تخت شرقي . . . أم ثالوث محرم شرقي / حسين عيطة
2010-09-08
عملٌدراميٌ مهمٌ يبوحُ بما لاتستطيع أن تنشرَهُ الصحفُ والدورياتُ الثقافيةُ المحليةُ عندما تتناولُ مواضيعَ تخصُّ مجتمعنا السوري والعربي عموما ً ,لعل ما يطرحه من إشكالياتٍ اجتماعيةٍ ونفسيةٍ ، يحتملُ معالجته في أكثرِ من عملٍ فني ، لأنه يقدم للمشاهدِ جرعاتٍ كبيرةًَ من المكاشفةِ والصراحةِ الذاتيةِ والتي يحرصُ مجتمعُنا السريُ على كتمانها والاحتفاظِ بها دوما ً ( تحت الهواء ) وفي الغرفِ المظلمةِ تحت مسميات عديدة ( العيبُ والحرامُ والعادةُ وما يجوزُ ولا يجوزُ .....الخ ).
لقد نَجَحَتْ الكاتبةُ يم مشهدي في استفزازِ شرقيتنا ومواقفنا الحياتية المتكررة،وخاصةً العلاقة بين المرأةِ و الرجلِ ، هذه الشرقية ُالسلبيةُ التي تميزنا عن غيرنا من المجتمعاتِ المتمدنةِ والتي حُسِمَتْ خياراتها منذ زمنٍ بعيدٍ وأُخْرِجَت محرماتها دفعةً واحدةً وأعادت إنتاج مفهومِ الفردِ والحريةِ المصاغةِ في مجموعةٍ من القوانينِ والدساتيرِ العصرية ،
لقد طَرَدَتْ هذه المجتمعاتُ رقابةَ العاداتِ والتقاليدِ وفَعّلت بدلاً عنها رقابةَ حدودِ الحرياتِ الشخصية .
يبررُ لصانعي العمل أحيانا ً استخدام عباراتٍ لن أقول بأنها سوقية كما يروقُ للبعضِ أن يسميها تميزاً لموقعه الثقافي و الاجتماعي ، فأولا ً وأخيرا ً تدرك الكاتبةُ والمخرجةُ أنه لا يمكنك أن تحجبَ ( تنقب) الواقعَ و ممارساته المتداولة في الشارع فإن إغفالَ ما يجري معنا و حولنا هو إضعافٌ وتأجيلٌ حلَّ مشاكلنا بشكلٍ جدي .
إن تميزَ العمل يأتي من قناعةِ كلِّ مَن ساهمَ به بما يُطرح ويُعالج ,فالممثلون رسموا بأدائهم لوحةَ فسيفساءٍ رائعة من لحمٍ ودمٍ ، لدرجةِ أنَكَ تحسبهم يقدمون إشكالياتهم هم وليس المجتمع ، فالكلُ مأزومٌ ، من لديه إمكانياتٌ ماديةٌ والذي لا يملك سوى راتبه الشهري المحدود ، من لديه سكنٌ وعيادةٌ والذي لا يوجدُ في جيبهِ أجرة غرفة تؤويه.
الفشلُ حافزٌ قوي للانفجارِ وإعلانُ الخيبةِ نتيجة خياراتِ الحبِ و الأسرةِ والتي تأثّرَ بها مستوى معيشةِ كلِّ فردٍ.
يكتشفُ الكلُّ بأنَّ علاقته بالآخرِ هي مجرد (تعايش) وليست حبا ً ،من حاول البقاء على مسافةٍ ملموسةٍ من الآخر دون الإفصاحِ عما يجول في داخلهِ فهو يراكم كثيراً من الوحدةِ والفصامِ وإذا اقتربَ و انصهرَ بهذا الآخر ظنا ً أنه يجسدُ صورةَ الحبِ الحقيقيةِ ،سيكتشفُ لاحقا ً ضياعَ هويتِه الذاتية وملامحه وأحلامه وإحساسه بأنه يستحقُ الأفضل .
مرة أخرى أيضا ً تسمحُ لنا شرقيتنا بإظهارِ تمردنا كل جنس ٍعلى حدى ، فالرجلُ يصرخُ مدويا ً ويقتحمُ حدودا ً غيرَ مسموحٍ بها دون أن يحاسبه أحدٌ أما المرأةُ يخنقها الأنينُ والبكاءُ واللومُ ،تستسلمُ تارةً للسائدِ والاعتيادي وتلومُ نفسَها إذا اختارت تارةً أخرى.
لقد نَجَحَتْ المخرجةُ أن تُظهرَ الفقرَ وتجسده بأعلى حالاته دون الحاجةِ لإقحامِ الكاميرا في أماكن العشوائيات والتي أصبحت عادةً لبعض المسلسلاتِ وبالتالي هَرَبَتْ من حالةِ الشفقةِ والاستعطاف التي تؤثرُ على حيويةِ ما أرادت التركيزَ عليه في هذا المسلسلِ وأبقت الأبواب مشرعةً للجدلِ والحوارِ.
يُؤخذُ على العملِ (زوم اللقطة ) والذي يُشتتُ انتباهَ المشاهدِ لحظيا ً لترقُبَ ما الذي سيقوم به الممثلُ بعد ( تقريب وتكبير) ملامحه .
آن الأوان لنستبدلَ صورةَ الإنسان السوري أو الشامي أو العربي الذي يدافعُ عن الوطن حاملاً بندقية ويتفوه بعباراتِ التهديدِ والوعيد للمعتدي ،بصورة الإنسانِ المستنيرِ الذي يبوحُ ويكشفُ زيفَ ما حولِه ،يسألُ ليتجاوزَ ، يحاور ليرتقي ،تسكنه الغيرةُ على الحقِ والجمالِ , أزعمُ بأنَّ ذلك لن يتحققَ ما لم نواجه فشلنا وبؤسنا أو بالأحرى نُعري أنفسنا .
مسلسلُ ـ تخت شرقي ـ دعوةٌ للإنصاتِ للذاتِ و من ثمّ بدايةُ جدلٍ لن يتوقف .
×××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |