كتاب (فلينزع الحجاب) يوثق الزواج الشرعي بين رجال الدين والسلطة
2006-04-04
الوقائع الكاملة لما جرى حول كتاب "فلينزع الحجاب": الموافقة ثم المنع والمصادرة ـ مع تقرير سري للغاية من رئيس الحكومة
التماهي بالمتسلط) عبارة يستخدمها علم النفس لوصف استعارة المقموع لأدوات قامعه في قمع من هم دونه في السلم الاجتماعي أو من هم تحت سيطرته، عبارة الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الهام (التخلف الاجتماعي- سيكولوجيا الإنسان المقهور) تصلح –كما أعتقد لوصف- الضجة المفتعلة حول كتاب لا يتجاوز الخمسين صفحة لمؤلفة تروي لنا قصتها مع الحجاب وتحلل لنا أسباب التمسك به من الناحية الاجتماعية والنفسية وتتعرض للاحتجاجات التي حدثت في فرنسا ضد قوانين العلمانية وتبين بعمق الأسباب التي أدت للاحتجاجات تلك وغيرها مما حدث مؤخرا حيث تتعمق في بحث التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي يتعرض له المهاجرون في فرنسا ودول أخرى مما يؤدي لبروز ظواهر شاذة قد يعتبرها البعض تمسكا بالهوية.
فلينزع الحجاب
في تشرين الثاني الماضي (2005)، عقد في جامعة دمشق برعاية وزير التعليم العالي مؤتمر (المرأة والتقاليد) وشارك فيه نخبة من المفكرين والمفكرات في هذا الحقل من مختلف بلدان الشرق الأوسط. وزع منظمو المؤتمر في إحدى الجلسات كتابا بعنوان (فلينزع الحجاب)، وهو مطبوع في سورية بشكل نظامي وقد حصل الناشر على رخصتي الطباعة والتوزيع.
ولم يكد يمضي يوم على توزيع الكتاب حتى شن بعض ممثلي التيار الإسلامي المعارض هجوما غير مسبوق على الأفكار التي طرحت، في الندوة وعلى الكتاب كما أصبح الكتاب مادة في أكثر من مسجد دمشقي في الأيام التالية، ترافق هذا الهجوم على الكتاب بهجوم آخر، إذ استنفرت بعض الجهات الأمنية والحكومية لملاحقة الكتاب، واستدعت منظم المؤتمر وناشر الكتاب لمساءلتهم، ولم تجد نفعا معهم حجة أن المؤتمر كان برعاية وزير التعليم العالي وأن الكتاب كان مرخصا من قبل وزارة الإعلام.
المعارضة تستعير أدوات السلطة!!
كتاب (فلينزع الحجاب) لمؤلفته الإيرانية شهداروت جافان وترجمة المغربية فاطمة بلحسن، كانت قد نشرته الصيف الماضي دار بيترا السورية لصاحبها لؤي حسين، وصفه المحامي هيثم المالح الناشط في مجال حقوق الإنسان والمعتقل السابق بأنه (عبارة عن شتائم وغير علمي وغير دقيق يقول إن الإسلام و المسلمين يعتبرون أن ولادة البنت عار عليهم ويغسلون شرفهم بدمها وهذا كلام غير صحيح، والإسلام رفع من شأن المرأة وقدم مرتبتها على الرجل(!!).. هو كتاب لا يوجد فيه علم .. وإذا كانت مؤلفته نشأت في بيت يكره البنت هذا أمر آخر يجب ألا يحمل للإسلام).
وكان المالح قد زار وزير الإعلام محتجا على نشر الكتاب (زرت وزير الإعلام وتحدثت معه حول الكتاب وأخبرني الوزير أنه توجد اعتراضات كثيرة على الكتاب فسألته كيف توافقون عليه .. لو كان علما لا توجد مشكلة ولكنه كلام لا أساس من الصحة.. وعند ذلك طلب الوزير من معاونه التحقيق في الأمر، وقال الوزير إنهم سمحوا بطباعته وليس بتوزيعه).
ونفى المالح تحريضه الوزير على منع الكتاب وإنما طلب منه السماح له بنشر كتبه (أنا عندي كتاب اسمح لي بنشره، واسمحوا للآخرين بنشر كتبهم أيضا)
الناشر جهات أمنية استفسرت عن الكتاب
الناشر والكاتب لؤي حسين تحدث عن قصة منع الكتاب والضجة المثارة حوله:
(من النادر منذ سنوات أن تمنع دائرة الرقابة في وزارة الإعلام السورية كتابا ما لم يكن فيه من الفجاجة أو الجرأة ما يعرّض موظفي الرقابة للمسؤولية. وكان كتاب فلينزع الحجاب للكاتبة الإيرانية شاهدورت جافان من الكتب التي سمحت بها الرقابة دون أي ضغوط أو تدخلات من أي جهة كانت، هذا لأنه لا يحتوي في متنه أي تطاول على العقائد، ما خلى عنوانه الذي يختصر دعوة مؤلفته إلى عدم إرغام الأهل فتياتهم الصغيرات على ارتداء الحجاب، لتبقى للراشدات حقهن في ارتدائه أو نزعه.
هذا الرأي تعرضه الكاتبة وتدافع عنه من خلال تجربتها مع الحجاب حيث أُجبرت على ارتدائه وهي طفلة لمدة عشر سنوات.)
لم تحتج جهات دينية عليه
ويضيف حسين: (لم يثر الكتاب، على حد علمي وإطلاعي، أي جهة دينية. أو للدقة لم يصل الأمر بأي جهة دينية لم يرقها الكتاب إلى حد تقديم احتجاج عليه، وربما اقتصر الأمر على معارضته وإدانة كاتبته. هذا، إلى أن قامت بعض الجهات غير الدينية ممن أزعجها الكتاب أو شيء آخر، أو لرغبتها بأن تكون صاحبة مبادرات تبقيها في الواجهات، أية واجهات، باللجوء إلى جهات أمنية تبلغها احتجاجها على الكتاب.)
تفاقم المشكلة
وبشيء من التفصيل يتابع حسين: (هنا بدأت المشكلة، حين رفضت أن يكون لهذه الجهات أي حق في التدخل في قضايا النشر وآلياته القانونية. فتفاقمت الأمور بعدها لأتعرض لضغوطات أمنية شديدة مثل اتصالات تلفونية كثيرة في كل الأوقات ومن أكثر من جهة أمنية تستفسر عن الكتاب وعني بطريقتها الاستفزازية والمهينة، وبعدها تعدى الأمر إلى استدعاءات وتحقيق وقدوم عناصر المخابرات إلى منزلي ومحاولتهم دخوله. ليصل الأمر أن تتصل وزارة الإعلام لتبلغني قرار الوزير بمنع الكتاب وتطلب مني سحب الكتاب من الأسواق.
رفضت طلب الوزارة مصرا على حقي في توزيع الكتاب طالما حصلت على الموافقة على طباعته. ورافضا قرار الوزير الذي جاء، حسب أقوال الوزارة، نزولا عند ضغوطات من جهات عديدة. واعتمد ردي على الوزارة أنني أيضا، وآخرين، نشكل جهة سورية لها كامل الحق في نشر كتب موازية لتلك التي تملأ المكتبات تسفه المرأة وتجرم المرأة السافرة. وأنه لا يحق للجهات الأمنية، مهما علا شأنها، أن تتدخل في أعمال الوزارات إذا كنا نريد بناء دولة مؤسسات. وإذا كانت الوزارة ستخضع لإرادة المخابرات فالأولى بها أن تتخلى عن دورها الرقابي وتحيل الموضوع إلى الجهات الأمنية.
وكنت قد أبلغت الوزارة أن قرارا من هذا النوع لا يمكن أن يتحمل الوزير تبعاته، فهناك جهات أخرى ستحتج أيضا على قرار المنع من ناحية أنه تدخل سافر في حقنا بالنشر والتعبير، مما سيضع الموضوع تحت أنظار الإعلام الذي لن يوفر هذه الفرصة في تناول الموضوع على أنه خطوة سياسية من قبل السلطة.
وأبلغت الوزارة أن هذا القرار سيكون بمثابة تدخل من الوزير في أمر دستوري يطال قيم الجمهورية التي تنص على حيادية الدولة تجاه فئات الشعب الاعتقادية، وبالتالي سيكون هذا القرار مخالفة دستورية إضافة لكونه مخالفة قانونية، إذ لا يحق للوزير، قانونيا، اتخاذ مثل هذا القرار من طرفه دون الرجوع إلي وقبولي بالأمر، أو دون الرجوع إلى المحاكم المختصة وانتظار حكمها في الموضوع.
الأحداث الأخيرة أجلت موضوع الكتاب
ويختم حسين حديثه متهما بعض أطراف المعارضة بإثارة موضوع الكتاب: (والأمر الآن متوقف عند هذا الحد، إذ لم يتم البت فيه بشكل نهائي. فربما عطلة الأعياد أو جسامة الأحداث التي تمر بها البلاد نتيجة قضية التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما أثاره انشقاق عبد الحليم خدام من اضطراب لدى جهات السلطة جعل موضوع الكتاب يفقد أولويته عند وزارة الإعلام والمخابرات، وعند الجهات السياسية والحقوقية "المعارضة" التي كانت وراء إثارة الموضوع والاستقواء بالمخابرات وبالوزارة على عملي وعلى أمني وسلامتي وسلامة أسرتي).
مدير الرقابة جهات عدة احتجت عليه!
أوضح نبيل عمران مدير الرقابة بوزارة الإعلام: (إنه تم إقرار سحب الكتاب من الأسواق كإجراء لتخفيف حدة الانتقادات مشيرا إلى كم هائل من الاحتجاجات وردت إلى وزارة الإعلام ضد هذا الكتاب، (ولم يحدد عمران من هي هذه الجهات)
وأشار نبيل عمران إلى أن الأساس في الاحتجاج هو العنوان على الغلاف، وقال: (هناك من يقرأ العبارات أيضا بشكل مجتزأ يوحي بأن المقصود هو المسلمون والإسلام بشكل عام ، ونحن وافقنا عليه أساسا بناء على قراءة كاملة وهناك أشخاص توقفوا عند عبارات معينة ووضعوا خطا عند بعض العبارات، وأي كتاب كان لا يقرأ بهذه الصيغة).
الناطق باسم التجمع المعارض ينفي
أحد مصادر وزارة الإعلام أكدت أن المحامي حسن عبد العظيم الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض (خمسة أحزاب محظورة) زار وزير الإعلام وأبدى استياءه من الكتاب وطالب بسحبه، بينما نفى العظيم هذا الأمر جملة وتفصيلا
غريزة القطيع
والطريف أن الكثير من المعلقين من القراء قد كفر الناشر والكاتبة على بعض مواقع الانترنيت رغم أن لا أحداً منهم كما أعتقد قد قرأه فالكتاب لا يتعرض للدين أو للعقائد إطلاقا فهو يدعو لحرية ارتداء الحجاب من عدمه لكن بعض سن البلوغ (18 ) عاماً لكي تختار البنت بنفسها التحجب أو السفور وهذا أحد محاور الكتاب.
رئيس مجلس الوزراء السوري محمد ناجي عطري يمنع التعامل مع داري النشر بترا وايتانا
ومن المستغرب أن يساهم رئيس مجلس الوزراء في الحملة، ليؤيد وزارة الإعلام والمتشددين من الإسلاميين فيصدر تعميما إلى كل الجهات الرسمية يمنع بموجبه التعامل مع داري النشر ايتانا وبترا على خلفية الضجة المثارة حول كتاب (فلينزع الحجاب)
وجاء في نص التعميم ذي الرقم( 218 /15 ) والمروس بسري للغاية (يطلب إلى الجهات العامة عدم التعامل مع داري النشر (ايتانا وبترا) وأصحابها آملين التقيد بمضمونه
دمشق (9/1/2006 )
وهنا كما أرى تلاقت السلطة وبعض المعارضة وتضافرت جهودهما لمنع كتاب لا يتجاوز الخمسين صفحة ولا يتضمن أية إساءة للدين فالكتاب يروي تجربة شخصية للكاتبة مع الحجاب
وخطوة رئيس مجلس الوزراء هذه شبيهة بالموقف الذي اتخذه رئيس مجلس الوزراء السابق المرحوم محمود الزعبي حين شكل لجنة لإتلاف أكثر من ثلاثمائة وخمسين نسخة من رواية ممدوح عزام (قصر المطر) موجودة في مستودعات وزارة الثقافة اثر احتجاج بعض مشايخ العقل عليه.
وهنا نسأل هل ترك رئيس مجلس الوزراء كل القضايا المتعلقة بالمجتمع وتفرغ لكتاب من خمسين صفحة وهل السيد عطري قيم على أخلاق الناس وضمائرهم وهل قبل ذلك قرأ الكتاب؟!!
ومن جهة أخرى يستغرب المرء من السلبية وعدم الاحتجاج على كثير من المؤلفات والكتب التي تدعو للخرافة والتبصير وقراءة الكف والقتل الطائفي، ألا تخدش هذه الكتب العقل وتدعو لالغاءه؟! فالناشر لؤي حسين يقول أن هذه الكتب تسيء له كعلماني وتسيء للعقل وللتحضر فلماذا لاتقوم السلطات دينية واستخباراتية بمنعها من المكتبات أو من الشوارع أم المسألة هي نوع من التحالف الموضوعي بين بعض رجال الدين والسلطات لقمع العقل وحرية الفكر لمنع أي نهوض وأي حركة تنوير؟!!