الآخر، مُلهم أم مُلتهٍم؟
2008-05-16
ـ1ـ
بين "الآخرون هم الجحيم" و "الجنة دون ناس"، والتي لا تُداس، أيهما نصدق؟
بين سحر ورشات الإبداع الجماعي، منذ بيانات الدادائيين، وما تلاها من سحر بيانات السرياليين، مرورا بأبناء " شعر "، يبقى الخوف من "جحيم الآخر" مترصدا بين الفجوات والأزقة ومناطق المفاجآت.
للعمل الجماعي سحره الخاص، ومخاوفه أيضا، فأغلب التجارب المشتركة انتهت بالقطيعة والفشل، نتيجة خلافات كل "أنا" مع أنا "الآخر". و"أنا" الفن دوما واسعة ولا محدودة.
للعمل المشترك سحره، خاصة في تلك القنوات التي لا تستلزم اجتماعا، كالرسم والكتابة، بل تتطلب، وبحذر شديد، الغوص في الفردية.
فهل يمكن أن يكون الإبداع جماعيا؟ وهل تساهم الورش الفنية في تحريض ما هو نائم أو مسترخ أو حذر؟ لتدفع به نحو الضوء من خلال "تطمينات" الآخر، عبر تمرير الهموم الفنية في قنوات "الوساوس المشتركة".
هل ينجح أحدنا وهو يحمل "أناه" - أغلى ما لديه – أن يذهب بها إلى "الآخر"، دون قلق من أن يمحوه هذا الآخر، أو يسلبه أناه؟
أسئلة تتربص بنا نحن عشاق الأرق. ما بين الرغبة في العثور على "الآخر" (الشريك المماثل في الهم، والمساهم في تقاسم عبء الوجود) وبين الذعر من هذا الآخر، الذي يستطيع بلحظة اختلاف فنية أو انفعالية، أو حتى مزاجية، قتل حالة فنية، بل وتحنيطا فنيا وفكريا طويلا، كما أشعر أمام الكثير من الأعمال التي أراها كائنات بلا روح، كلمات مصفوفة، ألوانا، تنويعات، ولكنها جوفاء دون معنى، دون ألم، ودون متعة.
ما حرضني على خوض هذه التفريعات هو الصالون الأدبي المنصرم المنعقد في بروكسل، إذ لاحظت، وهذا نادر، أن الأسماء المشاركة في الورشات- وأنا أحب هذه اللفظة، لأني أشعر أن الكتابة، هي عمل غير مكتمل باستمرار، ولا يمكن إنجاز نص ما لنقول إنَه انتهى على هذه الشاكلة، بل ثمة تنويعات متعددة على النص الواحد لكتابات متعددة، لا فقط، لقراءات متعددة للنص الواحد- لاحظت "طزاجة" الأسماء المساهمة، ولم أجد كلمة غير"طازجة" لوصف تجارب المشاركين، الذين لم يتحنطوا بعد - وأرجو بالتأكيد أن لا يتم هذا - ولم يصبحوا تماثيل، وما أكثر أصنامنا ورموزنا، بل من خلال متابعتي الخاصة لبعض تجارب الأرق الجميل لبعض الأسماء، أؤكد أنها على قطيعة بثقافة الأصنام، إذ ما إن ينطق أحدهم بجملة رواية، أو لوحة، أو جائزة عالمية، حتى ينصب له "صنما" في قلب الساحة، ليكون منارة لكل راغب في السير على هذا الطريق.
أستطيع أن أنتهز الفرصة لأعبر عن اختناقي بالأسماء. حتى في التجربة الغربية، يسألوننا عن أسماء هي أصنامنا، مُثلنا العليا التي يجب السير على ممشاها.
-2-
استيقظت على كآبة معتادة هذا الصباح، وقد أصبحت الكآبة سمة ثابتة، إلا أنني أكذب غالبا وأبتسم وأجمّل الأشياء حولي، موزعة جملي حول التفاؤل والأمل والحظ.
أدرك أني في العمق أفتقد عنصراَ مهماَ في كينونتي، هو الآخر.
الآخر ليس الشريك الفردي، الحبيب أو الزوج أو العشيق، لا، الآخر بالمعنى الوجودي، الآخر شريكنا في الوجود، شريكنا في الهم، في الهاجس، في الأمل.
أنوس غالبا بين القضايا الكبرى والقضايا الدافئة، فالقضايا الكبرى هي هموم تلتهمنني، ولكنها بقدر ما تأخذ مني، لا تقدم لي سوى الخواء والبرد.
البرد لاذع يحرّض الكآبة، كآبة أني لست برفقة الآخر، أني صاحبة الاختيارات الكبرى.
بقدر ما تأخذنا القضايا الكبرى من حالنا، و تخرجنا من فرديتنا وحميميتنا الصغيرة، بقدر ما ترمينا في المزيد من العزلة، لأن شركاء الهم الكبير، دون فردية، ودون أحلام خاصة.
الآخرون الذين أحبهم وأحن إليهم وأفتقدهم، كائنات غير واقعية تقريبا،هم أشباح، صور، أفكار، ما إن يقتربوا مني ويلامسوا واقعي، حتى يتحولوا بتأثير سحري شرير إلى كائنات أخرى، يفقدون ألقهم، ويتحولون إلى كائنات ثقيلة ثرثارة، تغوص في تفاصيل موجعة، وتعيد إليَ الرغبة في الوحدة، والبرد.
لا أزال منسحرة، أو مسحورة، بخرافتي الخاصة (الأصدقاء). أعجز عن مغادرتها، وكأنها فانتازيتي الشخصية التي لا أستطيع الكتابة خارجها، إنها دفئي الوحيد المتبقي لي في هذا البرد، ولن أنقّ طويلا، فالشتاء الحقيقي لم يصل بعد
الأصدقاء، وليكتمل السحر، يجب أن يكون هؤلاء الأصدقاء، شركائي، ذوي هموم وهواجس، ولكن هواجس صغيرة، هواجس نلتقطها بأصابعنا الجافة، ونعيد ترتيبها وتعليقها على حبال مخاوفنا من الوجود، فنسطر قلقنا وخوفنا، كلا في صفحته، لنعلن أننا أبناء الخرافة، وأبناء زمن لم يأت بعد، أو لن يأتي أبدا، أبناء الكتابة
عن موقع الأوان
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |