مقتطفات من كتاب التسامح و منابع اللاتسامح – لماجد الغرباوي
خاص ألف
2011-06-13
ماذا يعني التسامح لغة و اصطلاحا ؟ ما هو المطلوب من الشخص المتسامح ، فردا أم مؤسسة أم دولة ؟ و ما هي الأشياء التي يمكن التسامح بها ؟. أسئلة تتطلب إجابة واضحة ليصار إلى فهم صحيح لمفهوم التسامح . كي لا تختلط المفاهيم و يتحول التسامح إلى رضوخ أو إذلال أو تعال أو منّة أو تنازل أو مهادنة للظلم و الباطل و الاستبداد.
التسامح لغة : مشتق من السماحة أي الجود. و يقال : اسمح و سامح أي وافقني على المطلوب. و اسمحت الدابة : انقادت. و المسمحة : المساهلة. و سمح : جاد و أعطى عن كرم و سخاء ( 1 ). و التسامح : التساهل.
إذن فالدلالة اللغوية لمفهوم التسامح تستبطن المنة و الكرم ، و تشير إلى وجود فارق أخلاقي بين المتسامح ( بالكسر ) و المتسامح معه ( بالفتح ). فليس هناك مساواة بين الطرفين ، و إنما يد عليا واهبة ، و يد سفلى متلقية. و هو مقتضى المنة و الكرم دائما.
إلآ أن المعنى الاصطلاحي للتساهل يأخذ بعدا آخر ، يتضح من تاريخ تبلور هذا المفهوم ضمن بيئته الغربية. فمفهوم التسامح( toleration ) ظهر في القرن 17 - 18 م ، لتفادي تداعيات الحروب و الصراعات بين المذاهب و الأديان و الاتجاهات الفكرية و الفلسفية المختلفة التي شهدتها أوروبا إبان القرون الوسطى. و أيضا من أجل التوصل إلى صيغ مناسبة تضمن حقوق الإنسان و حرية الرأي و التعبير بشكل متساو لجميع أفراد الشعب ، و ذلك بعد إقصاء سلطة الكنيسة و إنهاء دور رجل الدين في الحياة السياسية. و قد مر تشكيل المفهوم بمرحلتين ، الأولى كانت تنتمي إلى الأصل اللغوي ، بينما اكتسب المفهوم في المرحلة الثانية بعدا آخر.
و يراد بالتسامح اصطلاحا : موقفا إيجابيا متفهما من العقائد و الأفكار ، يسمح بتعايش الرؤى و الاتجاهات المختلفة بعيدا عن الاحتراب و الإقصاء على أساس شرعية الآخر المختلف دينيا و سياسيا و حرية التعبير عن آرائه و عقيدته. و كان المفهوم في بداية تشكله يتضمن قيما أخلاقية اختيارية. فالمتسامح ، وفقا لهذه الدلالة ، شخص يتنازل عن حقه تكرما و منة على الآخرين ، يقابله احترام من قبل الناس أو شعور بالمنة و العطاء ، و هي حالة نفسية إيجابية . إلا أن دلالة التسامح تطورت بفعل التنظير الفلسفي ليتحول إلى جزء من واجب تفرضه الحرية الشخصية التي يراد لها أن تكون متساوية بين الجميع. فلكل فرد حقه في الاعتقاد و حقه في التعبير عن رأيه ، و ليس هناك ما يبرر احتكار هذا الحق لجهة دون أخرى. فقبول الآخر ، وفقا لهذا الرأي حينئذ ، ليس منة ، و إنما واجب تفرضه الحرية الشخصية. و هو حق يرتكز أساسا إلى القول بنسبية الحقيقة ، التي ترى أن للحقيقة وجودا نسبيا لدى جميع الأفراد ، و لا مبرر حينئذ لدعوى احتكارها و التفرد بها ، و لا مبرر ، أيضا ، لاعتبار قبول الآخر و التعايش معه منة و تكرما ، أي اعتبار قبوله قيمة أخلاقية ، بعد تبدد مفهوم الحقيقة المطلقة و تلاشي دعاوى احتكارها و الاستئثار بها. و إنما سيكون قبول الآخر على أساس اشتراكه في وجود الحقيقة. أي تبقى الحقيقة محتملة في جميع الأطراف. و بالتالي فمن الواجب قبولك للآخر و التعايش معه. إذ مقتضى كون الحقيقية نسبية أن تفرض الحرية الشخصية على كل فرد وجوب الاعتراف بحق الآخر في اختيار عقيدته و حريته في التعبير و الدفاع عنها.
و الجدير بالذكر أن التسامح بمعناه الاصطلاحي غريب على البيئة العربية و الإسلامية ، و غائب عن لغتها و أنماط تفكيرها ( 2 ) ، فهو بحاجة إلى مزيد من التنظير و المواءمة ، كي يتم ( تبيئته ) بشكل يحافظ على فاعليته و تأثيره ضمن الأنساق الثقافية و الفكرية للمجتمع. و هذا لا يعني التماهي مع قيم التسامح على حساب قيم المجتمع أو بالعكس ، و إنما يصار إلى صيغ توافقية تبقي الاحتمالات مفتوحة لمراجعة جميع المفاهيم و المقولات التي تشترك في تكوين الأنساق المعرفية. أي يمكن إعادة النظر بمفهوم التسامح نفسه و مراجعة قيمنا و مفاهيمنا أيضا للتأكد من صحتها و شرعيتها. فربما سنكتشف خلال المراجعة ثمة أنساق فكرية و عقيدية لا تتمتع بأسس عقلية أو شرعية ، و إنما هي خليط من التراكمات الثقافية و الموروثات التاريخية و اجتهادات شخصية و مصالح استبدادية تبلورت و تحولت بمرور الأيام و بفعل التعهد و الحماية المستمرة لها ، إلى أنساق عقيدية و معرفية تمارس سلطتها على العقل و تتحكم بسلوك الفرد و المجتمع. إذن المراجعة فرصة جديدة لتفحص تراثنا و معارفنا ، و محاولة جادة للوقوف على نقاط الضعف و اكتشاف مراكز القوة. و بالتالي سندرك أننا أمام مفاهيم ( كالتسامح و التعددية ) ليست غريبة في روحها عن أصول ديننا و عقيدتنا ، و إنما أقصتها القراءات الأحادية و الفهم المتحيز للدين. و عندما نقدم قراءة أخرى للنصوص المقدسة و الأحكام الشرعية نجد أنفسنا أمام آفاق رحبة لتقبل القيم الإنسانية. لكن إنجاز هذه المسؤولية يتطلب قدرا كبيرا من الصراحة و المكاشفة و التعرية الحقيقية للقيم السائدة و المفاهيم الحاكمة ، و إلا فإن منهج التستر و المداراة و الخوف و المواجهة من خلف الستار ، حلول ترقيعية لا تنتهي إلى نتيجة جذرية ، و ستعود الأمور إلى حالتها الطبيعية ، أو تتخذ أشكالا جديدة بنفس القيم و المفاهيم. و بهذا الشكل ستستمر الإخفاقات الواحدة تلو الأخرى. لذا علينا اعتماد خطاب ثقافي و فكري يتناول جوهر الإشكاليات ، و يتبنى نسقا جديدا من المفاهيم ( كالتسامح و التعددية و حقوق الإنسان و الحرية الدينية و الفكرية ) كي يتمكن المجتمع من تجاوز محنته ، و الدخول في مرحلة الحداثة الحقيقية و ليست حداثة شكلية كما هو الحال لكثير من البلدان الإسلامية. لأن الحداثة في جوهرها ( عملية انتقالية تشتمل على التحول عن نمط معرفي إلى نمط آخر يختلف عنه جذريا ، و هي انقطاع عن الطرق التقليدية ( الأسطورية ) لفهم الواقع و إحلالها بأنماط فكرية جديدة ( علمية ) ... ( 3 ).
هوامش :
1 – ابن منظور. لسان العرب ، قم ، منشورات أدب الحوزة. ج 2 . 489 .
2 – سمير الخليل و آخرون ، التسامح بين شرق و غرب ، دراسات في التعايش و القبول بالآخر. مصدر سابق. ص 5 .
3 – شرابي ، د. هشام . النظام الأبوي و إشكالية تخلف المجتمع العربي ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، ط 2 1993 . ص 26 .
مقتطفات من مقدمة الكتاب
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |