" ترمي بشرر" لعبده خال وحش مجروح بروح فظَّة
خاص ألف
2010-12-28
صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق منذ أيام أول دراسة نقدية بعنوان "الرواية السعودية في الرؤيا الاحادية للواقع " للزميل الدكتور محمد احمد طيارة ، وتتناول الدراسة برؤية نقدية جريئة عدد من نصوص الروائيين والروائيات السعوديين من مختلف الأجيال .
ويتساءل الناقد في مقدمة الدراسة : هل هي طفرة, أم هي فعلٌ إبداعي تلك الرواية السعودية التي تتمدَّد على المشهد الأدبي العربي, والتي وُلدت أوَّل ماوُلدت على يد عبد القدوس الأنصاري- رواية "التوأمان" عام 1930. ثمَّ لماذا اشتدَّت وقويت في فترة التسعينيات من القرن العشرين, وصارت تمارس فعلاً رياضياَ وهي بكامل قواها الجسدية, ثمَّ الآن صارت تمشي ببطء, بل وتستعين بعصا وعكاكيز التقليد وليس الإبداع؟؟
ومن المتوقع ان تثير الدراسة التي تعتبر الاولى من نوعها تساؤلات كبيرة اتجاه الحراك الروائي السعودي الذي اصبح يشتغل وفق منظور ورؤية احادية للواقع ، بعيدا كل البعد عن الاعمال الابداعية .
فيما يلي نقدم فصلا من كتابه عبارة عن دراسة لرواية ترمي بشرر عبد الخال.
ألف
نص من الدراسة
------------
" ترمي بشرر" لعبده خال وحش مجروح بروح فظَّة
كأننا لن نعيش عصر نهضة – مع إن الرواية والفنون والآداب عموماً هي جزء من أي مشروع نهضوي لأي أمة من الأمم, ف "ترمي بشرر" لعبده خال وهي الرواية السابعة- الأولى كانت "الموت يمر من هنا" صدرت 1996 . يفترض وككل رواية أن تقوم بتأدية وظيفة مدنية وقدسية معاً رغم إنها حاولت ذلك بعنوانها والذي اتخذته من الآية الكريمة: (ترمي بشرر كالقَصْر كأنه جِمالات صُفْر ) المرسلات الآية 32-33. فالرواية وإن فتحت الكثير من الأبواب المغلقة أبواب القصر الذي سيرمينا بشرره فإنها لم تستطع أن ترقى بشخصياتها على كثرتها التي نذكر منها: طارق فاضل البطل الرئيس, أسامة, إبراهيم, حمدان, عيسى, موضي, يوسف, تهاني, سلوى, لمعة, شهلا, مرام.. لتكون من لحم و دم . لأنَّ عبده خال قدم أفكاراً قدمَّ فضائح إنما حاملها خبر ولو جاء برؤية قدسية للوجود عبَّر فيها عن موقفه من الشذوذ الجنسي والفساد الأخلاقي والقتل الذي كان تصفية لحسابات وليس دفاعاً عن حق أو قيمة جمالية, والذي تورَّط فيه بطله طارق فاضل حتى الغرق.
نكتب رواية ليكن – ولكن شرط أن نقوم بتوظيف الحقيقة مهما كان شكلها أو لونها أو موقفنا منها – معها أو ضدها, باعتبار أن الرواية في جانب منها هي انفتاح تاريخي يسبق يستبق, يدشن يندشن بلحظة زمانية تنمو نمواً عفوياً- لحظة تاريخية وليس ذهنية فجملة(أنا لوطي) الاسمية والتي يقولها أحدهم للروائي أو لطارق فاضل بطل الرواية عندما اقترب منه فيما كان في رفقة ابنه في آخر صفحة من الرواية ص 379 فيقرر الاستماع إليه- الاستماع إلى اللوطي ليروي له حكايته التي تتشكَّل منها الرواية هي جملة غير محرِّضة, وليست استفزازية لأنها حدث لساني. حتى إن كل العمليات الجنسية الشاذة –المثلية, وغير المثلية التي قام بها طارق فاضل في الرواية كانت مجرَّد خبر أو توصيف إخباري. الرواية فيها أفعال؛ والأفعال لا تقبل أن تكون أقوالاً فقط.
الرواية السعودية حتى الآن ليس فيها حكايات يتم فيها تكثيف اللغة فنلمس ونحس بالحدث باعتبار أنه من صراع. ربَّما تكون هناك صوفية أو عند بعض الروائيين هذا الحدث مكتوب بدون صوفية لكن هذا لا يشفع للروائي ولا للرواية. لأن حدثاً مكتوباً بلغة القوَّة الضاغطة على الواقع له دلالات فعلية, سياسية, ثقافية, اجتماعية.. سوى تلك الدلالات والرموز الاشارية. لماذا أو ما معنى أن يذهب عبده خال في الصفحة الأخيرة من ترمي بشرر إلى ورقة تقويم سنوي و ينهي بها روايته و نقرأها فتكون ليوم 29 كانون الأول 2008 ميلادي أي الأوَّل من محرَّم 1430 هجري؟؟؟. لماذا الرمز حتى لو جاء هكذا مباشراً. أهو للإيذان بتحريم القتال والصيد؟ ثم أي صيد أو قتال.. صيد الغلمان والرجال لممارسة الشذوذ الجنسي معهم ومن ثم قتل من يحكم عليه السيد بالقتل-الموت. وكأن عبده خال يتحوَّل إلى داعية أخلاقي؟ أهكذا نخرج من الرواية التي كان مسرح أحداثها الذهنية مدينة جدَّة. إذ نحن مع قصر يُشاد- يشيده (السيد) على شاطئ البحر ليكون الجنة, أو عتبة للجنة.قصر يأكل الأراضي من حوله كما السرطان, فيمتد على منازل الفقراء في الحارة الشعبية التي يتربَّع أمامها كالأسد. حارةٌ هنا ستمثل النار الجحيم التي هي نقيض الجنة, نار رجالها من الشاذين والكذابين والدجالين والعصابات. حيث يفتح عبده خال أوراق الرواية فنعرف أن والد طارق فاضل كان بنَّاءً بالإضافة إلى عمله مطوِّفاً للحجاج, وتزوَّج من نساء و نساء. فطارق من امرأة, وأخوه إبراهيم من المرأة الثانية, وأخته مريم من امرأة ثالثة. الأب المزواج هذا يسقط من سطح أحد الأبنية حيث كان يعمل فيها مع مجموعة من العمال و يموت. فننتقل إلى سقوط ثان حيث يقيم طارق مع والدته وعمَّته خيرية. عمَّته هذه تكيد لأمِّه لطول لسانها عليها فتقع وهي تنزل من على الدرج درج السلم على وجهها فينقرض لسانها وتنقطع قطعة منه, وتحاول لصقها لكن العمة ترمي بها للقطة لتأكلها. فتحتضن العمة خيرية الولد الملعون الولد الشقي طارق فاضل؛ فيتربى في حضنها وليس في حضن أمه, فعمته أكثر اهتماماً به وهي التي قامت على إذكاء حس التمرد والعبث والشذوذ عنده مذ كان طفلاً, إذ كانت تكسر له أبواب المحرَّمات فتضعه أمام مشهد نزو فحل الغنم على الأغنام, مشهد جنسوي مثير لطفل. فيقوم ويقلد فحل الغنم , يقوم بمناكحة الغنمة ليملأ علامة الرضى وجه عمته. غير أنها لا تكتم سرَّ فعلته هذه بل تنشرها – تفضحه بصفته فاسقاً. طارق فاضل هذا يكتشف لذَّة المناكحة؛ لذَّة احتكاك اللحم باللحم فيطلبها, يجري وراءها. فالعمة خيرية نزعت صمام الأمان عن غرائزه وفجَّرتها, فصار طارق يتحرَّش بأطفال الحي, فطارت سيرته كفحل وأنه يمتلك قضيباً ضخماً وُصِفَ لبعض النساء بأنه أشبه برجل؛ بساق ثالثة, فصرن يدعونه ليمارس الجنس معهن.
من هنا يبدأ طارق بالعصيان ويتحدى كل القيم, فيعشق تهاني ابنة خالة صديقه أسامة ويمارس معها الحب. ثمَّ, ثمَّ يفض بكارتها, ثمَّ يكون سبباً في مقتلها لكن بعد عشرين سنة(؟؟؟) غير إنه لما كتب روايته تعبيراً عن حبه لها أهداها الرواية.
وكردِّ فعل تنزل أسهم طارق في الحارة الشعبية , فيقف عيسى الرديني إلى جانبه و يناصره ضد أبناء الحارة الذين ينقمون عليه. مقابل هذه يقوم طارق فاضل بإدخال عيسى الرديني القصر الذي شاده السيد قبالة الحارة الشعبية, والذي سمي بالجنة كمكافأة له شرط أن لا يفوه بكلمة مما سيشاهده من أفعال وأفعال. غير أن طارق يتحوَّل إلى دمية, إلى حجر شطرنج بيد (السيد) صاحب القصر فينفذ كل رغباته بما فيها القتل وتصفية الحساب مع خصومه وأعدائه داخل القصور وآلة الكاميرا تسجِّل كل هذه الوقائع كوثيقة إثبات لجرائمه – جرائم طارق وليس (السيد) الذي يحرِّض ويدفع طارق لتنفيذها وفوقها يغتصبه و يغتصب معه ضحاياه, حتى إنَّ الجماع (الشذوذ الجنسي) الذي كان يمارسه مع الضحايا كان يجيء عقوبة يتشفَّى فيها (السيد) إنما بقضيب طارق ضحيته. طارق في لعبته هذه مع الضحايا التي يقوم فيها بممارسة الشذوذ الجنسي معهم وهو صاحب القضيب الاستثنائي القضيب المؤلم, استعان بمجموعة من الجلادين مثله وصار جلاداً. لكنه يشعر بخطورة فعلته هذا مع الجلادين أتباعه حيث تحوَّل من غاصب إلى مُغتَصَب فيقرر الانتقام, يقرر قتل (السيد) ويقول : (لا نجوت إن نجا) ولكن كيف له أن يخترق السدود المنيعة التي يتحصَّن بها السيد صاحب القصر , هذا القصر الذي يرمي القيم الإنسانية بشرره, فيقتل الجمال, ينزعه من على وجه الأرض؟ ...خصوصاً بعد أن اكتشف طارق أنَّ (مرام) التي حرث جسدها كما يحرث جسد أي أنثى ووصل معها إلى ذرى اللذة والمتعة الجنسية؛ إنما هي أخته (مريم) من زوجة أبيه الثالثة. طارق فعلاً لن يصل إلى السيد لينتقم, فالطاغية في حصنه الحصين يحكم ويحكم. وما السباب والتشهير الذي يقوم به طارق للاقتصاص من سيده بلسانه وهذا أضعف الإيمان إلا نوع من الإحساس بهول الجريمة التي ارتكبها بحق نفسه في تبعيته لهذا السيد بقوله: نتساقط واحداً تلو الآخر لا أحد يحتال على جاذبيته, كل منَّا يسحب رغماً عنه ويسقط, هذا السقوط هو الإحلال, الرحيل من نقطة إلى أخرى وصولاً إلى القرار.
أي قرار ؟.. وطارق فاضل قد تحوَّل إلى وحش مجروح بروح فظَّة. لقد سقط في الجريمة, والأوَّل من محرَّم لن يكون يوماً وتاريخاً جديداً. صحيح أنَّ الله غافر الذنب و قابل التوب, ولكن أين يصرف فاتورة نكاح المحرم ولو أنه كان لايعلم أنَّ مريم هي أخته؛ كما لم يكن يعلم من قبل أوديب أنه ناكح أمه؟
طارق فاضل كان يمكن أن يكون صاحب ذنب أوديبي, أوديب فقأ عينيه و...., طارق لم يفعل شيئاً سوى أنه يُنتظر أن يتخذ قراراً, مع إنَّ قتله لما اقترفه من جرائم بدءاً بالنزو بالحيوان, ومن ثم التحرُّش بالأطفال إلى ممارسة الجنس مع أخته مريم, هذا عدا جرائم القتل التي اقترفها بحق العديد من الأبرياء تنفيذاً لرغبة السيد– بتقديري كاد عبده خال أن يقع في شباك الرواية البوليسية- هو قتلٌ ينتصر للعدالة المطلقة بشقيها المدني والإلهي, وهذا ما أبقى الرواية عملاً ذهنياً. فلا نحن مع تراجيديا ولا مع مأساة. نحن دائماً مع أخبار تصف فعلاً, تصف سلوكاً. وهذا ما ترك الصراع وهمياً لأنه لم يأخذ شكلاً تراجيدياً سواء كان صراعاً من أجل مبادئ أخلاقية أو قيم جمالية أو صراع أفكار. في التراجيديا البطل يدافع عن مبادئه حتى لو كانت دفاعاً عن النار عن جهنم"الحمرة". طارق فاضل لم يدافع عن شيء. أعجبته الجريمة منذ فضَّت له بكارتها عمَّته خيرية وحتى اللحظة التي قرَّر فيها أن ينتقم من السيد.
"ترمي بشرر" لعبده خال كان عليها أن ترفع من عظمة الشر حتى لو كان انتقاماً فردياً, فالضحايا فيها كُثر مع إنهم لم يرتكبوا ذنوباً- ولا ذنوباً تستوجب ممارسة الفعل الجنسي الشاذ معهم ولا القتلَ- قتلهم. وهذا ما أضعف الرواية فنياً لأن النزاع بين الجلاد والضحية لم يكن متكافئاً حتى إنه كان مبتوراً. مع ذلك تبقى الرواية مفجعة لأنَّها كُتبت بحسٍّ أخلاقي و جمالي فيه غيرة على المستقبل.
زوقار
2018-07-30
كتاب مميز:الرواية السعودية في الرؤية الأحادية للواقع...هل يمكنني الحصول عليه
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |