يتصدر مائدة الروليت وحوله أكثر من جميلة ... لكن ! مهلا ما هذا؟ يا إلهي هذه الصورة, لا مستحيل لا أصدق هل هذه نوال ؟ نوال زوجة أخي معه في مكان عام ثم في بيته وعلى فراشه في وضع مغر, قفزت من مقعدي, و الرجفة في قلبي , امتدت يدي إلى الهاتف لكني عدلت عن الفكرة. "العاهرة كانت على علاقة مع القتيل" كانت صدمتي كبيرة، كنت أعلم دائما أنها رخيصة، و ما زاد في غضبي أني كنت لا أطيقها منذ اللحظة التي جلبها أخي معه إلينا.
تعلو الأسئلة في رأسي كيف وأين و متى؟ وهل يعلم أخي؟ هذا الغبي, كلهم أغبياء عندما يعشقون العاهرات . اتجهت إلى المطبخ وأحرقت الصور جميعها.
كان السديري ينتظرني عند المنعطف اندفعت إليه:
- هل قرأت الجرائد؟ يظن الجميع أننا نحن ...
- طبعا, لأن المسألة ....
قاطعته بحدة: سديري لو تعلم ماذا اكتشفت في تلك الصور , ذاك المغلف المليء بالصور، تخيل نوال كانت على علاقة بالقتيل.
ما الذي ارتسم على وجه السديري في تلك اللحظة؟ هل كان ألما ممزوجا بالرعب, ألم الحقيقة؟ الحقيقة ذات الثقوب، تلك الثقوب التي يرى من خلالها الوجه الآخر، فكل حقيقة تحمل خلفها وأمامها حقيقة أخرى, تلك التي نراها ونتحاشاها جاهلين ومتجاهلين الطين في عيوننا وعلى شفاهنا، ننظر إليها مبتسمين ابتسامة الخادع، ولسنا إلا مخدوعين.
انفجر السديري في وجهي صارخا، ومسا من الجنون في عينيه:
- كاذبة لا أصدق كنت أراقبه، لم أره مع نوال، تكذبين أنت لا تحبينها.
كالطعنة في قلبي فاجأني ثقب جديد من ثقوب الحقيقة, مع أن ما بيني وبين السديري كان قد اندثر منذ زمن بعيد. لم تكن خيبتي كبيرة لعلمي أنه أيضا على علاقة مع نوال, وإنما لشعوري بالقرف والإذراء. تناهى إلي صوته معترفا :
- ماذا تريدين؟؟؟ إنها تحبني، وقد اتفقت معي على ترك زوجها.
- زوجها ! تقصد أخي الغبي؟!
لم أعد أسمع شيئا، ماذا قال؟وماذا قلت أنا ؟ لا أذكر. كل ما عرفته أني تركته لجنونه واندفعت أركض في شوارع دمشق وقاسيون يرمقني، يرمق الخادع والمخدوع، القاتل والمقتول، يحضنني كما يحضن دمشق وقلبي. توقفت فجأة، أين أخي؟ شعرت بالقلق، يجب أن أجد أخي، أسرعت متجهة إلى منزله، بقي شارع صغير وأصبح هناك، فجأة توقفت سيارة فخمة ترجلت منها نوال بكبرياء متكلف كعادة العاهرات، شعرت بالدم يسري في شراييني ركضت خلفها أدركتها التفتت إلي اقتربت منها حتى حاذيتها , همست بصوت مخنوق:
- نوال ما هي علاقتك بالقتيل ؟
هاتان العينان وتلك الشفاه المنتفخة وقوس قزح على وجهها , أشارت إلي بإصبع أحمر أطول من إصبعها:
- القتيل ! لا أعرفه إلا من الجرائد , المعذرة شيري أنا على عجلة.
عند المنعطف وعند بيته أبصرت حشدا من الناس وسيارات الشرطة ومصورين وشريطا أحمر يفصل مدخل منزله عن الشارع, من خلال غشاوة عيني أبصرته ممدا على الأرض جثة تحيط بها بركة من الدماء, أبصرت نوال تركض تنحني فوق الجثة تعول وتصرخ: حبيبي حبيبي ماذا فعلوا بك؟
كان الذباب يتكاثر حول دماء أخي, طنين الذباب يعلو، يزعجني، يعلو، أكاد أفقد صوابي، اتجهت شرقا واختفيت في الزحام .
وأنا أرشف قهوتي ببطء متأملة الصفحة الأولى في الجريدة اليومية ( وجدت جثة امرأة ن.ع ومعها جثة رجل ق.س الملقب بالسديري في غرفة أحد الفنادق .... تتابع الشرطة التحقيق ....)
رميت الجريدة على المنضدة مبتسمة , تأملت الأفق البعيد , لاح لي قاسيون شعرت بالارتباك , سقط فنجان القهوة على الأرض وتناثر إلى شظايا صغيرة . يعلو طنين الذباب , لم يعد يزعجني , أهب واقفة , أفتح الباب الأرجواني الثقيل , وأنطلق إلى عالم الجنون .
××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |