شخصية علي الأدبية – مختارات من كتاب علي بن أبي طالب لفؤاد إفرام البستاني
2010-08-21
في الخيال الشعبي مجموعة من الصور – الأيقونات التي تحولت عن طريق المبالغة إلى نوع من العظة ، أو الصفة الأسطورية ، و ربما الدرس الأخلاقي و البطولي.
و في المقدمة تأني صورة الإنسان الضعيف و المخلص و الذي ينتصر على أوضار العالم من خلال تطهير البشرية بالألم ، كما هي حال السيد المسيح على الصليب .
و هناك أيضا صورة النبي يوسف ، و التي يقول عنها الأستاذ المعلم عبد القادر المازني في ( حصاد الهشيم ) إنها صورة تخيلية ، و تعبر عن قيمة الجماليات المؤنثة في حوض البحر الأبيض المتوسط. و إنه يمكن مطابقتها بكل سهولة مع ملامح صورة كليوباترا ، الملكة الفاتنة و الشجاعة.
و في هذا الباب تدخل أيضا شخصية الإمام علي ، الخليفة الرابع للمسلمين ، و الذي ترسمه الصور القلمية بشكل الرجل الجسور و حامل ذي الفقار السيف المشحوذ المسلط فوق رؤوس الأعداء. ثم بشكل العقل الصافي ، المتعالي فوق شروط العالم و فوق قيود الروابطة البشرية .
و في هذه المقالة أدناه للراحل فؤاد أفرام البستاني و الذي عمل بالتدريس في كلية القديس يوسف في لبنان نبذة عن خصلته الثالثة التي قلما اهتم بها العامة ، و هي عناصر نتاجه الأدبي.
ألف
شخصية علي الأدبية لفؤاد إفرام البستاني
إذا صرفنا النظر عن كل ما نسب إلى علي ، بعد القرن العاشر ، من التآليف و الآثار التي يشك بصحة جميعها بعض النقاد ، فلم نعتبر في بحثنا إلا ما ورد من خطبه و مواعظه و حكمه في كتب المؤرخين القدماء من أمثال اليعقوبي و الطبري و المسعودي و ابن عبد ربه ، و كلهم كتبوا قبل نهج البلاغة ، رأينا أن لعلي بن أبي طالب شخصية بارزة في الآداب العربية ، و أن له تأثيرا شديدا في مذاهب المتأدبين. و إننا لنفهم حقيقة هذه الشخصية ، و ندرك سر هذا التأثير ، إذا ما درسنا القوى الأدبية الثلاث ، و اتحادها في هذا الرجل ، فحملها إياه إلى درجة من البلاغة راقية.
دور الشعور
كان علي رقيق القلب ، وافر التأثر ، شديد الإخلاص. و لكنه لم ير حوله أدنى شبه لما في نفسه ، فوجد في ظروف عاكسته نصف عمره و في بيئة تصابحه بالاحتجاجات و تماسيه بالاعتراضات ، و بين رجال و أعوان لا يفهم أكثرهم للإخلاص معنى. فتفطر قلبه إذ رأى نتيجة أعماله العديدة و اجتهاداته السالفة تتناثر كالهباء. و كان له من تردد أحكامه ما أحبط مساعيه ، أن صاحب القلب السليم لن يفقه ملاوي السياسة ، فحار في أموره ، و شك في صلاح البشر ، و حزن شديدا حتى رفعه الألم إلى ذاك الإحساس السريع التأثر ، و الشعور المتألم أبدا ، و العاطفة الحية التي تميز المتشائم فيرى أنه مبخوس الحق ، غير مفهوم ، فيتذمر من الحياة و يتشكى من البشر ، ثم يرى غرور المطامح ، و نتيجة المطامع ، فيشفق على الخلق التاعسين يقضون عمرهم القصير في حشد الهموم ، و تغذية الأهواء فيقول : " مسكين ابن آدم ! مكتوم الأجل ، مكنون العلل ، محفوظ العمل ، تؤلمه البقة ، و تقتله الشرقة ، و تنتنه العرقة ! " ثم يرى انحطاط أخلاقهم و كيف أن الإنسان ينسى مصيبته بموت أهله ، و لا ينسى فقد ماله ، فيقول بشيء من المرارة : " ينام الرجل على الثكل ، و لا ينام على الحرب ".
و يتذكر أن جميع مفاسد الخلق عامة ، و آلام تعسه خاصة تمت إلى النساء بأسباب قوية ، فيشتد كرها لهن ، و تتجاوز عاطفته الإشفاق إلى الحكم ، فيقول : " المرأة شر كلها ... " ثم تتجلى لديه الحياة البشرية ، و نظام الكون ، و ضعف الإنسان ، فيتم حكمه : " ... و شر ما فيها أنه لا بد منها ".
ثم يزداد ترفعه عن العراك في هذه الحياة ، و هو لم يخلق ليعارك ، و لا يرى راحة إلا في ما وراء هذا العالم الفاسد ، فينعش في قلبه ما كسبه في صغره من الإيمان الحي ، و يميل إلى الزهد ، آخذا بإرشاد خواصه و تعليمهم الحكم ... غير أنه ، في ترفعه هذا ، لا ينسى الإساءات العديدة ، فلا يصل إلى درجة الغفران و مقابلة الشر بالخير ، بل يقول : " ردوا الحجر من حيث جاء ، فإن الشر لا يدفعه إلا الشر ...".
دور المخيلة
و يجب ألا نظن ، إذا ما ذكرنا الحكم ، أنها من نوع تلك الأقوال الجافة ، و الأبيات الناصلة الألوان التي ولع بها الانحطاطيون من النظّام ، و مقلدو الحكماء من المفكرين. الحكمة عند علي بن طالب وافرة المعنى ، جميلة المبنى. يأخذها عقلية لا لون لها و لا رسم ، فتمر في مخيلته ، فإذا هي صورة جميلة تترجرج فيها الحياة. إذا رأى مصائب البشر العديدة ، و نتائج أهوائهم السيئة ، صور لنا هذا العراك ، فقال : " أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع !".
و إذا أراد أن مقدرة الرجل تعرف في منصبه ، جعل الولايات ميادين ، و الولاة كخيل السبق ، فقال : " الولايات مضامير الرجال ". و إذا فكر أن الحق فوق القوة ، صورت مخيلته مظاهر البطش ، فقال : " من صارع الحق صرعه !".
دور العقل
ليس علي شاعرا و مصورا فحسب ، بل هو حكيم أيضا ، و حكيم قبل كل شيء ، حكيم في جميع مواعظه و خطبه ، يحافظ على الحد الأوسط في أكثرها.. و إذا هاجت عاطفته الأحزان فخشي عليها من التهور ، ظهر العقل آمرا فأوقفها.
و اننا نرى أبلغ مظهر لعقله في القوة المنطيقية ، و المقدرة على القياس التي اتصفت بها أكثر كتبه إلى معاوية أو إلى عماله ، و التي يقرأها المطالع فلا يتمالك القول : " الحق معه !". هذا كتاب كتبه إلى أحد عماله ناصحا :
" دع الإسراف مقتصدا ، و اذكر في اليوم غدا ، و أمسك من المال بقدر ضرورتك ، و قدم الفضل ليوم حاجتك. أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين و انت عنده من المتكبرين ، أو تطمع ، و أنت متمرغ في نعيم تمنعه الضعيف و الأرملة أن يوجب لك ثواب المتصدقين. و إنما المرء مجزي بما أسلف ، و قادم على ما قدم . و السلام ".
و على هذا النمط من البلاغة و الإيجاز سائر نصائحه و وصاياه. و يدلنا على ما كان في نفسه من حب الصراحة ، و سرعة الخاطر ، و بلاغة الإيجاز ، جوابه لرجل من مبغضيه أفرط في الثناء عليه ، فقال : " أنا دون ما تقول و فوق ما في نفسك !".
و أي مفكر في عصرنا يزيد معاني و قوة تعبير ، على ما في هذه الجملة من تصوير ميل الإنسان إلى التشكي و التذمر ، و المباهاة بأعماله ، و هي : " ثلاثة من كنوز الجنة : كتم العلة ، و كتم الصدقة ، و كتم المصيبة "!.
هذا دور الشعور و المخيلة و العقل ، في إنشاء علي بن أبي طالب. و إن هذه القوى الثلاث ، على رجحان الشعور أحيانا ، يتحد بعضها ببعض اتحادا متينا ، و يرتبط ارتباطا وثيقا ، فلا يحس القلب بشيء إلا ظهر صورة جميلة ، يختم عليها العقل بخاتم الإيجاز ، و يدفعها حكمة مصكوكة كقطعة النقود ، تتداولها العقول معجبة ، مستفيدة.
ص 16 – 19 . المطبعة الكاثوليكية – بيروت – 1932
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |