الجانب الآخر من المرآة – كتاب جديد لبروك ألين
خاص ألف
2011-05-29
عن دار بول دراي صدر مؤخرا كتاب بعنوان ( الجانب الآخر من المرآة : أمريكية رحالة في سوريا ) لمؤلفته بروك ألين.
يتألف الكتاب من 259 ص و فيه عرض لوقائع و أقوال لبواكير الرحالة المشهورين الذين عبروا من سوريا. و في مقدمتهم مارك توين ، الكاتب الأمريكي المعروف ، الذي وضع أساسا صلبا للرواية القوطية و رواية الصعاليك. و الذي قال في مديح دمشق عام 1860 : إنها مدينة تعود إلى فجر البشرية و لكنها لا تزال على قيد الحياة. و قد احتضنت العظام الميتة لألوف الإمبراطوريات و سوف نشاهد ألوفا من الأضرحة قبل أن يطويها النسيان .
ثم يقدم الكتاب عرضا تاريخيا لسوريا ، مع التركيز على منعطف الستينات و وصول حزب البعث إلى الحكم . و من هذه النقطة يبدأ الحديث عن نذر العاصفة ، و تعتقد الكاتبة أنها بدأت منذ فترة طويلة ، مع انشقاق العلويين عن الخط الشيعي الأساسي لأسباب يبررها التاريخ.
ثم تناقش بشيء من التأني الظروف التي أحاطت بحكم الرئيس حافظ الأسد ، و لماذا كان اهتمامه بالجيش ، و ما هو السبب الذي دفعه إلى المناورة في السياسة . و أخيرا تضع أمامنا السؤال الراهن : كيف وصلت سوريا إلى عنق الزجاجة ؟.
و بهذا الصدد تقول : إن بعض المحللين يرون هذه الأحداث مشابهة لما جرى في أوروبا الشرقية عام 1989 عندما تفككت المنظومة الإشتراكية لشرق أوروبا ، و لكن جميع الظواهر لا تنم عن ثورة مخملية ، كما أن سوريا ليست مزرعة لياروزيلسكي البولندي قائد نقابة التضامن الذي انقلب على نظامه. و إن العنف الذي يرتكبه خط في النظام ليس إيديولوجيا. إنه لا يتحرك بدوافع فكرية. و لا تقف وراءه عاطفة تفلسف الأمور. فأسس و شعارات حزب البعث تحولت من مبدأ إلى قشور تنحدر إلى النسيان بالتدريج ، و أحيانا إنها تتعرض عمدا للنسيان.
ثم تنتقل لتحليل شكل الطائفة العلوية التي تبلغ نسبتها في سوريا 12 % ، و هي جماعة ناجية هربت من الاضطهاد و لجأت إلى المرتفعات التي تمتد بين تركيا و لبنان. و خلال عقود طورت نظاما سريا استمد قوانينه من جملة معتقدات أصيلة و أساسية في المشرق و على رأسها : تعاليم الغنوص و المسيحية و الإسلام و الزرداشتية ، مع عناصر داعمة تجد ما يماثلها في شخصية الذهن النابوليوني. و قد توفي مؤسس هذه الطائفة و هو عبدالله الخصيبي عام 957 ، و اعتبر خليفة للإمام علي ، ابن عم الرسول الأكرم محمد ( ص ) و الذي يتلقى الاحترام من الشيعة و لكن ليس العبادة أو التقديس.
ثم تنقل عن الباحث متي موسى قوله : إن النصيرية ، و هم غلاة الشيعة ، يرتبطون بخيط متين مع تعاليم المسيح ، فهم يعكسون سلوكا ضمنيا لمفهوم الثالوث المقدس : الاحتفال بالمسيح و تقديم الأضاحي و هذا يقابله دم و جسد المسيح الذي قدمه طواعية لحوارييه ، و أهم من ذلك الاحتفال بالقداس (العيد ، و هذه إشارة إلى الاحتفال بعلي و كل الأشخاص الذين ورد ذكرهم في الإنجيل من سيدنا آدم و حتى سيمون بطرس ، مؤسس الكنيسة ، و التي ينظر إليها كجزء من جهاز مفاهيم الإسلام الحقيقي) .
ثم تعرف الكاتبة النصيريين بالاعتماد على اجتهادها الشخصي كما يلي : إنه دين فولكلوري يمتص مختلف التيارات الروحية و الثقافية لأواخر التاريخ الجاهلي غير المكتوب و بدايات فجر الإسلام ، فهو تعليب أو تغليف لهذه الحزمة من التعاليم التي قادت أتباعها إلى وراء الحدود الأرثوذوكسية. و من المؤسف أن كل التيارات الإسلامية الأساسية ( السنة و الشيعة في رأس القائمة ) تنظر لهم على أنهم من الغلاة (ghulta ) أو المسرفين – المفرطين و ما إلى ذلك. و هم مثل سواهم من الجماعات المذهبية يتعهدون بحماية مذهبهم بواسطة تقاليد تسير وراء استراتيجية خاصة تعرف باسم الـ " taqiyya " ، و معناها الحق في التستر على المعتقد من الأغراب لتجنب التجريم و الإدانة و ربما التكفير. و اشتقت المخابرات mukhabarat هذا الأسلوب لإتمام كفاءة أعضائها .
و تتوفر لدى هذه الطائفة صفات تشبه الثالوث المقدس ، و كلها تظهر في طقوس النصيريين ، و هذه الصفات مستمدة من ثلاثة شخصيات هي : علي ، محمد ، و سلمان الفارسي ( و هو مرافق من أصل فارسي كان بين صحابة النبي محمد – ص – و يعتبر في عدد من الطقوس و التقاليد الإسلامية صلة وصل بين العرب و حكمة الفرس القدماء ). و تمارس طقوس النصيريين في السر إما في البيت أو في الخلاء ، و من بينها احتفال الأضحية ( القربان ) و هو قريب جدا من المناولة عند المسيحيين .
و نحن لسنا بحاجة إلى بديهة قوية لنرى كيف أن مثل هذه العبادات مبرمجة في قيم المجتمع و لأكثر من ألف عام ، و قد تأكدت عبر التاريخ من خلال الانتقال بالتزاوج و الجوار – كعقد قران نصيري مع غير نصيري ثم ظهور الجيل الثالث الذي لا يمكن أن ينتمي لأي مذهب من إثنين ، و هذا يشكل لديه الفكرة القوية بالانفصال و القدر المحتوم بأن يكون هو " الآخر ".
ثم تضيف الكاتبة باستخدام مفردة العلويين و ليس النصيريين لتقول : إن العلويين مثل الأقليات السورية الأخرى كالدروز و الإسماعيليين ، لا يتعاملون مع مذهبهم بالنص ، و لكن يعتقدون أنه نشاط مرموز يقودهم في النهاية إلى الدخول في مرحلة النضوج المتعقل ، مرحلة النقيب ، أو شيخ الدين.
ثم إنها تعرض موجز أفكار المؤرخين العرب من ابن خلدون و حتى ألبرت حوراني و تقول :
مات ابن خلدون عام 1406 بعد أن أدخل مفهوم العصبية asabiyya و التي تسمى بأشكال مختلفة أيضا : القبلية ، مجوعة التضامن ، اللوبي العشائري ، و بهذا المصطلح فسر على نحو معقول كيف يعمل النظام السياسي في عدد من الدول العربية ، و هذا يعني أن الأفكار التي تعزو للعرب استيراد الإيديولوجيات ( شيوعية ، قومية ، اشتراكية ) ليت دقيقة. لقد أسند ابن خلدون تحليله على طبيعة موطنه في شمال إفريقيا ، و لكن يمكن توسيعه ليشمل كل المشرق ، حيث تنتشر ظروف تاريخية مماثلة.
أما ألبرت حوراني فقد أكد في كتابه الموسوعي و الهام ( تاريخ الشعوب العربية ) الصادر عام 1991 ، أن العصبية هي قوة من نظام بطريركي عائلي و لا تزال تعمل في بنية الأنظمة التي تقود عددا كبيرا من مجتمعات ( الدول ) العربية. و هو يعتقد أن دور العصبية ( في الماضي ) كان مهما في تشكيل شجرة أو سلالة عائلية ، باعتبار أن الطبقة التجارية في المدينة ، ليست متمرسة على فنون القتال و من غير جسم قوي تنجم عنه بنية ، و بالتالي فهي تفتقر لمعنى السلالة. و كانت هذه الطريقة الضمانة لاستقرار و استمرارية السلطة بشكل سلالة ، و هذا بدوره كان ضمانا لازدهار المدينة ذاتها.
و لكن ( كما تلاحظ الكاتبة ) في عصر ابن خلدون كانت كل سلالة تحمل في ذاتها بذور انحطاطها و فنائها ، و لا سيما حينما يتحول الحكام إلى طغاة أو إلى فاسدين من خلال الترف.
و هكذا إنها مسألة وقت قبل أن تنتقل السلطة ليد جهة مغايرة من الحكام القساة و المتصلبين الذين كانوا في المحيط و ليس المركز ، و ذلك بعد المرور في مرحلة اضطرابات غالبا ما تدعى باسم ( الفتنة fitna ) و قد تعني الفوضى. و هو مصطلح له نبرة عدم انسجام جنساني ، ففي نظر العائلة تعني الفتنة التصرف الجنسي الأخرق و غير المسؤول.
و تنظر الكاتبة لما سلف بأنه جرس خطر يدق و ينذر باقتراب النظام من لحظة المصير . و هذا لديها يعني أن فكرة ابن خلدون لا تزال تعمل و لكن تحت مظلة من الظروف بعد الكولونيالية. ففي العهد العثماني كانت النصيرية حركة مظلومة . و كانت تعاني أيضا من الخلافات و الانشقاقات من داخل البنية. لذلك لم يكن مستغربا أن أول ثلاث انقلابات في سوريا بعد الإستقلال قادها ضباط من السنة. و أعقب ذلك الوحدة الكارثية مع مصر عبد الناصر في عام 1958 بضغط من ضباط حزب البعث الذين احترموا عقيدتهم القومية . و هذا أدى إلى دمج الشخصية السورية في شخصية جيرانهم السنة و الأقوى.
و من هنا طرأت الفكرة الجديدة ( كما تقول الكاتبة ) : التي تنظر إلى الحالة القومية كأنها مجرد حجاب يغطي به السنة بلاغياتهم لتبرير احتكار السلطة. و كان حارس هذه الأفكار المتشددة هو العلوي صلاح جديد الذي برز في انقلاب عام 1963 كقائد حديدي ، و احتل موقع قائد القوات الجوية في غضون فترة وجيزة. و هذا أدى بعدئذ إلى بداية تسلل أفراد الطائفة العلوية لصفوف القوات المسلحة. و تقول الكاتب : إن أفراد الطائفة لم يكونوا طامعين باستلام مهام عسكرية ، و لكن الظروف هي التي ألقت عليهم هذا العبء. حتى احتكر أفراد من النصيريين قيادة فرقة المدرعات السورية رقم 47 . و هي التي كانت مسؤولة عن التصدي لتمرد الإخوان المسلمين في حماة عام 1982 و بخسائر وصلت إلى فقدان 20.000 مواطن.
و قد حرصت الكاتبة منذ البداية أن تستند على منهج تجريبي في الكتابة و ليس من خلال المراجع فقط ، و لذلك قامت بزيارة سوريا ، و قابلت المواطنين العاديين من مختلف الشرائح و الطبقات و عقدت أواصر صداقة مع السوريين و كونت على هذا الأساس فكرة مفصلة عن الماضي التليد و العميق للمنطقة. و اكتشفت مجتمعا كوزموبوليتانيا مقنعا حيث أن الحياة تتطور بعدة أساليب و اتجاهات ، و هي كلها تحدوها ( فطرة لاشعورية و أحاسيس أصيلة ) كما كان الحال من آلاف السنوات.
و بالنتيجة وصلت إلى أن : سوريا هي نسيج متشابك من المذاهب و المعتقدات و الأفكار. و يبدو أن الحكم الرئاسي الذي استخدم اليد الفولاذية ، هو الضمانة ( مؤقتا ) لهذا الاختلاف في استمرار التعايش ، و الذي يمكن أن تراه أيضا ( بالعين المجردة ) من خلال نظرة واحدة إلى الشوارع ، حيث أن تيار البشر تختلط فيه أزياء البداوة مع المدنية ، و حيث أن بانوراما المدينة يتألف من كنائس و جوامع و دور عبادة صغيرة أخرى. و هذا دليل على أن الديمقراطية و التآخي هما الشعور الفطري الذي يحرك ولاء هذه الجموع.
و من الملاحظ أن الكتاب لا يخلو من التسرع و التعميم أحيانا ، مع بعض الأخطاء الواضحة . فمؤسس الطائفة النصيرية هو الحسين بن حمدان الخصيبي و الذي تبنى المذهب الإمامي مع تعديلات جوهرية كترك الحج و عدم جواز إقامة الصلاة إلا وراء أحد أبناء علي الأصلاء و تحريم إطلاع النساء على شيء من أوامر الدين السرية .
و بالنسبة لتحليل أفكار و شخصية صلاح جديد أغفل الكتاب النموذج الأساسي الذي ساهم في صناعة أسطورته ، و هو البراغماتية ، فقد كان من الناحية العسكرية تلميذا مخلصا للمدرسة البروسية في بناء جيش وطني يتفانى في خدمة القائد و ليس الأفكار. و من الناحية العقائدية كانت ميوله لكومونة ماوتسي تونغ و نمط الإنتاج الزراعي الآسيوي. و لكن فيما يخص الدولة سار خلف الاتحاد السوفييتي الذي يروج لمجتمع عمالي و أممي.
و كذلك تحتاج نسبة أفراد المنتسبين للطائفة العلوية إلى التدقيق لا سيما أن الموضوع يتعلق بمجتمع متفتح و مثقف مثل سوريا. حيث تزدهر العلمانية و تشهد الأحزاب حراكا غير مسبوق ، يضع الطائفة و مفهومها في الزاوية الضيقة. على أي حال و من ناحية ديموغرافية بلغت نسبة المسلمين غير السنة عام 1920 و ما بعد 13 % + 3 % للموحدين الدروز . و هذا يتضمن الإسماعيلية و الإثني عشرية و الأحمدية و المتصوفة.
لقد قدمت بروك ألين وجبة كاملة الدسم من أدب الرحلات. و دمجت فيها أسلوب مسز بيل المعروفة التي كتبت وثيقة عن المشرق و بشكل فضائح ، و أسلوب أجاثا كريستي الرمزي و الخيالي في بعض الأحيان. و ربما كان التحامل و المبالغة قد وجد تعويضا في اللغة البسيطة و الطيبة.
مجلة ألف
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |