بالأرقام : معظم السوريين حرامية
2007-08-28
في تشرين القادم ، سيكون المواطن السوري – ويا لفرحته – على موعد مع( مِنَّةً) من العيار الثقيل تتمثل برفع الشريحة المخفضة من 600الى 800 كيلوا وات /دورة .
ففي مؤتمر صحفي ، عقد منذ أيام قليلة ، أطلق السيد رئيس الحكومة طلقة الرحمة على الآمال الذاهبة إلى احتمال مضاعفة الشريحة المخفضة – ولو مثلاً واحداً – وبما يتناسب مع تطور المجتمع وتنامي احتياجه واستهلاكه للكهرباء .
رئيس الحكومة اختزل القضية بسرعة وبساطة شديدتين معتبرا إن هذه الشريحة ( المدعومة ) تلبي احتياجات 80% من الشعب السوري ومن يريد أن( يتبغدد ) ، كأن يسخن مسبحه الخاص، فعليه أن يتحمل أثمان ذلك .
هل ما قاله السيد رئيس الحكومة يمثل كل الحقيقة ؟
إن رصدا ميدانيا صغيرا لحياة الناس الجديدة سيقول عكس ذلك ، إلا إذا كان المواطن السوري
بنظر حكومته هو كائن يعيش في العصر الحجري لا يعرف ، أو لا يحتاج المكواة والتلفزيون والستلايت والكمبيوتر وسخان الحمام والمكيف وغيرها من الأجهزة الكهربائية العصرية التي صارت بمتناول سكان الأدغال في الكونغو أو الصومال والتي تتطلب طاقة لا تقل عن 1500 ك / وات / دورة .
في الحقيقة إن تصريحات الحكومة ، ومن قبلها وزارة الكهرباء ، قد ترافقت مع خيبة شعبية مصدرها الإحساس العام بان الحكومات المتعاقبة مازالت بعيدة عن الهموم الأساسية التي تشكل ضغوطاً يومية على الناس الذين يحاولون الانفلات منها وتدبير أمورهم بأشكال وأساليب تمكنهم من المحافظة على ما تبقى لهم من كرامة ولو عن طريق التحايل ومخالفة القوانين كسرقة الكهرباء مثلا .
وقضية الكهرباء هي مثار أخذ وجذب بين الحكومة والمواطنين منذ سنوات وقد كان يُنتظر حلاً
أكثر جذرية وإنصافا وليس دفعها من جديد كما يحدث اليوم إلى منطقة أكثر تأزماً ، وهو.. وحسبما يبدو،الأمر الذي كانت تخطط له، بقصد أو بغير قصد، أطراف حكومية بعينها كانت وراء استصدار المرسوم التشريعي رقم 60 لعام 2005 القاضي بفرض عقوبة سجن لمدة 3 أشهر مع عقوبة مالية تصل إلى 100 ألف ليرة بحق كل مخالفة أو تعد على الشبكة الكهربائية تحت ذريعة الخسائر الكبيرة في ميزانية الدولة.
بين زمنين :
منذ أكثر من نصف قرن كان السوريون يشترون الكهرباء من شركات خاصة موزعة على جميع المحافظات السورية .
في ذلك الزمن , ورغم محدودية مصادر هذه السلعة وفقر مواردها الأولية ، كانت هذه الشركات قادرة على تأمين الكهرباء لطالبيها محققة ربحها الكافي دون إجهاد الناس ,أو ( هَبِلهم ) بالفواتير المجنونة كما يحدث هذه الأيام حيث تحولت الكهرباء إلى هم كبير يتربع بقسوة على قلوب المواطنين دون أن يشفع لذلك تعدد مصادر إنتاجها كالنفط والغاز والسدود المائية وغيرها .
والمشكلة أخذت أبعادها المأساوية أكثر فأكثر إثر إقدام الحكومة على رفع سعر الكهرباء حوالي ستة أضعاف دفعة واحدة ( ليصل سعر الكيلو وات إلى ثلاث ليرات تقريبا مع ملحقاته من الرسوم والضرائب والنفقات الإدارية بعد أن كان بحدود الستين قرشا ) مبقية على المنة القديمة والمتمثلة بدعم الـ 600كيلوا وات الأولى /دورة وهو ما سمي بالشريحة المخفضة .
حجة الحكومة أن ميزانية الدولة تخسر عشرات المليارات سنويا جراء دعمها للكهرباء حتى بعد رفع الأسعار,فحسب التصريحات الأخيرة للسيد الوزير إن الدولة تقدم كهرباء رخيصة للمواطنين وهي تخسر ليرة ونصف الليرة في كل كيلوا وات ساعي .
ولكن , ومهما بلغت مصداقية الحكومة في أرقامها وحججها , يبقى منطقها غريبا , مختزلاً الحقيقة بميزاني الربح والخسارة متجاهلا إن الكهرباء سلعة اجتماعية تـتنامى الحاجة إليها مع نمو المجتمع وتقدمه وتعقد احتياجاته , فقبل ربع قرن مثلا , أي في الزمن الذي كانت فيه الشريحة المخفضة المعمول بها هي 600 كيلووات /دورة ،لم تكن في سورية الأجهزة الموجودة اليوم والتي هي الآن جزء من شخصية العصر وهويته التكنولوجية والمدنية .
قبل ربع قرن تقريبا , في ذلك الزمن الذهبي أو الحجري.. لا ندري.. لم تكن حاجة السوريين للكهرباء تتعدى الإنارة أو تشغيل الراديو أو المكواة وربما بشكل محدود البراد والغسالة وغيرها من الأجهزة (الباذخة ) والمحدودة الانتشار في ذلك الزمن .
كانت أمهاتنا يقضين الساعات الطويلة وهن يضربن بوابير الكاز ( الطبَّاخات ) لإعداد الطعام والشاي والقهوة وتسخين مياه الاستحمام ..الخ ..
منذ ذلك الزمن ونظام الشرائح المعمول به آنذاك هو نفسه المعمول به حاليا ولا جديد سوى إن فكرة (كريمة ) تتبخترا ليوم في أروقة الحكومة مفادها رفع الشريحة المخفضة من 600 إلى 800 كيلوا وات /دورة ؟
يا للكرم الحاتمي .. ؟!.
بالأرقام: معظم السوريين حرامية :
أذا ما أردنا البحث بالتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للسياسة الجارية لأسعار الكهرباء على عائلة صغيرة (عصرية ) تمتلك الأجهزة (العصرية ) التي يمتلكها الآخرون من لبنان و الخليج والصين واليابان حتى كندا وبريطانيا كالتلفزيون والكمبيوتر والمكيف وسخان الماء وغيرها فسوف نجد العداد الكهربائي لمنزل هذه العائلة قد سجل لنا استهلاكا يتراوح بين 1500 – 2000كيلوا وات/دورة أي ما قيمته 3500- 4000 ليرة /دورة أي حوالي 2000ليرة سورية شهريا .
هذا المثال يمكن سحبه والقياس عليه , وهو ما سيقودنا إلى جردة من الأسئلة :
هل هناك موظف في سورية قادر على دفع مثل هذا المبلغ شهريا لسد احتياجاته من الكهرباء فقط ، وماذا يبقي لاحتياجاته الأخرى التي لا تبدأ بالسكن ولا تنتهي بالطعام واللباس وغيرها ؟..
وإذا ما كان عليه ضبط إنفاقه الكهربائي أو ترشيد استهلاكه كما تنصحه دائماً وزارة وشركات الكهرباء فدلوه - بربكم - من أين يبدأ وعن أي الأجهزة يستغني ؟
إن ما تفعله الحكومة في ما يتعلق بالكهرباء يدفع السوريين بقصد أو بغير قصد إلى السرقة .. يدفعهم ليكونوا حرامية ..؟
هذا الاستنتاج لم نتوصل إليه وحدنا ، فمسؤول في إحدى شركات الكهرباء ( وشوش ) لنا بان أسعار الكهرباء المرتفعة وما رافقها من قوانين وإجراءات متشددة حولت الشركة إلى شرطي لا عمل له سوى ملاحقة المواطنين لقمع السرقات ومنع التعديات على الشبكة الكهربائية .
كان هذا وبرأينا طبيعيا ومتوقعا ،إذ كان على الحكومة، وقبل الإقدام على رفع التسعيرة لعدة أمثال، مضاعفة الشريحة المخفضة لمثل واحد على الأقل وذلك انسجاما مع تعقد حاجات المجتمع ومتطلبات العصر الجديدة وإمكانيات الناس ..
لو فعلت الحكومة ذلك فلن تكون منصفة فحسب ، بل ستوفر على نفسها تدبيج المراسيم والتشريعات بحق المعتدين على الشبكة الكهربائية اللذين تتزايد أعدادهم باطراد مع تزايد الضربات الموجعة للفواتير متحولين شيئا فشيئا إلى (حرامية ) باستثناء قلة قليلة تقتضي الأمانة إخراجهم من دائرة الشبهات وتنزيههم عن هذا الانحراف الخطير .. لأنهم وببساطة يستجرون الكهرباء مجانا أو ما يشبه المجان .
دير الزور: الأكثر استهلاكا للكهرباء المنزلية :
لم تبتلَ هذه المنطقة بالفقر والإهمال ومحدودية مصادر الرزق وبان الدولة هي (رب العمل) الأساسي لمعظم سكانها ، أي من أصحاب الدخل المهدود ..
لم تبتلَ بهذا فقط ، إذ أكملت المصادفات التاريخية( بلاوي) أهلها عندما ألقت بهم بين يدي مناخ قاس شتاء وصيفاً غير مستثنية فصلي الربيع والخريف اللذين، وما إن تتحرك فيهما الرياح، حتى يصبحا وبالاً على الجميع مع سطوة العجاج والرياح الغبارية .
لكل هذا كان من الطبيعي أن يكون الاستهلاك الكهربائي،استجراراً أو اعتداءً ، هو الأعلى في القطر، فقد أفادت الأرقام الصادرة عن شركة كهرباء دير الزور إن الاستجرار الكهربائي في الدورة السادسة لعام 2006(الذروة الشتوية) قد وصل إلى ما يقارب 360مليون كيلووات فيما كان الاستجرار في الدورة الرابعة (الذروة الصيفية ) حوالي 300مليون كيلوا وات . هذا الاستجرار ليس نظاميا كله ، فالسرقات شغالة في كل مكان كما أن الفاقد من التيار بهذه الطريقة، وحسب مصادر الشركة يتجاوز الـ 7% ، أما العدد الكبير للعدادات المعطلة ، والتي تم إصلاحها هذا العام فقط ( أكثر من 20000عداد ) ، فهو مؤشر واضح على الاتجاه العام للتفكير (الشعبي) لكيفية التعاطي مع مشكلة الكهرباء .
مديرية كهرباء دير الزور لا ترى حلاً لمشكلة الفواتير المرتفعة إلا بترشيد الاستهلاك وتجنب استخدام الكهرباء للتدفئة ناصحة المواطنين بتجنب الاعتداء على الشبكة الكهربائية تجنبا للمساءلة القانونية ولكنها ، في الوقت نفسه ، لم تقل لنا كيف نحل مشكلة الصيف الحار .. هل نتجنب التكييف البارد أيضاً ؟ .
بالمقابل فأن المواطنين ، وحسب استطلاعاتنا ,لخصوا مواقفهم بالنقاط التالية :
- إن استجرار الكهرباء بشكل غير نظامي لا يهدف لتوفير المال ووضعه في البنوك لأن هذا المال غير موجود أصلاً لدفع الفواتير العالية التي تتراكم شيئا فشيئا .
- ثمة تقصير في بحث أسباب المشكلة وكيفية معالجتها في جميع القوانين والتشريعات الصادرة حيث لم تراع الدخل المحدود للمواطنين .
- نقص التشريعات والقوانين الناظمة لهذه المشكلة بحيث لم تطل شركات الكهرباء بالعقوبات اللازمة عند الانقطاعات المتكررة والطويلة للتيار عن المنازل والعيادات والمناطق الصناعية والمعامل وغيرها..
أما الجميع فقد كان متفقا على خيارين لا ثالث لهما : ربط سعر الكهرباء بالدخول أو إعادة النظر بالشريحة المخفضة ورفعها مَـثَلا على الأقل .
دير الزور : سؤال وطني برسم الجميع :
ماذا لو دبج الديريون دعوة للحكومة - وأخص رئيس الحكومة ووزيري النفط والكهرباء - لزيارة المنطقة صيفا مع عائلاتهم الكريمة والإقامة فيها شهري تموز وآب .. ترى هل سيكملون الزيارة ؟
يقيني بأنهم ، وبعد مبيت أول ليلة ، سينتظرون بفارغ الصبر اشراقة الصبح ليعودوا أدراجهم ، هاربين من الحر الشديد وأشعة الشمس الحارقة ، ولن تجدي نفعا ،لإبقائهم ، نداوة قلوب الفراتيين ومياه الطيبة التي تنساح من أرواحهم أو حتى نسائم الضيافة العليلة .
تاريخياً ، هذه المنطقة حارة صيفا ، باردة شتاء ، ولكن ومع ظهور النفط فيها أخذ الحر يستشيط أكثر ليحول المنطقة إلى جحيم لا يحتمل وهذا بإقرار المسنين ومتوسطي العمر اللذين لطالما تحدثوا عن التبدلات الحرارية في المنطقة بعد ظهور النفط ، وللأسف فأن البحث والدراسات الجادة لانعكاسات النفط على البيئة الفراتية ومناخها العام مازال من المنسيات .
هذه المنطقة قدمت وما تزال لجميع السوريين ، وبلا منة ، قمحها وقطنها ونفطها ومائها ودماء شبابها ، وخصوصا في الحروب الأخيرة ، أفلا تستحق لفتة كريمة ومعاملة خاصة فيما يتعلق بوسائل عيشها الأساسية كالكهرباء مثلاً ..؟
هي لا تطالب بالكثير، سيما والمعمول به في دول نفطية أخرى ، إن جزءاً من أموال النفط يخصص لمناطق استخراجه تخفيفا للأضرار البيئية التي ستلحق بالماء والهواء والتراب .
ألا تستحق هذا ؟
سؤال وطني برسم الجميع .
08-أيار-2021
12-آذار-2016 | |
21-تموز-2012 | |
05-تموز-2012 | |
05-حزيران-2012 | |
24-آب-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |