أصوات من البحرين : منتخبات شعرية معاصرة
خاص ألف
2011-03-22
فوزية السندي
لطالما كانت الحركة الأدبية و الفكرية في البحرين ذات حراك خاص. و هذا على ما نعتقد ناجم عن التنوع المذهبي ، و عن الصدام المطول مع سلطات الحماية الأجنبية ، و ما أعقبه من تفكيك لذهن القبيلة و الأسرة مقابل واقع مجتمع السوق و تدفق رؤوس الأموال و العمالة الغريبة ، و أخيرا استلهام العظة و المغزى من الأدوات.
لقد وضعت هذه المختلفات المجتمع في البحرين ( و لا سيما النخبة منه ) أمام نوع من القلق حيال الذات و حيال وسائل التعبير و التلقي و ضمنا أدوات الإنتاج. و بعبارة أخرى لقد تسببت لذهنيته بشيء من التفكيك من جراء هذا الانشطار بين متطلبات العرق و الأصل و أخلاق البداوة العربية ثم ضرورات التطوير و التحديث.
و على الأرجح إن هذه العاصفة التي تجتاح البحرين هي شكل معدل من العاصفة السابقة و التي تفجرت بها في الهزيع الأخير من الخلافة العباسية حينما خرجت منها جحافل القرامطة و كانت ترفرف فوق رؤوسها رايات المشروع الجريء الذي دعا إلى تبديل لنظام الخلافة ، و بالأخص البنية التحتية منه ، و كل ما يتعلق بأسلوب جباية المكوس و إعادة تدويرها أو تبادلها. لقد كانت وراء القرامطة إرادة تذكرنا بخروج المسلمين الأوائل من مكة إلى يثرب للبحث عن صورة سياسية لوجدان لم يتبق أمامه غير التوسع.
و في المقتطفات التالية ، و هي لشعراء معاصرين من البحرين ، ما يثبت أصالة مشروعهم الفني التحرري ، و عمق ارتباطه بالأرض و الإنسان
1 – البحر – مقتطفات من قاسم حداد
.......
ما زال معتزلا يموج
و زنبق في عينه
يده ملطخة بماء الوقت
في يده حرير الخيل
بعد دقيقتين عميقتين يطل في كلماتكم
للغصن تاريخ و مرآة. و قيل نجومكم حبلت
فلا تتأخروا
ما زال مشدوها و محترقا
و تصحبه القواقع و المحارات التي شهقت
و سوف
دقيقتان غزيرتان
و آه آه البحر
لا تتناثروا
قد ينهض البحر المسجى في السواحل
راكضا فرحا
و أحيانا ترافقه
و يسمع
قالت الأخبار
إن بيوتكم ضاقت و ان السجن أوسع ما يكون
مهيأ ،
و الموج كان. يكون فوج الرفقة
المتطاولين على النخيل
يطل بعد دقيقتين صغيرتين
الفتية المستهترون بموتهم
نهضوا يطالون المدى الرملي في يدهم
و لا يستسلمون
الفتية اللاهون بالصلصال يعتمرون ثلج الوقت
يبنون الذي هدمته عين الليل
لا تتأخروا
سيطل
ما زال اللجام الأخضر المغزول من وبر
على كتف الصهيل
يسمعكم
تمر دقيقتان مريرتان
الشارع العربي يكسر قلب عبد الماء
و المدن الغياب
وسيعة
ضاقت بمن فيها
نوافذ هذه الأرض الطرية تستوي حجرا
فلا تتكسروا
للأرض ألف طريقة كي تولدوا
هنا الدقائق ليس في يدها مفاتيح القصائد
قلب عبد الماء مائي و رمل مولع
و الأرض تطلع في القصائد مثل وشم
فاكتبوا عن عشها السري
لا ماتت
و لا عرف العساكر سرها
قتلت و ها تمشي
فلا تتأخروا
سيطل.
تعرفه البحار
و تعشق الأرض اضطراب يديه
قبل دقيقتين ثقيلتين
ليبدأ التكوين
تعرفه القواقع و الواحل
تهجس الأحجار
( سوف يجيء)
هذا الواسع المنزوع من شفق
( يجيء..)
و تهمس الآفاق
هذا النافر المجبول من قلق
يغيم الواضح المألوف في العينين
أحيانا.
.....
2 – الخروج من دائرة الإغماء لعلوي الهاشمي
ذاكرتي مثقلة بهموم الأمس :
كان الوقت مساء...
و المقهى ، كالعادة ، مزدحم بذوي الأحداق الحجرية و العاهات
المزمنة ، و أرتال اللوطيين الغرباء ، و بعض القرويين المربدة
أوجهه من لفح الشمس / و النادل في صخب المقهى يغدو
و يروح ، كرقاص الساعة...
و العشاق القدماء أماكنهم خالية في الركن
( لماذا يهرم وجه العصر ،
و لا يهرم وجه العشاق ؟)
كانت عينا أحد كلاب الصيد تجوسان مقاعدهم ،
بضعة عمال ينتثرون ، هنا و هناك....
و حافلة تذرع صمت الشارع ،
و النادل في صخب المقهى ززز يغدو ، و يروح
... كرقاص الساعة ،
أسند منصور إلى ظهر المقعد كتفيه
... اتكا على ملافقه الأيسر ، و استسلم للحلم قليلا :
كان الفصل خريفا...
و الريح الغربية لم تترك في الشجر الواقف
إلا بضع وريقات ، تترنح...
( هل كان الفصل خريفا ، حقا؟
هل كان الوقت مساء ؟
لا يفصلني حزن اليوم عن الغد
لن يبعدني الكائن عما سيكون ،
و لا القرب المستيقظ من حولي
عن زمني المستلقي فوق سرير البعد )
و يرف على طرف الأهداب الممدودة خيط أخضر ... يمتد
زمن آخر ينبت تحت اقشرة ،
و الجسد الشجري يعيد بناء خلاياه ...
الشمس تضيء ... الغيم يجيء ... الأرض تفيء ،
... هل الأشجار تموت ؟
هل كان الفصل خريفا حقا ؟
هل كان الوقت مساء ؟)
......
3 – أبو ذر يغادر المستطيلات لعلي الشرقاوي
......
فاجع كالردى
و رهيب هو الانتظار.
عيونك مفتوحة كالمدى
و تبدو كأنك في الغمد مختنق بنهار الصهيل
كأن الصعاليك موتى
كأن النخيل و هذا الرماد الذي في الصدور
بلاد تباغت أبناءها في ليالي الزفاف
كأن اللقاء الذي تم بيني و بيني وداع
فمن ذا سيوصل ما بين عين و قاف
و يجمع هذا المدى بالضفاف
و من ذا يوحد بين الضحى و الأصيل
و يعزف عرس البلاد القتيل
فالمسا أزرق
و الضحى
مستطيل
ثلاثة من هذه الانتظارات يشهق طعم الأبوة
و رابعها قطرات الندى
و هي تنهض ساحبة من دثار الصباح
أربعة عطرهم غامر
و خامسهم
فرح يطعم الشوق وجدا يساقي الرياح
خمسة عانقوا النوافذ برقا
و سادسهم
قاب قوسين من شجر الحلم كان الصغار
ستة يزرعون تالصحارى غناء طيور كلحظة عشق
و سابعهم
لحظة كالتحول
....
4 – أزمان لسعيد العويناتي
......
في الزمن الأول عانقت زهور الدفلى
صادقت طيور البحر و أشجار النخل ،
و ماء الوطن الممنوع من الضحكة
**
في الزمن الثاني شاهدت أبي في الباص
يغني
و يحاور هنديا جاء من الأحزان إلى أرض
النفط..
و غابات الخوف الأبدي..
و رأيت عيون النسوة زائغة
و الحمالين يبيعون العرق المحشو بأكياس
من رمل..
و خدود الأطفال المذبوحين تقول تعال.
أنقذنا من هذا الزمن الثاني
و انقلنا صوب الأعشاب المزروعة في
الشاطئ
و النسوة يلعن الباصات
و يلعن الدنيا .. و الجوع.. الأسعار..
الإيجارات و ما جاء به الزمن المائع
عفوا .. ما جاء به الزمن الثاني
**
في الزمن الثالث
أ – جاء الليل المعتم
و انحلت صورتنا في الكأس
و ذاب الناس..
و شاب الرأس
ب – في الزمن الثالث
شاهدت ثلاثة أطفال مرسومين على هيئة
خوف
يندفع الخوف بصدر الشارع
و النسوة يصرخن حيارى
ما هذا الزمن الثالث
يا كبوتنا
يا ليل الجزر النفطية
أو ليل الجزر المنفى الدائم
و الشطآن المرصوفة بالهمسات
جـ - في الزمن الثالث
ممنوع أن ترسم حبا
أو ترسم قلبا
أو ترسم امرأة
أو امرأة لم تنضج بعد
ممنوع أن ترسم طفلا
أو بيتا تسكنه الألفة
ممنوع أن ترسم طفلة
أو تكتب شعرا
أو تصنع للناس المسرح
ممنوع أن تتحدث و الأعشاب و ذاك البحر
الأزرق
ممنوع .. ممنوع .. ممنوع..
د – في هذا الزمن الثالث
صاحت امرأة من جيران الرهبة
ما هذا
هل نسكن في أرض ممنوعة
أو هل نسكن في بيت يمنع أن نضحك
أو أن نتعانق .. أو أن نعشق
يا هذا. أنى لنا أن نسكن في
هذا الزمن الملعون
لن نقدر
لن نقدر
لن نقدر
.....
5 - لسعفة عشق تهتز أغني لفوزية السندي
.....
حدثني هذا النخل عن سعفة عشق تهتز
تتناثر حبات الطل..
تعزف لحنا .. لحصاد يستوطن في وله جسد الأرض
يرصد في الجذر الراسخ بدء التغيير
و يومض في كلماتي زمن الرفض
حدثني حزنك.. يا سيدة الأحزان
و يا سيدة الآلام و يا مملكة المنفيين و يا...
إن العهر جنون ، رعب يترقب كل مراسيم القتل
سجون و قيود في حجم الشهداء
الأسماء الآتية الآن من الضوء
إليك – يا وطني –
من ينتزع الوهج الضارب في أحداق الكلمات !
- هل أكتب بالحبر السري لتقرأ هذي الأوجاع؟
أم أصنع من نهر الجرح المتواصل في قلبي طيرا
أسكنه الومض الراكض في حرفي
يستنفر شوق الهجرة في
و ينشر أشرعتي في الأمداء
يغادر في صمت مدني..
أم .. أصغي في وجع للغات الهمس ، اليأس ، الموت الدارج
كل حثالة هذا الوجد الزائف في زمني..
يا زمني ، علمني الرفض ..
علمني الرقص على لهب الشعر المهموم بنار العشق
لأغسل في عينيك حديقة قلبي ،
حدثني عن موت السمراء الدامعة الدافئة العينين ..
عن مدن الخوف و عن سجن الصحراء
و عن زهور الحب السري ..
حدثني عن وطني
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |