Alef Logo
كشاف الوراقين
              

ضمنَ مئةِ مترٍ مربعٍ الفصلُ السادسُ والأخير

خاص ألف

2011-01-21

ضمنَ مئةِ مترٍ مربعٍ الفصلُ السادسُ والأخير
في ليلي ألوانٌ أخرى. ينبثقُ بعضُها منَ النجوم . أقواسُ قزحٍ تجذبُها عيناي . أرى الليلَ مملوءاً بالألوانِ وعبقِ رائحةِ الورود . لم أعدْ ضائعةً على حدودِ ليلٍ أعزلَ من الحياةِ . الحياةُ تقتحمُني اليومَ . أحبُّها . هي جميلة وسطَ ليلي أو نهاري . أرغبُ أن أرتويَ منها . كتبتْ عليا هذا في "مذكرات امرأة بعد منتصف الليلِ" في قسم مذكراتِ امرأةٍ أحبت أميراً ، وكتبتْ أيضاً : لم أعدْ أعرفُ الحقيقةَ من الخيالِ . كلُّ ما أراهُ اليومَ أشبهُ بخيالٍ أو حلمٍ كنتُ أتمنى أن يتحقّقَ جزءٌ منهُ فقط . الحلمُ تحقّقَ أكثرَ مما أردتُ بكثيرٍ . حلمتُ وأنا على جزيرةٍ وسطَ بحرٍ هائجِ بالنجاةِ . بالحياةِ. بالبشرِ ، و السعادة . امتزجت أحلامي مع أحلام ابني ، معَ أحلامِ أصحابِ الشركاتِ والأموالِ . أحلامُنا جميعاً نبنيها في هذا المكان .
في مدينتي "السراب " كانَ لي الكثيرُ من الأحلام . لم أتمكنْ من تحقيقها مع أنّها بسيطةٌ سهلة . حلمتُ برجلٍ يحبُّني . بمجتمعٍ لا يرفضُني . بعملٍ أستطيعُ من خلالِه أن أحصلَ على جوّ اجتماعيّ وبعضِ المال . . لم أنجحْ . شعرتُ برفضٍ من قبلِ كلّ من كنتُ على احتكاكٍ معهم . قلتُ : لاشكّ أن العذرَ عندي كبيرٌ . لا يمكنُ أن يرفضني كلّ هؤلاءِ الناس إلا إذا كنتُ فعلا في وضعٍ ذهنيّ أصعبُ مما أتصورُ . كانَ الزواجُ هو الحلّ . تزوجتُ . اعتقدتُ أنّ من تزوجتُه سيسهرُ على راحتي . يعوّضُ لي عن كلّ ذلكَ الذي أفتقدُه . استسلمتُ للأمرِ . أردتُ من سعيد أن يكونَ كما أحبُّ وأشتهي دون أن أفكّرَ لحظةً أنّ ما فعلتُه ليس زواجاً بل لعباً على الأوراق . ما أقدمَ تلكَ الذكريات ! تبدو لي قد حدثتْ منذُ بدايةِ التاريخِ . لا يمكنُ أن يكونَ لي تاريخٌ في مدينةٍ نسي أهلُها ألف باء الحياةِ . كلّ شيءٍ دفعهم إلى الرومانسية الخاليةِ من الحبّ والفنّ والجمال . يتغزلونَ بالفقرِ والألمِ ، وحتى بالجنون. يعتقدون أنّ الفقرَ منحةٌ منّ الله بها علينا وليس كارثة . هكذا كنتُ أعتقدُ في الماضي أيضاً . مثلهم تماماً . أحاولُ أن أبرّرَ للفقرِ حضورَهُ وأحيطُهُ بالعنايةِ كي يستمرَّ كونهُ من أنبلِ الأشياءِ .
بعد ذلكَ عشتُ زمنا أحاولُ أن أحيا بالحدودِ الدنيا كي أرضي نفسي . لم أجدْ شيئاَ يرضيني . شعرتُ أنّه ممنوعٌ عليَّ أن أتطورَ أو أفكرَ بأيّ موضوعٍ حقيقي . كان تفكيري محدوداً جداً . مثل تفكيرِ الكائناتِ الأخرى المختلفةِ التي تدبُّ على الأرضِ . أو بالأحرى تدبُّ على أربع.
في مدينتي حاولتُ أن أصلَ إلى مكانٍ ما . دونَ طوحي . لم أصلْ
لأنّ المجانين فيها يوصفونَ بالعقلاء، والأميّون بالأدباء ، والساقطون بالعلماء
لم أكنْ أعرفُ العالمَ إلا من خلالِ عزلةٍ جعلتني أتصورُ أنّهُ ليس مكاناً صالحاً للعيشِ ، أو حتى للمشي على أربع .
قد يكونُ مكاناً صالحاً لعيشِ البعضِ فقط . أما أنا فكانَ طموحي أكبرُ من العيشِ .
الحرية. حريةٌ جديدةٌ بمفهوم جديد .تتسلّلُ إلى وجداني . أن أفعلَ ما أريدُ .
أن لا يحكم ذهني إلا ذهني كي يتخلصَ من كلِّ القيود .
أعتبُ على نفسي كيف هربتُ من الحياةِ . تعلمتُ الآن فنَّ العيش استغرقَ الأمرُ وقتاً طويلاً .
سأنفضُ غبارَ الزمنِ عن الزمنِ . أعيشُ اللحظاتِ الجميلةَ التي هي الواقعُ الحالي . كلُّ شيءٍ تحقّقَ. لم يتحقّق أيُّ شيءٍ أيضاً . أحلامي راحلةٌ أبداً في البحثِ عن أحلامٍ جديدةٍ أعيشُها في كلّ ليلةٍ .وعندَ كلِّ يقظةِ أو إغفاءةٍ .
هي أحلامٌ أكبرُ من تلكَ التي تحقّقتْ . بتُّ أتمنى أ ن أعيشَ لأشهدَ عليها . . مازالتْ مشاريعي تتوسعُ . لم تكتملْ بعد . هي أحلامُ فقط . لن تكتمل إلا إذا جعلتُها حقيقة . في المساءِ سيتمَ افتتاحُ مشروع الحلمِ في الجزيرةِ . سيكونُ على بوابتي التي أقطعُ منها التذاكر للذينَ سيعبرون الجسر الناسُ بكلّ أطيافِهم . أتوا لرؤيةِ الأحلام .
فرقةُ سيرينا هي التي ستبدأ بالعرضِ بعد الانتهاء من العد التنازلي والألعاب النارية . نعم سيكون عدّاً تنازلياً في الساعةِ الثانية عشر بعد منتصف الليلِ . إنّهُ ليلُ ولادةِ سنة جديدة في جزيرةِ الأحلام .
أحلامي تريدُ أن تنسى أنّها أصبحتْ حقيقةً .
أمضينا نحلمُ بها زمناً طويلاً حتى أنجزتْ
لا تجعليني أيتها الأحلامُ أقفُ على ذكرياتِ البطولةِ السابقةِ .
الأمنياتُ التي تحقّقتْ هي ماضٍ .كانتْ في يومٍ من الأيامِ حلماً
دعينا نحلمُ بأشياءَ أجمل . الماضي ذكرى فقط . تحوّلَ إلى حقيقةٍ فكيفَ يكونُ حلماً بعدَ الآن ؟ هذا ما تقولُهُ الأفكارُ التي تتواردُ إلى ذهني تباعاً .
الأحلامُ لا تشبعُ . تسحبُني كلما حاولتُ أن أغفو . تقولُ : لا تستعجلي النومَ . فيما بعد سيكونُ الوقتُ كافياً . عندما ننجزُ حلمنا ستأخذين استراحتكِ .
أعملُ بجدٍ . أقاربُ على فقدانِ الأملِ أحياناً . أكادُ أتلاشى . يطلّ الحلمُ على صهوةِ حصانٍ . أصفّقُ لهُ . أحضنُه . ثمّ أغادرَهُ إلى آخر . بعدَ أن أنظرُ إليهِ متسائلةً إن كانَ ما تحقّقَ هو إنجاز حقيقي .أو كانَ هوَ حلمي الحقيقيّ .
رأيتُ أميري اليومَ . بحتُ لهُ بحبّي . في كلّ مرةٍ أراهُ فيها أقولُ له :أحبّكَ .. أحبّكَ أميراً متألقاً في سمائي . قل لي: ما هي أحلامُكَ ، أم أنّ ذهنكَ متفرّغٌ للعمل فقط ؟
- عادتِ الأحلامُ إليّ منذ فترةٍ قصيرةٍ . في بلدتي لم أكنْ أرى الأحلام حتى خلالَ النومِ . تعطّلَ شيءٌ ما في داخلي . اليوم عادتْ أحلامي كالسابقِ . البارحة رأيتُ والدي يقول : هذا ما كنتُ أتمناهُ . هو فخورٌ بي ، ومن أحلامي التي عملتُ عليها كثيراً والتي أرغبُ في تحقيقها : مشروعٌ تجاريٌّ في مدينةٍ غيرُ هذهِ . سأشاركُ أحدَ زملائي . سأغادرُ هذهِ المدينة إلى أخرى أبدأ فيها أوّلُ أحلامي الحقيقيةِ والتي تتعلقُ بكسبِ المالِ . قد أستقرُّ بها لو نجحَ المشروع . ألا ترغبينَ أن نكونَ معاً هناكَ ؟ أتمنى أن ينجحَ عملي . سنذهبُ إلى هناكَ . إلى أماكنِ نجاحاتي .
بدأتُ أحاولُ التخلصَ من آلامِ الماضي . أرغبُ في العيشِ . هكذا هي الحياةُ . علينا أن نقبلها . احسمي أمركِ . تعالي نعيشُ معاً أحلاماً جميلةً في أيّ مكانٍ من العالم .
- سأجيبكَ يوماً على هذا السؤالِ . عندما عرفتُ سونيا تحدّثتُ لها عن إحساسي بفراغٍ سميّتُه" فراغَ الرجلِ"
أجابتْ : أن ما أفكّرُ فيهِ يحدثُ في الأفلامِ فقط .
لم يعدْ عندي هذا الفراغُ . كانتْ سونيا على صوابٍ . هي لا تطلبُ من الرجلِ ما أطلبُه . أردتُ رجلاً من صنعِ خيالي . فأتى بأسوأ صورةٍ عن الواقعِ . أصبحَ في حياتي رجالٌ كثيرونَ . أخي . ابني . أصدقائي . وحبيبي الأمير . لا أشعرُ بذلكَ الفراغِ . أعطيتُه اسماً جديداً هو" فراغ الحياة "
عندما تكونُ وظيفتكِ في هذهِ الحياةِ ضمنَ جزيرةٍ تناضلُ من أجلِ الفرجِ والنجاةِ . يحيطُ بكَ فراغٌ من كلّ جانبٍ . تعتقدُ أنّها نهايةُ العالمِ . تتمنى لو يأتي إليكَ أيّ شخصٍ لتشعرَ معه بالأمانِ ويشاركَك في البحثِ عن النجاةِ .
عالمي اليوم مليءٌ بالناس . أفتشُ فيه عن الفراغِ من أجلِ الراحةِ .
أحتاجُ لهُ من أجلِ نفسي . من أجلكَ . كي نعيشَ قصةَ حبّ .
نصنعُ قصةَ فيلمٍ نحنُ أبطالُهُ . يتحدّثُ عن أميرٍ يسابقُ الزمن
وسيدةٍ ناضلتْ من أجلِ الحلم . هذا مشروعٌ ناجحٌ يخلّدُ حبّنا .
- لم أفهمْ ما قلتِ ؟ هل هذا يعني أنكِ قبلتِ العيشَ معي .
- ستعيشُ في داخلي أيّها الأمير . أتمنى لكَ التوفيق . لن تنتهي قصةُ حبّنا . ستكونُ خالدةً . ابحثْ عن حياتكَ التي فاتت. الزمنُ مسرعٌ بنا . علينا أن لا ندعه يسبقنا .
- فهمتُ عزيزتي . أنتِ تريدينَ لي حياةً وعائلةً وأطفالاً . أسألكِ : هل يمكنُ أن أعيدَ الزمن إلى الوراء . إلى عمرِ الشبابِ .
- يمكنكَ فعلُ ذلكَ . لن يخفّفَ ذلكَ من هذا الدفء الذي نعيشُه الآن . صدّقني أيّها الأمير . الحبّ عطاء ، والعطاء ليسَ عشوائياً . إنّهُ نيةٌ حقيقيةٌ هدفها إسعادُ الآخر . سعادتُكَ في مكانٍ آخر . لا أشعرُ بقدرتي على الالتزامِ بحبٍّ أعيشُ من خلاله واجباتِ الزوج والزوجة . دعْ حبنا بريئاً سامياً يتجاوزُ الرغباتِ . سيبقى إلى الأبد - جئتُ أخبركِ أنّني قرّرتُ الرحيلَ إلى مدينةٍ أخرى . طائرتي ستقلعُ في السابعة صباحاً . عرفتُ أنّ نيتكِ تتجهُ إلى التعاطفِ معي . كما عرفتُ أنّ حريتَكِ ومشاريعَكِ التي تسعين إلى تحقيقها لا تتّسعُ لكلّ الأشياء . لكِ حبّي إلى الأبد .
- سنلتقي أيّها الأمير كلّ يومٍ في المساءِ من مكانينِ مختلفينِ .
قبلَ أن تخلدَ إلى النومِ فكّرْ بي . ستكونُ روحي في انتظاركَ .
ارحلْ إلى أحلامكَ . تستطيعُ أن تجدَني . روحي سترافقُكَ . عرفتُ كيف أبني الأحلام . تعلمْ أنتَ أيضاً كما تعلمتُ أنا .
أنتَ النصفُ الذي افتقدتُهُ . الذي رغبتُ في عودته . كنتَ حلماً جميلاً سيبقى عالقاً في ذاكرتي إلى الأبد .
قلتُ هذا لمن أحببتُ
أطرقَ برأسهِ قليلاً . عاد إلى طبيعته بعدَ لحظاتٍ .
بعدَ ساعاتٍ . سيتمُّ التحضير لبدءِ الاحتفال . هو احتفالٌ فنيٌّ
تتخللهُ أنخابٌ ، وبعض الكلماتِ القصيرة . فرقةُ سرينا تستعدّ لإحياء الحفل. سونيا ستهتمّ بالتفاصيل وأنا سأقفُ قربَ البوابة . ليس من أجل قطعِ التذاكر . التذاكر كلّها انتهيتُ منها منذُ أسبوع . تذاكر من أجل حضور الحفلِ والعشاء . ستبدأ الألعابُ النارية في الثانيةِ عشر ليلاً . هو العام الأوّلُ بتقويم الجزيرة .
سيأتي حارسُ الجزيرة الخرافي الذي له شكل حورية البحر "سيرينا" ليوزّعَ الهدايا ويشاركَ المحتفلين بالحدث وفي كل عام سوف تأتي سيرينا " الحورية البشرية " لتوزيع الهدايا .
سأذهبُ قبل الاحتفال إلى صومعتي في الجزيرة .
أصبحتْ مكاناً للتأمّلِ لكلّ من يريدُ القيام بطقوس عبادته
سأقوم الآن بطقوسي التي كنتُ أمارسها قبلَ عقودٍ خلتْ .
ذهني يرحلُ خارجَ حدود الزمانِ والمكانِ .
تجوبُ روحي العالمَ من خلال فتحةِ المعبدِ العلويةِ الصغيرة وأرحلُ إلى مدينةِ السراب
روح مدينتي . تقفُ هنا في منتصف ليل ولادة جزيرة الحلم
راقدةٌ في كهوفِ الموتِ . تستقبلُ الوافدين
أهلُ مدينتي يحملون أرواحهم فداءً لها . يحتمونَ بالأرض . بالحفر
يلاقون حتفهم. يستقبلونه سعداء لخلاصهم من الحياةِ . الموتُ نصرٌ منتظر .
سكانُ السرابِ النائمونَ هنا معي . أيقظتُهم من نومهم .
يرفرفونَ في السماءِ كالطيور . يحبّوني وأحبُّهم . هم أمي وأبي . جيراني . كلّهم معي .
أشعرُ بالتوتّرِِِ . سأمشي على الجسرِ ببطءٍ .
عندما أصل الجزيرة . سأتمدّدُ أمام البناء، وأغفو للمرةِ الأخيرة في جزيرةٍ كانت لي .
يبدو أنّ أحداً يسيرُ قربي . أرى خيالاً وسط الظلام . منذُ مدةٍ طويلةٍ لم تطاردْني الأشباح ، ولم يأتِ إلى عالمي جنٌّ . التفتُّ قليلاً إلى اليسار . ابتسمتْ لي عروسٌ جميلةٌ تبدو كأنّها جنيّةٌ تحضّرتْ ليومِ زفاف . أدرتُ ظهري . اعتقدتُ أنّني أتخيّلُ .
- إلى أن نقرت بإصبعها على كتفي : سيرينا . أنا سيرينا . أخذتُ إذناً من حارسِ البحرِ لمرافقتكِ إلى هنا .
- كم أنتِ جميلةٌ ! هل كلُّ الحورياتِ بهذا الجمالِ ؟ قولي لي يا سيرينا . لماذا لا تحررين نفسكِ من البحرِ ؟
- أحبُّ البحرَ . ولدتُ فيه . إنّني سرٌ للبحارِ . لولا خوفي عليكِ . لأخذتُ هاني إلى مغارتي ليعيشَ معي إلى الأبد . لكنَّه ولدَ فوقَ هذه الجزيرةِ وعليه أن يبقى عليها . ساعدتُه في بناء أحلامه ليبقى قريباً منّي . سيأتي إلي نجلسُ معاً نتحدّثُ بأمورٍ كثيرةٍ . يخبرني هاني بكلّ شيء . تعالي أريكِ الهدايا التي سأوزّعها في منتصف الليلِ .
انظري : هذه الهديةُ لك . بإمكانكِ أن تري ما بداخلها وتأخذينها منذ الآن .
- ماذا ؟ تعويذةُ حبٍّ ! ماذا سأفعلُ بها ؟
- يمكنُكِ أن تعطيها لأيّ شخصٍ تحبينه ستجلبُ لهُ الحظّ والنجاح .
- شكراً لك سيرينا . أين أنتِ ؟ سيرينا . سيرينا . أينَ أنتِ ؟
اختفتْ سيرينا . هل كنتُ أحلمُ ؟ لا هذهِ التعويذةُ مازالتْ بيدي . معنى هذا أنّ قمرَ الزمان قد يكون أتى من البحر . كوني عاقلةً يا عليا . لا تخلطي الأوهام بالحقيقة .
بعدَ قليلٍ ستولدُ جزيرة في بحرٍ هو لي . تسكنُه حوريةٌ جميلةٌ .
البعضُ في المجرةِ الآن . ينظرُ إليَّ . لا يصدّقُ أنّ بائسةً استطاعتْ تغييرَ نفسِها .
ينتظرون العدّ التنازلي وانطلاقةِ الشرارةِ الأولى لبدءِ سنة جزيرةِ الحلم
سيكونُ تقويمُ الجزيرةِ هو تقويمُ المستقبلِ .
سونيا وفرقتها بدؤوا يعدّونَ الأغاني . يتمرنون على الأداء
بقي عدةُ دقائق للبدء
امتزجتِ الآن السماءَ بالألوان
الجموع المحتشدةِ تصفّقُ وتبتهج ُ
الجميع يقول : يا للروعة !
أقفُ أراقبُ الأنوارَ في السماءِ
لا تبهرُني كما أبهرتْهم . أنتظرُ ما بعدَ الاحتفالِ .
ابتهجي أيتها المغفلةُ مع المبتهجينَ ، فليس في كلِّ يومٍ جزيرةُ حلمٍ وعدٍّ تنازلي واحتفال .
دموعي حاضرةٌ . إنّني على الدوام أبكي عندما أنوي الابتسام
أرحلُ بذهني إلى عذاباتِ الماضي . أتذكّرُ مسيرةَ الآلام لأمي وأبي وجدتي .
لماذا أيتها الأنوارُ تضيئين هنا فقط ؟ كيف أسعدُ وهم لم يسعدوا ؟
جثوتُ على أرضِ الجزيرةِ . أخطُّ بإصبعي بعدَ أن غمستُها في الماءِ : لا أعرفُ معنى السعادةِ . ولا معنى الفرحِ . خلقتُ لأبكي .
ففي ليلةِ زواجي . كنتُ خائفةً مذعورةً بكيتُ حتى الصباحِ .
وفي ليلةِ حلمي أنجزتُ كلَّ الأشياءِ . تفرغتُ للبكاء
البكاءُ لغةٌ أجدتُ الحديثَ بها . يحضرُني في كلّ المناسباتِ
الحزنُ يسكنُني كما يسكنُ الموتُ المقابرِ . سأقهقهُ ضاحكةً .
يمكنني تحدي هذا المزاجِ . إنّني أقهقهُ . هل تسمعونَ صوتَ ضحكاتي .
تشبهُ النحيبَ أحياناً . أسيطرُ عليها . ترتسمُ الضحكاتُ على شفتيّ تشعرني بالتفاؤلِ
في داخلي مزيجٌ من الألم والغضبِ وبعض الفرح .
عشرون عفريتاً يتصارعونَ من أجل كسبي .
سأمسحُ دمعي . كي لا يفسد الفرحَ .
آن الأوان لتقدم فرقة سونيا أغانيها
أمسكتْ مع فرقتها بدائرة أحاطتْ بأطراف الجزيرةِ
وجوههم تنظرُ إلى الناسِ باسمةً . انضمت ألانا وصديقها وهاني ووايتي إلى الراقصين .بينما تعزفُ الفرقةُ ألحاناً ، ويصدحُ صوتُ المطربين . يدورُ الراقصونَ . علا الماءُ من وسطِ الجزيرةِ ملوناً ينسابُ على وقعِ اللحنِ .
رقصتُ على أنغام الفرقةِ وحيدةً رقصاتٍ من الماضي تطلب الخلاص .
صفق لي الناسُ . اعتقدوا أنّني من ضمنِ فريقِ الأداءِ .
كما اعتقدوا أنّني أجدتُ التمثيلَ . لم يكونوا يعرفون أنّني أرقصُ رقصةَ الليلِ والآهاتِ .
الرقصةُ التي تدربتُ عليها منذُ نعومةِ أظفاري .
أتى الأميرُ . أمسكَ بيدي رفعني . كنتِ مدهشةً كما كنتِ دائماً .
غامضةً مثلما رأيتُك يوماً .
كفاكِ ألماً تعالي نكملُ الاحتفالَ في زاويةٍ بعيدةٍ .
ركضنا معاً ، ثم غفونا على شاطئٍ بعيدٍ عن الجزيرةِ للحظاتٍ .
ما أجملَ الطفولةَ ! نعيشُها الآنَ على الرمالِ .
نخوضُ في الماءِ نرشُّ بأكفنا على وجوهِ بعضنا . نتخاصمُ . نتصالحُ .
جزيرةُ الأحلامِ حقيقةٌ لمن يحلمُ برؤيتها .
لم تعدْ جزيرةً لأحلامنا . سنبحثُ عن مكانٍ آخر
قد تكونُ جزيرةً جديدةً .. أو حلماً بعودةٍ إلى الطفولةِ .
من الممكن أن يحدثَ هذا . أميري قالَ ذلك . لا تعرفون أكثرَ منه !
يمكنُنا أن نعيشَ كل أعمارنا في لحظةٍ . أن لا نعيشَ أيضاً .
كلُّ شيءٍ متوقفٌ على ما نشعرُ به .
بعدَ أن تحقّقَ حلمي . لم يعدْ لديّ أحلام.
الحياةُ تحتاجُ لحلمٍ جديدٍ كي يستمرَّ الانتظارُ للفرحِ .
تعالَ أيها الأميرُ نصطادُ الأحلامَ من البحرِ، أو الرملِ .
حزينةٌ روحي لفراقكَ يا من أتيتَ من السماء .
دعني أبكي . فما شعرتُ بألمٍ مثل هذا الألمِ من قبل . متى يكفُّ قلبي عن العصفِ ؟
أميري يبكي . يمرّغُ وجههُ بالرملِ .
- لماذا ظهرتِ في حياتي ؟ كنتُ متصالحاً معَ وحدتي وآلامي .
أتيتِ إليّ في يومٍ أردتُ فيهِ الرحيل. فكنتِ الشوقَ الذي يبكي الوداعَ والرحيل .
ترتحلُ روحي إليكِ . ضمّيني ، ففي جسدي ارتعاشٌ . وفي قلبي وجعُ السنين .
لا تبتعدي حبيبتي . في نفسي توقٌ للحياةِ . أنتِ حياتي اليوم . لا تجعلي قلبي يذوبُ ويعيشُ بالحبِّ عليلاً .
- توقفْ حبيبي عن الندبِ . ليس هكذا يكونُ الاحتفالُ بالنجاحِ .
لم تخلقْ لتكونَ خلاصةَ ألمٍ . أنتَ أميرٌ . عليكَ أن تعودَ أميراً .
كفَّ عن عتابكَ . أنتَ الذي عرفتَني . اعتقدتُ أنّنا سنمضي العمرَ نتحدّثُ عنْ السرابِ .
دعنا نعيشُ اللحظةَ قبلَ رحيلكَ . قد لا يكون لنا بعدَ اليومِ لحظات .
الحبُّ حالةٌ يخلّدُها الألمُ والأملُ . سندعُ حبنا لهذيِن اللذين يملآنِ قلبينا . لنرقصَ الآنَ على أنغامِ غناء العصافيرِ .على صوتِ الأمواجِ . نضربُ بأرجلنا في الماءِ فيرقصُ الموجُ فرحاً بنا .
- عليا . أرغبُ أن أحزمَ حقائبي . سأذهبُ إلى منزلي . أعودُ قبلَ موعد الرحلةِ .
- اذهبْ . نلتقي قبلَ السابعةِ بقليلٍ . أرغبُ أن أجلسَ مع نفسي قليلاً . أعاتبُها . لماذا هي هاربةٌ على الدوامِ .
في مدينةٍ صغيرةٍ عاشَ الأميرُ العذابَ . كانَ وحيداً .
رأيتُه قربَ شاطئٍ غريبٍ بعيدٍ . عانقتُ ألمه وأصبحنا حالةً واحدةً نحاولُ أن نشعرَ بالحياةِ .
مهلاً حبيبي . لا ترحلْ . اليوم بدأتُ أحبّكَ أكثر .
لم تبدأ قصةُ حبّنا بعدُ . قبلَ أن ألقي عليك تحيتي قلتَ وداعاً .
أنتَ عالقٌ بقلبي . بجسدي . أنتَ كلُّ آثامي ، وأحلامي .
- إن كنتِ تريدينني أن أبقى . سأبقى .
- لا . عليكَ بالرحيلِ إلى حلمٍ ترغبُ فيهِ . عندما تنجحُ سأباركُ لك النجاح . أنتَ في وجداني إلى الأبدِ .
أتذكّرُ الآن . كيف مشيتُ على شاطئ البحرِ وفي كلّ مرةٍ أغرفُ من رماله . ثم أعيدُها إلى البحرِ أراقبُها كيفَ يبعثرها الموجُ . لا تصمدُ أمامه . قد تكونُ قد عادت إلى الشاطئ في نفس اللحظةِ .
وصلتُ إلى البحيرةِ .
كم كانتِ البحيرةُ وفيةً لي . في الماضي كانَ الجميعُ يرسلُ لي من عمقها الأمل . طالما رأيتُ على صفحتها الهادئةِ وجه أمي الباسم . هنا أتيتُ أولَ مرة بينما كانتِ المدينةُ تغفو . وهنا صرختُ "كلّ شيءٍ من أجلِ الحبّ " سأجلسُ على ذلكَ المقعدِ الذي كنتُ أجلسُ عليه . أنتظرُ الطيورَ عندما تستيقظُ . أتحدّثُ مع ذلكَ العصفور الذي اعتقدتُ أنّ روحَ رجلٍ تسكنُه .
عدتُ من البحيرةِ يوماً إلى منزلي . رأيتُ سرحان . كانَ دافئاً محبّاً . لم يكنْ حباً حقيقياً . معَ هذا أفتقدُه . أرغبُ أن أعيدُهُ إلى ذاكرتي ولا أستطيعُ .
أرى على المقعدِ الخلفي رجلاً متدثراً بغطاءٍ
رأيتهُ في زمنٍ ماضٍ . لم أقتربْ منهُ .
الرجلُ يمشي خلفي بثيابه الرمادية . يتباطأ عندما أبطئُ في المشي
يسرعُ عندما أسرع . إنّني خائفةٌ منه . سأركضُ . أهربُ منهُ
في لحظةٍ وقفتُ غيرَ مباليةٍ . صرختُ به : من أنتَ . نزعتُ القناعَ عنه : سرحان ! ماذا تفعلُ هنا ؟
- وقفتُ خلفكِ ساعةَ الاحتفالِ . رافقتُكِ كي لا تتعرضين للأذى . انتظرتكِ هنا . كنت أعرفُ أنّكِ قادمةٌ معَ حبيبكِ . إنّهُ يشبهُ الأمراءَ .
- تأخّرَ حبيبي قليلاً في المجيء . لكنّهُ أتى . أعادَ إلى داخلي التوازنَ ، وإلى قلبي الابتهاج بالحبّ الحقيقي . هذا ما كانَ ينقصني .
تعالَ يا سرحان نعيدُ بعضَ حكاياتِ الماضي . كانَ جميلاً بوجودك . لولاك لما استطعتُ الاستمرار .
- تغيرتِ كثيراً أيتها العزيزة . نجحتِ في بناءِ حلمكِ عشتِ الحياةَ بشكلٍ طبيعيٍّ . لكنكَ ما زلتِ عليا . تلك التي لا تعرفُ كيف يكونُ الفرح . لماذا ؟
كنتُ أيتها العزيزةُ بائساً . أصبحتُ أسعد عندما رحلتُ عن الدنيا . مازالَ في داخلي ذلكَ الحنينُ للعيشِ . إنّني لم أعشْ إلا من خلالكِ . كم هي رائعةٌ تلكَ الحياة ! لو قدرَ لي أن أعودَ ثانيةً إليها . لعشتها بسعادةٍ . السعادةُ نحنُ نصنعها . كوني سعيدةٌ يا عليا . لاشيء أجمل من السعادةِ .
- السعادةُ تعيشُ معي أحياناً . تهربُ مني . أركضُ لاستعادتها . يكلّفني الأمرُ الكثيرَ من الجهدِ والعناءِ فمن أجل لحظةِ سعادةٍ واحدةٍ علينا أن نناضل دهراً . حقّقتُ الكثيرَ من الإنجازاتِ . لا أشعرُ بتلكَ السعادةِ التي يشعرُ بها الناس . أشعرُ أنّ ما تحقّّقَ هو أمرٌ عادي . أتأملُ به لحظةً . ثم أنصرفُ عنه كأنّهُ لم يكن .
- أحسدكِ على مشاعركِ تجاهَ النجاحِ . لم أكنْ ناجحاً خلالَ حياتي . اخترتُ طريقَ التشرّد. هذا لا يعني أنّني كنتُ متسولاً . لا . كانَ لديّ بعضُ المالِ . لم أهتمّْ إلا بنفسي . فتّشتُ عن أماكنَ كثيرة لأشعرَ بذلكَ الإحساسِ الذي تحدثتِ عنه . الانتقالُ من إنجازٍ إلى آخر . هذه هي السعادة يا عزيزتي . كنتُ ضائعاً . أهربُ من عائلتي . وعندما فكّرتُ أن أكونُ إنساناً عادياً أحظى بفرصةِ نجاحٍ واحدة . كانَ الموتُ لي بالمرصاد . كم هي قصيرةٌ تلك الحياة! متُّ منذ ألفِ عامٍ وما زالَ في نفسي توقٌ لأن أمنحَ فرصةَ العيشِ ثانيةً . الحياةُ جميلةٌ . كنتُ أتمنى الموتَ في بعض الأحيانِ عندما كنتُ على قيدِ الحياةِ . الآن فقط عرفتُ قيمتها .
- في الماضي . رافقني الوهمُ . طاردتني أشباحٌ من الحلمِ
لم يكنْ عالمي فارغاً . ملأتُهُ بكَ . كنتَ رفيقي . صديقي حبيبي .
في الماضي رأيتُك في خيالي . جلبتُك كي تعتني بي . كنتَ صديقي
أنتَ لستَ وهماً . استمرتْ حياتي معك زمناً طويلاً . كنتَ لي عوناً
في الماضي . طاردنا معاً فراشاتٍ حولي تطير. رفرفنا بأجنحةٍ من أثير
كنتَ حاضراً في حياتي . لتكنْ وهماً . إنّهُ الوهمُ الجميلِ .
في الماضي . قرأتُ لك ذكرياتي . بكيتَ . شعرتُ أنّي بخيرٍ
وجودكَ قربي أحياني من الموتِ . انتشلني من فجوةِ الخوفِ .
- في الماضي عشتُ بكِ . لولاكِ لما وُجدتُ . لما حلمتُ .
أيامي كانتْ أيامُكِ . لولاكِ كنتُ بلا أيّامٍ . بلا أحلامٍ . كنتُ أنتِ
على مدى الزمان .
في الماضي . غنيتِ من أجلي ، فكنتُ حبَّاً . أحييتِ فيّ الهيام
لم أكن لولاكِ عزيزتي . إنّني أنتِ في كلّ تلكَ الأيام
في الماضي كنتُ شبحاً . لم أكنْ أيضاً لأنّني عشتُ فيكِ
الآن التقينا . تعانقنا مع الماضي . توحّدنا لنرقص الحاضرَ معاً وتملؤنا الأشواقُ .
- في قلبي تعيشُ الذكرياتُ . تعالَ نعش الحاضرَ . لن تفارقني . سكنتَ فيّ منذُ أقدمِ الأزمانِ . لم تكنْ وهماً . كنتَ من فريقي الذي اخترتُه. أنتَ موجودٌ ضمنَ فريقٍ انتهتْ مهمّتُه معي . لن أنساكَ يا سرحان .
سأرقصُ معكَ النجاحَ هنا بعيداً عن الأنظارِ . أنتَ الوحيدُ الذي لا أخجلُ منه . بعيداً عن عالمِ المدنِ والأضواء . سنعيشُ النجاحَ معاً . نتشاركُ لحظاتِ الفرح .أشياء كثيرة أرغبُ أن أقولُها لكَ . لا أعرفُ ما هي . أرغبُ بالضحكِ والبكاءِ . بالرقصِ والغناء . بالموتِ . بالحبّ . بالانتصارِ والألم . لا أعرفُ كيفَ أختارُ واحدةً من كلّ تلك الحالاتِ .
أواه من عمري يذوبُ مثلَ صقيعٍ تقتحمُه السيول .
في الأمس وقفتُ بين ثلوجٍ وساحاتٍ تصفعُني . تسحبني . أضيعُ بين الأمسِِ واليومِ . أقفُ عالقةً . أنتظرُ من يجرّني من كفني إلى الحياةِ .
هيا يا سحبان أمسكْ يدي . تعالَ نركضُ على أطرافِ بحيرةٍ هجرناها . هنا كنتُ أرى نفسي . أضيعُ في بحيرةٍ قد تكونُ مثلكَ وهماً .
انظرْ إلى السماءِ. أرى مركبةَ قمر الزمانِ . لوّحْ لهُ معي .
هاهو ذا ينزلُ من مركبته . سنركضُ لنعانقهُ . كانَ قمراً متألقاً في حياتي . رأيتُه من بين أضواء القمرِ الخافتةِ ينيرُ طريقي .
رأيتُكَ أيّها القمرُ البعيدُ منذُ ألفِ عامٍ . كنتَ مريضاً بالحبّ . أرسلتَ لي قمرُ الزمان
أيا قمر زماني كنْ لي . لا أستطيعُ الانتظارَ أكثرْ . أخشى الفناء.
قمري موجودٌ في ليلِ حلمٍ كبيرٍ يحتفلُ معي بالنجاحِ
هل نجحتُ فعلاً ؟ لماذا لا تغمرني سعادةٌ ولا أشعرُ بطعمِ الحياةِ ؟ قبلَ قليلٍ ذهبَ حبيبي يعدُّ للرحيلٍ . سيتركني وحيدةً بعدَ أن خفقَ قلبي معهُ للحياةِ . فلترحل أيّها الأميرُ . أنت من اختارَ الفراقِ ككلّ الرجالِ .
مكتوبٌ عليّ أن أعيشَ الوحدةَ . ربما كتبتُ على بوابتي هذا الإعلان " ممنوعٌ استمرارُ السعادة "
قمرُ الزمانِ . هل لكَ أن ترحلَ بي إلى عوالمَ جميلة كما كنتَ تفعلْ؟ . هل عادَ والدكَ بعد أن تجمدَ بإرادته لمئةِ عام ، وكيف عاد؟ .
منذُ ألفِ عامٍ كنتَ تبدو أكبرَ سناً . كيف استطعتَ أن تكونَ فتى يافعاً بينما يغزوني الشيبُ مثلما تغزوني الأيام .
- نعمْ عدتُ إليكِ . هل تذكرينَ كم من الخيوطِ الملونةِ جلبتُ لكِ لتنسجي بها وروداً وأحلاماً . أتيتُ اليومَ أباركُ لك الخلاصَ من تلكَ الجزيرةِ والنجاح . حبيبتي أيتها المتألقةُ في عالمي . غادرتُ الجزيرة . دفنتُ نفسي لألفِ عامٍ . عدتُ إليكِ . لماذا بقيتِ في ذلك الشقاء ؟ والدي عادَ أكثرَ شباباً ونشاطاً . لو قبلتِ أن نموتَ لبعضِ الأعوام فقط . لكنتِ اليومَ في عمرِ الطفولةِ أو الشبابِ .
- قمري . كتبتُ كتابي المقدسَّ . وضعتُ فيهِ أجملَ الأسماءِ . تحدّثتُ عن الرحلةِ التي نختارُها . اكتملَ كتابي الآنَ . سأمنحكَ الحقَّ في طباعته وتوزيعه على أن تحتفظَ لكَ بالأرباح .
- رأيتُك من المجرةِ . طفلةً تلعبُ معَ طفلٍ يبدو أميراً . حسدته . لأنّهُ فازَ بقلبكِ
- ما أسعدني عندما أكونُ معَ الأميرِ ! أعودُ إلى الطفولةِ في الحالِ . الأميرُ يا قمري هو حبّي . دربي . حالةُ فرحٍ تجتاحني . أمّا أنتَ فداخلي الذي اخترتُه في يومٍ من الأيامِ . ستبقى حيث كنتَ .مهما حاولتُ أن أخرجَك من حياتي لا أستطيعُ .
اليوم أجتمعُ مع الماضي والذكرياتِ . أتصالحُ معه . لم يكن سيئاً كما تصورتُ
اليوم تتناقضُ في داخلي المشاعر . تتعانقُ أيضاً تطلبُ الخلاص .
لنْ أُدخلَ بعد الآن في عالمي أوهاماً . ستكونُ أحلاماً فقط وفي كلّ مرةٍ أبتدئ الحياةِ .
اليوم كان العيدُ . في جزيرةٍ صنعنا منها منارةً للذكريات . اليوم رقصتُ مع حبيبي ولعبتُ عمرَ الطفولةِ فوق الرمال
أيا وجعاً يسكنُ عمري . ارحلْ . لا تحسبْ علي الدقائق و الأيام
يا خوفاً يصنعُ قهري . لن أقبلَ منكَ بعدَ الآن أن تعكّرَ صفوَ الأحلام .
الريحُ تعصفُ بجسدي . تفتّته . تذروهُ . يضيعُ بينَ الحقيقةِ والأوهام
أبني للحبّ صومعةً . أعيشُ فيها . أكونُ لها عند صلاةِ العشقِ الإمام .
لماذا قلبي لا يرفُّ بالفرحِ ؟ روحي تائهة لا تعرفُ أين تستقّرُّ.
عندما أمسحُ دمعي لا أعرفُ أنّ عينيّ تذرفانه . أعتقدُ للحظةٍ أنّها دموعُ أمي تنزلُ من عينيّ . منذُ أيامٍ أخطتُ ثوباً مثل ثوبها . بين الحين والآخر . أخيط واحداً . نظرتُ إلى المرآةِ . هي أمي تبتسمُ لي . تتملكني عقدةُ الذنب تجاهها .
كم كانتْ جميلة تلكَ الابتسامة . تلكَ الإطلالةُ البهية .
أمي . عودي . يمكنُني إسعادكِ اليومَ . لدي ما يكفي من المالِ .
عودي يا أمي ففي الماضي نسيتُ أن أدفنَ رأسي في حضنك وأبكي . نسيتُ أن أعيشَ طفولتي .
لم أتعلمْ أن أكونَ أمّاً . قولي لي من أينَ أتيتِ بكلّ هذا الحبّ
أينَ كنتِ عندما أردتُ أن أعيشَ مراحلَ حياتي عندكِ
هل يمكنُ لكِ أن تقولي : لماذا تموتُ الأمهاتُ ؟ أحتاجكِ لتضميني
لأعرفَ انتمائي وهويتي .
أمي رحلتْ دون أن أراها . كنتُ مشغولةً بإرضاء سعيدٍ عندما يأتي إليّ أحياناً . أردتُ أن أكونَ مخلصةً وفيةً مثل أغلبِ النساءِ . اعتقدتُ أنّهُ قامَ بعملٍ نبيلٍ تجاهي . صدقتُ كلّ أقواله . كلّها كانتْ كذباً . اعتقدتُ أنّ للرجلِ قدسيةٌ لا أدركُ سرّها . عندما كانَ يمثِّلُ الغضبَ والانفعال . كنتُ أخافُ عليهِ . أتمنى أن أفعلَ أيّ شيءٍ ليهدأ فأكتشفُ أنّهُ كانَ هادئاً كالثلجِ . كانتْ مسرحيةً يقومُ بها كي لا أطلبُ منه شيئاً .
كوابيسي تعودُ إليّ اليومَ في لحظةِ فرحٍ ونجاحٍ .
الماضي يحاصرُني من جديدٍ بكلّ الأرواحِ والأشباحِ .
طلبتُ منكَ أيّها الماضي أن ترحلْ . لم تشفَ الندوبُ التي خلفتها .
سأذهبُ إلى أميري . أودّعهُ . أرشُّ في طريقه الورودُ .
إلى حبّي الحقيقي . الذي أراهُ وأحضنه . هو حاضري .
الساعةُ السادسةُ والنصف . رحلتُه ستكونُ في السابعةِ .
سأتركُ البحيرةَ لن أعودَ إليها . كلما عدتُ أشعرُ بالألمِ . سأبتعدُ عن كلّ الأماكن التي تسبّبُ لي الألم َ .
سأجلسُ هنا على هذا المقعدِ أنتظرُ الوداعَ . إنّهُ الدرسُ الأوّلُ في الوداعِ . لم أودّعْ أحداً فيما مضى . للوداعِ طقوسٌ أراها في داخلي . أشعرُ بأنني أخسرُ نفسي . كيفَ ستتلاشى كلّ أحلامي في لحظةٍ ويرحلُ الحبُّ إلى غيرِ رجعةٍ . ليس عدلاً أن يكونَ الحبُّ هو لحظةُ لقاءٍ فقط وترحلُ بعدها تلكَ الأمورُ الجميلة . الذكرياتُ تعذبني . لا أحبّ أن يكونَ حبّنا ذكرى .
- بماذا تفكرينَ ؟ منذُ قليلٍ أتيتُ أرغبُ أن أتحدّثَ معك قبلَ الرحيلِ . يصعبُ عليّ فراقكِ . كيف يمكنُ لي أن أعيشَ دونَ أن ألقاكِ في كلّ يومٍ ولو للحظاتِ . عليا . ارفعي رأسكِ . أرغبُ أن أتمعّنَ في وجهكِ كي تبقى صورتكِ خالدة في ذهني إلى الأبدِ . هل تبكي ؟ لماذا ؟ تعالي معي مازالَ الوقتُ في صالحنا .
- رافقتكَ السلامةُ أيّها الأميرُ . اذهبْ . الركابُ بدؤوا يصعدون .
- إلى اللقاءِ . سآتي قريباً . فقط من أجلِ أن أراكِ . انتبهي إلى نفسكِ .
- كن سعيداً . أحبّكَ .
أدارَ ظهرَهُ . إنّهُ يقفُ على سلّمِ الطائرةِ . ركضتُ نحوهُ صرختُ : أيّها الأمير . خذْ . تعويذةُ حبّ مكتوبٌ عليها اسمي . أعطتني إياها سيرينا ستجلبُ لك الحظّ . قذفتُ بها التقطها . عدتُ إلى منزلي .
جمعتُ أوراقي . مذكراتي . رغبتُ أن أعودَ إليها .
لم أستطعْ قراءتها . لماذا أقرؤها بينما أحفظُها عن ظهرِ قلبٍ ؟
لملمتُ دفاترَ المذكراتِ . كانتْ ستينَ دفتراً ترافقتْ معَ سنواتِ العمرِ .
لا أعرفُ كيف كنتُ أعيدُ تدوينَ الألمِ في مذكراتٍ يومية ليس فيها سوى الدموعِ والآهاتِ .
إن قرأتها الآن سأبكي كلّ تلك السنواتِ
سأتخلّصُ منها . لا أرغبُ فيها . سأمحو كلّ الذكريات .
ومذكراتِ امرأةٍ أحبتْ أميراً ! سأتلفُها طبعاً . رحلَ الأميرُ . لم يبقَ منهُ سوى اسمه ، واسمه محفورٌ في قلبي بحروفٍ من الحنينِ والحبّ والحزن . سأحملُ كلّ تلكَ الذكرياتِ وأرميها في البحرِ . بعد أن أنتهي سأذهب إلى مكانٍ آخر غير ذلكَ المكانِ . أتوارى عن الأنظارِ . دائماً كنتُ أرغبُ في الاختباءِ . اليوم أرغبُ به أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى . لا أستطيعُ أن أحملَ كلَّ تلكَ الدفاتر . سآخذها في عربةٍ صغيرةٍ أصنعُها . أجرّها بحبلٍ إلى الشاطئ . ثمّ أرميها .
لم يكنْ بناءُ الجزيرةِ هو حلمي . كانَ أكبرَ من بناءٍ على جزيرةٍ صغيرةٍ .
محكومٌ عليّ العيشُ في مساحاتٍ لا تتسعُ لأحلامي . وأماكن أنتظرُ أن ترحلَ من أيامي .
سأدفنُ ذكرياتي في بحرٍ هنا . أسميهِ بحرَ الألمِ . يتلونُ بحبرِ أوراقي .
عمريّ يبكي عمراً لوّنهُ العذابُ بكلّ ألوانِ المماتِ
لحظاتُ وداعٍ قاسيةٍ عشتُها معَ حبّ أخصبَ لبعضِ الوقتِ حياتي .
أشعرُ بالتصحرِ . ينابيعُ عطائي جفتْ . لم يعدْ في حياتي سوى نداء
التشبّثِ بالحياةِ .
هل أدفنُ ذكرياتي ؟ أحرقُها ؟ أم أرميها بين أمواجِ البحرِ فتقرؤها الحوريات ؟
العربةُ جاهزةٌ صنعتها لتتسعَ ستينَ ملفاً من الذكرياتِ .
أسحبها جهةَ البحرِ . الأطفالُ ينظرونَ إلي بعينِ الحسدِ . كلّ منهم يتبرّعُ بسحبِها . يرغبُ في تجربةِ السحبِ الممتعة . ساعدني بعضهم . كانوا يضحكونَ فرحين . سألوا عن الدفاترِ الموجودة ِ
قلتُ لهم : بعضُ الدفاترِ الميتة .
- وهل تموتُ الدفاترُ ؟
- نعم عندما نفهمُها ونحفظُها . لكنّنا لن ندفنَها . سنمنحُها للبحرِ هديةً . اتبعوني أيّها الأطفالُ . انظروا . مكتوبٌ على مغلّفِ المذكراتِ . " مذكراتِ امرأةٍ بعد منتصفِ الليلِ " سنمنحُ البحرَ المغلفَ فارغاً بعدَ أن ننهي الدفاترا . لنبدأ بالعدِّ :
عشرة . تسعة . . . صفر .
الدفتر الأول : مذكراتُ طفلٍ يبحثُ عن الطفولةِ . ها قد ذهبتْ به الأمواجِ .
صفقَ الأولادُ سعداء . الأمرُ فعلاً يدعو إلى السعادةِ كلما رميتُ بدفترٍ كانَ التصفيقُ أعلى . بقيَ دفترٌ واحد ." مذكراتُ امرأةٍ أحبتْ أميراً " وبعدَها أرمي المغلّف الفارغِ . سأقرأُ بعض ما كتبتُ في هذهِ المذكراتِ لأعرفَ صدق مشاعري:
الحبُّ الحقيقي يأتي مرةً واحدةً . أتى إليّ متأخراً . كم أنا سعيدة بهذا الحبِّ . لن يكونَ في حياتي بعدَ اليومِ مذكرات امرأة غاضبةٍ من الحياةِ . بل مذكراتُ امرأةٍ أحبتْ . فعلَ الحبُّ فعلَهُ . شعرتِ المرأةُ بالسكينةِ . بالسمو . بالمحبةِ للبشرِ وبالتسامحِ . كلّ هذا فعلَهُ ذلكَ الحبُّ . ماذا لو خلتِ الحياةِ من الحبِّ ؟
أيّها الأطفال . بعدَ قليلٍ سنمنحُ البحرَ مذكراتِ حبّ . يذوبُ قلبُ البحرِ فيها .
سنعطيهِ عمقاً وسكينةً .
- قولي لنا يا عليا حكايتُكِ . ما سرُّ أوراقِ الحبّ .
سأقولُها : نعم . بعدَ أن نمنحَ البحرَ" مذكرات امرأةِ أحبت أميراً "
هيا عدوا . بعد ان تنتهوا سأرميها .، ثم نصفقُ لها .
سنحتفلُ معاً بعدَ أن ننتهي .
- توقفي . هذهِ المذكراتُ ليستْ لكِ وحدكِ . هي تخصني أيضاً .
- من ؟ الأمير . لا . إنّكَ مجردُ شبحٍ . الأميرُ سافرَ . أرادَ أن يبني أحلامه في مكانٍ آخر .
- تعويذةُ الحبّ التي أعطيتها للأميرِ منعته من السفرِ . تعويذة الحبّ هذه قالتْ لهُ : مكانكَ هنا .
حبيبتي . عدتُ وراءكِ على الفورِ . راقبتُ حزنكِ . شعرتُ بحزني . لم أصمدْ أمامَ التعويذةِ . أردتُ أن أعرفَ كيف يعصفُ بكِ الحبُّ كما يعصفُ بي تماماً . عدتُ كي نتحدّثَ عن السرابِ وشارعِ المحبةِ . عنكِ وعني .
عدتُ أعيشُ لحظاتِ عمري الجميلةِ قربَ جزيرةٍ تخصُّ حبيبتي
أنتِ الحلمُ لي . فالأحلامُ لا تسكنُ إلا القلوبَ النابضةِ
- لماذا أيّها الأميرُ اخترتَ العذابَ . اخترتَ أرضاً وجسداً مليئاً بالخرابِ
أرحلْ حبيبي إلى أحلامكَ . أنجزْها . فعمري أصبح قاحلاً ليس فيه رواء .
- أختارُ العذابَ عن سابقِ عمدٍ وإصرارٍ
حبيبتي . يكفيني منكِ في كلّ يومٍ لحظات .
قلبي يريدُ أن يدفأَ دونَ أن يكلّفَكِ عناء .
- هل تعتقدُ أنّ عمرَنا مناسبٌ لنعيشَ قصةَ حبٍّ وغرام ؟
أرى يديّ ترتجفانِ . جسدي يغزوهُ الصقيعُ على الدوامِ
- سنحيي المحبةَ في نفوسِنا . نعطيها الحريةِ لتعطينا الحلّ لحالتنا .
ربما لا نستطيعُ الالتزامَ . فكلانا متشابهٌ في حاجاتهِ . يمكنُنا إعطاءَ الحبّ مساحةً جديدةً . يفتشُ لهُ عن صيغةٍ مناسبةٍ .
أيّها الأطفال : تعالوا نحتفلُ ببدءِ تقويمِ الحبّ . سيبكونُ في مدينتنا تقويمُ الجزيرةِ وتقويم الحبّ .
غنوا أيّها الأطفالُ . سنعيشُ مثلكم بعدَ الآن .
انظروا إلى تلكَ البالوناتِ الملونةِ التي تصعدُ إلى السماء . هي لكم هديةٌ في العام الأولِ من تقويم الحبّ . فلنفرحْ معاً كلّنا اليوم أطفال .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow