فن الأرض – الجزء الأول
خاص ألف
2010-12-18
ظهرت حركة فن الأرض كأحد أشكال الفنون الحديثة في أواخر الستينيات من القرن العشرين، وذلك عندما قرر بعض الفنانين نقل أعمالهم من أروقة الفن الضيقة إلى أحضان الطبيعة الرحبة، محاولين العودة إلى الطبيعة واختبارها مجدداً وفهمها وتأملها، وعلى الرغم من اختلاف أساليب الفنانين فإن معظمهم يعتمدون في تقنياتهم على الأحجار والتراب وأغصان الأشجار، وكل ما هو متوفر في الطبيعة من مواد أولية بسيطة، وهذه الحركة لها جذور تضرب في أعماق التاريخ وذلك لدى بعض الشعوب الغابرة التي أذهلت العالم أخيراً من خلال الاكتشافات الحديثة بنقوشها العملاقة والرائعة حيث يتركز معظمها في أراضي البيرو وجنوب الولايات المتحدة الأمريكية.
يشير مصطلح الجيوجليف إلى النقش أو الحفر على الأرض، ويطلق هذا المصطلح على كل عمل يتجاوز حجمه أربعة أمتار، وينجز الجيوجليف على الأرض من خلال تنسيق الحجارة أو الحصى أو بإزالة بعض رسوبات التربة لإظهار الرسم بشكل واضح. وأهم أعمال الجيوجليف يعتقد أنه يعود إلى حضارة النازكا (200ق.م- 600م) وعلى الرغم أن خطوط النازكا ليست الوحيدة في العالم، وإنما هي أكثرها روعة و اتساقاً، حيث تمتد على مساحات شاسعة في بعض مناطق ساحل المحيط الهادي وسط كاليفورنيا إلى شمال تشيلي. وهي خطوط مستقيمة وأشكال لولبية ومنحرفات تضم 500 كلم مربع من مساحة الأراضي، وتتراوح تعقيدات الرسوم من الخطوط البسيطة إلى طيور الطنان و العناكب والقرود والسحالي إلى جانب وجود شكل لرجل وحوت ووردة. وتشير الاحصاءات إلى أن عدد هذه الأشكال يصل إلى 50 شكلاً وتتراوح أطوالها بين 25 و275 م. ومعظم هذه الأشكال لا يمكن أن تراها العين بشكلها الكامل إلا من خلال الجو فقط، وهذا ما أدهش المعماريين منذ عام 1920 فكيف استطاع النازكا تنفيذها بهذه الدقة؟ ولأجل من؟ ولماذا نفذت؟
بناء هذه الخطوط وحفظها
صُنعت هذه الخطوط من خلال إبعاد طبقة أوكسيد الحديد الذي يغطي الحصى الموجود على سطح صحراء النازكا وبعد إزالة الحصى فإن الخطوط تتباين مع لون التربة الفاتح في الأسفل، ومازالت هذه الخطوط موجودة تبعاً لطبيعة الجو الجاف. فهي أكثر المناطق جفافاً في العالم، وبفضل غياب الرياح لاتزال هذه الخطوط موجودة حتى يومنا الحاضر.
نظريات حول طرق ودوافع هذه الأعمال
منذ اكتشاف هذه الأعمال وُضع العديد من النظريات حول الطرق والدوافع لإنجاز هذه الرسوم، ويقول المعماري وخبير الجيوجليف الدكتور وينبيغ كلارسون: " لم تكن تقنية صعبة، كل ما تحتاج إليه هو الإرادة" وكل ما تطلبته هو الاهتمام المتقن و الحذر لتصويب هذه الخطوط. ولإنجاز خطوط مستقيمة يكفي وجود وتدين خشبيين للدلالة على موضع الوتد الثالث على طول الخط، ومن المحتمل أن يكونوا قد استخدموا الأوتار للتأكد من أن الخطوط مستقيمة، فهذه العملية يمكن أن تتكرر حتى مئات الكيلومترات بإتقان شديد.
وفي صيف 1984 قام عشرة متطوعين من منظمة إيرث واتش الدولية غير الربحية لدعم مجال البحوث بمساعدة أنطوني افني العالم الفلكي الإسباني في دراسة خطوط النازكا، فقد أنشأوا خطاً لولبياً يلتف إلى 35 م طولاً ومتر واحد عرضاً خلال مدة استغرقت ساعة ونصف الساعة. حيث دخلت مجموعة إلى داخل الشكل وأزاحت أطراف التربة الصفراء في الأسفل لتصبح مكشوفة وواضحة للعيان، ومجموعة أخرى حركت تلك الصخور إلى حواف الرسم ونظمتها على شكل أكوام يصل ارتفاعها إلى نصف متر ، وراقبت مجموعة ثالثة عملية إنشاء الحواف للتأكد من أن الخطوط مستقيمة بدقة. وكانت النتائج دقيقة جداً كأي رسم نازكي آخر. واستنتج أفني وفريقه أن هذا العمل يمكن أن ينجز على مساحة 16 ألف متر مربع خلال أسبوع بقوة بشرية تصل إلى 10 آلاف عامل ويضيف أفني أن أي رسم نازكي آخر استغرق فترة زمنية تقارب عشر سنوات.
كما دفع الحجم الهائل لهذه الرسوم بالبعض إلى القول أن شعب النازكا استطاع الطيران، وتأتي هذه الفكرة من مصدرين أولهما يعود إلى اكتشاف خزفيات في هذه المنطقة رسم عليها طائرات ورقية ومناطيد. والمصدر الثاني هو وجود حفر عريضة ودائرية تحتوي على أحجار متفحمة عند نهايات العديد من الخطوط وبعتقد أنها نقطة انطلاق المناطيد الهوائية. وقدم دافيد جونسون نظرية بأن هذه الخطوط تحدد إذا كانت الأرض تحتوي على المياه، و أن المستوطنين الذين عاشوا في منطقة جافة كهذه يجب أن يقضوا بعضاً من الوقت في البحث عن مصادر المياه. وذلك من خلال بناء خريطة كبيرة وعملاقة يعرفون من خلالها مكان المياه بغض النظر عن مكان وجودهم في الصحراء.
ويعتقد العديد من المعماريين أيضاً أن الرسوم التي تصور الحيوانات أو الشخوص البشرية أو الزهور غالباً ما تكون استجابة قديمة لما يسمى " عين الإله" وذلك عندما حدثت سلسلة من الكسوفات غير الاعتيادية فوق أراضي جنوب البيرو، وقد تصادفت مع وجود شعب النازكا في هذه المنطقة، فالكسوف الكلي للشمس يشبه تماماً حدقة العين وبؤبؤها، فالعين العملاقة تنظر من السماء إلى الأسفل، وهذا ما يوضح لماذا رسم النازكا هذه الرسوم العملاقة حتى تشاهدها بشكل جيد عين في السماء، بالاضافة إلى العديد من الفرضيات التي تقول بأن هذه الخطوط هي طرق للعبادة ومراسم حج.
ووسط البحوث والدراسات والبحث عن أجوبة للغموض الذي يلف أعمال النازكا، اكتشفت أعمال أخرى في منطقة البالبا شمال غرب النازكا. وهي أعمال تختلف عن سابقتها من حيث التقنية ويطلق عليها البتروجليف.
البتروجليف وشعب الباركاس
وعند التكلم عن أهم أعمال البتروجليف لابد من التوقف عند شعب الباركاس (600ق.م – 200ق.م) وقد أطلق على أعمالهم البتروجليف أي النقش على الصخر، نُقشت هذه الأعمال على سطوح منحدرات الجبال وهي غير واضحة تماماً وتظهر للعيان فقط تبعاً للإتجاه الذي يُشاهد منه، وهذه الأعمال هي رسوم مذهلة تصور البشر والحيوانات وتشبه بعفويتها رسوم الأطفال. إن أعمال البتروجليف تصور الحيوانات التي عرفوها مثل اللاما كما تصور أناساً يحتلون مراتب عالية في المجتمع أو أشخاصاً من طبقة النبلاء، وبعضهم يحمل سكاكين طقسية في يد وقضيباً في اليد الأخرى دلالة على منزلة الشخص، بالإضافة إلى قبعات مزركشة كبيرة تزين رؤوس الأشخاص و الشخص الذي يجلس على العرش هو حتماً ذو منزلة رفيعة. ويشاع أن هذه الرسومات أنجزت كدلالات تشير إلى أماكن وجود المنصات، وقد صنع شعب الباركاس هذه المنصات عن طريق قطع قمم الجبال وهي أماكن للعبادة تعلو المناطق المحيطة بها، ويجتمع فيها الناس لتقديم الصلوات حيث يعتقدون أنهم قريبون من السماء.
العملاق ستيوارت
اكتشف العملاق ستيوارت أو رجل الماري عن طريق الجو في 26 يونيو 1998، وهو جيوجليف بسيط وبدائي لرجل استرالي يحمل عصا في يده، وقد يعود العمل حسب الدراسات إلى قبيلة بيتجات تجاتجارا المعروفة بصيد الطيور عن طريق رمي العصي، إن هذا الجيوجليف الضخم موجود في منتصف استراليا، يصل طول الشخص إلى 4,2 كلم وبمحيط يصل إلى 28 – 15 كلم وهو أكبر جيوجليف في العالم.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
16-كانون الثاني-2021 | |
22-آب-2020 | |
14-آذار-2020 | |
16-تشرين الثاني-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |