Alef Logo
ضفـاف
              

سأم باريس : منتخبات من شارل بودلير / ترجمة : بشير السباعي

ألف

خاص ألف

2011-03-12


يبدو أن حالة بودلير لا تختلف كثيرا من حيث الأسباب و النتائج عن الحالة المعروفة لمجموعة من الأدباء المعاصرين ، أمثال سلمان رشدي المحكوم بتهمة التجديف ، أو حتى جرجي زيدان المحكوم بتهمة تحريف التاريخ الإسلامي.
لقد تمكن أهل الشمال من بناء إقطاعيات ثقافية بيضاء خاصة بهم ، لا تقل بعنجهيتها عن المبدأ الآري للنازية ، و ينسحب ذلك على موقفهم الهمجي من الثقافات المعزولة و التي تتعرض لخطر الانقراض ، مثل الدائرة الأفرو آسيوية و دائرة العرق الأحمر في أمريكا ، و هلم جرا.
إن بودلير ( على ما نعتقد ) ينضوي ضمن إطار إنتروبولوجي خاص بثقافات أشرفت على الانهيار و التذويب ، و لذلك تدعو الحاجة إلى إعادة تأويله و إعادة إنتاج البنية الذهنية المسؤولة عن أفكاره الاغترابية و الفظة و القاسية ،و ذلك من منطلق التعالي على سيادة و انحياز القانون المكتوب ، علما أنه لم يتخل في معظم الحالات عن شروط الشعر من قافية و بحور و موسيقا و ما شابه...
لقد عانى بودلير ، لفترة طويلة ، من جميع الاتهامات و العيوب التي تميز الاستشراق ، و على رأسها قياس مخيلته الخاصة بمسطرة جاهزة و مفصلة مسبقا ، و تخدم منظومة الفكر الإمبريالي ، الذي لطالما مجد الغزاة و لطالما شوه حركات المقاومة و صورها.
و مع أن بودلير نموذج معزول لصعلوك خلعته القبيلة ، و مع أن عناصر مخيلته تستند على الجوانب الحالكة و الشريرة من الحياة و الطبيعة ، فهو لا يزال الرمز الدائم لعكس اتجاه السهم.. من المجد المشروط بالفساد العام ، إلى مجد كئيب و مجروح و له ظروفه الخاصة. و هذا يفسر لماذا هو يعتقد أن المضحك عبارة عن محاكاة ممزوجة بحاسة إبداعية خاصة ، و أن المرعب هو إبداع ممزوج بحاسة تقليدية لها أساس بين عناصر متوفرة في الطبيعة.
ألف
سأم باريس لشارل بودلير و ترجمة بشير السباعي
*الكلاب الطيبة
أغني للكلاب المشؤومة ، أكانت تلك التي تهيم على وجوهها ، وحيدة ، في الممرات المتعرجة في المدن الكبرى ، أم تلك التي قالت للإنسان المخذول ، بعيون مومئة و روحية : " خذني معك ، و من بؤسينا ، قد نصنع نوعا من السعادة !".
*شفق المساء
النهار يأفل. سكينة غامرة تعمر الأرواح البائسة المتعبة من كد اليوم ، و الآن تكتسب أفكارها ألوان الشفق الرقيقة الغامضة.
لكنما من أعلى الجبل يصل إلى شرفتي ، عبر غمامات السماء الشفيفة ، هزيم عظيم لحشد من الصرخات المتنافرة التي يحولها الفضاء إلى تناغم شجي ، كتناغم المد الصاعد أو تناغم العاصفة حين تهم بالهبوب.
من التعساء الذين لا يجلب المساء لهم سكينة و الذين ، كالبوم ، يحسبون هبوط الليل علامة من علامات الصخب ؟ هذا النعاب الخبيث يصلنا من المأوى الأسود الجاثم على الجبل ، و في المساء ، و أنا أدخن و أتأمل سكينة الوادي الرحب ، المحفوف ببيوت كل نوافذها تقول : " هنا السكينة الآن ، هنا مسرة العائلة !" ، يمكنني ، حين تهب الريح من الأعالي ، أن أهدهد فكري المندهش من هذه المحاكاة لتناغمات الجحيم.
*اسكروا
لا بد للمرء من أن يكون سكرانا دائما. تلك هي الخلاصة : تلك هي القضية الوحيدة. فلكي لا تشعروا بعبء الزمن الفادح الذي يحطم كواهلكم و يحنيكم إلى التراب ، لا بد لكم من أن تسكروا بلا هوادة.
و لكن بماذا ؟ بالخمر أو بالشعر أو بالفضيلة ، بحسب ما تهوون. و لكن اسكروا.
و إذا حدث مرة ، على سلالم قصر أو على العشب الأخضر لحفرة أو في الوحدة الكئيبة لغرفتك ، أن أفقت ، لأن السكر قد تراجع أو تبدد بالفعل ، اسأل الريح و الموجة و النجمة و العصفور و الساعة و كل ما يهرب و كل ما يتأوه و كل ما يدور و كل ما يغرد و كل من يتكلم ؛ اسأل عن الوقت ؛ و سوف تجيبك الريح و الموجة و النجمة و العصفور و الساعة : " إنه وقت السكر ! لكي لا تكونوا عبيدا معذبين للزمن ، اسكروا ؛ اسكروا بلا توقف ! بالخمر أو بالشعر أو بالفضيلة ، بحسب ما تهوون ".
*خاتمة
مرتاح القلب ، صعدت على الجبل
حيث يمكن للمرء تأمل المدينة في اتساعها ،
المستشفى ، الماخور ، المطهر ، الجحيم ، السجن ،
حيث كل فاحشة تزدهر كزهرة.
تعرف جيدا ، أوه أيها الشيطان ، يا راعي عذابي ،
أنني لا أذهب إلى هناك لأذرف دمعا غير مجد ؛
و إنما كخليل داعر عجوز لعشيقة عجوز ،
أريد أن أثمل بالعاهرة الفاحشة
التي لا تكف فتنتها الجهنمية عن تجديد شبابي.
فلتواصلي النوم في غلالات الصباح ،
ثقيلة ، معتمة ، مزكومة ، أو فلتتبخري
في غلالات المساء المزركشة بالذهب الخالص ،
أحبك ، أوه أيتها العاصمة الشائنة ! أيتها المومسات
و يا قطاع الطرق ، غالبا ما تقدمون مسرات
لا يفهمها المبتذلون الدنيويون.
*من سأم باريس – قصائد نثر . منشورات آفاق للنشر و التوزيع و منشورات الجمل . ط 1 بيروت 2009 .


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow