Alef Logo
ضفـاف
              

بنية السراي : خرافة الاستبداد الآسيوي / بسام حجار

ألف

خاص ألف

2011-05-07

1 - السلطان : الرسالة ، العين و النبرة

في " رحلات إلى بلاد فارس " يستعرض جان شاردان ( 1686 ) " المشهد " الاستبدادي الذي تفترضه رسالة في السلطان. تحمل الرسالة أمرا ما. و دلالتها لا تفقد في سطوتها شيئا لأنها تحمل مشيئة السلطان و تتحول بدورها إلى " سلطان " مكتوب لمجرد تذييلها باسم السيد الذي لا مرد لمشيئته على رعاياه. هكذا تتحول السلطة كلها إلى نص مكتوب ( " المكنتوب " في الدين الإسلامي ) . فلا تجدي لعبة " الوسيط " ( الديمقراطية ) الذي يحمل قبسا من إرادة السيد. السيد في المشهد الاستبدادي لا يسمح بهذا التعدد. لا توكيل و لا تفويض هنالك " أدوات " فقط. إلا أن هذا يرسمها " شاردان " بين رسالة السلطان و النظر ( العين ) . ففي النظام الاستبدادي حيث لا تكون الطاعة إلا عمياء لا يمكن للمولى إلا أن يكون فاقدا لبصره . يقول شاردان : " قد يكون المستبد غبيا. أو معتوها أو جاهلا أو مخمورا أو غير سوي. لكنه يرى و الذين لا يرون هم أهل االطاعة. نظر السيد – هو سيد الأنظار و ليس على الرعية إلا الانحناء . و قد يكون هذا الواقع هو الذي يفرض على السلطان بأن يأمر. أحيانا بمصادرة عيني أحد " أبنائه " في السراي. لأن العيون المطفأة لا تستطيع أن تحكم : أن تكون سلطة مبثوثة في المكان. لذلك تكون " المشاهدة " في بعض النظم الاستبدادية طقسا من طقوس الحكم. إذ لا يظهر الحاكم على الرعايا إلا في مناسبات معدودة. و تتخذ هذه المشاهدات المنظمة. بعدا احتفاليا و غالبا ما تكون مناسبة يجدد فيها الرعايا ولاءهم لسلطة السيد الغائب / الحاضر.
لكن هذا لا يعني أن سلطة الاستبداد تقتصر على عين السلطان و رسالته. بل يذهب مونتسكيو إلى تعيين " حقل دلالي " يزخر بإشارات السلطة : إيماءة السلطان . إنفراج ملامح وجهه أو انقباضها . إشارة اليد أو الحاجب. و أخيرا صوته الذي يسود في صحراء من الصمت . إذا كانت الطاعة العمياء تدخل في دلالات النظام الاستبدادي . فإن الدول الاستبدادية لا تكون إلا مساحة في الامتداد الصحراوي. و هذا يعني أنها تحتل موقعا شفاف. لا يضمر السر. مشرعا لعين السلطان الشاملة و الثاقبة. و كل صحراء حالة من الصمت لا يطيق الصخب لأن الصخب يفقد إشارات السيلطة بعض دلالتها. و ليس ذلك لأن إشارة السلطة تحمل معنى ما. إنها تتسامى فوق كل دلالة. إنها الدلالة المطلقة التي لا تعبر عن نفسيها بكلام واضح و سياق منطقي. كلام السلطان لا يكتسب إلا دلالة صواتية. فهو حين تنفرج شفتاه. لا يحكي. لا يحدث و لا يجادل. فقط. يغمغم أو ينبر غضبا. كلام الاستبداد ليس بحاجة لتصديق. أو تبرير أو شرعية فهو يستند إلى دلالته الخاصة . و يؤكد في كل مرة حقيقته جديدة و قوانين جديدة تكون هي معيار الطبيعة و الناس على حد سواء. لذلك لا ينتظر كلام السلطان جوابا. إنه لا يسمع سوى صداه الخاص.



2 – عاصمة الصحراء


أ – العمران :


يقول مونتسكيو : " عندما يقوم الأمير. الذي يستند إلى ذاته المفردة. باستدعاء الدولة إلى عاصمته و العاصمة إلى بلاطه. و البلاط إلى شخصه الوحيد ". يتحول إلى مستبد و طاغية. فالاستبداد إذن يركن إلى صحراء ما يحيطه. يقيم فيها و يسعى لمزيد منها. و هو يعكس النظم الرومانية . كما يقول مونتسكيو لا يحافظ على وجوده إلا بإخلاء أطرافه. متحاصرا بالفراغ . الدولة الاستبدادية. لا تكون جغرافيا إلا مدينة وحيدة. يحيط بها الخراب.
ب – الاقتصاد :
في النظم الاستبدادية لا يكون الاقتصاد إلا عبثيا. و لا غاية منه إلا إقناع " الحاكم الوحيد " . اقتصاد يقوم على مبدأ " القطاع " ( coupure ) الذي يحتجز كل دورة ( الدورة الدموية . دورة السلع. و دورة النقد ). يقول مونتسكيو في " روح القوانين " أن برابرة لويزيانا يقطعون الشجرة من جذعها ليقطفوا ثمارها " و يدعي برنيه ( Berner ) " أن الذهب يصل إلى بلاد الهند و يبقى فيها". و يذهب شاردان . في معرض حديثه عن " خزانة " الملك الفارسي إلى القول بأنها " مغارة حقيقية تبتلع كل شيء و لا يخرجد منها إلا القليل ". و يعلل الرحالة الأوروبيون هذا النزيف الداخلي للثروات بواقع أن النظام الاستبدادي لا يعترف " بما هو خاصتك و ما هو خاصتي ". حسب تعبير برنيه. فالسيبد هو الذي يملك كل شيء و لا شيئا إلا لإمتاعه.
إن منطق هذا الاقتصاد الذي يقوم على حركة الخيرات المادية و المعنوية باتجاه المركز يتحكم أيضا. بحركة الأجساد إلا أن المدينة الاستبدادية نفسها. التي تستنزف البقاع المحيطة بها تظل صحراء مهما بلغ عديدها و لا يقطنها سوى قطيع من الضحايا ( من شهادة شاتوبريان في القرن التاسع عشر الذي مر بالقسطنطينية في طريقه إلى القدس ). و في وسط هذه المدينة / العاصمة / الصحراء بالذات ينهض السراي رمز الطغيان.



ج – السراي : الحيز التراجيدي



مع راسين ( Racine ) تتحول السراي في الوعي الأوروبي الكلاسيكي إلى حيز تراجيدي لأن حياة الرجل في السراي لا تتعدى وحدة الزمن في المسرح التراجيدي : يوم واحد ( مسرحية باجازيه ( Bajazet ) لراسين ). و مع تحول السراي إلى مادة تخييلية. بدأت الكتابة الغربية ( الرواية و المسرح ) بالسطو على رموزه و مناخاته الغامضة لتدفع بالوعي الغربي إلى أقصى حدود التغريب. و برزت صورة " السراي " بوصفه المكان المغلق بامتياز : و حتى من الوجهة الهندسية يجسد السراي " الانغلاق البنيوي التام ". أروقة دائرية تحيط بالمقام الرئيسي. و ثلاثة أبواب يفضي أولها إلى الباحة العامة . و ثانيها إلى " عتبة الطاعة و الشهيد " و ثالثها. لا تطرقه يد و لا تتعداه قدم. أما الحياة الداخلية فيه فتخضع لنظام صارم يسخره المستبد لمتعته الخاصة و مبدأ " الامتاع " يبدأ من المتعة الجنسية لذلك يتولى الخصيان كل المنافذ و كل ما تتطلبه خدمة السيد و الآخرون الذين يقطنون السراي يجسدون بتنوعهم جسد السلطان الموزع. إنهم ينتمون إلى فئات يتم تصنيفها وفق " نواقصها " الخصاة. رعايا السراي يتماثلون بالسيد و لكن سلبا. كل واحد منهم يحمل الوجه السلبي لإحدى سمات السلطان. ليكون التجسيد. المرئي و المحسوس. لغياب هذه السمة في الأفراد فهو أعمى أو أبكم أو قزم أو مهرج أو خصي أو امرأة أو طفل. و السلطان ثاقب النظر قوي النبرة فارع الطول رصين و فحل . هكذا يكون وجود هؤلاء هو التجسيد الحي لوحدانية السلطان و فرادته . أما العلاقات السائدة في الدولة الاستبدادية ( الولاء العسكري للأبناء – الانكشارية مثلا – تعدد الزوجات . المحرمات . الوزير / الأداة " المكتوب " .. إلخ ).
إن هذه العناصر التي يستعرضها ألان غروريشار لا تدعي قراءة النص الكلاسيكي . قراءة سياسية اقتصادية أو اجتماعية. و إن كانت في مدلولها العام تشير إلى هذه المستويات أو تقولها صراحة. فهو يرى أن هذه العناصر المنتقاة النص الغربي نفسه. لا يمكن أن تكون محايدة بل تساهم في كشف خلفية المقال السياسي. الذي يتحرك في الحقل الإيديولوجي نفسه و الذي يستعير هذه الدلالات و يوظفها لذلك يكتفي غروريشار بهذا المقدار و يرسم لكتابه حدوده الضرورية و قبل نقطة الانتهاء ينصب هذا الحد الفاصل بين الواقع و الحكاية " هذه ليست حكاية " . إنها عناصر " السياسي " الأولى.
مجلة المسيرة ( 1 / 5 ) – 1980 - بيروت














تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow