أما آن للمادة الثامنة من الدستور السوري أن تترجل..؟
خاص ألف
2011-06-24
ارتفع في سورية هذا الأسبوع غليان سياسي كانت المادة الثامنة من الدستور حطبه وشرارته معاً، ففيما كانت المعارضة السورية تنتظر أن يعلن الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير إلغاءها، فوجئت بأن الرئيس ما زال (يؤجل) حسم أمرها تاركاً الباب مفتوحاً لحوارات قادمة حولها، وهو ما اعتبرته المعارضة عدم جدية في نوايا إلغائها.
قبل هذا بأيام كان محمد سعيد بخيتان، عضو القيادة القطرية في حزب البعث الحاكم، يعلن بوضوح أكثر أن المادة الثامنة لن تسقط من الدستور إلا عبر صناديق الاقتراع، وهو بهذا كان يحسم النقاش حول هذه المسألة، فمن يستطيع إسقاطها عبر هذه الوسيلة إذا ما علمنا أن ما يقارب 2 مليون بعثي سيصوتون في صالح إبقائها؟.
النقاش الدائر حول هذه المادة، وما خلفه من تداعيات أخرى، دفعنا لإجراء تعقب سريع بحثاً عن كيفية ظهور هذه المادة في الدساتير السورية، وكيفية تموضعها اللافت في الحياة السياسية السورية.
في الحقيقة، ومنذ البداية، سيتضح لي يقين من نوع خاص، إذ إن قراءة سريعة في الدساتير السورية المتعاقبة ستوضح لنا بشكل جلي مدى تراجع مفهوم الأحزاب في الحياة السياسية لهذا البلد دون أن يشفع لهذه الدساتير نموها وتراكمها القانوني، إذ سنلحظ الضربات المتوالية التي تم كيلها للـ(تعددية) من خلال انكفاء تدريجي نحو الأحادية السياسية وصولاَ إلى الحزب الواحد الذي كان من أبرز نتائجه ما سمي بالجمود (العقائدي).
فمفهوم الأحزاب، منذ خطواته الأولى في عام 1920، التي ما زالت آثارها في الدستور السوري واضحة، كان ميالا ً إلى الحرية والتعددية:
- ففي دستور عام 1920(وهو أول دستور في سورية) ترد المادة (17) التي تنصّ بوضوح على: (إن تأليف الجمعيات وعقد الاجتماعات وتأليف الشركات حر ضمن قوانينها ..). . - أما في دستور عام 1930فترد المادة (6) وفيها: (إن حرية إنشاء الجمعيات وعقد الاجتماعات مكفولة ضمن الشروط المنصوص عليها في القانون ..).
- وكذلك كان الحال في دستور عام 1950 (وهو الدستور الأول بعد الاستقلال) إذ سيتسع الفهم القانوني والسياسي لمفهوم الأحزاب ويُخصّ بمادتين منه، فالمادة (16) ستنصّ على: (للسورين حق الاجتماع والتظاهر بصورة سلمية ودون سلاح ضمن القانون ..).
أما المادة (17) من الدستور نفسه فتعلن بوضوح: (للسوريين حق تأليف أحزاب سياسية على أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم ديمقراطية ..).
- بعد هذا بثلاث سنوات سيكون السوريون على موعد مع واحد من أهم دساتيرهم (دستور عام 1953) التي تحترم السياسة وتكفل حماية الأحزاب التي ترى فيها مدارساً لتربية المواطنين تربية ديمقراطية، فالمادة (17) من هذا الدستور تقول: ( يهدف القانون إلى اعتبار الأحزاب السياسية مدارس تعمل لتكوين صفوة من المستنيرين المخلصين بإعدادهم إعدادا ً ديمقراطيا ً لتحمل التبعات العامة، كما تهيئ للشعب سبل التربية القومية وتيسر له استكمال الوعي في شؤونه العامة وتقوده إلى تحقيق مصلحته فيها ..).
- بعد هذا بسنوات قليلة، ومع استيلاء العسكرتاريا على السلطة وتنامي تأثيرات المعسكر الاشتراكي على المنطقة، سيدبّج السياسيون السوريون دستوراً جديداً ملبياً لشروط الوحدة التي أملاها عليهم الرئيس جمال عبد الناصر، وهو ما سمي بدستور عام 1958.
في الحقيقة إن هذا الدستور يعتبر المنعطف الأخطر في الحياة الدستورية والسورية، فمن خلال وثيقة مختصرة، تضمنت مادة هامة، قُيض لها أن تستنسخ نفسها في الدساتير اللاحقة، كان يُؤسس لما سيأتي: (يكـوّن المواطنون اتحادا ً قوميا ً للعمل على تحقيق الأهداف القومية ولحث الجهود وبناء الأمة بناء سليما ً من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتُـبيـَّنُ طريقة تكوين هذا الاتحاد بقرار من رئيس الجمهورية - المادة 72 ..).
كانت هذه المادة، وبامتياز، اللبنة الأولى في البناء السياسي القادم في سورية، فمنها بدأ يتفشى مفهوم الحزب الواحد الذي سيتطور ليصبح الحزب القائد للدولة والمجتمع.
لقد خوّلت المادة 72 الرئيس عبد الناصر حـلّ الأحزاب في سورية، وكان هذا أهم شروطه لقبول الوحدة، وهو الشرط الذي وافقت عليه جميع الأحزاب باستثناء الحزب الشيوعي السوري الذي نال جزاء (شجاعته) فنُكِّل به تنكيلا ً، ( فيما بعد، وتحديدا ً بعد الانفصال، ستكتشف القيادات السياسية الوحدوية في سورية أن قرار حل الأحزاب كان خطأ جسيما ً أدى إلى إفراغ السياسة من المجتمع ما سهل على الانفصاليين الانقضاض على الوحدة).
منذ عام 1963، وبعد ثورة 8 آذار واستلام البعث العربي السلطة في سورية، ستتبلور حياة سياسية جديدة في سورية يكون البعث محركها الأساسي وصولا إلى المادة (7) من دستور عام 1969 ومنها إلى المادة (8) من دستور عام 1973 التي ستعلن جهارا (حزب البعث العربي الاشتراكي هو قائد الدولة والمجتمع في سورية ..)، التي ستسمر فاعليتها حتى يومنا هذا..
ولكن، وقبل أن ننهي تعقبنا لمفهوم الأحزاب في الدساتير السورية تعالوا نتوقف عند هذه العبارة: (إن القوة القائدة والموجهة للمجتمع السوفيتي ونواة نظامه السياسي ومؤسسات الدولة والمنظمات الاجتماعية هي الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي ) ..
ما ورد أعلاه هو المادة (6) من دستور الاتحاد السوفيتي (الذي انتهى وجوده الدستوري) .. انظروا إلى أي حد تتشابه هذه المادة مع المادة (8) من الدستور السوري، الواردة أعلاه..؟
هل هذا هو المآل الأخير لمفهوم الأحزاب والسياسة في الدستور السوري ..؟!
أظن أنه قد آن الأوان لبلورة حياة سياسية جديدة في سورية، مفتوحة وتعددية، تبدأ من إلغاء هذه المادة من الدستور السوري وصولاً إلى تمكين الشعب السوري وقواه السياسية والمدنية من صياغة مستقبله السياسي.
يقيني بأن هذا هو أولى الخطوات الجادة لمواجهة الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أشهر آخذة إياها إلى المجهول، فحل المشكلة السياسية اليوم هو البوابة التي ستمكّن السوريين، بكل مشاربهم وتياراتهم السياسية والاجتماعية والمذهبية، من الولوج إلى مشاكلهم الأخرى وإيجاد التفاهمات والصيغ المناسبة لحلها
08-أيار-2021
12-آذار-2016 | |
21-تموز-2012 | |
05-تموز-2012 | |
05-حزيران-2012 | |
24-آب-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |