طوق الحمام لرجاء عالم
خاص ألف
2011-02-05
طوق الحمام لرجاء عالم
تبدو رواية رجاء عالم الأخيرة ( طوق الحمام ) الصادرة عام 2010 ، و المرشحة لبوكر هذا العام ، أقرب إلى تراكم هذائي.
فهي من الناحية الظاهرية تحقيق في جريمة غامضة وقعت في منطقة ( أبو الرووس ). و لكن من خلال التقليب في أوراق القضية و في القرائن تلقي الكاتبة الضوء على أجواء الكبت و الفوضى و الحرمان التي تغلق الدائرة على مجتمع ( أهل ) مكة.
يؤخذ على الرواية أنها ليست جديدة في أسلوبها ، فهي تعيد الكرة مثلما فعل أمبرتو إيكو مؤلف ( اسم الوردة ) ، و بمهارات أقل ، و من غير تعمق. حتى أن المجتمع يبدو أشبه بصورة مشوهة من عالم دالت دولته.
و قل نفس الشيء عن البنية ، فهي نوع من التكرار الممل لما فعلته حنان الشيخ في أضخم أعمالها ( إنها لندن يا عزيزي ) ، و التي بها تكشف عن الأوراق المظلمة لحياة المهاجرين العرب في السعودية ، ثم فرارهم من هذا الجحيم البارد ، إلى مهد الرأسمالية في أوروبا.
لا توجد في هذه الرواية المهارات المعروفة لرجاء عالم ، و التي استطاعت من خلالها أن تقدم لنا أسرار مجتمع مذكر ، بدوي ، ينمو في حالة تصحر و ممانعة ، و في جو خيالي غريب ، يضعك وجها لوجه مع المعالم العاطفية لفن السير و الملاحم.
من الرواية اخترنا المقطع التالي لإلقاء الضوء عليها.
طوق الحمام لرجاء عالم
لبيت جدي عبد اللطيف.
البيت جدي يحمل علامة إكس حمراء ، تعني أنه معد للإزالة ، قبل أن يتحول قريبا إلى مواقف لإيواء هذه الكائنات العجيبة رباعية العجلات ، و التي يبدو أنها سترث مكة كما جاء في الحديث عن أمارات قيام الساعة :
" يلقى الذهب في الطرقات ". قرأنا ذلك حين كنا صغارا ، و لكم بدا لنا من المستحيلات الطريفة ! لكن و بالنظر للأسعار الخرافية للسيارات التي يفوق عددها عدد البشر في طرقات مكة ، صرنا نرى الذهب مسفوحا ، و ها هي الجبال تنقض و تتلاشى و تبتلع العمارة العريقة ، و معها بيت جدي القائم على قمة ما كان يعرف بشرفات الحرم بإسطنبول مكة. كل ذلك الماضي الساذج غاب الآن و لم يعد له وجود سوى في هذا الكتاب.
أقرأ هذا الكتاب لجدي الأول يوسف العالم المكي ، الذي كان يجسد الخبز تحت سجادة صلاته بالحرم ، الأمر الذي قد يبدو لنا الآن ( كسلا مثاليا ) ، هذا إذا سلمنا بأن ضغط زر لبعث رسالة من مكة إلى الصين ( كسلا ) ، نعم جدي كان من أولئك الذين يقطعون بلادا بلمحة بصر.
العالم الذي آمن بأن العلم المنقول هو علم ميت عن ميت ، و الموت مكتسب بينما الحياة الباطنية و هبية ، تفيض في روح العارف من بحر الحي... لذا تجنب جدي كل ما عو قابل للنقل ، و اعتكف بكل ما يفيض من بحر الحي ، حتى فاض بالخبز تحت سجادة صلاته ، و بالبلاد تحت قدميه ، و بالنور ، الذي لوجوه أبنائه و فيهم أبي محمد ، يذهب بالأبصار للبصائر.
1 –
أبو الرووس
الشيء الوحيد الأكيد في هذا الكتاب هو موقع الجثة : الزقاقف الضيق المسمى أبو الرووس ، برؤوسه المتعددة..
من يجرؤ على كتابة زقاق كأبو الرووس غيري أنا ، أبو الرووس نفسه ، برؤوسه المتعددة. أنا الزقاق الصغير بطرف ميقات العمرة بآخر مكة ، حيث يتطهر المعتمرون لأداء طقس العمرة التي هي : غسل آثام عام سابق للتهيؤ لعام لاحق من الذنوب.
أنا أبو الرووس ملك التنفس ، اللقب الذي استحققته من مهارتي في مواجهة المستحيل ، فحيث إنه لم يعتن بتنويري قط فلقد تعلمت أن أجلس في العتم مخدرا و أسحب نفسا عميقا من الأنف ( معبأ بخمائر فضلات و نز بالوعات و نشاز أصوات ، كشان روائح الحواري المنسية ) و أحبسه لدقائق قبل إطلاقه بتأن من الفم في هيئة إشاعات و خرافات و محظورات أخنق بها سكاني ، الذين يبدأون في النبش عن مسكنات في تاريخهم ، لعجزهم عن احتمال واقعهم الكالح أو تفهم العصر الذري الذي سيدوسهم.
ربما لم أكن زقاقا طالعا من عهد جرهم و العماليق ، لكنني أتأكد بتاريخ يعبر من سقوط مملكة ، و محمل بحروب و دماء ، استحققت عليه أن أروى من أكبر وديان الحجاز ( النعمان ) الذي هو في المنجد اسم من أسماء الـ ( دم ) ،، أو قناع من أقنعته.
اسم أبو الرووس لا باس به ، و ربما لا أحسد زقاقا كما أحسد زقاق ( المرفق ) و الذي يعتقد أن به دكان أبي بكر الصديق كان يبيع فيه الخبز و فيه داره ، يقابل هذه الدار جدار فيه حجر يمسه الناس يقال إنه يسلم على النبي صلى الله عهليه و سلم كلما مس.و لعله الحجر الذي عناه الرسول بقوله : ( إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي ليالي بعثت ). و يقابل هذا الحجر على يسار المستقبل صفحة حجر مبني في الجدار في وسطه حفرة مثل محل المرفق ، يزوره العوام لاعتقادهم أن النبي عليه السلام اتكأ عليه فغاص موقفه الشريف في ذلك الحجر ، و هو يكلم الحجر الذي أمامه على شماله. و يقال إن أهل مكة إذا أصابهم عقم يمشون من دار خديجة لهذا الحجر ، فيصيبهم الخصب و تكثر ذريتهم. نعم أريد أن أكون زقاقا بمخيلة سحرية تخترع للجدران ألسنة و تسلم و تتحاور مع المارة و تستجيب للمساتهم. ربما لا استطيع منافسة أزقة بتاريخ أسطوري كتلك ، لكنني على الأقل أتفوق على أزقة كثيرة ، مثل زقاق ( عانقني ) الرقيع الذي لا يسمح بمرور جسدين إلا عناقا ، و كل حركة فيه تستحق الرجم. و لا أنا ( درب الجنائز ) الموشوم بالحزن و لا يعبر إلا مرة واحدة. و لا أنا ( بدرب المهراس ) الذي يسحق الرؤوس الهشة التي أشجع تكاثرها بحرية في زواياي. و أترفع عن أن أكون ( درب المساكين ) الذي يجتمع على نيرانه متسولو اللقمة و الخرقة و الدراويش منشدو المدائح المستجدين لحقوقهم ، و لا انا درب ( الفحم ) أو ( الحمرة ) الذي يفخر بشجرة خروب وحيدة تطرح ثمرا دمويا.
لأنا ( أبو الرووس ) أتبرأ من كل ذلك.
أحيانا أجلس للصلاة – نعم ، لا تندهشوا ، فكل شيء يصلي – و أحيانا أغمض عيني و أنجرف للتفكير تحت تأثير التريبتيزول ( الذي يصفونه بجرعات كبيرة للاكتئاب و بجرعات صغيرة للتبول اللاإرادي في الفراش ، و أنا أمسك بكبسولة 50 ملجم ، و افتحها لأجد تلك الرميلات الصغيرة ، أقسمها لخمس ، في ليلة أضاعف الجرعة و في أخرى أقلصها حين تبدأ جدران أحشائي بالتآكل ) ، فأكف و أبدأ بالتبول اللاإرادي...
أنا أبو الرووس : اسم علم على زقاق مجهول لكل المعلومين الذين يملكون القدرة على تغيير مصيري ، و جعلي منظورا على خارطة مكة.
منشورات المركز الثقافي العربي ببيروت و الدار البيضاء – ط1 - 2010
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |