بين سعدي يوسف والطيب تيزيني
خاص ألف
2011-05-06
فيما يبدو سعدي يوسف متشككاً فيما يفعله "الشباب العربي" اليوم بأنظمتهم، مبدياً عدم قناعته بأن ربيعاً عربياً سيطلّ مع "القادة الفتيان" الذين حركتهم، حسب رأيه، الدوائر الأمريكية كالذي حصل في أوربا الشرقية ودول أخرى، يقف الطيب تيزيني على الرصيف المقابل، بكامل حماسته واندفاعه الذهني، معلناً أن هؤلاء (السحرة)**قد أعادوا أمل النهوض إلى المجتمعات العربية، منذهلاً أمام طاقة التغيير التي يظهرها هؤلاء الفتية الخارجين من قلب الحطام العربي، مبشراً بظهور تقاليد سياسية غير مسبوقة في العالم العربي تقود، ليس إلى بلبلة النظام الرسمي فقط، بل أيضاً إلى انشداه الخطاب النظري التقليدي، الفلسفي والسياسي، الذي بدا عاجزاً عن الإحاطة بمفاعيل هذا الحراك (الشرقي) الجارف.
وفيما يتساءل سعدي يوسف عن مصداقية وجوهر المعاني التي سيقود إليها (الربيع العربي) الذي يطلقه (الفتيان) الآن، برائحته تلك التي تشبه تلك المنبعثة من ليبيا حتى هذه اللحظات، لا يخفي أيضا عدم تثبته بأنه يمكن للجائعين والمدقعين صناعة مثل هذا التغيير، على نقيض التيزيني الذي بدا مندفعاً إلى أقصى نهاياته (السياسية) سيما وهو يضع (ثورات الشباب العربي) جنباً إلى جنب مع الأحداث التاريخية الكبرى التي أحدثت انعطافات هائلة في التاريخ البشري،كتلك التي سميت بكومونة باريس أو الثورة البلشفية أو الدعوة المحمدية..
ثمة تشابه ما في ذهنيتي سعدي يوسف والطيب تيزيني، فهما مؤمنان، كالكثير غيرهم، أن الفئات الوسطى هي الحامل الاجتماعي للتغيير، ولا يمكن الرهان على القاع الاجتماعي في مثل هذه الأمور المفصلية والخطيرة، مع ملاحظة أن الطيب تيزيني بدا اليوم غير آبه كثيراً لمثل هذه الفكرة، بل نراه اليوم يبشر بظهور حامل اجتماعي جديد ممثل بالشباب الذين يقودون التغيير، شباب متحدرون من كافة الطبقات ومختلف التيارات والمشارب الفكرية والسياسية.
قبل أشهر كان من المسلمات القول إن الفقراء والمهمشين والمستعبدين ليسوا قادرين على صناعة ثوراتهم، إن لم تأخذ الفئات الوسطى بأيديهم، هكذا كانت الأدبيات السياسية الكلاسيكية تنظّر للمسألة، وبصدق ثوري وطهارة أيدلوجية لا تشوبهما شائبة، وعلى هذا كان مفكرو وفلاسفة كثر ينبهوننا، نحن طلبة التغيير، إلى ضرورة استعادة الطبقة الوسطى والحفاظ عليها كحامل أبدي للتغيير والنهضة، ثم فجأة تزلزلت الأرض تحت الأفكار والنظريات والأنظمة..
أجل حدث أن بزغ حامل اجتماعي جديد قوامه فئات عريضة من الشباب المهمشين والفقراء، الميسورين وأصحاب الثروات، المدنيين والعسكر، أما شكله السياسي فهو متخفف من الايدولوجيا والدكاكين السياسة وهذا ما رأيناه واقعاً، على الأقل من زاوية نظرنا، في مصر وتونس بشكل خاص..
ثمة إشارة إلى أنه من العبث الادعاء بعدم وجود محاولات للتدخل الخارجي في كل ما يحصل في المنطقة، من قبل ومن بعد، وهي محاولات ليست جديدة على المنطقة العربية، فهي تعرفها منذ فجر تاريخها السياسي والحضاري، السابق لروما وفارس ((ألم يلعب المناذرة والغساسنة دور الشرطي على تخوم البوادي العربية حماية لحدود الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية من غزوات القبائل العربية..!!))..
بقي القول أن ثورات الشباب نجحتا في مصر وتونس لأسباب أهمها وجود قوى لتجمعات مدنية تمكنت من استعادة المجتمع السياسي إليها بسرعة.. أما في ليبيا، وربما غيرها، فربما قد يطول الأمر، وربما تنساق إلى حالات مأساوية بسبب التعقد القبلي والطائفي والإثني..
نتمنى ربيعاً عربياً بلا دماء، ولكننا شعوب لم تدفع بعد ضريبتها التاريخية.. فهل حان وقت ذلك..؟
ربما.. وإن كنا لا نتمنى (ربيعاً) على الطريقة الليبية، وأظن أن هذا ما كان يرمي إليه سعدي يوسف.
إشارات:
* الأفكار التي تم استعراضها، والخاصة يالطيب تيزيني تم التقاطها من شفتيه أثناء محاضرته منذ أيام في مبنى اتحاد الكتاب العرب بدمشق.
* في زاويته المنشورة في "ألف" منذ أيام قليلة وهي بعنوان (أي ربيع عربي).
** إنهم سحرة..هكذا همس لي بعيد انتهاء المحاضرة مبدياً إعجابه بهذه الظاهرة التاريخية الفذة، التي تتطلب، حسب رأيه دراسات أكاديمية وفكرية لتحليلها ومعرفتها.
08-أيار-2021
12-آذار-2016 | |
21-تموز-2012 | |
05-تموز-2012 | |
05-حزيران-2012 | |
24-آب-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |