انطلاقاً من المفهوم السياسي ما هو الحرس القديم، هل هم فقط الحرس القديم البعثي.. أم أن الكلمة أشمل من ذلك. بالطبع ليس هناك تعريف أو مؤسسة واضحة المعالم تسمى «الحرس القديم» لكن إن نحن توغلنا أكثر في معنى المصطلح سنجد أن الحرس القديم أعمق واشمل من التوصيف الذي وصلت إليه الكلمة حتى الآن.
فالحرس القديم برأيي ليس مجموعة الأشخاص التي نهبت موارد البلد فحسب، بل هم كل الذين شاركوا في إيقاف التطور الطبيعي للبلد على كافة الصعد، اقتصادياً، ثقافياً – معرفياً، سياسياً، تكنولوجيا .. إلخً .
وضمن هذا التعريف، يمكن أن يندرج طيف واسع تحت هذا المسمى ليس أوله «أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية» بل حتى المعارضة التي بقيت رموزها ثابتة في مواجهة الحرس القديم.
وانطلاقاً من هذا التعريف فالحرس القديم ليس مجموعة أشخاص بعينها، بل هي آلية، أو طريقة تفكير، اجتمع أصحابها دون اتفاق مسبق على إيقاف التطور الطبيعي لبلد اسمه سورية.
وبالعودة إلى السياسية، فإن آلية التفكير هذه ارتبطت برموز وأشخاص بعينهم، ففي الجبهة والمعارضة، أليست هي الأسماء التاريخية ذاتها التي حكمت قطاعاتها الحزبية الضيقة ضمن نفس الاتفاق أو اللعبة المضمرة، بدءاً بأشهرها الحزب الشيوعي السوري وصولاً إلى الأحزاب التي تشمل تنويعات على كلمة ((اشتراكي)) .. أما بالنسبة للمعارضة، أليست هي الأسماء الصنمية ذاتها بدءاً بالترك اليساري وصولاً إلى البينوني الإسلامي.
أمن المعقول أن سورية لم تفرز أسماء جديدة، باستثناء هذه الأصنام. وأنا هنا لا أناقش فكر هذه الأحزاب ولست في موقع تقييم أو نقد لتجربة أي حزب، لكن التساؤل المشروع هل استطاعت هذه الآلية أن تقضم رؤوس الأجيال اللاحقة.
وإن نحن سحبنا هذه التجربة على الثقافة، بحكم الارتباط الوثيق بين السياسة والثقافة، والذي نشأ في رحم السبعينات ألن تكون النظرية صحيحة..
ففي السبعينات شكلت الأحزاب السياسية أسماء ثقافية أكثر انتشاراً، وسوقتها، ووضعتها في الواجهة، ودخلت في ذات اللعبة، هذه الأسماء رغم أن الكثير منها أعلن انشقاقه عن هذا الحزب أو ذاك، فإنها ورغم أنفها بقيت ناطقة بهذا الاسم وبقيت موسومة بارتباطاتها السابقة - وهذا لم يكن مضراً بهذه الأسماء- ، ويضاف إلى هذه الأسماء مجموعة من المثقفين المستقلين الذين لعبوا على جميع الأوتار وثبتوا أنفسهم أيضاً.
وبعيداً عن تسمية أشخاص بعينهم فللمعارضة مجموعة من الروائيين، القصصاصين، الشعراء، السينمائيين، والفنانين التشكيليين، بعضهم في المهجر وبعضهم بقي ضمن المسكوت عنه مقيم في البلد، وللشيوعي السوري بفصائله لديه أيضاً مجموعة من الروائيين والقصاصين والتشكيليين .... والمسرحيين الذين يحتار المرء في نسبهم إلى أي فصيل وكل فصيل يؤكد أن هذه الأسماء تندرج ضمن كوادره، وللقومي السوري أيضاً أسماءه في كثير من المجالات الثقافية، وللبعث أيضاً «أسماءه الثقافية»، والتي وإن لم تبرز فإنها عينت في مواقع حساسة، ولا أقصد هنا بمواقع حساسة مؤسساتياً فقط بل كأسماء ثقافية... إلخ من الأسماء الثقافية التي أفرزتها قطاعات أو أحزاب أخرى في المجتمع السوري، كالمثقفين الكورد على سبيل المثال.
هذه الأسماء بقيت هي ذاتها منذ السبعينات إلى يومنا هذا. وهذه الأسماء كلها شاركت في المؤامرة سواء بمعرفتها أو دون معرفتها، كانت مشاركاً ولاعباً أساسياً في وجود علي عقلة عرسان على رأس الهرم، شاركت بصمتها لعقود ثلاث، شاركت بتثبيت نفسها لعقود ثلاث.. وبتقاسم مواقعها الثقافية.. فكما لم يكن لعلي عقلة عرسان مشروع إدارة مؤسسة ثقافية، فإن الأسماء المقابلة في التوجهات السياسية الأخرى فعلت المثل.. دون مشروع ثقافي واضح المعالم، مع إلغاء الجديد...فكما حدث وسيحدث مع غياب أحد الأسماء في موقع ثقافي هل سيظهر جديد.. التجربة إلى الآن تثبت أنه بعد غياب أسماء هامة بقيت الساحة فارغة.. ومن يجرؤ على الدخول فسيكون خليفة فلان..
ويساهم في تثبيت قدمي الحرس القديم (ثقافياً ، سياسياً.. إلخ) في التربة السورية النظرة النوستالجية التي يمتاز بها جزء كبير من الشعب السوري دون غيره.. فبالنسبة لنا دائماً العمارة القديمة أفضل والموسيقى الكلاسيكية أفضل والسيارات القديمة أقوى وافضل وأجمل، ونساء زمان أفضل، والجيل القديم أفضل.
والترحم على الأيام السابقة وعلى الجيل القديم كلمة في الفم يطلقها المواطن السوري في كل مكان وهو يركب في سيارة الأجرة يترحم على قادة عظام مع سائق التاكسي مطلقاً حكماً وكأنه بديهي لو كنا في زمن فلان لما حصل كذا، وبعد قراءة رواية لشاب جديد يترحم القارئ على الروائيين القدامى ويتساءل أين نحن الآن وأين كان عظام الأمس، وبعد انتهاء عرض مسرحي نترحم على مسرحيينا القدماء مخرجين ومؤلفين.. وبعد حضور معرض تشكيلي لشاب أو رجل بلغ متوسط العمر وتجرأ أحدهم وقال أن هذا الفنان سيكون خليفة فلان من الماضي، فسينال قسطه من النقد المبرح والذي ينهال عليه من كافة الجهات: كيف تجرؤ وتربط بين فلان وفلان.. وبالطبع الأقدم أفضل.. وكذا..