الخطايا الشائعة لفاتن المر / من الروايات المرشجة لجائزة البوكر
خاص ألف
2011-02-13
مع أن السيدة الكاتبة فاتن المر تحمل هموم حزبها القومي السوري ، و مع أنها تعتبر شبه ناطقة رسمية باسم برنامجه ، و لا سيما فيما يتعلق بدائرة النخبة ، فهي في رواية ( الخطايا الشائعة ) تحول ملف حركات التحرر و النزاعات الإقليمية إلى مبادرة يقوم بها أفراد.
و يبدو أن المدرسة الفنية التي تنتمي إليها ، و هي مدرسة الأستاذ المعلم مطاع صفدي مؤلف جيل القدر و أشباح أبطال و سوى ذلك ، هي التي تضغط على الذهن ، و هي التي تحول الرواية من سرد أفكار إلى سرد أخلاق و تحليل مواقف.
نحن لا نستطيع أن نتصور رواية ثورية في لبنان من غير الظل القوي لتراث الأستاذ مطاع صفدي. لقد خرجت الرواية العربية من معطفه كما خرجت القصة في روسيا من معطف غوغول.
تشغل فاتن المر حاليا منصب عميد الثقافة في الحزب القومي السوري ، و هي أستاذة للأدب الفرنسي بالجامعة اللبنانية ، و من أهم أعمالها الأخرى : بين انتظارين ( قصص – 1999 ) ، و الزمن التالي ( رواية – 2008 ).
و قد وصلت روايتها الخطايا الشائعة للقائمة الطويلة لجائزة البوكر في هذا العام. و منها المقتطفات التالية.
- I -
طال الصراع فوق ترابنا فاستشرت الظلمات. هل نهشت كل قطرة ضزوء فينا ؟ قادة الواقع في بلادنا يقفون في صفها. أو هم ، على الأقل ، يجيدون اللعب بالظلال.
هل نوقظ النور الذي خبا و ندخل مجددا في الصراع أم نستريح و نراقب بعيون فارغة زحف الظلام؟
عدت أمس بعد سهرة طويلة تصارعت فيها الأحلام مع المطامع ، و الآمال مع خطابات الطامحين الذين يتقنون فن المقارعة بحجج صلبة لأفكار واهية. أنا أيضا أصبحت من أسياد الكلام الذين يكادون يقنعون أنفسهم بما بنوا من التحليل التي ترتكز فعليا على الفراغ. أشعلت التلفاز بحركة غدت أوتوماتيكية. انتظرت قليلا موعد آخر نشرة للأخبار. و كان الخبر.
- II -
لا أعرف كيف ومض ضوء الهاتف وسط الظلام الذي لففت نفسي به. و قد كنت قطعت صوته منذ أسبوع . ثم نسيته بعد أن امتنعت عن الإجابة عن الأرقام التي كانت ترتسم على الشاشة. أجهل مصدر الدافع الذي حملني على الإجابة عن هذا الاتصال بالذات دون أن أنظر إلى الرقم.
- ألو...
بدا لي صوتي غريبا ، فأنا لم أسمعه منذ أسبوع. خفق قلبي خفقانا شديدا. صوت امرأة تسأل عني بالإنجليزية.. إنها هيلين تسألني إن كنت قد تلقيت طردا بريديا أرسلته منذ أسبوع . كريستين طلبت منها أن ترسله في حال حصل أي مكروه لها. " و الموت مكروه بلا ريب". قلت لنفسي.
أجبتها بالنفي و قلت لها إنني سأذهب فورا إلى مركز البريد للتأكد سألتها إن كنت أستطيع الاتصال بها. فأجابتني إنها بدورها ذاهبة إلى فلسطين بعد أيام ضمن مجموعة من الأطباء هالهم ما حصل لكريستين فقرروا التطوع للعمل في المستشفيات هناك شهرا كاملا كل سنة ، و قد أطلقوا على حملتهم اسم كريستين.
- كي يتذكر العالم اسمها. قالت لي ببساطة.
شملنا صمت أليف و تخيلتها هناك ، في شقتها الصغيرة بقامتها النحيلة و شعرها القصير و عينيها المغمورتين بالحزن ، فاجتاحتني موجة من الحنان. تعلقت بالموجة كطفل يخشى الغرق.
- أيمكنك أن تتصلي بي عند عودتك؟
فهمت خوفي من فقدان آخر خيط يربطني بصديقتها. و لكنها لم تبد حماسا. نزلت عند إصراري و أعطتني رقم منزلها. و أقفلت السماعة كمن يريد التخلص بسرعة من إلحاح يحرجه و يبعده عن الخشبة التي اختارها لخلاصه. وسط الكوارث تسود الأنانية : كل يحاول أن ينجو بنفسه دون أن يلتفت إلى الآخرين.
ارتديت ملابسي و ركضت إلى مركز البريد ، و كان الجواب بالنفي عن أسئلتي المحمومة. عدت بعد الظهر ، و في اليوم التالي ، و لكن الطرد لم يظهر إلا بعد أسبوع. قدمه لي الموظف بارتياح ظاهر ، فقد ضاقوا ذرعا بإصراري و نظراتي التي يلوح في أعماقها طيف الجنون ، جنون كنت أشعر به يتهددني دون أن آبه. لذلك لم أسع إلى إخفائه حين كان يتسلل من خلال كلماتي أو عينيّ.
كلمات ماري – كريستين تعريني ، تسحب الغطاء الرقيق الذي يلف ضعفي و تتركني مرتجفا وسط أرض مقفرة ، أرض محروقة تعبث بها الرياح. تلومني و أنا لم أختر. ما فتئت أتأرجح بين إقدام باتخاذ الحياد لا يلبث أن يطغى عليه شعوري بالمسؤولية و بضرورة إحداث تغيير.
أتوق إلى قراءة ما كتبته المرأة التي أحببت. و أخاف من أن تتحول الوريقات إلى مقبرة يقبع فيها كل ما آمنت به. أفتح الدفتر بخشوع ، فتنبعث منه رائحة الذكريات. أبحر على متن الكلمات عبر ساعات الليل الأولى.
- من رواية الخطايا الشائعة الصادرة عام 2010 بطبعة أولى عن دار النهار ببيروت.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |