محمد بن زكريا الرازي - 1 / عبد الرحمن بدوي
خاص ألف
2010-11-17
... بدأ الإلحاد في الإسلام تحت تأثير عوامل فكرية خالصة : ففريق ألحد عن الدين لأسباب من العصبية القومية حملته على أن يتعصب لدين آبائه من المجوس و الثنوية المانوية ، كما فعل ابن المقفع و بشار ، و فريق تزندق فرارا من تكاليف الدين و طلبا لسلوك مسلك الحياة الماجنة الحرة السمحة ، دون أن يتأثر بشك فكري واضح ، كما هي الحال بالنسبة إلى كثير من الشعراء ممن ينتسبون إلى " عصبة المجان " على حد تعبير أبي نواس ، و فريق ثالث تنازعه العاملان فجمع بين سلوك المجان و بين عصبية الشعوبيين ، مثل أبان بن عبد الحميد. و خلال هذا التطور رأينا المنحى يسير صوب الجانب الروحي أكثر فأكثر ، و إن كانت العوامل الفكرية العميقة لم تؤثر تأثيرها الحاسم بعد ، اللهم إلا عند ابن المقفع الذي يمثل خصوصا جانبا عقليا بارزا و إن تلفع بالغموض و التقية. ثم شاهدنا هذه الحركة المتصاعدة تبلغ أوجها عند ابن الراوندي : فبعد أن كانت مجرد مزاج روحي أو موقف فكري مؤقت غير واضح ، صارت مذهبا شاملا أقيم على أسس من العقل ، و أصبح ذا أنصار يؤمنون به لأسباب عقلية فكرية ، و كانت فكرة النبوة هي حجر الزاوية في هجوم هذا الإلحاد على الإسلام ، و يلوح أن الأمر قد اقتصر عليها و تحدد عندها فلم يتعدها إلى الشك في الألوهية نفسها ، بعد أن كان الأمر غامضا لا يعرف الملحد أين يوجه سهامه ، و من هنا كان الاضطراب في تصوير هؤلاء لأفكارهم و اتجاهاتهم ، و إن كانوا في بعض النواحي أجرأ من هؤلاء المتأخرين عليهم من أمثال ابن الراوندي و من تلاه. و لم ينطل على الناس نسبة الشك في النبوات إلى البراهمة و تحميلهم مسؤوليته ، فاعتنقوه على علاته ، بغض النظر عن أصحابه و ما عسى أن يرتبط بهذا الرأي من معتقدات أخرى لهؤلاء البراهمة المزعومين.
و هكذا تركزت نقطة الهجوم من جانب الملحدين في النبوة ، و لذا نجد الملاحدة في القرن الرابع و ما تلاه يقفون طويلا عند هذه المسألة. فنرى التوحيدي يذكر في " الإمتاع و المؤانسة " ( 1 ) أن أبا أسحق النصيبي كان " يشك في النبوات كلها " ، و نرى الكثيرين ينحرفون إلى المذاهب المبتدعة التي انتشرت في ذلك العهد انتشارا واسعا مثل الخرمية البابكية ( 2 ) ، حتى ليروي التوحيدي أيضا أن رجلا معروفا بدينه و إيمانه مثل ابن الباقلاني كان " على مذهب الخرمية ، و طرائق الملاحدة " ( 3 ) ، و إن كان في هذا القول شيء من الغلو لعله مقصود.
و انضم إلى هذه التيارات الظاهرة ، تيارات المذاهب المستورة المتأثرة بالغنوص ، خصوصا تلك المنتسبة إلى الشيعة مما ولد في القرن الرابع حركة عنيفة في الخواطر و الأفكار. و لسنا الآن بسبيل بيان هذه الاتجاهات الروحية القوية التأثير ، إنما نحن نتابع تطور حركة الإلحاد.
و هنا نلتقي بشخصية من أكبر الشخصيات في الحياة الفكرية الإسلامية على مر عصورها ، و نعني بها أبا بكر محمد بن زكريا الرازي.
و االرازي طبيبا و كيميائيا من الطراز الأول ، معروف جيدا للجميع بفضل الدراسات العديدة التي كتبت عنه من هذه الناحية ( 4 ). أما الرازي الفيلسوف فقد بدأت الدراسات عنه متأخرة ، فكانت أولى الدراسات الجدية في هذا الباب ما كتبه شيدر عنه في مقاله " مذهب المسلمين في الإنسان الكامل " ( 5 ) ، ثم كانت الدراسة التفصيلية لفلسفة الرازي الطبيعية التي كتبها الأستاذ سالومون بينس في كتابه القيم " نظرية الجوهر الفرد عند المسلمين " ( 6 ) ، فجاءت أوفى ما كتب عنه حتى اليوم. أما فلسفته الأخلاقية و فلسفته العامة في الوجود فلم تكن حتى اليوم موضع دراسة شاملة ، و قد كان هذا طبيعيا ما دامت النصوص الخاصة بهذه الفلسفة لم تنشر بعد. بيد أن المرحوم الدكتور كروس وجه عنايته إلى الرازي من هذه الناحية خصوصا ، و بدأ ينشر آثاره الفلسفية في مجلة " شرقيات " Orientalia ثم جمعها أخيرا في كتاب كان منتظرا أن يصدر في جزئين على الأقل ، لكن لم يصدر منه إلا الجزء الأول ، و حال انتحاره الأليم دون نشر الجزء الثاني ، فضلا عن أنه كان يكتب كتابا شاملا عن فلسفة الرازي كرسالة للدكتوراة يريد تقديمها لجامعة السوربون ، و يلوح أنه قد أتمه أو أوشك و لكنه لم ينشر ، و لعل القائمين على آثاره أن يعملوا على تحرير دساتيره و إعدادها للنشر.
و ما يعنينا هنا هو أن نبين الجانب الإلحادي في فلسفة الرازي هذه ، و قد عبر عنه - فيما يلوح – في كتابه في " العلم الإلهي " ثم في كتاب " مخاريق الأنبياء " ، و لكننا نعرف رأيه هذا خصوصا من المناظرات التي جرت بينه و بين أبي حاتم الرازي ، ثم ما أورده هذا الأخير في كتابه " أعلام النبوة " مقتبسا من كتاب " مخاريق الأنبياء " ، لابن زكريا الرازي ، و قد نشر هذه المواضيع مع ردود أبي حاتم كراوس في المجلد الخامس من مجلة " شرقيات " و أعاد نشر الجزء الأول منها في " رسائل فلسفية " لمحمد بن زكريا الرازي ( القاهرة سنة 1939 ص 295 – ص 316 ) ، نشرها مع رد أبي حاتم الرازي و جواب أحمد بن عبد الله الكرماني " عما أهمل أبو حاتم الجواب عنه من سؤال ابن زكريا الرازي ".
هوامش المؤلف :
1 – ج 1 ، ص 141 ، طبعة القاهرة سنة 1939 .
2 – انظر الفهرست لابن النديم ص 480 – 483 ، طبع مصر سنة 1348 هـ = سنة 1929 .
3 – المرجع نفسه ص 143 .
4 – راجع خصوصا ج س أ رانكنج : حياة الرازي و مؤلفاته المؤتمر الدولي الطبي السابع عشر ، لندن سنة 1914 :
G S A Ranking : The Life and Works of Rhazes -
ثم كتب تاريخ الطب العربي : فستنفلد و لوكلير إلخ.
5 – هـ هـ شيدر
Die islamische Lehre vom vollkommenen Menschen
في مجلة الجمعية المشرقية الألمانية ZDMG جـ 79 ( سنة 1925 ) ص 228 – ص 235 .
6 – برلين سنة 1936 ص 34 – 93
من كتاب تاريخ الإلحاد في الإسلام
S Pines : Beitrage zur islamischen Atomenlehre
يتبع ....................
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |