ماذا تعني عودة نجاح العطار إلى الساحة؟
ألف
2006-04-04
تلقى المثقفون السوريون خبر تعيين الدكتورة نجاح العطار في منصب نائبة رئيس الجمهورية لشؤون السياسة الثقافية بترحاب،واعتبر البعض إن اختيار هذه الشخصية الثقافية المهمة في هذا المنصب إنجازاً حقيقياً بغياب المبادرات الثقافية الرصينة،فمنذ أن غادرت العمل الثقافي المباشر في أواخر العام2000، وصلت أحوال وزارة الثقافة التي كانت تديرها لمدة ربع قرن إلى الحضيض،خصوصاً أن خليفتها في المنصب مها قنوت،قامت على الفور بعملية تطهير واسعة طاولت مثقفين يساريين،،وكان أول ضحاياها المفكر الراحل أنطون مقدسي الذي كان مشرفاً على مديرية التأليف والترجمة،وارتبط وجوده بإصدار مئات العناوين الأدبية والفكرية اللافتة،إلى تشجيع الأصوات الإبداعية الجديدة (كانت نجاح العطار تشغل المكان نفسه قبل أن تتسلم قيادة وزارة الثقافة).
هكذا خلال خمس سنوات تعاقب على هذه الوزارة نحو أربعة وزراء،لم يتمكن أحد منهم من تأصيل مشروع ثقافي يواكب بعض ما أنجزته نجاح العطار،إنما حصل العكس تماماً بإقصاء أسماء مرموقة في الشأن الثقافي واستبدالها بمثقفين حزبيين وعابرين،أتوا من المنظمات الشعبية مثل الشبيبة والاتحاد النسائي واتحاد الكتاب العرب وحتى وزارة الكهرباء.
ولعل هذا الارتباك الذي أصاب وزارة الثقافة في مختلف مفاصلها ومؤسساتها يحتاج إلى ترميم شامل،وهو ما لفتت إليه نجاح العطار في أول تصريح لها"أعد بأن أقدم أقصى ما أستطيع وأن أعمل جاهدة من أجل تحقيق نقلة نوعية في ميدان الثقافة".واللافت في تصريحها هذا اعتمادها عبارات مثل"الدور الطليعي"،و"الدور التقدمي للثقافة"،في الوقت الذي ذهبت فيه الثقافة السورية اليوم إلى مناطق أخرى غائمة ومرتجلة تتوسل زمناً آخر أقل ايديلوجية، وأكثر انفتاحاً على الأفكار الليبرالية.
ويرى البعض أن عودة نجاح العطار إلى الساحة بهذا الزخم،له مقاصد سياسية في الدرجة الأولى،أبرزها احتواء اطروحات المعارضة وعدم انسياقها وراء أفكار مستوردة،خصوصاً أن العطار مقربة من كافة الأطياف الثقافية والسياسية،لكن مثل هذه الآراء ضلت محصورة في شريحة ضيقة،وهذه الشريحة ذاتها تجد في عودة الوزيرة السابقة(73سنة) ليس أكثر من مراوحة في المربع الأول للثقافة السورية،فالحقبة التي شهدت مبادرات العطار،جرت بعدها مياه كثيرة تحتاج معجم ثقافي جديد،لا يقوم على الخطابة والبلاغة وحديهما،وأن الرهان على الخروج من النفق الذي تتخبط به المؤسسات الثقافية، سوف يكون صعباً للغاية في ظل غياب المشاريع الجدية التي تديرها الدولة،طالما أن المحسوبيات والأجهزة الحزبية والأمنية من يدير الدفة.
"ألف" استطلعت آراء بعض المثقفين السوريين فكانت هذه الشهادات:
- نزيه أبو عفش(شاعر):
- أعتبر أن عودة نجاح العطار إلى مثل هذا الموقع هدية كبيرة لي شخصياً،فالاستهتار الذي شهدته وزارة الثقافة خلال السنوات الماضية كان استهتاراً موجهاً للثقافة السورية ذاتها.وأجد في تحية هذه المرأة واجباً وطنياً،نظراً لما قدمته من خدمة جديرة بالاحترام للمثقف السوري،فكل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الثقافة لم يستحقوا لقب وزير الثقافة مثلما استحقته نجاح العطار التي عززت من شأن الثقافة،وأنا مدين بالشكر لأي كان ،على اقتراحه بإعادة إحياء حضور هذه المرأة الاستثنائية في الساحة الثقافية السورية.
- نبيل المالح(مخرج سينمائي):
- سوف أستعير مثلاً شعبياً للترحيب بعودة نجاح العطار إلى ممارسة العمل الثقافي عن كثب،فنحن "لا نتذكرها إلا بالخير"،فهي على الأقل ليست لديها عقدة الثقافة،لأنها مثقفة في الأصل،وليست لديها عقدة المنصب،لأنها صاحبة مشروع ثقافي،وهي بعيدة عن الصغائر،لأنها تمتلك رؤية متكاملة للثقافة الوطنية،فخلال وجودها على رأس وزارة الثقافة ،كانت ممثلة حقيقية لثقافة هذا البلد وتطلعاته الحضارية،خصوصاً أننا في سورية لا نمتلك سوى هبات الطبيعة والتاريخ،ولكن أهم ما استطعنا تصديره إلى العالم هو الثقافة،وآمل بوجود مثل هذه المثقفة،وكذلك وزير الثقافة الحالي،تحقيق ما غاب في السنوات الماضية من رؤى استراتيجية،بعد أن تحولت المؤسسات الثقافية إلى مزارع شخصية .
- ثائر ديب(ناقد ومترجم):
- يرتبط اسم نجاح العطار بمشروع ثقافي جدي،كانت أكدته خلال الحقبة التي أدارت فيها وزارة الثقافة،وهذه العودة تقودنا إلى أمل من نوع ما بمشروع أوسع وأعمق،على رغم أن المشاريع الثقافية العربية الرسمية،أصبحت محل شك وريبة في جدواها ،بوجود بعض الاستثناءات.وأعتقد إن من أولى المهمات الثقيلة التي تنتظرها في سياق السياسة الثقافية ،تتعلق بإعادة نظر جدية في القيادات الثقافية،لأن الثقافة لا تحتمل المحسوبيات،وآمل أن تكون الفترة التي قضتها نجاح العطار بعيداً من الممارسة الثقافية المباشرة قد عمقت لديها ضرورة ترتيب البيت الثقافي السوري باقتراح مشاريع ثقافية حيوية تنطوي على نهضة ثقافية في ظل هيمنة أفكار عولمية،بات التقصير في مواجهتها أقرب إلى الكارثة.
- سمر يزبك(روائية)
- في ظل الركود الثقافي الذي تعيشه سورية اليوم،أرى في مثل هذا القرار انتصارً لثقافة التنوير،إذ لطالما أكدت هذه المرأة على جدية مشروعها وحيويته،ولكن المهم في الأمر أن تتمتع بصلاحيات واسعة تعيد الاعتبار إلى الثقافة بوصفها جداراً استنادياً لأحلامنا قبل أن تنهار كلياً.