"صديقي اللدودُ "
خاص ألف
2010-08-11
قبلَ ألفِ عامٍ . عندما ولدتُ أولَّ مرةٍ . لم أكنْ أشربُ القهوةَ أبداً . خُلقتُ في مكانٍ بعيدٍ لم أعدْ أذكرُ اسمَه . ربما يلزمُني تنويمٌ مغناطيسيٌّ لأعرفَ من أنا ؟ أتذكرُ بعضَ الأشياءِ عن نفسي . كنتُ سعيدةً لأنّني أرقصُ على حبلٍ . نعيشُ في سفرٍ دائمٍ. لا نشعرُ بالزمنِ ولا بالغربةِ ، ولا بوطأةِ الحياةِ . هكذا ُيخيلُ لي .وربما هذهِ هي الحقيقةُ .
تحدثتُ لخبيرٍ روحاني عن ذلكَ . قال : إنّها حياتُك السابقةَ . من أنتِ ؟ لقد رأيتُك من قبل !
- رآني من قبل ! أين رأيتَني ؟
- في حياتكِ السابقةِ على ما يبدو . لكنّك لم تكوني تتحدثينَ العربيةَ يومَ عرفتُكِ . ربما كانتْ لغتُكِ قد اندثرتِ الآنَ . نعم . أنتِ هي من عرفتُها . أتذكرينَ قصةَ حبّنا . مازلتُ أفتقدُك . في هواكِ مازلتُ أذوبُ . لمَ الجفاءُ . قلبي يذوب من الحبِّ وقلبُكِ حجرٌ . تعالي إلي لأضمكِ إلى صدري .
- ارحلْ من عالمي يا هذا . لم أتعرفْ عليكَ في حياةٍ سابقةٍ أو حاليةٍ . أنتَ أيضاً لا تعرفُني . إنكَ تختبرُ ذكائي . لا تشككْ بعقلي . اجلبْ لي غربالاً . سأغربلُ لكَ الماء لو شئتَ . إنني قادرةٌ على هذا .
- مادامَ الأمرُ كذلكَ قولي شكواكِ لأعالجَكِ روحانياً .
- شكواي أنّني أدمنتُ على شربِ القهوةِ والأطباءُ يحذرونني .
- الحلُ بسيطٌ . عالجي الأمرَ بإدمانٍ آخرَ
- مثلُ ماذا ؟
- مثلُ التسولِ . فمن جهةٍ تكونُ لديكِ هوايةٌ مفيدةٌ وبنفسِ الوقتُ تملئين الفراغُ العاطفي عندكِ .
- اصمتْ . هل ترى أنَّ هذا العملُ يناسبُ مكانتي ؟
- وما هي مكانتُك ؟
- قلْ أنتَ . ألا يظهرُ عليَّ الخلقُ والأدبُ ؟
- أضحكتِني . إذن أنتِ تبحثينَ عن رجلٍ للزواجٍ . هو موجودٌ . كم تدفعين ؟
- أدفعُ. ماذا أدفعُ ؟
- لديَّ الغثُّ والثمين . ولكلٍ سعرُه .
انصرفتُ . لم أجادلْهُ في الأمرِ . من عادتي أن لا أجادلَ في أي موضوعٍ لأنّني مصابةٌ برهابِ الخوفِ . ففي إحدى حيواتي السابقةِ قتلَني أخي من أجلِ الثروةِ ولم
أجادلْهُ ، وفي إحداها قتلني أبي من أجلِّ الشرفِ ، وفي أخرى قتلني زوجي من أجلِ صديقتِه . أما في حياتي ما قبلَ الأخيرةِ فقد دفعني كلُّ هؤلاءِ إلى حرقِ نفسي . وعدوني بالنارِ ، ولمْ يقيموا الصلاةَ على جسدي . متُّ كافرةٌ لأنني حرقتُ نفسي . فكان حرقي محتمٌ في الآخرةِ أيضاً . حياتي الآنَ هي الأسوأُ من كلِّ الحيواتِ التي عشتُها . أعملُ كما يريدُني جميع الرجالِ لكنَّني لم أجدْ زوجاً . كبرتُ في السّنِ . صديقي هو فنجانُ القهوةِ فقط وأسميه "صديقي اللدود " . هو حتى الآنَ بديلٌ عن
الزوجِ . يملأُ فراغَ الرجلِ في حياتي . آه ! نسيتُ أن أضعَ الركوةَ على النارِ . حانَ موعدُ شربِ القهوةِ . لا يوجدُ بن ! ليسَ هناك من مشكلةٍ . سأغلي الماءَ ثم أشربُه بالفنجان . الطقسُ مثلجٌ . يلفُني صقيعٌ يجعلُ عظامي ترقصُ على وقعِ اصطكاكِ أسناني . سينقذُُني فنجان القهوة . لا يوجد نار ! يا إلهي ماذا أفعلُ ! سآكلُ بعضَ الطعامِ كي أنسى ، وقد لا أشربُ القهوةَ بعدَ الآنَ . لا يوجدُ طعامٌ أيضاً...لجأتُ إلى استشارةِ ذوي المعرفةِ والعلمِ . لحلِ أزمتي الاقتصاديةِ . كلُّهم
محللونَ بارعون . قالَ لي أحدُهم : هناكَ تجارةٌ رابحةٌ للنساءِ . ألا ترينَ َ المسنين كيفَ تختلطُ أجسادُهم مع أجسادٍ غضةٍ في سوقِ المالِ والجمالِ ؟ لابدَّ أن أذهبَ . لم يعدْ لديَّ مجالٌ . أرغبُ أن أشربَ القهوةَ اليومَ وفي الحالِ . فزتُ أخيراً .
تحدّثَ إلي أحدُهم عن الحريةِ الشخصيةِ . أقنعني أنّها حريتي في البيعِ ، وحريتُه في حياةِ الليلِ. سيصبحُ سيداً لي للحظةٍ أو لبضعِ ليالٍ . لكنّه نقضَ عهدَهُ في اللحظةِ الأخيرةِ . رأى على الشاطئِ فتاةً تريدُ أن تصبحَ لهُ الربّانَ . تركني ومشى . هكذا يفعلُ الرجالُ . هو من قالَ هذا . بتُّ بلا بنٍ ولا قهوةٍ ولا فنجانٍ .
ما زلتُ أبحثُ عن فنجانِ قهوةٍ . أتى على طبقٍ من ذهبٍ من غيرِ ميعادٍ . حصلتُ على حقيَّ الآنَ . أتتْ صديقتي ومعها البنَّ. بما أنّه لم يكنْ لديَّ نارٌ . أشعلتُ أوراقاً كنتُ سأقدِّمُ امتحاناً بها . غلوتُ القهوةَ . ما ألذَّ طعمَ النار عندما تكونُ السماءُ مثلجةً . لم أكنْ أعرفُ أنّها رأسُ السنةِ إلا بعدَ أن غفوتُ . كنتُ أحلمُ بفنجانٍ آخر تفوحُ منهُ رائحةَ البنِّ والدفء يقدّمُه لي نادلٌ بكلِ احترامٍ . ورأيتُ شبحاً يقدمُ لي فنجانَ قهوتي . همسَ بأذني قائلاً : تمنّي . أتمنى. يا إلهي ! لم أعدْ أتذكرُ ماذا أتمنى . قيّدني بثلاثِ أمنياتٍ فقط .
- سألتُه : من أنت ؟
- ضحكَ وقالَ : كنتُ أحدَ أزواجكِ الظالمين ، لكنَّ اللهَ أكرمَني بمرتبةٍ حسنةٍ في عالمِ الأشباحِ . جعلَني المسؤولَ عن الأمنياتِ . ماذا أجلبُ لك الآن ريثما تتذكرين أمنياتَكِ .
- قلتُ : خبزاً وزيتاً ولحماً ودفئاً ، وفنجانَ قهوةٍ . أحضرَ لي كلَّ الأشياءِ ثم قالَ : هيا . ما هيَ أمنيتُك الأولى؟
- زوجُ يحبُّ العملَ ويدمنُ عليهِ . لا أراهُ إلا ساعةَ ينامُ .
- وضِّحي لي كي ألبيَ طلبَك .
- في حيواتي السابقةِ كان أزواجي كلّهم ينامونَ بينما أرتشفُ قهوتي . أرغبُ أن نتحدثَ معاً لكن دونَ جدوى . وبينما أحاولُ أن أفتحَ فمي لأقولَ أولَّ كلمةٍ أسمعُ صوت شخيرهِ أعني ذلكَ الزوجُ . يكونُ قد غطَّ في نومٍ عميقٍ .
- هذا الطلبُ مرفوضٌ يا سيدتي . إنّه تعدٍّ على عقلِ الرجلِ الباطنِ . لينمْ . أليستْ هذهِ حريتُه الشخصيةِ . هاتي أمنيةً أخرى .
- لا أريدُ زوجاً . سكناً يليقُ بي . كفايةً ماديةً ، أن يكونَ لي ابنٌ كي أجربَ شعورَ الأمومةِ . جربتُه خلالَ ألفِ عامٍ . لم يكنْ كما يصفونَه . اعتقدتُ أنّني لم أتمكنُ من الشعورِ بالسعادةِ معَ أبنائي بسببِ ُسباتٍ اكتئابي أصابني طيلةَ تلكَ المدةِ
- هذه طلباتٌ كثيرةٌ . لا يمكنُ أن ألبيَها كلّها ، وبخاصةٍ موضوعُ الطفلِ ، فلا أبناءَ دونَ أزواجٍ .
- غضبتُ . أردتُ أن أناقشَه . لأولِّ مرةٍ أرغبُ بالجدالِ . نظرتُ . رأيتُ شبحاً ينامُ على الكرسيِّ . شخيرُهُ أقوى من شخيرِ كلِّ الرجالِ – أعني أزواجي كلّهم - !
××××××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |