Alef Logo
المرصد الصحفي
              

هل الغرب وراء تخلف الشرق / خالد غزال

2011-05-31

تسلط الكاتبة أمينة غصن في كتابها " أمين الريحاني في العبء الرسولي " الصادر عن " دار الفارابي – بيروت " الضوء على جوانب أساسية من فكر " فيلسوف الفريكة " أمين الريحاني، مضيئة جوانب من نظراته الفلسفية المتصلة بالتراث النهضوي العربي خلال القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين.
يتضمن كتابها أربعة فصول و مقدمة أسهبت الكاتبة فيها بالتعريف بالجوانب الأدبية و الفلسفية و الفكرية لكتابات الريحاني، فأتت الفصول في عناوين : المحالفة الثلاثية في المملكة الحيوانية، أمين الريحاني في "المكاري والكاهن "، أمين الريحاني في رسالة إلى الله، أمين الريحاني في "كتاب خالد " . و لعل أهم القضايا التي شغلت الريحاني في كتاباته و حياته السياسية كانت قضية النهضة، من تلك التي أطلقها لوثر في أوروبا في القرن السادس عشر، وصولاً إلى إرهاصات النهضة التي شهدها العالم العربي زمن أمين الريحاني و المعضلات التي واجهتها، و ما أحدثته في خلق رؤيا جديدة للإنسان و الإنسانية. هذه النظرة الحداثية للريحاني يمكن تلمسها في ثلاث قضايا أساسية تناولتها كتاباته : النظرة إلى الغرب، العلاقة بالكنيسة و الدولة، ثم الدعوات التحررية في العالم.
في نظرته إلى الغرب بعلاقته بالشرق، كان الريحاني يرى أن الكشف عن الهوية العربية يرتبط برؤية الغرب لها، بحيث يؤكد في "كتاب خالد " : ( إن الهوية العربية غير مستلبة، بل مقموعة، و مستبد بها ) . ينتقد الغرب و ينفي عنه صفة المثال الذي يجب أن تتطلع إليه الشعوب العربية، و بالمقدار نفسه ينفي ( صفة التخلف القدري عن الشرق ) . لكن هذا النقد لا يمنع الريحاني من النظرة الموضوعية " غير الإيديولوجية " للعلاقة بالغرب الذي يرى فيه المرآة التي تعكس هويتنا، ( لأنه الشطر الآخر من الذات الذي لا نستطيع أن نتخلص منه، ذلك أن أكثر الناس سلفية و أصولية هم أيضاً منغمسون في تفكيرهم بالغرب، على الرغم من عدائهم الكبير لهذا الغرب الذي يعجزون عن الفرار منه ) وفق استشهاد للكاتبة من محمد زفزاف في كتابه " المرأة و الوردة " . هذا الغرب الذي عرفه الريحاني جيداً عبر إقامته فيه و أسفاره المتتالية إلى معظم أرجائه، و الذي أسبغ أوصاف المديح على إنجازاته و ثوراته التحررية، هو نفسه الغرب الذي يرى الريحاني أنه العائق أمام تحقيق الوحدة العربية، من خلال سياسته الاستعمارية و هيمنته على المنطقة العربية و نهب ثرواتها.
احتلت العلاقة بالكنيسة و الدور الذي تلعبه في حياة الإنسان، إضافة إلى موقع الدولة، حيزاً من اهتمامات الريحاني، انطلاقاً من أسئلة وجودية كان يثيرها باستمرار. يسأل عن حال الإرادة البشرية و من يمكن أن يحققها، فينفي أن تكون الكنيسة أو الدولة أو علم الاجتماع و الفلسفة والدين. يقول في هذا الصدد: ( لم يبد من الضروري في تاريخ الإنسان قبل الآن أبداً، مثلما تبدو الضرورة الآن، بأن كل فرد من الناس عليه أن يفكر لنفسه، و أن يريد لنفسه. نحن نقف اليوم عند نقطة تحول مخيفة و مجيدة، و الأمر يعتمد علينا في ما إذا كان مقدراً لذلك النجم الأوحد في الفضاء الغسقي و الغامض، نجم الحياة العصرية، أن يكون رسول النعيم أم رسول الجحيم ). من هنا نرى أن الريحاني كان يستخف بالكنيسة و الدولة معاً قي قراءة التحولات الآتية حيث يصرخ عالياً : ( متى كان المرء يحظى بهذا العدد الوفير من الآباء، و كلهم يدعون أنهم أولياء سعادته المادية و الروحية،، وجب عليه أن يتبرأ منهم جميعاً. فإن ما أعلنه على الملأ هو قداسة الفرد، و ليس العائلة أو الكنيسة. ذلك أن الامتداد العائلي، أو نزعة البقاء تحت سقف واحد، كمبدأ اجتماعي نابع من الخوف و الجهل والجبن أو التبعية و الاتكال، و هذه هي لعنة العالم ) . و يذهب الريحاني بعيداً في تقديس الفردية التي يراها مشروطة بقبول الديموقراطية الليبرالية و إعطاء الحرية الشخصية كل أهميتها القصوى، بعيداً عن النزعات المتطرفة الموصلة إلي الفاشية أو الديكتاتورية أو الفوضوية.
اتسم الريحاني في النظرية والممارسة بالتزام قضايا الفقراء و قضية الحرية في الآن نفسه. دافع بقوة عن حق الشعوب العربية في التحرر من السيطرة العثمانية و بناء دولتهم المستقلة، بما فيه حقهم بالوحدة العربية، و ترجم آراءه في الممارسة العملية عبر علاقاته و تحالفاته التي نسجها مع القوى العربية الساعية إلى التخلص من نير الهيمنة العثمانية. و دفعته نظرته التحررية إلى تأييد شعوب الهند في نضالها ضد السيطرة الإنكليزية على شعوب بلاد الهند و ممارسة الاضطهاد ضدها.
و وسع دعوته إلى الداخل الأميركي ليطالب بحق العامل الأميركي في العمل و الحرية و المساواة، و ذهب بعيداً في مطالبه الاجتماعية إلى القول بحق جميع الناس بالتمتع بخيرات الأرض، و دعا إلى إلغاء الاحتكار حيث يصرخ : ( خيرات الأرض تكفي كل من فيها. فلماذا يموت الناس من الجوع؟ و ما سبب وجود الملايين الذين لا مسكن لهم. لقد تغيرت القيود و تنوعت السلاسل، و استبدل النخاسون بغيرهم ).
في تقييمها للريحاني تشير الكاتبة إلى أن عظمته ( تجلت في رؤياه الحية للتاريخ و لإنسانه المشرقي الذي ينتظر نهضة تخرجه من انتمائه الطائفي الضيق، إلى آفاق الحرية و المساواة، مذ كان أمين الريحاني متجهاً نحو الإنسان المشرقي، و بما يجب أن يكون عليه من حيوية خلقية و يقظة حضارية ). هكذا يسد الكتاب ثغرة في الإضاءة على كتابات أمين الريحاني الفكرية و الفلسفية و السياسية، وصلتها بالفكر الديني الذي نهل منه الريحاني، إضافة للتراث الفلسفي الإغريقي و فكر التنوير الأوروبي.
عن موقع مداركم الثقافي - 2011

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow