جوهرُنا
خاص ألف
2010-10-15
نحنُ أساساً نبدو كنفسِ الكائنات التي تسعى إلى السعادةِ في محاولةِ تجنبِ المعاناةِ وكلُّ شخصٍ يقولُ " إنني من دون قيمة " هو خاطئ قطعاً " الدلاي لاما "
ما هو جوهرُنا ؟ وهل يتغيرُ هذا الجوهرُ من حينٍ لآخر. قد يكونُ أفضلُ مثالٍ نستطيعُ تقريبَ الأمرِ بهِ إلى أذهانِنا. ذلكَ المثالُ الذي يكررُه الروحانيون حيثُ يقولون : أنّهُ عندما نزرعُ بذرةَ نباتٍ ، ونراقبُها نجدُها تبدأُ بالتغيّرِ تحتَ تأثيرِ العواملِ الخارجيةِ من مياهٍ وأشعة شمسٍ، وتربةٍ ، ومن ثمَّ تصبحُ نبتةً، ويبقى النباتُ يتغيرُ إلى أن يموتَ . يتحللٌ وتندثرُ أوراقُهُ وأزهارُه، لكنَّ بذورَه تبقى في التربةِ. هذهِ البذورُ هي جوهرُه الحقيقي فهي لم تتغيرْ بل بقيتْ بعدَ موتِه. نحن كالبذورِ علينا أن نغيِّرَ حياتَنا وفقَ المؤثراتِ الخارجيةِ المختلفةِ ، لكنّ جوهرَنا سيبقى هو نفسَهُ . من المفيدِ لنا أن نكتشفَه لأنّه في النهاية يعطينا إجابةً واضحةً حولَ إرادتنا الحرة ، والتي تكمنُ أساساً في أفكارِنا ويمكنُنا من خلالِها تسييرَ أمورِ حياتِنا واختيارِ ما نريدُ .
الروحانيةُ من حيثُ المبدأ تنطوي على ردودِ الفعلِ العاطفيةِ ، والتي تتضمنُ الفرحَ، والقبولَ، والحزنَ. كلُّ هذه المشاعرُ قدمتْ لنا لتساعدَنا على تجاوزِ الحالاتِ الصعبةِ في الحياةِ كالموتِ ، والفقدانِ ، وخيباتِ الأملِ التي تتكررُ باستمرارٍ. هذه الاستجاباتُ ، وردودُ الأفعالِ العاطفيةِ تساعدُنا على تلبيةِ احتياجاتنا النفسيةِ ، وتسهّلُ لنا طريقَ التصالحِ مع أنفسِنا، ومع العالمِ، وتردُّ على الأسئلةِ الكبيرةِ التي تتعلقُ بوجودنا. الروحانيةُ تتضمنُ في أحد جوانبها سياقاً معرفياً أيضاً، ومعتقداتٍ حول الذاتِ، والعالمِ. وهذا يفسّرُ لنا السياقَ المعرفي للروحانيةِ ، ويجعلُنا نفهمُ معنى الحياةَ أكثرَ. هذه الاستجابةُ الروحيةُ التي نقومٌ بها بشكلٍ لا إراديٍّ. نفسّرُها دائماً على ضوءِ معتقداتِنا الأساسيةِ. التي تكونتْ عبرَ حياتِنا.
من أهمِ الأشياءِ في الروحانيةِ "الممارسة" وإذا كانتِ العباداتُ هي جزءٌ من الممارسةِ الروحانيةِ عند من يعتقدون بها ، فإنها تمثلُ عند الطرفِ الآخرِ طرقاً أخرى من الممارسةِ منها : التدربُ على حالةٍ من الصفاءِ الروحي ، والقبولِ للذاتِ بالدخولِ إلى أعماقِها من خلالِ تدريبٍ يمكنّهم من خلالِهِ تشكيلِ تلكَ القدرةُ البيولوجيةُ التي تجعلُهم ينتقلونَ روحياً إلى أعماقِهم حيثُ يلامسون جوهرهم. مختلفُ أساليبِ المعرفةِ والمشاركةِ تساعدُ على الاستجابةِ الروحيةِ. مثلُ الرقصِ والغناءِ والتأملِ، والمشاركةِ في الطقوسِ والاحتفالات. كلُّ هذهِ الأشياءَ تلعبُ دوراً تقودُنا من خلاله إلى داخلِنا سواءَ كان هذا الداخلُ هو القلبُ، أو الأمعاء، أو مكانٍ ما في الداخلِ يسكنُه جوهرُ القوةِ. فعندما تنشأُ لدينا تقاليدٌ روحيةٌ معينةٌ ربما نستطيعُ أن نواجهَ فيها أسئلةً كثيرةً حول : الأرض . الطبيعة . الملائكة . الشياطين.
نحنُ نعيشُ في عالمين. الأولُ فيزيائي ومادِّيٌ . والثاني روحاني . كلُّ الأديانِ السماوية تؤمنُ بثنائيةِ الجسدِ ، والروحِ. هذه الثنائيةُ هي أمرٌ أساسيٌّ . التقليدُ الفلسفيُّ الغربيُّ يقولُ أيضاً بأنَّ أجسادَنا تسكنُها الأرواحُ. هذا ينسجمُ مع الروحانية التقليديةِ التي تعتمدُ الدينَ وتقولُ بالثنائيةِ : " جسدٌ يتلفُ ،وروحٌ خالدةٌ " كثيرٌ من الناسِ يؤكِّدُ أنّ العلمَ لم يقدمْ لنا التفسيراتِ التي نحتاجُها . فقط علينا أن نعرفَ أنّ الاتصالَ مع العالم مبنيٌّ على طبيعةِ وجودِنا ، وليسَ على أملِ احتمالِ وجودِ حياةٍ أخرى قادمة . نحنُ ننضمُّ للعالم والكونِ في كلِّ يومٍ. إنّ عناصرَ أجسامِنا. الحمضُ النووي. أحاسيسُنا . وبطريقةٍ أو بأخرى، وفي سلسلةٍ من النشاط العصبي في أدمغتِنا ينتهي تشكّل الوعي لدينا.
نسمعُ القصصَ ممن هم حولنا. نشعرُ برغباتنا ورغباتِ الآخرين أيضاً . تؤلمُنا أو تفرحُنا التجاربَ التي نمرُّ بها. في نهايةِ المطافِ نشعرُ أننا نسيرُ في قاربٍ واحدٍ تجاه شاطئٍ ما، وربما نشعرُ بضياعِ معالمِ الطريقِ. صحيحٌ أنّنا نتحدّثُ عن الفرحِ والعمقِ والنجاحِ. وفي كثيرٍ من الحالاتِ نخطئُ في تحديدِ الأشياء التي تقودُنا إليهم أو إلى العدالةِ والخير والسعادة. إنّ سيطرةَ المادة على حياتِنا سلبَ منّا أشياءَ كثيرةً، ولا بدَّ أن نخفّفَ من آثارِها بإيجادِ لاهوتٍ مختلفٍ عن لاهوتِ الأديان. يعتمدُ قوةَ الحياةِ والطاقة الموجودةِ في الأشخاصِ، و التي هي في النهايةِ جوهرهم الحقيقي .لكنّ حقيقةً جديدةً بدأتْ تظهرُ مؤخراً تقولُ : بدأَ الجوهر يشوبُه التغيير من خلالِ البرامج التلفزيونية ، والأفلام ، وغيرها من الأشياء التي تتردّدُ أمامنا سواءَ على أبصارِنا أو مسامعِنا. تدرّبَ عقلُنا الباطنُ عليها ، فتطورتْ لدينا طبقاتٌ من العاطفةِ والوعيِّ مختلفةً عن حقيقتِنا. كانت بالأصل لا تنتمي إلينا. أي أنّنا ربما فقدنا جوهرنا الحقيقي.
يسألُ أحدُكم : لماذا نحنُ محبطونَ على الدوامِ؟ يوقظُنا في الليلِ الخوفُ من المستقبل ، وتؤلمُنا نوباتُ الذعرِ والألم . الأمرُ واضحٌ ، وجليٌّ . يمكنني القولَ ببساطةٍ أنَّ جوهرَنا الحقيقي قد أصابَهُ المرضُ ، أو ربما التغييب ، وعلينا إعادتُه إلى داخلنا ، أو إعادةُ اكتشافِه من جديدٍ ، لأنّه وحدَه يمنحُنا الفرحَ والحريةَ والإبداعَ ، والامتنانَ ، وكلُّ ما نريدُ ، فتعودُ لنا الحياةَ. يصبحُ لنا حياةٌ كاملة . إنَّ قدراً ما من البحثِ عن الذاتِ، وتحقيقِ التوازن بين عالمنا الماديّ والروحيّ يجعلنا نشفى من الأمراضِ، وبخاصةً لو عرفنا عمقَ جوهرنا. المزيد من الأصالة واحترام طبيعة الإنسان ، والبعد عن الفرقعات الإعلامية. يمكنُ أن يساعدَنا في هذا .
معرفةُ جوهرنا لا تتمُّ بوساطة الرقصِ والإبداعِ على أنواعهِ لابدَّ من أن نبتكرَ طرقاً أخرى تجعلُنا نقعُ في حبِّ أنفسِنا ، وحبِّ الحياةِ مراراً وتكراراً. نستطيعُ أن نوقعَ أنفسِنا في حالاتِ حبٍّ وهميةٍ . نشمُّ من خلالها رائحةَ الورودِ. نرى الألوانَ التي تجذبُنا. الضوءُ عندما ينعكسُ على صفحةِ الماء. نعبّرُ عن ذلك بإبداعٍ. سواء كان فنياً أو أدبياً ، ولكلِّ شخصٍ مساحةٌ إبداعيةٌ معينة في مجال ما.
يؤسّسُ "أرسطو" " معرفتَنا الروحية لأنفسنا، بأن يجعلُه مبدأ لكلِّ الأشياءِ التي ندركَها والتي تجعلُ أرواحَنا صافيةً ، لأنَّ معرفةَ الروحِ هي مبدأٌ يمكنُنا من خلاله معرفةَ أشياءَ كثيرة بعضُها غير مادي "
التوازنُ مع الطبيعةِ والتماهي معها هامٌ أيضا. في الماضي كان الإنسانُ ينامُ مع حلولِ الظلامِ. يبقى في داخله ذلك التوازن الذي يساعدُه على استعادة جوهره في اليومِ التالي. كما أنّهُ بينَ أحضانِ الطبيعةِ في أغلبِ الحالاتِ. اليوم حتى الأطفال في المدنِ الكبيرةِ يسهرونَ. لم يروا النهرَ والغابة. لم يطاردوا الفراشاتِ، كيفَ يمكنُ لنفوسهم أن تصفوَ ويكتشفون جوهرَهم في المستقبلِ؟ حتى الحيوانات لو حرمناها من النوم، وغيرنا نظامَ غذائها سنرى تغيّراً يجري لها وتصبحُ عدوانيةً. تحاربُ بعضَها البعض. هذا ما يحدثُ حالياً في عالم الإنسان. أليس الإنسانَ هو حيوانٌ ناطقٌ ؟ مطلوبٌ منا المزيد من الاهتمامِ، وإعطاء الوقت لأنفسنا. نتحدثُ. نمشي ننظرُ إلى النجومِ. نغني ونرقص ونبكي. عندما نكونُ أنفسنا سنلامسُ أعماقَنا ونعرفُ جوهرُنا.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |