بيت فرويد كتابات لصالح الرزوق
خاص ألف
2011-05-04
عن دار مجلة ألف لحرية لحرية الكشف في الإنسان والكتابة صدر كتاب ( بيت فرويد ). لم يرغب المؤلف بتسميته قصصا، بل أطلق عليه اسم كتابات، ورغم أن تلك الكتابات أقرب إلى القصص ولكنها أيضا تحتمل أن تكون كتابات خارجة من عباءة القصة، خصوصا أنها جاءت تحت عنوانين رئيسيين رؤيا ـ خيال.
تمتزج الرؤيا بالخيال، وتلعب الحالة النفسية للكاتب، البطل دورا بارزا في تلك الكتابات، وهي لا تنتمي إلى فترة زمنية واحدة، بل يمتد زمن كتابتها من عام 1977 ممتدة إلى عام 2010 ويمكن أن يلاحظ القارئ الفارق في اللغة بين تلك القصص. ولكن الهم الإنساني والخيال المتداخل، والحالات النفسية للأبطال هي ما يميز تلك الكتابات ـ القصص.
لوحة الغلاف للفنان التشكيلي علي رشيد و بتصميم لباسم صباغ . و منها نقتطف النص التالي لنتيح المجال للمجموعة كي تعرف بنفسها
×××××××
استراحة
انطلقت أول رصاصة من خلف أكمة قریبة، تبع ذلك إطلاق رصاصات أخرى ، ثم قذائف..
و كأن التفجرات الناریة الصغیرة و الكبیرة جرس ساعة منبھة ، فقد اضطر عبدالسمیع للاستیقاظ. و لم یدرك أین وصل من الوقت و المكان.. لكنه استطاع أن یسمع صوتا یستغیث ، ثم صوتا آخر یطلب النجدة. و اعتقد أن شخصا غير محدد یصیح : الغوث ، الغوث..
مد یده إلى بيت السیف ، فوجده فارغا من غیر سلاح ، و قد تدلى من خصره أشبه بقرن وعل لا جدوى منه. و كاد يتوجه إلى المستغیث ، و ھو ما زال بین یقظة خفیفة و رقاد عمیق ، ثم فضل أن یطلب النجدة بنفسھ ممن یقدر على مد ید العون.
امتطى ظھر دابة مربوطة في جدار البیت ، و انطلق باتجاه من الصعب علیه أن يذكر اسمه . و في نيته الحصول على نجدة . و قبل أن یصل إلى نقطة الهدف ، توقف بالقرب من استرحة. لم یك قد استیقظ تماما. و لذلك أراد أن یحصل على كأس جعة و شطیرة بالجبنة و علبة سكائر. شاهد في المكان رجلا أصلع بلحیة شقراء ، و یرتدي ثیاب البحارة ، فتوجه إلیه على الفور بالتحیة. و قال :له مرحبا ، أو ما یعادل ذلك ، ثم جلس معه على نفس المنضدة. كان الآخر قد وضع واحدة من قبضتیه ليسند بها ذقنه ، و أمسك بالأخرى سكینة طعام صغیرة لا تقطع جیدا ، لكنھا مسننة و تجرح و ربما أكثر. و كان یطرق بھا طرف المنضدة.
- أین أصحاب المكان ؟ سأل عبدالسمیع دون أن یرف له جفن. فقد اعتاد على مواجھة الآخرین ، وإلقاء الأسئلة علیھم من غیر خجل و لا حرج. كان یستمتع بإلقاء الأسئلة أصلا ، لكن الآخر لم یلق إلى ذلك بالا . و واصل الدق بالسكینة ، فتوجه إلیه بنفس السؤال بطريقة مرحة و قال : أین البائع یا أخ ؟..
و هنا انتبه الرجل الغريب ، و بدل أن يرد وجه عدة أسئلة معاكسة تدل على سبب استغراقه بالتفكير. مثل : من أين أتيت ، و هل الطرقات مفتوحة الآن ، و ھل السماء تمطر ، و كم تبلغ درجة الحرارة ... و سوى ذلك.
و بشكل تلقائي مع ابتسامة ، رد عليه سميع : الطريق مفتوح و لكن لا يخلو الجو من بعض المشاكل . ..
عدل من جلسته ، و رفع السكینة التي بيده ، و تساءل لأول مرة بمودة : ھل الأخ مقاتل ..؟ .
لم یعرف عبد السمیع سر اھتمامه ، و مع ذلك أجاب : بل متطوع ، و حضرتك ؟..
قال الآخر : صحافي.. مراسل للنیوزویك. ھل سمعت بھا ؟..
و أدرك ( سمیع ) أن الأمر یتعلق بصحیفة مطبوعة تباع في الأكشاك التي یراھا على الأرصفة و بعض المیادین ، قرب نافورة أو في ظل تمثال من الحجرلأشخاص لم یبق منھم شيء غیر خیال أو صورة . ثم عاوده الشعور بالعطش و الجفاف .
و اضطر إلى ابتلاع ریقه عدة مرات ثم سأل كرة أخرى بتذمر : دعنا من ذلك ، كنت أبحث عن جرعة بیرة یا أخ .. أین البارمان؟..
بعد فاصل صامت ، رد الصحافي فقال : من یعلم ؟. و لكن أخبرني ، ما ھي حربك.. رجاء أخبرني بالتفصیل..
و فرش أمامه رقاقة من الجلد لیكتب علیھا بقلم حبر خاص. كان ھذا القلم لا یختلف عن تلك السكینة الباھتة التي رآھا من قبل كان یشبھھا بالشكل و المعنى. لكن استبد بسمیع العطش و التعب ، و جعل یفكر كیف یتخطى ھذه المحنة قبل أن یتابع. و أراد الصحافي أن یبتزه بقدر ما یستطیع ، فمال بجذعه نحوه ، و ھو یقول :
- يجب أن تخبرني أين كنت تقاتل . في الأفغانستان ، جنوب لبنان ، الصومال ، كوریا ، الباسك ، قل ، بربك قل .
و ھنا فقد سمیع صبره ، فضرب الأرض بقدمیه.
و لم یظھر على الصحافي أنه یلاحظ. فتابع بنفس النغمة یقول : یجب أن تزودني بمعلومات. ھذه صدفة لا تتكرر. نحن بالحرب نصنع مانشیتات الصفحة الأولى ، ونبیع أكثر.
ثم تابع بصوت كله فضول : كیف الوضع على الجبھة . مَنْ الغالب و مَنْ المغلوب. و ھل تدخل سلاح الطیران..
كان سمیع الآن قد مات من العطش. و كانت زجاجة الجعة بالنسبة لھ حالیا مثل باب للخلاص. فمد لسانه الرفیع الذي یشبه لسان العصفور ، و قال بصوت خافت ، لكنھ آمر و متطلب : الجعة أولا..
الغریب في الموضوع أن الصحافي بدأ يحفر على الورق الجلدي كلمات غیر واضحة. و من المفروض أنھا حول ھذه الحرب ، و على الأغلب ھي معلومات غیر حقیقیة. مجرد اختلاقات نقول عنھا : كلام جرائد.
دفن سمیع رأسه في كفیه ، و ھمس یقول : كف عن ھذا الھراء. إنھا نمیمة مفضوحة. كي نتفق ھات كأس البیرة ، و إلا أبلغت عنك إدارة الجریدة و السلطات ..
و لكن حتى ھذا لم یؤثر بالصحافي ، فقد تجاھل تعلیقاته و شروطه ، و سأله : ھل تفكر بطلب النجدة من أمریكا..
لم یكن لدى سمیع علم بھذا البلد. ھل ھو إمارة أم مملكة أم عبارة عن جمھوریة ثوریة أخرى .. من النمط الذي تقوده النساء.
و على الأرجح كان یفكر بالبحث عن بیرة في استراحة تمنع الصحافة . و لكن بقدوم أناس آخرین ، و جلوسھم على المناضد بانتظار البارمان الغائب ، قرر أن یصبر قلیلا.
ثم تأخر الساقي. إلى درجة خاف معھا أن تفلت الدابة من زمامھا، فصمم على مغادرة المكان.
لم یعترض سبیله أحد . الدرب سالك و ممھد ، مضى نحو البوابة ، و كانت أصغرمن خرم إبرة. و كان یجر غمد السیف وراءه ، حتى أنه مع خیاله على الأرض كان یبدو أطول من الرمح الذي قتل به حبشي العم حمزة.
و عندما غادر القاعة ، سمع صوت الصحافي ینادي من الداخل ، و یقول: تعال اشرب الجعة ، یا أخ..
لم یرغب أن یلتفت إلى الوراء . كان یدرك الآن أن الوقوف قبل النھایة یقود المرء إلى حتفه ، فحمل ما تبقى من السیف ، بقشرته و غمده الأجوف ، و تقدم مع العطش ، بالضنك ، ببلبلة و فوضى مشاعره و أفكاره ، خطوة تالیة...
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |