Alef Logo
دراسات
              

جبرية الملائكة... حرية آدم... حرية إبليس / بُرهــان شــاوي

2011-04-22


النص القــرآني .. والحــرية في الجنـــة:


(إذ قالَ رَبُكَ للملائكـةِ إني خالقٌ بشراً من طين (71) فإذا سّويَتُهُ ونَفَختُ فيهِ من رُوحي فَقعُوا لهُ ساجدين (72) فسجدَ الملائكةُ كُلهُم أجمعُون (73) إلا إبليسَ استكبرَ وكانَ مِنَ الكافرين (74) قالَ يا إبليسُ ما منَعكَ أن تَسجُدَ لِما خَلَقتُ بيديَّ استكبرتَ أم كُنتَ من العالين (75) قال أنا خيرٌ منهُ خلقتني من نارٍ وخلقتهُ من طين (76) قال فاخرُجْ منها فإنكَ رجيم (77) وإن عليكَ لعنَتي إلى يومِ الدين (78) قال ربِ فأنظرِني إلى يومِ يُبعثون (79) قالَ فإنكَ مِنَ المنُظرين (80) إلى يوم الوقتِ المعلوم (81) قالَ فبِعزتكَ لأغوينُهم أجمعين (82) إلا عبادكَ منُهُم المُخلصين (83) قالَ فالحقُ والحقُ أقول (84) لأملأنَ جَهنمَ مِنكَ وممّن تَبعَكَ مِنهُم أجمعين (85)). (سـورة ص)


(ولقـد خلقناكُم ثم صـورناكُم ثم قُـلنا للمـلائكــةِ اسـجدوا لآدم فسجدوا لآدم َ إلا إبليسَ لم يكُنْ من الساجدين (11) قالَ ما منـعكَ ألا تَسجُدَ إذ أمرتُكَ قالَ أنا خيرٌ منـهُ خـلقتنـي من نارٍ وخلقتــَهُ من طـين (12) قـالَ فاهبـِطْ منِهـا فمـا يَكونُ لكَ أن تتكبّرَ فيهـا فاخـُرجْ إنك َ مِنَ الصاغرين (13) قال أنظـرنيَ إلى يوم يبُعثـون (14) قالَ إنكَ مِنَ المنُظرين (15) قالَ فبِما أغـويتني لأقعُـدنّ لهم صِراطـَكَ المُستقيم (16) ثُم لأّتينُهم مِن بين أيديهِـم ومِن خَلفـهِم وعَن أيمانِهم وعن شمائِلهِم ولا تَجِـدُ أكثرَهُم شاكرين (17) قالَ اخرُجْ منها مذمُوما ً مدحـورا لمـن تَبِعَـكَ منُهم لأملأنَّ جَهَنَمَ مِنكُم أجمعين (18) ويا آدمُ اسكُن أنتَ وزَوجُكَ الجَنَـةَ فَكُلا مِن حَيث شئتما ولا تَقرَبا هذهِ الشـجرةَ فتكُونا من الظالمين (19) فوسوَسَ لهُما الشيطانُ ليُبدي لهُما ما وُرىَ عنهُما مِن سوءتهما وقالَ ما نهاكُما ربُكُما عن هذه ِ الشجرة إلاّ أن تكونا مَلَكين أو تكونا من الخالدين (20) وقاسَمهُما إني لكما من الناصحين (21) فدَلّاهما بغُرُور ٍ فلما ذاقا الشجرةَ بَدتْ سوءتُهما وطفقا يَحصِفان عَليهما من ورقِ الجنـةِ وناداهُما ربَهُما ألمْ أنهَكُما عن تلكُم الشجرة وأقُل لّكمُا إنَّ الشيطانَ لكُما عدوٌ مبين (22) قالا ربَّنا ظلمنا أنفُسنا وإن لم تـَغفـِر لنا وتَرحمنـا لنكُوننَّ من الخاسرين (23) قالَ اهِبُطوا بَعضُكُم لبعضٍ عَدوٌ ولكم في الأرض مُستقرٌ ومتاعٌ إلى حين (24) قالَ فيها تحَيونَ وفيها تموتُونَ ومنها تُخرَجـُون (25) يا بني آدمَ قَدْ أنزلنا عليكُم لباسـاً يوارى سَوءتكُم وريشاً ولِبَاسُ التقوى ذلك خيرٌ ذلكَ مِن آياتِ الله لعلهم يذكُرون (26) يا بني آدم لايَفتنـنـَّكُمُ الشيطانُ كما أخرجَ أبوَيكُم مِنَ الجنةِ ينزعُ عنهُمـا لباسَهُما ليُرِيَهُما سوءتهما إنهُ يراكم هوَ وقبيـلُـهُ من حيثُ لا ترونَهُـم إنّا جَعلنا الشيطانَ أولياءَ للذينَ لا يؤمنون (27) ) . (ســورة الأعــراف).


( ولقد عهدِنا إلى آدمَ من قبَلُ فنسى ولم نجِـد لهُ عزما (115) وإذ قُلنا للملائكـةِ اسجدوا لآدم َ فسجدوا إلا إبليسَ أبى (116) فقُلنا يا آدمُ إن هذا عدوٌ لك ولزوجِكَ فلا يُخرجنكُما من الجنةِ فتشقى (117) إنَّ لكَ ألاّ تجوع فيها ولا تعَـرى (118) وأنـَّكَ لا تظمـؤا فيها ولا تَضحـى (119) فوسوسَ إليهِ الشيطانُ قالَ يا آدمُ هل أدُلَكَ على شجرةِ الخُلدِ ومُلكِ لا يَبلى (120) فأكلا منها فبَدتْ لَهُما سوءتُهُما وطفقا يحصِفانِ عليهما من ورقِ الجنةِ وعصى آدمُ ربـَّهُ فغـوى (121) ثم اجتباهُ رَبـُّهُ فتابَ عليهِ وهـدى (122) قالَ اهبطا منها جميعاً بَعضُكم لبعضٍ عَدوٌ فإما يأتينـَّكُم مني هُدى فمَن اتبَعَ هُدايَ فلا يَضلُّ ولا يَشقى (123) ومَن أعرضَ عَن ذِكري فإنَّ لهُ معيشَةً ضنكاً ونحشُرُهُ يَومَ القيامةِ أعمى (124)). ( ســورة طـــه ).
( وإذ قُلنا للملائكـة ِ اسجُدُوا لآدمَ فَسَجُدوا إلا إبليس َ قال أأسجد لِمَن خَلقَتَ طينا (61) قالَ أرَءيتُكَ هذا الذي كرَّمتَ عليَّ لئِّن أخرتني إلى يومِ القيامةِ لأحتنِكنَّ ذُريتهُ إلا قليلا (62) قالَ اذهبْ فمَن تبِعكَ مِنهُم فإنَّ جهَنمَ جزاؤكُم جزاءً موفورا (63) واسَتفزِزْ مَن استطَعتَ منهم بصوتِكَ وأجلب عليهم بخيِلكَ ورجالِكَ وشاركُهم في الأموال والأولادِ وعِدْهُم وما يَعِدهُمُ الشيطان إلا غرورا (64) إن َّ عبادي ليسَ لكَ عليهم سلطانٌ وكفى بربِكَ وكيلا (65)). (سـورة الإسـراء).


( وإذ قالَ رَبُّكَ للملائكـةِ إني خالقٌ بشراً من صلصالٍ من حمـأٍ مسنون (28) فإذا سَويّتُهُ ونَفخَتُ فيهِ من رُوحي فقعُوا لهُ ساجدين (29) فسَجدَ الملائكــةُ كُلُهُم أجمعون (30) إلا إبليسَ أبى أن يكونَ مع الساجدين (31) قالَ يا إبليسُ مالكَ ألا تكونَ مع الساجدين (32) قالَ لمْ أكُن لأسجُدَ لبشر خلقتَهُ من صلصالٍ من حمأٍ مسنون (33) قالَ فاخرُج منها فإنكَ رجيم (34) وإنَّ عليكَ اللعنةَ إلى يومِ الدين (35) قالَ ريِ فأنِظرني إلى يوم يُبعثون (36) قال فإنكَ من المُنظَرين (37) إلى يوم الوقت المعلوم (38) قالَ رَبِ بما أغويتَني لأزيننَّ لهُم في الأرض ولأغوينَّهُم أجمَعين (39) إلا عِبادَكَ منُهُم المُخلصين (40) قالَ هذا صراط ٌ عليَّ مُستقيم (41) إنَّ عبادي ليس لكَ عليهِم سُلطانٌ إلا مَن اتبعكَ مِنَ الغاوين(42)).( ســورة الـحـجــــر ).

(وإذ قلنا للملائكـةِ اسجدوا لآدمَ فسجدوا إلا إبليسَ كان من الجـن ففسقَ عن أمرِ ربّهِ أفتـتخِذُنَهُ وذريتهُ أولياءَ من دوني وهُم لكم عـدوٌ بئسَ للظالمينَ بدلا (50)). (ســورة الكهـف).


(وإذ قالَ ربُك للملائكـة ِ إنـي جـاعـلٌ في الأرض خليفــة ً قالـوا أتجعـل فيهـا مَن يُفسدُ فيهـا ويَسفكُ الدمــاءَ ونحــنُ نُسبحُ بحمـدكَ ونُقـدسُ لكَ قالَ إنـي أعـلمُ ما لا تعــلمـون (30) وعـلمَ آدمَ الأسـماءَ كُلهـا ثمَ عـرَضَـُهم عـلى المـلائكــة ِ فقـالَ أنبئوني بأسـماء هـؤلاء إن كنتـم صـادقين (31) قـالـوا سُبحـانكَ لا عـِلمَ لنا إلا ما عَلمتنــا إنـك أنتَ العليـمُ الحكيـم (32) قالَ يا آدم أنبِهُم بأسمائهـِم فلمـا أنبـأهُم بأسمائهـِم قالَ ألمْ اقــُل لـكم إنـي أعلمُ غيب َ السمواتِ والأرض وأعلـمُ ما تبـدونَ وما كنتم تكتمُـون (33) وإذ قُلنـا للمـلائكـــةِ اسـجدوا لآدمَ فسـجدوا إلا إبليسَ أبـى وأستكبرَ وكان من الكـافــرين (34) وقُـلنـا يا آدمُ اسـكنْ أنتَ وزوجُـكَ الجنـةَ وكـُلا منها رغـدا حيثُ شئتما ولا تَقربا هذه الشـجرةَ فتكونا من الظالمين (35) فأزلهُما الشيطانُ عنها فأخرجهُما مما كانا فيه وقُلنا اهبطـوا بعضـكم لبعضٍ عـدوٌ ولكم في الأرض مُستقرٌ ومتاعٌ إلى حـين (36) فتلقـى آدمُ من ربـهِ كلماتٍ فتابَ عليهِ إنـه هـو التـوابُ الرحيم (37) قُلنا اهبطوا منها جميعـا فإما يأتيَنكُم منى هـدى فمـن تًبِعَ هُداي فلا خـوفٌ عليهـم ولا هـم يحزنون (38)). (سـورة البقــرة).

هذه هي قصة آدم في القرآن الكريم حسب ترتيب التنزيل. مـن سؤال الخـطـيـئـة إلى سـؤال الحــــرية سؤال الخطيئة: قبل كل شيء نود أن نوضح هنا أننا نتعامل هنا مع النص القرآني لقصة خلق(آدم) وما جرى في الجنة، بعيدا عن أية تأويلات دينية، فما يهمنا هنا النص ومضمونه لكي نستنطق سؤال (الحرية والإرادة). صحيح أن قصة (آدم) وجدت لها سردا في الكتب المقدسة للديانات الأخرى، وحتى في النصوص والديانات الوثنية في الحضارات البشرية المختلفة، إلا أنها جميعاً، من حيث الجوهر، تقترب جداً من بعضها لأنها كلها تركز على سؤال (الخطيئة). خطيئة (آدم وحواء) وعصيانهما الخالق وأكلهما الثمرة من الشجرة المحرمة مما تسبب في طردهما من (الفردوس). هذه القصة شكلت الأساس العقائدي للديانتين العبرية المسيحية وفلسفتهما اللاهوتية فيما بعد، حيث كانت الأساس لفكرة (الخطيئة الأبدية). بل أن بعض الحضارات الوثنية السابقة على الأديان الوحدانية مثل الحضارات : الايلامية والسومرية والحيثية والفرعونية (في حدود ثلاثة أو أربعة آلاف عام قبل الميلاد) كانت تربط بين (المرأة) و(الأفعى). وفيما بعد طورت الديانة العبرية هذا الأمر فوضعت مثلثا يتألف من (المرأة – الأفعى – الشيطان)، (المهم أن الثلاثة وحدة واحدة، داخل مثلث يمكن تسميته بـ( مثلث اللعنة التاريخي)) كما يشير (إبراهيم محمود) في كتابه (الضلع الأعوج – المرأة وهويتها الجنسية الضائعة – دار رياض الريس – بيروت – 2004).


ولقد جاء في (سفر التكوين) وهو أحد الأجزاء الأساس في (العهد القديم) تأكيداً لهذه النظرة : (وسمعا "آدم وحواء" صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فأختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟. فقال سمعتُ صوتك في الجنة فخشيتُ لأني عريان فاختبأت. فقال من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب الإله للمرأة ما هذا الذي فعلت. فقالت المرأة: الحية غرَّتني فأكلت. فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك. وأضع العداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه. وقال للمرأة: تكثيرا أُكثرُ أتعابَ حبلك. بالوجع لتدين أولاداً. وإلى رجُلِكِ يكون اشتياقك وهو يسود عليك. وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل كل أيام حياتك. وشوكاً وحسكاً تُنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق جبينك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها. لأنك تراب وإلى التراب تعود). وربما كانت الديانة المسيحية هي الأكثر ارتباطا بفكرة الخطيئة في منظومتها اللاهوتية. وإذا ما كان النص القرآني لا يذكر اسم (حواء) بالاسم، وإنما يخاطب آدم (أنت وزوجك) بل وان العصيان لم يأت من زوجة آدم وإنما منه (فوسوسَ إليهِ الشيطانُ قالَ يا آدمُ هل أدُلَكَ على شجرةِ الخُلدِ ومُلكِ لا يَبلى (120) فأكلا منها فبَدتْ لَهُما سوءتُهُما وطفقا يحصِفانِ عليهما من ورقِ الجنةِ وعصى آدمُ ربـَّهُ فغـوى (121) ثم اجتباهُ رَبـُّهُ فتابَ عليهِ وهـدى (122)) (سورة طـه). الديانة المسيحية كالديانة العبرية تحدد للخطيئة أصل أنثوي، حيث أغرت (حواء) زوجها (آدم). صحيح أن المسيحية تجاوزت في بعض جوانبها من خلال شخصية السيدة (مريم العذراء)، لكن لم يتم هذا الأمر ببساطة (فلكي يتم تحرير المرأة (مريم) من حضور الحية/الشيطان فيها، يتم استحضار الروح القدس، حيث تحل (مريم). (الروح القدس) هنا تذكير بالسطوة الذكورية، ولكنها سطوة مطلقة، إنها رحمانية. وهي إذ تؤكد طهرانية المرأة (مريم العذراء) إنما تلغيها في الوقت نفسه، حيث لا تسميها، بل يبرز تجريمها بصورة مضاعفة. أولاً: لأنها امرأة، والمرأة هي أصل الخطيئة، تلك التي لا يشك فيها، ثانياً لأنها تُحبل بالروح القدس في تجليها الإلهي، حيث تحل محلها، وتسمو بالذكورة، كما في (باسم الرب والابن والروح القدس)….. وفكرة الغفران، وافتداء البشرية تدخل ضمن إطار التطهير من إثم الخطيئة الأصلية تماماً، والرجل (ممثلا بالمسيح) يُقدّم هنا الضحية التاريخية والثمن المتجدد لغلطة المرأة الحوائية القاتلة على مر الزمن ويبرز الشيطان واضحاً في (العهد الجديد). إنه بديل حياتي عن المرأة، وخصوصاً في تحدي المسيح له، وتبرز المرأة في أوزارها، باعتبارها أصل الخطيئة) كما يؤكد ذلك (إبراهيم محمود) في كتابه الآنف الذكر. بل أننا وجدنا أن هذا التفسير الديني العقائدي كان له التأثير الكبير على فلاسفة القرون الوسطى، وعلى من يُطلق عليه لقب (أبو الفلسفة الحديثة) وأعني به (رينيه ديكارت) الذي أسس فلسفته الأخلاقية على مبدأ التعارض بين (الإرادة) و(العقل) وتأكيده بأن (الإرادة) ممكن أن تقودنا إلى الخطأ بدليل أن (الخطيئة الأولى) جاءت من خلال (إرادة حواء وآدم)،التي كانت هي سبب طردهما من (الفردوس)، وأن الجنس البشري تحمل وزر هذه (الخطيئة الأبدية)التي علينا أن نتطهر منها في حياتنا الأرضية. أي أن الإنسان وفق هذه الرؤية محكوم عليه ب(اللعنة) الأبدية سلفا. الاختيار الحـــر: والحقيقة إنني لا أود هنا تأويل قصة (آدم) من هذه الزاوية، فلا يعنيني (سؤال الخطيئة) هنا بل أنني أبحث عن مفهوم (الحرية) و(الإرادة). في بداية هذه الوقفة أوردتُ كل ما له بقصة (آدم) كما وردت في القرآن الكريم وحسب تنزيل السور ووردها تاريخيا وليس حسب ترتيبها الحالي.


وهي في الحقيقة من روائع القصص القرآني. الشواهد والبحوث في (تاريخ النزول) تؤكد بأن أول إشارة لقصة (آدم) وردت في صورة (ص) دون الإشارة إلى اسمه، لكن سرد نص القصة يتكرر في سور لاحقة بذكر الاسم (آدم)، بدءً من سورة (الأعراف) حيث يرد ذكر اسم (آدم) لأول مرة في القرآن الكريم، ثم في سورة (طه)، و(الإسراء) و(الحجر) و(الكهف) و(البقرة). عند تفكيك النص القرآني نجد ثمة (جبرية) تحكم موقف الملائكة، رغم أن الرب الخالق يمنحهم (حرية التعبير والفكر) كما جاء في القرآن الكريم:(وإذ قالَ ربُك للملائكـة ِ إنـي جـاعـلٌ في الأرض خليفــة ً قالـوا أتجعـل فيهـا مَن يُفسدُ فيهـا ويَسفكُ الدمــاءَ ونحــنُ نُسبحُ بحمـدكَ ونُقـدسُ لكَ قالَ إنـي أعـلمُ ما لا تعــلمـون (30) وعـلمَ آدمَ الأسـماءَ كُلهـا ثمَ عـرَضَـُهم عـلى المـلائكــة ِ فقـالَ أنبئوني بأسـماء هـؤلاء إن كنتـم صـادقين (31) قـالـوا سُبحـانكَ لا عـِلمَ لنا إلا ما عَلمتنــا إنـك أنتَ العليـمُ الحكيـم (32) قالَ يا آدم أنبِهُم بأسمائهـِم فلمـا أنبـأهُم بأسمائهـِم قالَ ألمْ اقــُل لـكم إنـي أعلمُ غيب َ السمواتِ والأرض وأعلـمُ ما تبـدونَ وما كنتم تكتمُـون (33) وإذ قُلنـا للمـلائكـــةِ اسـجدوا لآدمَ فسـجدوا إلا إبليسَ أبـى وأستكبرَ وكان من الكـافــرين (34).(سـورة البقـرة). فالملائكة تناقش هنا خالقها وباريها وربها في خلقه، لكنهم رغم ذلك أطاعوه وسجدوا لآدم. بيد أن (العصيان) و(التمرد) أو بتعبير آخر (حرية الإرادة والاختيار) مارسهما (آدم) و(إبليس)، فقد قرر (آدم وزوجه) إلى الاقتراب من الشجرة المحرمة رغم تحذيرات ربهما وخالقهما بعدم الاقتراب منها. وبغض النظر عن مسألة (غواية إبليس) لهما فأنهما كانا (أحرارا) في (الاختيار)، إذ قررا ب( إرادتهما) أن يقتربا من الشجرة، وان الله الخالق لم يتدخل في قرارهما الذاتي بالاقتراب من الشجرة المحرمة، وإلا لو كان هذا مقدرا لهما لما كانت ثمة (خطيئة) أصلا. وهذا ينسحب على (إبليس) أيضا، فقد كان (حرا) في معصيته بعدم السجود لآدم، بل أن الخالق يترك له حرية الدفاع عن نفسه، حيث جاء في النص القرآني – (سورة ص): ( قالَ يا إبليسُ ما منَعكَ أن تَسجُدَ لِما خَلَقتُ بيديَّ استكبرتَ أم كُنتَ من العالين (75) قال أنا خيرٌ منهُ خلقتني من نارٍ وخلقتهُ من طين (76) قال فاخرُجْ منها فإنكَ رجيم (77) وإن عليكَ لعنَتي إلى يومِ الدين(78) قال ربِ فأنظرِني إلى يومِ يُبعثون (79) قالَ فإنكَ مِنَ المنُظرين (80) إلى يوم الوقتِ المعلوم (81)).


وقد تكرر النص في سور قرآنية أخرى، ولو باختلاف طفيف في التعبير، ففي (سورة الحجر) نقرأ: (وإذ قالَ رَبُّكَ للملائكـةِ إني خالقٌ بشراً من صلصالٍ من حمـأٍ مسنون (28) فإذا سَويّتُهُ ونَفخَتُ فيهِ من رُوحي فقعُوا لهُ ساجدين (29) فسَجدَ الملائكــةُ كُلُهُم أجمعون (30) إلا إبليسَ أبى أن يكونَ مع الساجدين (31) قالَ يا إبليسُ مالكَ ألا تكونَ مع الساجدين (32) قالَ لمْ أكُن لأسجُدَ لبشر خلقتَهُ من صلصالٍ من حمأٍ مسنون (33) قالَ فاخرُج منها فإنكَ رجيم (34) وإنَّ عليكَ اللعنةَ إلى يومِ الدين (35) قالَ ريِ فأنِظرني إلى يوم يُبعثون (36) قال فإنكَ من المُنظَرين (37) إلى يوم الوقت المعلوم (38). السؤال الذي تثيره هذه القصة القرآنية العميقة الدلالة هو : هل أن (حرية) آدم و(حرية) إبليس في الجنة خاضعة لقوانين الضرورة والسببية؟ هل يدخلان ضمن سؤال (القضاء والقدر)؟ هل كان مقدرا لآدم وزوجه أن يتخذا هذا الموقف، وكذا إبليس وبهذا يكونا خارج (المعصية)؟ وإذا ما كان الأمر هكذا فهل كان مقدرا أن يهبطا إلى الأرض ليعيشا الشقاء البشري ويدفعا ثمن هذه المعصية؟. إن الأسئلة التي تثيرها هذه القصة تعود بنا إلى الأسئلة التي أثارها الإنسان المفكر (طريد الفردوس) فيما بعد، أي بعد أن تناسل (آدم وحواء) وتكاثر البشر ليشكلوا شعوبا وقبائل. أي سؤال (الحرية) في المنفى الأرضي، وهذا ما سنتوقف عنده لاحقاً

عن موقع الأوان.

















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow