وراثة الألم
خاص ألف
2011-05-17
"لطاقة الألم أبعادها المختلفة لدى القبائل والأمم والأعراق، وعند بعضها يكون أكثر وطأة من الأخرى، ومعظم أفراد هذه القبيلة أو الأمة أو العرق تتشارك به بدرجة أكثر أو أقل" إيكهارت تول.
يدور كتاب " الأرض الجديدة" للكاتب الإنجليزي إيكهارت تول حول فكرة الألم وطاقاته المتوارثة والمكتسبة عند الإنسان وأسبابه وأعراضه ونتائجه والتحرر منه، ثم ينتقل من مستوى الفرد إلى مستوى الجماعة (عرق، أمة، قبيلة، طائفة، مذهب) التي لها حصة كبيرة من هذه الطاقة الكابحة والهدامة، و أيضاً من مشاعر الألم والغضب، الذل والإهانة، القتل والاستباحة ، العذاب والتعذيب والتشويه والتنكيل، ترثه الجماعة وتورثه لأفرادها من جيل إلى آخر.
وبين جنون الألم المتوارث وجنون العصر الحالي مع تطور تقنياته ووسائل الحياة في العيش بشكل متسارع، والاستهلاك المتواتر، والنظم الاقتصادية والسياسية المتبعة في معظم أنحاء العالم، بالإضافة إلى اغترابه عن الطبيعة المصدر وأصل كل شيء، يدفع بالإنسان إلى التأرجح على حافة الجنون والانهيار ، واغتصابه من قبل أصوات لا إرادية تثرثر في رأسه ويتعارك معها ليلاً نهاراً تترافق عادةً بمزيج من مشاعر الألم والغضب والعجز تثقل عليه حياته وكاهله، وغالباً ما تنتصر هذه الأصوات ويدور بالتالي في تلك الدوامة حتى الانهيار والسقوط.
للماضي البعيد والماضي القريب، للغة والكلام والحروف والصور طاقاتها ومشاعر ترافقها إيجابية كانت أم سلبية، تختزن في جزء معتم وعميق من لاوعي الانسان. قلة هم من يدركون موضوع الألم وتوارثه ويسيطرون عليه ، فالمتصوفون مثلاً امتهنوا ممارسة التأمل ويعيشون الحاضر بلحظاته ويستمتعون بها على قدر كاف.
في أي لحظة قد تندفع بهستيرية صور عديدة تتقافز أمام عينيك، وأمام عيني يرتسم بوضوح شريط سينمائي يجسد الحرب الروسية الشركسية قبل مئتي عام، وليس غريباً أن أشعر بدماء حارة تتدفق كينبوع يغمرني حتى الخاصرة، غربان تقتلع عيون الجثث المتناثرة، الدخان المتصاعد وألسنة النيران تبتلع قرى بأكملها، النزوح الأول، غرق مئات الأشخاص وثقوا بسفينة عثمانية وانتهوا وسط البحر عشاء لكائناته، المرض والجوع والغثيان والقهر ، النزوح الثاني في الجولان ، وهكذا دواليك ليس هناك من بداية ولا نهاية، آلام ومشاعر لا تُعينني على الحياة، وإنما تضرب بي عرض الحائط لأنسلخ عن جسدي ، وأرقبه من بعيد يتلوى ويتهاوى في عبثية الوجود، ليس كإنسان فقط وإنما كإمرأة تتشارك مع النساء تاريخاً لا يقل عنفاً ودمويةً عن أية حرب خاضتها البشرية.
في الواقع الراهن لليوم السوري وما نشهده من فظائع دموية ونفسية، أي صور سترافقنا نحن وأي صور أخرى سنورثها لأطفالنا، جثث هنا وهناك، أجساد لا تشبه أجسادنا بتضاريسها وألوانها جراء التعذيب، جزمات تنحشر في الأنوف وتدوس على الرؤوس، نداءات واستغاثات وصرخات تصم الآذان وتصدع لها القلوب، دموع ونحيب الأمهات والأخوات والحبيبات. لن أستغرب إن رفض جيل جديد إلتهام الكتشاب بعد اليوم، أو رفضوا وضع الدولاب أثناء السباحة، أو حتى السباحة، أو الوهم بالغرق قبل أن تلمس أقدامهم المياه، يمصون أصابعهم ، يرفضون شرب الكولا من الزجاجة ويفضلون عليها العلبة المعدنية، أو حتى يكرهون اللعب بالمفرقعات النارية ...
لا أؤمن إلا بعبثية الحياة ولا أؤمن أيضاً إلا بلحظات قليلة تساوي الحياة، وإن كانت مجرد أحلام واهمة وواهية، أنتقل خلالها كيعسوب أحمر فوق السهول والتلال، يتراقص فوق جدول عذب ليتوارى بعدها بين الحشائش ويتبختر أمام الورود مغروراً بجماله، متهالكاً ينزوي على ورقة كبيرة لشجرة توت مثمرة، ترتشف عيناه الواسعتان حبال الضوء بكثافة، ثم يرفع جناحيه الشفافين بشكل عمودي ، يلتقط أنفاسه ويَسكَر من نسيم الأرض المتجدد.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
16-كانون الثاني-2021 | |
22-آب-2020 | |
14-آذار-2020 | |
16-تشرين الثاني-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |