Alef Logo
كشاف الوراقين
              

من تاريخ سورية الاستقلال أيام حسني الزعيم 2 :

ألف

خاص ألف

2011-04-07

من مذكرات نذير فنصة 2
أعيد حسني الزعيم إلى الجيش بعد تدخلات عديدة مني. و كان ذلك في عام 1946 . ثم تدخلت مرة ثانية مع جميل مردم فعين بعد أشهر رئيسا للمحكمة العسكرية في دير الزور ( شمال سورية ).
قدر لي حسني الزعيم هذه الوساطة كثيرا ، و صارت صداقتنا أقرب إلى الأخوة و لكنه صار يشكو بأن مرتبه لا يكفي للإقامة في دير الزور ، و أنه يفضل العودة إلى دمشق حيث يوجد منزله ، إلى جانب أنه لم يكن سعيدا بمنصبه الذي جعله ندا لمن يعتبرهم من تلامذته العسكريين ، كبرياؤه كانت أكثر مما هو معهود لدى ضابط في رتبته.
تدخلت هذه المرة لدى رئيس الجمهورية المرحوم شكري اقوتلي لنقل حسني الزعيم. فكانت لدى الرئيس تحفظات كثيرة حول تقلبات مزاج الزعيم و سمعته كمغامر و مقامر. كنت أقول للرئيس القوتلي أن ذلك كان أيام شباب الزعيم ، و لكل شاب نزوة ، و هو الآن مستقر حتى أنه لا يشرب الخمرة لإصابته بداء السكري ، كما أنه لا يقامر لأنه مفلس.
كان الزعيم في شبابه مغامرا ، فهو مرة ، مثلا ، اختلف مع ضابط فرنسي بسبب مراقصة سيدة فاستنفر قطعاته العسكرية في إسكندرون و اعتقلا هذا الضابط. كان أحيانا مغامرا ، و يقال إنه كان يغش في اللعب " و يلغم " الورق – بلغة أهل الميسر.
نجحت تدخلاتي مع رئيس الجمهورية و نقل حسني الزعيم إلى دمشق و عين مديرا عاما للشرطة. و الحق يقال أعطى الزعيم لمركزه الجديد هيبة و جدية كانتا تنقصانه. قد يكون الجانب " المسرحي " من شخصية الزعيمن ساهم في ذلك ، و لكنه في أي حال أصبح شعبيا لدى رجال الشرطة فأضفى الاحترام عليهم في نظر المواطنين الذين لمسوا تدابير تنظيمية جديدة أفادت حياتهم اليومية.
كان ذلك عام 1948 ، هذا التاريخ الذي لا ينسى في أذهان العرب ، فقد أعلن قيام دولة إسرائيل و بدأت الجيوش العربية معركة فلسطين الأولى ، التي انتهت بالشكل المؤسف الذي انتهت إليه. كان قائد الجيش السوري آنذاك عبد الله عطفة.
في خضم مناخ القهر و الحزن الذي عاشه العرب في ذلك العام ، جاءني حسني الزعيم إلى منزلي ليقول لي ، بعدما تحدث مطولا عن وضع الجيش السوري في الجبهة ، إنه سيفعل أفضل بكثير من عبد الله عطفة لو عينه شكري القوتلي قائدا للجيش.
و برغم الصورة السوداء التي رسمها الزعيم عن وضع الجيش السوري فقد أثار مثلا نقطة عسكرية كانت ثورية في مفهوم تلك الأيام. فقد قال لي الزعيم خلال حديث تلك الليلة أنه من الخطأ مواجهة إسرائيل بالجيوش العربية النظامية ، لأن العصابات الصهيونية مجهزة أفضل و مدعومة سياسيا ، بشكل أجدى ، من الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا و الاتحاد السوفياتي ، و هي تواجه الجيوش العربية بحرب عصابات ، و على العرب اللجوء إلى مفهوم هذه الحرب.
في الواقع ، أخذت بعرض حسني الزعيم هذا و ذهبت في اليوم التالي لمقابلة رئيس الجمهورية شكري القوتلي و وزير الدفاع جميل مردم. فوقع كلامي لدى كل منهمكا موقعا حسنا لم أكن أتوقع سرعته. فقال لاي الرئيس القوتلي : هل تكلفه ؟ فأجبت طبعا ، فهو رجل أقلع عن الماضي المغامر و أثبت قدرته في القيادة العامة للشرطة.
فعلا ، رفع حسني الزعيم إلى رتبة زعيم و عين قائدا للجيش. و هذا الحدث جعل حسني الزعيم منتشيا بنفسه ، مليئا بحاله. فاللقب الجديد يرن أفضل مع اسم العائلة : الزعيم حسني الزعيم.
ارتدى قائد الجيش الجديد بزة القيادة للمرة الأولى وصف عليها النجوم و الأوسمة و الشارات ، و جاءني إلى منزلي فورا ليعرض نفسه علي و هو يضعها. كان يتمخطر أمام المرآة لا يصدق ما يراه فيها. كان يسألني عشرات المرات : نذير ، نذير ، ألست رائعا في هذه البزة ؟
جلست ، أنا ، إلى الكرسي المواجه للمرآة أتأمل هذا الرجل السمين الظريف ، لم يكن يخطر أنني لأواجه الرجل الذي سيحكم سورية ، ثم يواجه بعد أشهر نهاية بشعة لم يكن يستحقها.
كان يخطر لي كيف غضبت منه قبل أشهر و امتنعت عن الكلام معه ، أو حتى استقباله في مكتبي عندما علمت أنه أصبح عديلي ، إذ تزوج من شقيقة زوجتي دون علمي أو طلب رأيي كما كانت تقتضي ظروف الصداقة.
**
قصة زواج حسني الزعيم قصيرة و خاطفة مثل كل شيء قام به في حياته الخاطفة. فقد ذهب مرة إلى حلب لزيارة صديق له ، هو الدكتور كامل أشرفية ، مقيم في الطبقة التي تعلو المنزل الذي يقيم فيه والد زوجتي أحمد باقي و زوجته و أولاده و بناته.
لا أدري كيف تم الزواج ، و لكن الذي أعرفه أنه سبق و تعرف على شقيقة زوجتي و اسمها نوران ، في منزلي مرتين ، ثم التقى بها عند صديقه الذي يسكن في البناية ذاتها ، مع الباقي ، ثم تم الزواج في أربعة أيام.
عارضت الزواج أولا لأنه يكبر نوران بثلاث و عشرين سنة ، و ثانيا لأنني لم أكن أرغب في أن يدخل حياتنا الخاصة شخص له ماض عاصف مثل حسني الزعيم ، و له مستقبل مجهول فيقتحم الهدوء العائلي الخاص الذي كان محيطا بي.
و مرة بعد أسابيع من هذا الزواج و القطيعة التي رافقته ، دق جرس منزلي في دمشق و دخل حسني الزعيم و عروسه و هما يضحكان من الأعماق ، ثم قال لي الزعيم : خلصنا ، هذا أمر واقع ، لقد تزوجنا و ها نحن في منزلك ، هل تطردنا ؟
ذاب الخلاف العائلي و عادت صداقتنا بين القبلات و الضحكات المتبادلة.
كنت لا أزال أسمع ضحكات الزعيم ، عندما تنبهت إلى أنه ما زال أمامي يتطلع إلى نفسه في المرآة : نذير ... نذير ألست رائعا في هذه البدلة ؟
الضحكات العميقة لم تدم طويلا ، إذ تعاقبت عليه أحداث ظالمة ولدت في نفسه ذاك القرار الرهيب : الانقلاب العسكري.
كان النائب فيصل العسلي ، أمين عام الحزب الاشتراكي التعاوني ، يشن بصورة دورية الحملات الكلامية في مجلس النواب ضد القائد الجديد للجيش السوري ، و مرة اتهم النائب العسلي حسني الزعيم و إبراهيم الحسيني قائد الشرطة العسكرية بأنهما خططا لوضع قنبلة انفجرت في أحد مكاتب حزب العسلي.
هنا اتضح أمران : الأول أن فيصل العسلي يحمل على الزعيم لأنه كعادته في رفض الطلبات الخاصة ، رفض طلبا للعسلي بشأن نقل أحد رجال الشرطة من مركز إلى آخر . و الثاني أن الزعيم و الحسيني كانا صادقين عندما نفيا أي علم بأمر قنبلة مكتب الحزب الاشتراكي. إذ تبين في ما بعد بشهادة رجل ما يزال حيا إلى الآن هو علي الأيوبي ، و كان الساعد الأيمن للعسلي ، أن الحزب نفسه هو الذي قرر وضع القنبلة ليدعم الحملة الكلامية لرئيسه في مجلس النواب ضد الزعيم.
كان الزعيم حسني الزعيم يذهب لمقابلة رئيس الجمهورية شكري القوتلي و يقسم أمامه بشرفه العسكري ، و يقسم بالقرآن الكريم ، أنه لا يعلم شيئا من أمر هذه القنبلة.
كان رئيس الوزارة و وزير الدفاع آنذاك ، خالد العظم ، الذي برغم كفاءاته العديدة كرجل دولة ، متعجرفا متعاليا ، فخورا بالأرستقراطية الإقطاعية التي ينتمي إليها. كان العظم يكره الزعيم.
كنت أذهب إلى مكتب العظم لمقابلته و التحدث في أمر الحملة الظالمة على الزعيم. كنت أقول له أنني لا أتدخل لكون الزعيم عديلي ، لأنني كنت ضد أن يصبح عديلي ، و لكنه قائد الجيش السوري الآن ، فإما أن يحترم منصبه أو أن يقال.
هنا ازدادت الحملة الظالمة ضد الزعيم ، و دخلت الصحف طرفا فيها فاتهم بأنه وراء غش نوعية السمن الذي يستعمله الجيش السوري و ذلك بالتعاون مع التاجر المورد للجيش لقاء مبلغ من المال.
**
كان الزعيم ، هذا الرجل ذو الهالة الكبرى في سورية ، يأتي إلى منزلي و يبكي شاكيا من ظلم الحملة عليه ، حتى أنه اقترح مرة على شكري القوتلي أن يقيله من منصبه حفاظا على كرامته ، و أن يعينه محافظا في حلب ، كان الزعيم ، عندما يذهب إلى مكتب رئيسه المباشر وزير الدفاع خالد العظم ، يلاقي تجاهلا بل و تحقيرا حين ينتظر ساعات بعد الموعد المعين حتى يفتح له مكتب العظم ، و أحيانا لم يكن هذا المكتب ليفتح فيعود الزعيم من حيث جاء.
كان مدير المشتريات في الجيش العقيد أنطون بستاني ، و كان الزعيم يقول إنه من المحتمل أن يكون المتعهد ببيع السمن إلى الجيش قد غش في النوعية ، خاصة و أن الجيش السوري آنذاك لم يكن يملك مختبرات لتحليل ما يقدم إليه من مواد.
هنا تكررت ، خلال جلساتي الخاصة و العائلية مع الزعيم ، أفكاره بأنه يريد القيام بانقلاب عسكري و يزج كل هؤلاء الذين أهانوه في السجن. كنت أهدئ أعصابه فأقول له : أنك شارفت على نهاية خدمتك العسكرية ، و هناك مرتب تقاعدي مريح لك ، ثم إنك تزوجت فتوقف عن أية أفكار مغامرة.
بعض النواب ، نظم حملة نيابية لتخفيض ميزانية الجيش و تخفيض عدد أفراده. و أكثر من ذلك ، كانوا يتكلمون في مجلس النواب عن تخفيض في رواتب الضباط. و هذا أمر لا يمكن أن يطاق في صفوف الجيش السوري ، الذي كان يعيش مثل كل البلدان العربية غليان ظروف الحرب الفلسطينية الأولى.
مرة جاءني الزعيم إلى منزلي باكرا ، و دخل. و لكنه لم يمكث طويلا ، قال لي : سنسهر الليلة عندك ، فجهز لنا بعض المأكولات و المشروبات. سألته : تحكي بالجمع ؟ من أنتم الذين ستحضرون الليلة ؟ فقال : بضعة من ضباط تعرفهم و يعرفونك.
قلت له : و ما مناسبة هذه السهرة ؟ خير إن شاء الله ؟ فقال الزعيم : سنعملها ".
نهض و خرج.
كان هذا في 24 آذار ( مارس ) 1949 .
عند المساء ، بدأ الضباط يتوافدون إلى منزلي في عين الكرش في دمشق. كان عددهم 14 تقريبا ، و كانوا جميعا في اللباس المدني. و قد بدأ توافدهم إلى منزلي واحدا واحدا ، من دون سياراتهم ، و خلال فترات متباعدة. و قد وصل أولهم و كان سامي الحناوي في السادسة ، و حوالي الثامنة و النصف اكتمل الشمل بحضور الزعيم حسني الزعيم.

- منشورات دار الآفاق الجديدة بلبيرونت ، 1982 . ص 13 – 19 .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow