(متى أصبح خبراً عاجلاً) محاولة تحتاج إلى تأجيل
خاص ألف
2010-10-02
قد لا ينجحُ الشعراءُ بمحاولةِ الاختلافِ عن السائدِ والرقي إلى الأفضلِ دائماً، بل تكون محاولتهم تراجعاً عن هذا السائدِ، بالأحرى حين يتقمصُ الشاعرُ دورَ المتفردِ على صعيدِ اللغةِ والفكرةِ والصورةِ عن طريقِ العبثِ غير المُتقنِ لا يصل إلى مرادهِ، فالبطولةُ تعني التفردَ مع العمقِ في كلِّ شيءٍ، كما كان زوربا في الحياةِ، ولوركا في الأدبِ وبالتالي في الحياةِ أيضاً.
في ديوان(متى أصبح خبراً عاجلاً) لعمر الشيخ نجدُ الكلامَ المجاني غير الموظفِ سائداً بكثرةٍ في أغلبِ النصوصِ، ففي (حزين حالي ولا أشعر بالحزن) يقول: (أغنيكِ في حديقةِ المدفعِ، على نفسِ الكرسي الذي تركنا عليه فنجانَي(النسكافيه)، حين جمعتُ أغراضي:كتاب (بيدبا) لـ محمد فؤاد،نغمة (لما عالبال يا حبيبي....) )، من الجميلِ أن يعنى الشاعر بالتفاصيلِ واليومي، ولا يُشترط أن تكونَ القصيدةُ محشوةً بالصورِ والبلاغةِ، ولكن أليسَ الشعرُ (فن الحذف)؟، (نكَايَةً بأمّي! والله..والموت..أَرْفَعُ عُلبَةَ التَنَك الّتِي كُتِبَ عَلَيْهَا:(بيرة باندة 10 % كحول).بصحّتكِ، بصحّةِ مَنَازِلِكِ الغَائِبَة/بصحتي/بصحّتي الفاسدة!/سأَحْتَاجُ إِلَى :كُحُوْل (%100) كَي أَنْسَى ساعةً كُنْتُهَا مَعَكِ .) هنا نجدُ الكلامَ المجاني والمُستهلكِ على صعيدِ اللغةِ.
حين تتراكمُ التداعيات في نصوصِ المجموعةِ وتتخذُ الغرابةُ سمةً خارجةً عن الشعرِ تتأكدُ لنا محاولةُ المغايرةِ، وهي محاولةٌ جيدةٌ ما لم تتحول إلى هلامٍ بلا إدهاشٍ ولا عمقٍ، ليتحولَ النصُ إلى الحكي والسردِ الاعتباطي (الوَلَدُ المُهَذّبُ أعطى الـ 50 ليرة التي معه للأصدقاء، يَقِفُ الآن عَلَى بَابِ سِيْنَمَا الشّام. رِفَاقُهُ يُدَخّنُوْنَ فِيْ وَقْتِ الاسْتِرَاحَة مِنْ فيلم رُعْبٍ بالجوّاني ).
تسودُ المجموعةُ نبرةٌ واحدةٌ رتيبةٌ لا تتغيرُ حسب الإيقاعِ الداخلي، لأن صاحبها يكتبُ كلَّ ما يخطرُ على بالهِ دون تعبٍ أو عودةٍ إلى اللغةِ وإعادةِ نظرٍ فيها بعد أن وقعَ في وهمِ أنَّ السخريةَ السطحيةَ تجديدٌ وتعميدٌ آخر للشعرِ، حتى لو ابتعدتْ هذه السخريةُ عن وحدةِ القصيدةِ كعملٍ فنيٍّ متكاملٍ، فقصيدةُ النثرِ ليست أمراً سهلاً نستطيعُ كتابته إثرَ كلِّ خاطرةٍ أو صورةٍ تمرُ ببالنا، متناسين أنها الأكثر صعوبةً لأنها تخلقُ لنفسها كياناً جديداً ومختلفاً من حيث اللغة والإيقاع والصورة. بدتْ نصوصُ المجموعةِ خاليةً من الرؤيا إضافةً إلى معاناتها من التفككِ الذي سادَ معظمَ النصوصِ، فهي عبارةٌ عن تداعياتٍ تراكميةٍ فقط باستثناءِ المكان الذي وحَّد بعضها (نَهْرُ بَرَدَى تَحْتَ جِسْرِ الرئيس يَعْكِسُ أضواء الإعلاناتِ مِنْ أعلى بُرْجِ دِمَشق، مُكَيّفات (ميتسوبيشي)، صوتيّات (سوني)، العاطلون عن الحَيَاةِ ليلاً أمَامَ حَدِيقةِ (الفورسيزون)/الفارهونَ في مَقْهَى روتانا الأخضر
نجدُ الأيروتيك طاغياً على المجموعةِ، وهو أمرٌ يخصُ الشاعر ويُعامل كغيرهِ، لأن الفكرةَ ليست حَكَماً بل طريقة تناولها، لكن حين يصبحُ هذا الأيروتيك شطارةً بحدِّ ذاتهِ دون الانتباهِ إلى ضرورةِ تناوله في النصِ كأمرٍ يحتاجُ إلى أدواتٍ فنيةٍ تربطهُ بهِ كغيرهِ من شؤونِ الحياةِ التي يتناولها الشاعرُ، يتحولُ من فنٍ إلى شيءٍ سطحي ومبتذلٍ وغيرِ متلامسٍ مع المجازِ أو الصورةِ، عادي ومستهلك، ثم إن الشاعرَ العصري هو الذي يتحسّس الأشياءَ الجديدةَ بعد فهمهِ لروحِ العصرِ، وليس الذي يستخدمُ ألفاظَ الأيروتيك أو غيرها دون معرفةٍ، هكذا استُخدمتْ مُسمياتُ الأدواتِ الحديثةِ والألبسةِ والمشروباتِ دون تركيبٍ يمنحها طاقةً انفعاليةً أو أنْسَنةً أو إحساساً ذاتياً، نجدُ في المجموعةِ لفظَ (البيجامة) بدل (العباءة) و (السوتيانة) بدل (الشال)!، و(البيرة) بدل (الخمر)، هو كلُّ ما نجده على صعيدِ التجديدِ، أما السياق فتقليدي.
أخيراً يقولُ الشاعرُ في مجموعتهِ: (عندما أكتبها جريمتي القصيدة أقتل أنا الرومنسية بالتقسيطِ، أبتسمُ لأني أقتلُ الشاعرَ في كلامي فهو يزعجها بفرطِ عاطفتي).
إذا كان الشاعرُ يقتلُ أناه في القصيدةِ، يقتلُ الشاعرَ !، وإذا كان الشاعرُ قد قُتلَ فمن الذي يكتب ؟، هنا يتضحُ عبث البطولة والانتفاخ بلا جدوى في أقصى حدوده.
التجربةُ تحتاجُ إلى كثيرٍ من العنايةِ والاجتهادِ والثقافةِ حتى تصبحُ مدهشةً بعد أن تتخلصُ من التكرارِ والكلامِ المجاني والحشوِ والعباراتِ المُستهلكةِ، مع العناية بوحدةِ النصِ كنصٍ خارجٍ عن سلطةِ التداعياتِ الذاتيةِ، متى أصبحَ خبراً عاجلاً..محاولة تحتاجُ إلى تأجيلِ ولا داعي للعجلة !.
08-أيار-2021
17-حزيران-2014 | |
27-كانون الثاني-2014 | |
21-تشرين الثاني-2013 | |
07-تشرين الأول-2013 | |
27-آب-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |