في الاتحاد لأبي يزيد البسطامي – تحقيق قاسم محمد عباس
خاص ألف
2011-01-08
نظرت إلى ربي بعد اليقين بعدما صرفني عن غيره ، و أضاءني بنوره ، فأراني عجائب سره، و أراني هويته ، فنظرت بهويته إلى أنائيتي ، فزال : نوري بنوره، و عزتي بعزته ، و قدرتي بقدرته ، و رأيت أنائيتي بهويته ، و إعظامي بعظمته ، و رفعتي برفعته ، فنظرت إليه بعين الحق ، فقلت له : من هذا ؟ فقال : هذا لا أنا و لا غيري ، لا إله إلا أنا ، فغيرني عن أنائيتي إلى هويته ، و أزالني عن هويتي بهويته ، و أراني هويته فردا ، فنظرت إليه بهويته ، فلما نظرت إلى الحق بالحق رأيت الحق بالحق ، فبقيت في بالحق زمانا لا نفس لي و لا لسان و لا أذن لي ، و لا علم حتى أن الله أنشأ لي علما من علمه ، و لسانا من لطفه، و عينا من نوره، فنظرت إليه بنوره ، و علمت من علمه ، و ناجيته بلسان لطف فقلت : ما بالي بك ؟ فقال : أنا لك بك ، لا إله غيرك. قلت : لا تغرني بي ، أنا لا أرضى بي عنك دونك ، فأرضى بك عنك دوني ، فمن علي به دوني ، فناجيته به دوني ، فقلت : ما لي من يدك عنك يا مناي ، فقال لي : عليك بأمري و نهيي ، فقلت : و ما لي من أمرك و نهيك ؟ قال : ثنائي عليك في أمري و نهيي ، أشكرك على ما أتيتك من أمري ، و أحبك على ما انتهيت من نهيي ، فقلت : إن شكرت فمن نفسك بشكره، و إن ذممت فلست أنت موضع المذمة يا مناي و يا رجائي من بلائي ، و يا شفاي من شقائي.
أنت الآمر ، و أنت المأمور ، و لا إله غيرك ، فسكت عني ، فعلمت أن سكوته رضاه.
ثم قال : من علمك ؟ قلت : السائل أعلم من المسؤول ، أنت المجيب و أنت المجاب ، أنت السائل و أنت المسؤول ، لا إله غيرك.
انقطع حجة الله علي به فرضيت عنه به ، و رضي به علي به ، إذ أنا به ، هو هو ، لا إله إلا هو ، ثم انارني بنور الذات ، و نظرت إليه بعين الفضل فقال : سل ما شئت من فضلي أعطيته. قلت : أنت أفضل من فضلك ، و أنت أكرم من كرمك ، رضيت منك بك ، و انتهيت إليك لا تعرض علي غيرك ، و لا تردني عنك بشيء دونك ، لا تغرني بلطفك و لا بكرمك و لا بفضلك ، فالفضل منك أبدا ، و إليك يعود ، أنت المعيد و أنت المعاد ، و أنت المريد و أنت المراد ، انقطع المراد عنك ، و انقطع الاسؤال عنك ، فلم يجبني زمانا ثم أجابني و قال : حق ما قلت ، و حق ما سمعت ، و حق ما رأيت ، و حق ما حققت ، قلت : بلى أنت الحق ، و بالحق يرى الحق ، أنت الحق و بالحق يتحقق الحق ، و إلى الحق و بالحق يسمع الحق ، أنت السامع و أنت المسمع ، و أنت الحق و أنت المُحِق ، لا إله غيرك ، فقال : ما أنت إلا الحق ، بالحق نطقت ، فقلت : بل أنت الحق ، و كلامك الحق ، و الحق بك حق ، أنت أنت لا إله غيرك ، فقال لي : ما أنت ؟ قلت له : ما أنت ؟ قال : أنا الحق ، فقلت : أنا بك ، قال : إذا كنت أنت بي فأنا و أنت أنا ، فقلت : لا تغرني بك عنك ، بلى أنت أنت لا إله غيرك.
فلما أن صرت إلى الحق ، و أقمت مع الحق بالحق أنشا لي جناح العز و الكبرياء ، فطرت بجناحي فلم أبلغ منتهى عزه و كبريائه ، فدعوته بالاستغاثة به عنه فيما لا طاقة لي به إلا به ، فنظر إلي بعين الجود فقوّاني بقوته ، و زينني بتاج كرامته على رأسه ، و أفردني بفردانيته ، و وحدني بوحدانيته ، و وصفني بصفاته التي لا يشاركه فيها أحد ، ثم قال لي : توحد بوحدانيتي ، و تفرد بفردانيتي ، و ارفع رأسك بتاج كرامتي ، و تعزز بعزتي ، و تجبر بجبروتي ، و اخرج بصفاتي إلى خلقي أر هويتي في هويتك ، و من رآك رآني ، و من قصدك قصدني ، يا نوري في أرضي ، و زينتي في سمائي ، فقلت : أنت عيني في عيني ، و علمي في جهلي ، كن أنت نورك تر بك لا إله إلا أنت.
فأجابني بلسان الرضا و قال : ما أعلمك عبدي ، قلت : أنت العالم و أنت المعلوم ، و أنت المفرد ، و أنت الفرد ، تفرد بفردانيتك ، و توحد بوحدانيتك ، لا تشغلني بك عنك.
انقطع حجة الله علي في فردانيته ، و بوحدانيته في وحدانيته ، فأقمت معه دون تفردي بفردانيته ، فأقمت معه به ، فنى صفاتي بصفاته ، و سقط اسمي باسمه ، و سقط عني أوليته بأوليتي ، و آخريتي بآخريته ، فنظرت إليه بذاته التي لا يراها الواصفون ، و لا يبلغها العالمون ، و لا يفهمها العاملون ، فنظر إلي بعين الذات بعدما سقط اسمي و صفاتي و أولي و آخري و نعتي ، فدعاني باسمه ، و كناني بهويته ، و ناجاني بأحديته ، قال : يا أنا ، فقلت : يا أنت ، فقال لي : فانقطع حجة الله علي به ما سماني باسم من أسمائه إلا سميته به ، و ما وصفني بصفة من صفاته إلا وصفته به ، فانقطع كل شيء مني به ، فبقيت دهرا بلا روح و لا جسم كالميت ، ثم إنه أحياني بحياتي بعدما أماتني ، فقال : لمن الملك اليوم ؟ فلما أن أحياني قلت : لله الواحد القهار ، فقال : لمن الاسم ؟ قلت : لله الواحد القهار ، فقال : لمن الحكم اليوم ؟ فقلت : لله الواحد القهار ، فقال : لمن الاختيار ؟ قلت : للرب الجبار ، فقال : أحييتك بحياتي ، و ملكتك ملكي ، و سميتك باسمي ، و حكمتك بحكمي ، و افهمتك اختياري ، و وافقتك بأسماء الربوبية و الصفات الأزلية ، قلت : لا أدري ما تريد ، كنت لنفسي فلا ترضى ، و كنت لك فلا ترضى ، فقال : لا تكن لنفسك قوة لا لنفسي إني كنت لك حيث لم تكن ، فكن لي حيث لم تكن ، و كن لك ، حيث كنت ، فكن لي حيث كنت ، فقلت : و أنى لي بذلك إلا بك ، فنظر إلي نظرة بعين القدرة ، فأعدمني بكونه، و ظهر في بذاته ، فكنت به ، فانقطع المناجاة ، فصارت الكلمة واحدة، و صار الكل بالكل واحدا، فقال لي : يا أنت ، فقلت به : يا أنا، فقال لي : أنت الفرد، قلت : أنا الفرد، قال لي : أنت أنت ، قلت : أنا أنا، و لو كنت أنا من حيث أنا لما قلت أنا ، فلما أنا ، لم أكن أنا ، فكنت أنت أنت، قال : أنا أنا قولي بأنائيته كقولي بهويته توحيدا، فصارت صفاتي صفات الربوبية ، و لساني لسان التوحيد ، و صفاتي أن هو هو لا إله إلا هو ، فكان ما كان بكونه مما قد كان ، و ما يكون بكونه يكون ما يكون ، صفاتي صفات الربوبية ، و إشاراتي إشارات الأزلية ، و لساني لسان التوحيد.
من كتاب : أبو يزيد البسطامي – الأعمال الكاملة – تحقيق : قاسم محمد عباس - دار المدى – دمشق و بيروت - 2004 . ص : 41 – 44 .
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |