"مرحٌ معَ الظلالِ "
خاص ألف
2010-07-24
في تلكَ الساحةِ الخلفيةِ حيثُ اختبأتُ منذُ أيامٍ خوفاً من أن تعاقبَني أمِّي. كنتُ جائعةًً. بحثتُ عن الطعامِ لم أجدْهُ. الساحةُ خاليةٌ إلا من بعضِ الأشجارِ. كان الوقتُ عندما ذهبتُ إليها وقتَ الأصيلِ. العصافيرُ تنقرُ أشياءَ من الأرضِ تحتَ الأشجارِ. لا يوجدُ حَبٌّ في الأرضِ. ماذا تنقرُ العصافيرُ إذن؟ في البدءِ اعتقدتُ أنَّ العصافيرَ تمثِّلُ أنَّها تأكلُ بينما هي جائعةٌ مثلي تماماً. فكرتُ للحظةٍ. رأيتُ أنَّها طيورٌ لا تخجلُ من الفقرِ مثلَ البشرِ. لم يصنفْ الفقرُ ولا الحُبُّ ضمنَ دائرةِ العيبِ في عالمِها. بعد قليلٍ أتتْ هرةٌ صغيرةٌ تحملُ في فمِها كيساً. لعبتْ بالكيسِ قليلاً ثم تركتهُ ومشتْ. أمسكتُ بالكيسِ وفتحتُهُ. رأيتُه مملوءاً بالخبزِ اليابسِ. لم أتجرأْ على أخذِ سوى قطعةٍ منه. خفتُ أن تأتيَ القطةَ وتطلبُ الكيسَ. أعدتُّه إلى مكانِه وفي كلِّ دقيقةٍ أذهبُ وأجلبُ قطعةً جديدةً إلى أن انتهى الخبز ُ كلّه.
حلَّ المساءُ. اعتلتِ العصافيرُ الشجرةَ. وبدأت تتشاجرُ. ما أسعدَها ! إنها تقيمُ سهرةَ حوارٍ يتخللُها بعضُ الاختلافِ. تدريجياً خفَّ الصوتُ. أردتُ أن أتسلى بشيءِ ما. أن ألعبَ. ركضتُ في الساحةِ. ظلٌّ كبيرٌ غطى مساحةً أمامي. كانَ يتمايلُ . اعتقدتُه ذلك الشبحَ الذي كان يأتي لتسليتي في بعضِ الأحيانِ. أين أنتَ أيّها الشبحُ؟ إنّني خائفةٌ !
لا أعرفُ ما هي تلكَ الظلالَ التي تبدو لي وحوشاً مرعبةً . أمي . أين أنتِ؟ عاقبيني . أبعديني من تلكَ الساحةِ . إنّني خائفةٌ منها . لا أحدَ يجيبُ . تكورتُ على نفسي تحتَ شجرةٍ قربَ كيسِ الخبزِ الفارغِ. رأيتُ الهرّةَ تأتي مرةً أخرى، وبفمِها كيسٌ ثانٍ. تبعتْها هرةٌ أخرى، وأخرى. اختلفوا وتعاركوا حولَ الكيسِ وفازتْ الأولى بهِ. أكلتْ منهُ. يبدو أن طعمَهُ كانَ لذيذاً.
نامتِ الهرّةُ في مكانٍ ليس بعيداً عن مكاني. إنّي أخافُها. أراها تكبرُ أمامي. هي سوداءُ . يا إلهي ! إنّها تلكَ الجنيةُ التي كانتْ تكبرُ خلفي و تخيفُني عندما كنتُ صغيرةً. ستستطيعُ بعد قليلٍ أن تلتهمَني. سأصرخُ دون أن تسمعَني الهرةُ. ماما. ماما. آه لو كنتُ أستطيعُ أن أركضَ. قدماي متسمرتانِ بينما أتكورُ على نفسي. أنظرُ من تحتِ مرفقي بعينٍ واحدةٍ لأشهدَ على نهايتي.
تعالي أيتُها الجنيةُ اقتليني. لقد استسلمتُ. ليتَ أمي عاقبتْني ولمْ ألجأْ إلى هذهِ الساحةِ المسكونةِ بالجنِّ. الهرةُ جنيةٌ تركتِ الطعامَ لي وفي داخلِهِ وضعتْ سحراً تستطيعُ من خلالِهِ أن تقودني إلى المكان الذي تريدُه.ُ أمي، لن تريني بعد الآنَ أكلتُ خبزَ الجنيّة. لم أكنْ أعرفُ أن هناك جنٌّ من الطيورِ إلى أن أتتْ عصفورةٌ مسحورةٌ سلمتْ عليَّ وقالت: هلْ أنتِ إنسٌ. ارتعدَتْ أوصالي من الخوفِ. قالتْ مؤكدةً : أنتِ إنسٌ. يبدو عليكِ الخوفُ. لا تخافي.
ابتسمتُ لها وقلتُ: خذيني أيتها الجنيةُ إلى أمِّي.
أجابتني: أمُّكِ رحلتْ منذُ دهرٍ لذا عطفَ عليّك الجانُ في الساحةِ وجلبوكِ إليها.
مازلتُ خائفةً. مازلتُ أرتجفُ. أصرخُ وإلى عمقي يذهبُ صوتي. الظلالُ ترعبُني . تمرحُ معي بعد أن تطبقَ على عنقي. الجنُّ يقيمونَ العرسَ وأنا أختبئُ خوفاً من أن أحدَهم سيطبخُني لوليمةِ العرسِ. الموتُ طبخاً مؤلمٌ . لم أجربْهُ قبلَ الآن. لو خيروني بالموتِ لاخترتُه صعقاً كي ينتهي الأمرُ في ثوانِ. لابدَّ أنّهم يختبرونَ قدرتي على الصبرِ. سأكونُ شجاعةً. سأهربُ من الساحةِ الخلفيةِ إلى الأماميةِ لبيتِنا. هربتُ. اعتقدتُ نفسي سلِمتُ، فإذ أنا بيدِ الجنيِّ الماردِ سقطتُ. رفعني من رأسي بيدِه إلى الأعلى. تمعَّنَ بي ثم أعادني وهو يلوحُ برأسِه يمنةً ويساراً.
قالَ لي: مزقتِ قلبي من الحزنِ. لم أنتِ خائفةٌ؟ اطلبي أيتُها الفتاةُ ما تريدين. قلتُ: أريدُ أمي.
- أمك ! يا للغباء! لقد ربَّتكِ على الخوفِ . لن تجديها. اختفى أثرُها. ماتتْ من الخوفِ ترتجفُ . خافتْ أن تتهمِ بالإثمِ . قبّلني الماردُ من جبيني. قالَ: لا عليكِ قد أكونُ لك الأبُ . عليَّ أن أطفئَ ذلك اللهيب الذي أشعلَهُ الخوفُ في رأسكِ. نحنُ من نارٍ، لكنّنا لا نشتعلُ مثلكِ .
- سأبكي. لا أريدُكم. أريدُ أمي. أريدُ أن تعاقبَني. أرغبُ أن أعودَ إليها. أرجوك أيها المارد إليها أعدني.
- أرأيتِ ! لقد وثقتِ بي. لم تعودي تخافينَ الماردَ.
- أخافُ تلكَ الظلالِ فقط.
- نحنُ من طلبَ الظلالَ من الليلِ. أهدانا إياها من أجلِ أن تتنزهي بينَها وتجري.
- الطيورُ. الخبزُ. الهرةُ. ما أمرُهم.
- هي ساحُتنا. كلُّ جماعتنا تجوبُ فيها. إنهُ قانونٌ لنا. الساحةُ للجميع.
- أيها الماردُ ! لقد صدقتُك. لم أعدْ خائفةً. حزينةٌ فقط على أمي. هل لك أن تجلبَها
إلى هنا؟
نادية خلوف
××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |