لوليتا الأميركية
2010-12-21
فلاديمير نابوكوف الكاتب الروسي الذي هجر بلاده ومضى إلى أميركا ظاناً أنهم سيجعلون منه أيقونتهم متجاهلاً القانون الأميركي قانون السوق الذي يقول: نحن نحتفل بك بقدر ما أنت مفيد، فإذا لم تكن مفيداً، فبإمكانك الانضمام إلى جيش المتسكعين في الشوارع الأميركية يبحثون عن فرصة وما أكثرهم.
فكر بالكتابة عن المجتمع الروسي تحت النظام السوفييتي، وربما قدم عدداً من المخطوطات عن هذا الموضوع إلى ناشرين كثيرين، ولكنه فوجئ بأنهم غير مهتمين بهذا الموضوع فهم من اخترعوه، وهم من صنعوا عنه الأفلام وروايات الجيب في رحلتهم الطويلة لتدمير عدوهم الثقافي والسياسي.
فكر، وفكر وأخيراً خطرت له الفكرة المذهلة؛ الفتاة البريئة المراهقة ولا خبرة لديها ولكنها تضج بالشباب المبكر والصبا، والعهر المبكر، وها هو العجوز الروسي والكاتب غير المهم والأستاذ الجامعي المخفق في أكثر من حقل يصبح راعيها، فتستثيره براءتها وجمالها الغض والفج، فيراودها عن نفسها، والغريب أن هذه المراهقة كانت خلاصة العهر والابتزاز، ويقيم معها علاقة يدمر فيها بظنه براءتها وصباها وأحلامها وجمالها، ولكنها كانت بين الحين والآخر تتذكر صباها ورغبتها في شاب من جيلها، فتهرب معه، ويبدأ في مطاردتها، والتوسل إليها والبكاء بين يديها، وتقديم العطايا والهدايا والمال الكثير حتى ترضى فتعود إليه، ولكنها بعد فترة طالت أم قصرت تنجذب إلى شاب من جيلها فتهرب معه ويعاود مطاردتها حتى العثور عليها وتقديم الهدايا والعطايا وهو خائف طيلة الوقت من مطاردة الشرطة له، وملاحقته بتهمة مراودة فتاة قاصر، والعلاقة مع قاصر حسب القانون الأميركي هي اغتصاب وجريمة ولو كانت عاهرة محترفة، فما بالك بهذه الفتاة التي كانت تحت وصايته ورعايته, وأخيراً تنتهي الرواية بهروبها النهائي ورغم مطارداته الطويلة لها لا يعثر عليها إلا وقد تزوجت وأنجبت وفقدت النضارة المراهقية التي كانت تجتذبه إليها.
نجحت الرواية نجاحاً كبيراً وترجمت إلى كثير من اللغات، ثم صُنع منها فيلم سينمائي لم يحرز نجاح الرواية، وتقدمت الدراسات تبحث عن سر نجاح الرواية، وتقدمت الدراسات النفسية التي وجدت فرعاً جديداً لشذوذات النفس البشرية، إنه اشتهاء الطفلات وصار اسم لوليتا علماً على هذا النوع من الشهوات.
ترجمت الرواية إلى العربية ولكن مهذبة مشذبة لا تكشف العمق الدلالي للرواية بل استخدمت لغة حيادية وسطية لا تشبه اللغة الحسية التي استخدمها نابوكوف، وقد ابتعدت عن قراءتها لأمد طويل بعد أن خاب أملي في رواية أخرى طنطن لها الإعلام الأميركي حتى ظننا أنها تحفة التحف، وكانت رواية أقل من عادية كتب مثلها في اللغة العربية لا أقل من خمسين نصاً، هذه الرواية كان اسمها قصة حب، وكانت لكاتب لم نعرف له نصاً آخر هو إريك سيغال، وضعف هذه الرواية وميلو دراميتها جعلني أبتعد عن كثير من النصوص التي يطنطن لها في الإعلام الأميركي ومنها لوليتا. ولكني... قرأتها.
الآن وأنا أذكر هذه الرواية وأتساءل: ما الذي جذب لا وعي القراء إليها، ورفعها إلى مستوى الأدب، وليس إلى مستوى البست سللر، ولم أصل إلى جواب حتى جاءت الفكرة وأنا أتفرج على الفضائح الدبلوماسية الأميركية التي تسربت عبر الويكيليكس، فتفجرت الفكرة أمامي فجأة.
نابوكوف الروسي، المنشق والذي لم يحظ بالرعاية المطلوبة والقادم من العالم القديم إلى العالم الجديد أميركا, وها هو يطرق الأبواب فلا تنفتح أمامه لم يفعل كما يفعل ريفيو العالم حين يصلون إلى المدينة فترعبهم بأضوائها وعماراتها الشاهقة وشرطتها فيعمدون إلى حيلة نفسية إلى اعتبار المدينة امرأة شهية ورجال هذه المرأة دائماً خرعون ضعفاء, فهو الريفي البريء هو من يستطيع إشباعها فقط وهذا ما رأيناه لدى الطيب صالح مثلاً وتوفيق الحكيم إلخ.. أما نابوكوف فهو القادم من الشيخوخة ليجد الصبا ممثلاً في الصبية لوليتا لذا فهو يطاردها كما يطارد العالم القديم أميركا باحثاً عن رضاها ولكنه وهو يطاردها إنما كان يفسد براءتها ويعتدي على صباها.
هذه الصورة ربما أرضت لا وعي المتلقي الأميركي من قراء ونقاد أميركيين لا يجنون إلا إلى العزلة عن العالم القديم والاكتفاء بأميركا، ولكنه وعلى غير رغبة منه كان يعلن أيضاً أن هذه الصبية ليست البراءة، بل هي العاهرة التي لا تسلم نفسها لعاشقها إلا بالثمن الكبير. ترى هل تكتفي لوليتا الأميركية المعاصرة بالنفط العربي لترضى عن العاشق العربي العجوز أم إنها لا تزال تساوم للحصول على ما هو أكثر؟.
08-أيار-2021
06-شباط-2021 | |
28-تشرين الثاني-2020 | |
22-آب-2020 | |
15-آب-2020 | |
09-أيار-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |