رمضانٌ، أَمْ جَذْرُ الشَّرِّ.؟. / نوار جبور
خاص ألف
2010-09-05
أهلاً رمضانُ. كالعادةِ في كلِّ سنةٍ يأتي شهرٌ فضيلٌ، ومناسبةٌ دينيَّةٌ وجدانيَّةٌ لدى كُلِّ مُسلمٍ. ولأنَّ شهرَ رمضانَ يمتدُّ ثلاثينَ يوماً، فقد وجبَ علينا نحنُ - أبناءُ العروبةِ، وأصحابُ الحقِّ والمُلْكِ - في هذا الشَّهرِ العظيمِ أَنْ نتحمَّلَ أوزارَهُ، بتلقُّفِ أقسى حالاتِ القهرِ الاجتماعيِّ، السُّلوكيِّ، الوجدانيِّ والروحيِّ، وذلك بالاستعدادِ لَهُ، وفي عَيْشِ أيَّامِهِ بكلِّ حواسِّنا وجوارحِنا، سواءٌ داخلَ منازلِنا، أو عن طريقِ التِّلفازِ، أو في حسابِنا الإلكترونيِّ، أو هاتفِنا الجوَّالِ. طبعاً أقولُ أوزارَهُ لا بسببٍ فيهِ، ولكِنْ بما نُحَمِّلُهُ إيَّاهُ زُوراً،ً وليسَ لِعَيْبٍ فيهِ، بلْ لِعَيْبٍ يشوبُ أسلوبَنا في التَّعاملِ معهُ كظاهرةٍ زمنيَّةٍ، مِمَّا يؤدِّي إلى حدوثِ تناقضٍ بينَ القداسةِ المرجوَّةِ في مواجهةِ الاستهلاكِ الفاجرِ، واستسهالِ الناسِ لروحيةِ الطَّقسِ الرُّوحيِّ الَّذي يتجلَّى في رمضانَ عندَ المؤمنينَ. وهنا أسألُ نفسِي دائماً: هل يمكنُ أَنْ نرى في الظَّواهرِ الدِّينيَّةِ العربيَّةِ - على الطريقةِ الـ"هيجليَّةِ" ، حالةً ما تُشبهُ أو تُقارِبُ الطَّقْسَ أوِ الحالةَ الفنِّيَّةَ .؟. أشكُّ في ذلكَ لاعتباراتٍ كثيرةٍ في فَهْمِ الظَّاهرةِ الدِّينيَّةِ، وطريقةِ التَّعبيرِ عنها، وأجدُ اختلافاً كبيراً في ذلك، بينَ شعوبِ الغربِ والعَرَبِ المسلمينَ، وذلكَ لِسببٍ أساسيٍّ هوَ أَنَّ كُلَّ ظاهرةٍ هيَ وليدةُ نشاطٍ وفَهْمٍ مُعَيَّنَيْنِ منشؤُهُمَا إدراكُ وجودِ مفاهيمَ وظواهرَ، تُنتجُ أسلوباً له تأثيرٌ كبيرٌ عندَ مرورهِ في الجِسْمِ الاجتماعيِّ. ولا بُدَّ هنا مِنَ الإشارةِ أثناءَ قدومِ شَهْرِ رمضانَ وانقضائِهِ الكلامَ الَّذي يطلقهُ المُقامقونَ مِنْ شيوخٍ ورجالِ دينٍ مسلمينَ، والَّذين يُصِرُّونَ على الوجهِ الروحانيِّ الخالصِ لِمجتمعاتِنا العربيَّةِ، مُقارنَةً معَ المجتمعِ البوذِيِّ وأتباعِهِ الذينَ يُكَيِّفُونَ عَيْشَهُمْ مَعَ الظَّواهرِ الدِّينيَّةِ المُتواتِرَةِ، والَّتي تحملُ عندَهُمْ قداسةً دينيَّةً. وأرَى الفرقَ شاسعاً روحيَّاً وسلوكيَّاً ووجدانيَّاً في التَّعاملِ معَ المناسباتِ الدينيَّةِ، إِذْ تكثُرُ عندَهُمْ رُوحيَّةُ المَسْلَكِ الحياتيِّ داخلَ مجتمعاتِهِمْ، إلى حَدِّ الإِرهاقِ في يوميَّاتِها؛ لَكنَّني أعتقدُ أَنَّ المقارنةَ أوِ القياسَ البيانيَّ هنا، وبلا شَكٍّ، قَدْ يُفيدُ بشكلٍ خاصٍّ عندَ وَضْعِ أحكامٍ قِيَمِيَّةٍ لِمعرفةِ نسبيَّةِ صِحَّتِها لا أكثرَ.
عندَما سُئِلَ "بــوذا" عنْ جَذْرِ الشَّرِّ، أجابَ: "إِنَّ جَذْرَ الشَّرِّ هوَ الوهمُ والبُغْضُ والشَّهْوَةُ .".
أصبحَ شهرُ رمضانَ شهرَ مُتْعَةٍ بامتيازٍ، والمُتعةُ هنا مصدرٌ لِلشَّكِّ، لا لِلطُّمَأْنينةِ، مصدرٌ لِلسُّؤالِ، وليسَ مصدراً لِلبديهةِ، مصدرٌ لِلنَّقْدِ، وليسَ مصدراً لِلحياةِ والتَّعايُشِ؛ فالنَّاسُ يُحضِّرونَ لِلشَّهْرِ الفضيلِ بِشكلٍ مُريبٍ تماماً، فالاستعدادُ لهُ يأخذُ كُلَّ أبعادِهِ الوجوديَّةِ، إِذْ يَطْغَى رمضانُ على جميعِ حركاتِ المجتمعِ وسكناتِهِ بِرُمَّتِهِ؛ فَيُخَصَّصُ لهُ مثلاً : مَوْسِمٌ درَامِيٌّ فَنِيٌّ بامتيازٍ، سُلواناً لِلمؤمنِ مِنْ شقاءِ الصِّيامِ، وتغزو المجتمعَ "تسونامي" استهلاكيَّةٌ مُرْعِبَةٌ، تصبحُ الأرصفةُ مسرحاً لبيعِ الطَّعامِ والشَّرابِ، فتفقدُ المدينةُ شكلَها، وبهاءَها، لتصبحَ أشبهَ بِشوارعِ " تورا بورا "؛ وبالطبعِ - كقيدٍ شَرْطِيٍ غيرِ قابِلٍ لِلانفكاكِ -، يظهر لنا المُقامقُونَ على الشاشاتِ العربيَّةِ الغريبةِ والمتناقضةِ، مُدَّعينَ هدايةَ الرعيَّةِ وزرعِ الطمأنينةِ في قلوِب المؤمنينَ. وقدْ رَوَّضْتُ نفسِيَ على متابعةِ الحلقاتِ الأولَى لأغلبِ البرامجِ الدينيَّةِ الَّتي عُرِضَتْ حتَّى الآنَ على الشَّاشاتِ العربيَّةِ العريقةِ؛ في الشَّهْرِ الفضيلِ لِكي لا أَخذُلَ - كما هي عادتي - ولادةَ الأملِ في حياتِنا، بشكلٍ سليمٍ ومُعافَى؛ وأَبْعَدْتُ نفسيَ عنِ التَّشاؤُمِ، وتحمَّلْتُ وِزْرَ بعضِ الحلقاتِ الدِّينيَّةِ لِشُيوخِنا الأفاضِلِ مبتعداً عنِ اليأسِ الَّذي هوَ مِنْ صِفاتِ الشَّيطانِ في فلسفتِنا الإسلاميَّةِ.
يُصِرُّ مشايخُنا على أَنَّ وجودَهُمْ على الشَّاشاتِ في رمضانَ هوَ ردٌّ على الدَّفْقِ الغزيرِ لِحُمَّى مُسلسلاتِ رمضانَ؛ وكأنَّ وجودَهُمْ في وجوهِنا، هوَ الحَلُّ لِيكونَ المُسلمُ في الشَّهرِ الفضيلِ معافىً نقيَّاً مستقيماً متماهياً معَ روحِ اللهِ؛ وينسَوْنَ أَنَّ القنواتِ الَّتي تعرضُهُمْ علينا هيَ أكثرُ مَنْ يُنتجُ المسلسلاتِ، ويعرضُها، وبعدَ مقدِّماتِهِمُ المُريبةِ والغريبةِ عنْ أهمِّيَّةِ مُحاضراتِهِمْ، وسيلِ تنظيرِهِمْ في الشَّهر الفضيلِ، يبدأُ جَذْرُ الشَّرِّ الَّذي تحدَّثَ عنهُ "بُــوذا" في (الوَهْــمِ)، فَسَرْدُ الحكاياتِ والأحاديثِ الكثيرةِ عنْ أهمِّيةِ الصِّيامِ، والزَّكاةِ في رمضانَ، وقيمةِ شَهْرِ رمضانَ عندَ اللهِ، والبَرَكَةِ الَّتي سيُضفُيها إلى حسابِ المسلمينَ وأجرِهِمْ لقاءَ الصَّوْمِ في رمضانَ، وضمانِ مكانٍ لكلٍّ منهمْ في الجنَّةِ، ومغفرةِ اللهِ ذنوبَهُمْ، حتَّى لَيظِنَّ المستمعُ أَنَّ صومَهُ في رمضانَ مكَّّنَهُ مِنْ الخلاص منَ الشُّرورِ والآثامِ، بِما لا يقبلُ الشَّكَّ؛ كيفَ لا وألسِنَةُ اللهِ مُتمثلةً بِـ"أبي هُريرةَ" و"البُخارِيِّ" وشيخِ الإسلامِ "ابنِ تيميَّةَ" . فالمساندُ الحجريَّةُ أو سَمِّهَا الصَّمَدِيَّةُ لِلمُقامِقُونَ جاهزةٌ، وواضحةٌ كعينِ الشَّمْسِ، والمسلمُ المِسكينُ يستمعُ لأربابِ أَمْرِهِ، وإخوانِهِ في الإسلامِ، لأَنَّ المُقامِقَ يُناديهِ (أخــي) عَبْرَ شاشةِ التِّلفازِ، وَلِمَ لا. ؟، فعالَمُ المُقامقينَ هوَ الوهمُ، والرَّجْمُ في الهواءِ، واستنباطِ الأحكامِ مِنْ خرافاتٍ سحريَّةٍ، مُكتنزينَ سِرَّ المهنةِ، مُعْتَلِينَ عَرْشَ الإعلامِ، ملوكٌ همُ في التَّصفيفِ، والتَّصنيفِ، والبلاغةِ، والعلمِ، والشِّعْرِ، والرَّجَزِ، هُمْ دُهَماءُ النُّصوصِ وعُلماؤُها.
ينتهي شهرُ رمضانَ المباركُ، وقد قنعُوا بِما حفظُوا مِنْ رَجَزٍ وتخويفٍ وتهديدٍ وأخلاقٍ مزعومةٍ، توهِمُ المسلمَ بغفرانِ ذنوبِهِ بِصيامِه المَشكورِ، وَطَرْفِ عَيْنِهِ المحمودِ. اختزالٌ مُرْبِكٌ لِلرَّبِّ، وَلِلدِّينِ، ولِسُلوكِ الإنسانِ السَّوِيِّ، يجعلُ الحالَ أكثرَ سُوْءاً، ينسَوْنَ مَعالمَ الحُزْنِ والأَسَى لدى المُسلمِ بعدَ انتهاءِ حَلقاتهِمُ المجيدةِ؛ ويُنْهُونَ كلامَهُمْ بِبساطةٍ باستبشارِ الخيرِ كلِّهِ فيما يخصُّ الإسلامَ
وأُمَّتَهُ !!.
أمَّا البُغْضُ فهُوَ مِنَ الصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ لِكُلِّ مُقامقٍ يظهرُ على الشَّاشةِ، في شهرِ رمضانَ، فلا تنتهي أيَّةُ حَلَقَةٍ مِنْ دونِ لَعْنِ الكافرينَ، وأهلِ الذِّمَّةِ، وذَمِّ الفِرَقِ الإسلاميَّةِ الَّتي تملِكُ أَيَّةَ نزعةٍ فكريَّةٍ، صوفيَّةٍ، أوْ باطنيَّةٍ، أو عقليَّةٍ؛ وما ذلكَ إلا متلازمةٌ مَرَضِيَّةٌ تحملًُ طابَعاً شرطيَّا،ً لأَنَّ المسلمَ مُسَيَّرٌ عندَهُمْ دائماً بعقلِهِمْ الصَّوَّانِيِّ، وبِنُصوصِهُمُ المُتعفِّنَةِ في سِنْدانِ الأدلجةِ، والتَّرهيبِ .!؛ وإِنْ لمْ يعترفُوا بأنَّ الإنسانَ مٌسَيَّرٌ، فإنَّهُمْ يستعيضُونَ عن ذلكَ التَّسييرِ بتلبيسِ المؤمنِ لَبُوسَ الرُّعْبِ والزَّجْرِ والخَوْفِ؛ متظاهرينَ بأنَّ وَحْياً إِلَهيَّاً ينطقُ بما يجيئونَ بِهِ، والوَيْلُ كُلُّ الوَيْلِ مِنَ الرَّبِّ، ومَا يُنزْلُهُ مِنْ غَضَبِهِ على المُؤمنِ، إِنْ هوَ لمْ يكترِثْ، ويتقيَّدُ بما اجتهدُوا فيه مِنْ مسانِدِهُمُ المُتهالكةِ القادمةِ من ضفافِ الموتِ والحُزْنِ والكَبْتِ والغرائز، وصولاً إلى الحدِ الذي يجعلُ الإنسانَ مقرفاً وساذجاً.
أمَّا الشَّهوةُ، فهيَ – للأسف - أصبحَتْ ظاهرةً رمضانيَّةً بامتيازٍ؛ فالشَّهوةُ هِيَ الحالةُ الكبتيَّةُ لِلغرائزِ الإنسانيَّةِ، وهِيَ شديدةُ الصِّلةِ بِرَغَباتٍ إنسانيَّةٍ عميقةٍ، يقعُ تأثيرُها مباشرةً على الحِسِّيَّاتِ، فَتَحَوَّلَ رمضانُ إلى شهرٍ لا يمتلكُ أيَّةَ صفةٍ رُوحيَّةٍ، إلا عندَ البعضِ، فالخلاصُ مِنَ الذُّنوبِ الَّذي يُشَرِّعُ لَهُ المُقامِقُُون، واستخدامُ النُّصوصِ المُتهالكةِ لِجَعْلِ الصَّيامِ في رمضانَ مَلاذاً لِغُفْرانِ الخَطايا والتَّماهي معَ الوعدِ الإِلهيِّ في الجنَّةِ، ليسَ إلا استغلالاً لِغريزةِ الحياةِ الَّتي يملِكُها الإنسانُ، والغريزةِ الطارئةِ – المُكْتَسَبَةِ - أقصدُ الخلاصَ الأبديَّ، وجَعْلَ أَدْنَى الأفعالِ الإنسانيَّةِ طريقاً لِلخلاصِ المنشودِ.
إنَّ حالَ الاستهلاكِ الرُّوحيِّ لِلإنسانِ مِنْ خِلالِ مُتَعٍ صُوْرِيَّةٍ آَنِيَّةٍ، كالتِّلفازِ وعروضِهِ مِنْ مسلسلاتٍ وإعلاناتٍ تجاريَّةٍ، تأخذُ طابعاً استغلاليَّاً بشعاً يرتكزُ على شهوةِ الإنسانِ الذي يقعُ فريسةَ الفراغِ والفوضَى والكَسَلِ المَقْيتِ.
أَلا تُشارِكُ الحكوماتُ العربيَّةُ بِشَهْواتِها لِلحفاظِ على السُّلطةِ باستحضارِ المُلْكيَّاتِ الإقطاعيَّةِ في افتتاح الموسمِ الرَّمَضانِيِّ، مُتماثِلَةً معَ حالِ تقديسِ الأَضَاحي في العصرِ القديمِ، وتكرِّسُ الأداةَ التاريخيَّةَ الذَّاتيَّةَ الَّتي تملِكُها السُّلطةُ في ترسيخِ صَمْتِ الشَّعْبِ، وإرضاخِهِ عَبْرَ العاملِ الكلاسيكيِّ الدِّينيِّ .؟. اِختزالاتٌ غرائزيَّةٌ لِلوصولِ إلى الرَّبِّ ليسَ إِلا .!.
والسُّؤالُ الكبيرُ: إِلى متى ستبقَى هذهِ الحُمَّى الرَّمَضانيَّةُ مُتربِّصَةً في عقولِ النَّاسِ أثناءَ قُدومِ رمضانَ. ؟. ومتى ستنتقلُ البرامجُ الدِّينيَّةُ مِنَ الحالِ العقليَّةِ الحِسِّيَّةِ والبديهيَّةِ والنَّصِّيَّةِ، إِلى الحالِ العقليَّةِ التحليليَّةِ المُمَنْهَجَةِ والمُفَكِّرَةِ. ؟.
أذكرُ دائماً، وأنا الآنَ في رَيْعانِ شبابِي، وتواضُعِ تجربَتِي، كتابَ "نقدِ الفكرِ الدِّينيِّ" للمُفكِّرِ السُّوريِّ "صادقِ جلالِ العظمِ "؛ إذْ يَفصِلُ في مُقَدِّمةِ كتابِهِ ما بينَ سلوكِ الإنسانِ المُتَدَيِّنِ جبريَّاً، وسلوكِ المُؤمنِ الصُّوفيِّ النَّقِيِّ؛ مِمَّا دفعَني إلى قراءةِ الفكرِ والتُّراثِ الإسلاميِّ الصُّوفيِّ، وما سبقَهُ مِنَ الطَّوائفِ الدِّينيَّةِ الَّتي تسكنُ في جُعبةِ الدِّينِ الإسلاميِّ كـ"المُعتزلةِ، والجَهْمِيَّةِ "، والكثيرِ مِنَ المِلَلِ والنِّحَلِ الدِّينيَّةِ المُفَكِّرَةِ في تُراثِنا العربيِّ الإسلاميِّ؛ والَّتي خرجَتْ مِنْ رَحِمِ أفكارِها الكثيرُ مِنَ النَّزْعاتِ الفكريَّةِ والسُّلوكيَّةِ والعمليَّةِ في مُناهضةِ السُّلطتَيْنِ الدِّينيَّةِ المُتَحَجِّرَةِ والمدنيَّةِ الفاسدةِ، وفي جَعْلِ الدِّيْنِ ترياقاً معرفيَّاً فلسفيَّاً، يرفعُ مستوىِ الإيمانِ بِاللهِ إلى حدودِ العقلِ والرِّفْعَةِ والسُّمُوِّ، لا حدودِ الحِسِّ والبديهةِ والغريزةِ.
وهذا التَّجَنُّبُ والتَّغييبُ المُتَعَمَّدُ في الثقافةِ اليوميَّةِ لأفكارِ الكثيرِ مِنَ المُفَكِّرينَ الإسلاميَّينَ، جعلَ القطيعةَ معَ العقلِ قطيعةً قَصْدِيَّةً، زُرِعَتْ في المدارسِ والمناهِجِ التَّعليميَّةِ، وفي الإعلامِ السُّلْطَوِيِّ العربيِّ الَّذي يجعلُ مِنَ الفكرِ مَطِيَّةً تنوءُ تحتَ ثِقَلِ نَمَطٍ انتقائيٍّ فاجعٍ ومُريعِ .!. أَلا يستحِقُّ المسلمُ الَّذي شُوِّهَتْ هويَّتُهُ الفكريَّةُ ونُمِّطَتْ، واخْتُزِلَتْ أفكارُهُ، أَنْ يستمعَ مِنْ شُيوخِ الإسلامِ إلى مفاهيمَ أُخرَى تجعلُ مِنْ عقلِهِ أساساًً بعدَ قرونٍ مِنْ سيادةِ عقلٍ صُوْرِيٍّ، يقومُ على مُنْعَكَسَاتٍ نتائجيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ، تُريدُ مِنْهُ أنْ يظلَّ ابناً مِطواعاً هادئاً ساكناً، يُذْعِنُ لِلسُّلطةِ، ولِعُقْبانِ المراكزِ الدِّينيَّةِ، وسنداناً يتحمَّلُ طرقاتِ ساديَّتِها في الاستعبادِ، والجُنوحِ نَحْوَ القتلِ والدَّمِ والاستغلالِ .؟ أتكلَّمُ هنا مِنْ منحىً إنسانيٍّ بحتٍ، يمَسُّ الفردَ العربيَّ كَـ"ذاتٍ" والَّذي يستحقُّ مِمَّنْ يسمعُهُمْ، أَنْ يكونُوا أكثرَ رحمةً بِواقعِهِ المُعاشِ، مُحاولينَ إِبرازَ طُرُقٍ تجعلُ الإنسانَ يتصالحُ معَ هذا الكَمِّ مِنَ الفَوْضَى، والشَّطَطِ الإِنسانيِّ بطريقةٍ عقلانيَّةٍ، تنطلقُ مِنَ العَقْلِ والتَّأويلِ، وتنتهي بالمُتَغَيِّرِ اليوميِّ !.
الواقعيَّةُ الطَّبيعيَّةُ العربيَّةُ إِنْ كانَتْ تطلبُ الحِفاظَ على الهويَّةِ الدِّينيَّةِ، ورُوحيَّةِ شهرِ رمضانَ، لا تعني القطيعةَ معَ الطَّبيعةِ، ولا الفصلَ معَ الإنسانِ، ولا تكفيرَ الاختلافِ، ولا تدنيسَ القداسةِ، ولا بناءَ سَدٍّ معَ الحداثةِ، ولا زَجْرَ المُتَغَيِّرِ.
إنَّ ما يأتي ألينا في رمضانَ، ليس سوى كَبْتٍ وهَوَسٍ مَرَضِيٍّ يقومُ عليه مُقامِقُونَ وتُجَّارٌ جشعونَ منخورونَ، والبرامجُ الدِّينيَّةُ لا تُفِيدُ إِلا في التَّرهيبِ والتَّدنيسِ،لا أكثر .؟.
××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |