العصابات السورية المسلحة غير موجودة و«الحوار» خدعة
2011-07-04
النقطة التي يبدو أن المتكلمين باسم النظام السوري يركزون عليها اليوم هي أن العمليات العسكرية والأمنية موجهة ضد عصابات مسلحة منظمة منتشرة في البلاد. تحولت هذه النقطة إلى حجر الأساس في السردية الرسمية الموجهة الى الداخل المحلي، وأكثر منه الى الخارج الدولي. لكن هذا غير صحيح. ليس هناك عصابات مسلحة منظمة في سورية. والعمليات الأمنية والعسكرية توجهت أولاً وأساساً ضد متظاهرين سلميين. ومن اعتقلوا وتعرضوا للتعذيب، ومن هم في السجون الآن، هم متظاهرون سلميون، يطالبون بالحرية. ولم يحصل أن خرجت أي تظاهرة سلمية من دون أن يتعرض المشاركون فيها للاعتقال والضرب والإهانات، وللتعذيب في المقرات الأمنية.
قد نلاحظ أن منذ أكثر من شهر توقف الكلام الحكومي عن إمارات سلفية مسلحة. ربما تبدى لصناعة التلفيق الرسمية أن إمارات سلفية لا تصدر بياناً واحداً، أو يطلق أمراؤها تصريحاً ما، أو تنشئ موقعاً على شبكة الإنترنت، أو تبلّغ «رعاياها» بما تريد بصورة ما، هي أمر يصعب ابتلاعه. مع ذلك تصرّ متكلمة من ذوي القرب على ترداد هذه السيرة لمنابر أميركية: «هناك مجموعة منظمة هي على الأغلب من المتطرفين الدينيين الذين ينفّذون عمليات الاغتيال والقتل». أكثر السوريين على علم بوجود «مجموعة منظمة»، تنفذ «عمليات الاغتيال والقتل»، و «مآثرها» موثقة بصورة تضع جرائمها فوق كل ريب. وعلى رغم أن هذه المجموعة متطرفة جداً، إلا أنه يصعب، «على الأغلب»، اعتبارها من «المتطرفين الدينيين». الواقع أن كلام السيدة إلى «سكاي نيوز» الأميركية يصلح لإثبات وجود مجموعات مسلحة متطرفة دينياً بقدر ما تصلح حكايات الأطفال برهاناً على وجود البعبع والعفريت. ولها الوظيفة نفسها أيضاً: تخويف السامعين من عالم غريب شرير لا يزيده خفاؤه إلا شراً وغرابة. هو نفسه العالم الذي لا يكف عن التأمر عليـ «نا»!
أما حين يجري الكلام بالعربية، فصارت تسقط منه كلمتا السلفية والإمارات، لتبقى جماعات مسلحة غير متعينة، ولا ملامح لها من أي نوع. جماعات تمارس التخريب العبثي من دون سبب، وتندرج في مؤامرة لا تُعرف أطرافها أو القوى المحركة لها، وليس لها قضية أو دعوة تتجاوز القتل العشوائي للمدنيين والعسكريين. والمريب أنها تنشط في المناطق التي تشهد احتجاجات سلمية نشطة، وتتجنب بصورة مريبة أكثر «المسيرات الشعبية العفوية» التي ينظمها النظام. وهي فوق هذا كله كبيرة الحجم وقوية، تتصيد عناصر الأمن وقوى الجيش بالعشرات والمئات بكل سهولة.
على أن هناك عنصراً غير مختلق تماماً في سردية الجماعات المسلحة. حصل في غير حالة أن دافع عن أنفسهم بالسلاح أناس غاضبون مما تعرضت له بلداتهم وأسرهم بالذات. وحصلت غير حالة من انشقاق مراتب متوسطة ودنيا في الجيش ونشبت مواجهات بالسلاح بين الطرفين. لكن هذه ليست جماعات مسلحة منظمة. ولم يجر تلفيق هذه السردية إلا للخلط بينها وبين النشاط الاحتجاجي السلمي الذي هو «النبأ العظيم» من سورية منذ 15 أسبوعاً. لطيف أن السيدة نفسها استطاعت القول لمحطة سي إن إن الأميركية إن «هناك الكثير من التلفيقات عن قوات الأمن». تصعب إهانة مئات ألوف السوريين أكثر مما بكلام كهذا يبدو مدافعاً عن الإنصاف!
لكن ألا يبدو هذا الانشغال بقضية الجماعات المسلحة متأخراً عن وقته؟ وهل من جدوى للردّ على إعلام قائم جوهرياً على احتقار الشعب وعبادة النظام؟ أو على متكلمين رسميين لا قضية لهم ولا مبدأ؟ إنه لمن نكد الدنيا على المرء أن يجد نفسه مضطراً لتفنيد أقوال جهة لم تتهيب الكذب يوماً. لكن لا بد مما ليس منه بد.
نفعل ذلك لأن هذه السردية الكاذبة تحظى بحياة متجددة في الآونة الأخيرة. في حديثها نفسه لسي إن إن الأميركية، قالت السيدة المتكلمة: «عندما يكون لديك مناخ من العنف تقع أضرار جانبية، لكننا نأمل في أن نكون قادرين على عزل أي جماعة مسلحة أو عنيفة من خلال الإسراع في إجراء الحوار الوطني، والعمل معاً والمجتمع الدولي للتغلب على هذه المشكلة الكبيرة». نضرب صفحاً عن أن بين الآثار الجانبية فوق 1650 من الضحايا المدنيين، ونحو 15 ألفاً من اللاجئين في تركيا ولبنان، فضلاً عن عشرات الألوف ممن مروا بتجربة اعتقال، وتعرض أكثرهم لتعذيب متطرف في قسوته. لكن كيف لا نلاحظ هذا الكلام الغريب عن «العمل معاً والمجتمع الدولي» في مواجهة «المشكلة الكبيرة»، أي الجماعات المسلحة؟ ما يثير الريبة ليس التطلع إلى الشراكة مع مجتمع دولي، لطالما وصف بأنه متآمر، بل عطف هذه الشراكة على «الحوار الوطني» و «عزل الجماعات المسلحة».
تبدو هذه عناصر استراتيجية جديدة من قبل النظام، تجمع بين ممارسة العنف ضد الانتفاضة بذريعة الجماعات المسلحة، مع إطلاق «حوار» في الداخل، وخطب ود «المجتمع الدولي». ويبدو أن أطرافاً فاعلة في «المجتمع الدولي»، الأميركيين بالخصوص، على استعداد لشراء هذه الاستراتيجية الجديدة. سارعت متكلمة باسم الخارجية الأميركية إلى وصف اجتماع مستقلين في فندق سميراميس في دمشق، في 27 من الشهر المنقضي، بأنه «حدث مهم»، وأثنى على ذلك متكلم فرنسي بكلام مشابه. نذكر الاجتماع، الذي يبدو أن عقده في مكان نخبوي ودعوة وسائل الإعلام المتاحة لتغطيته، يصنعان منه «حدثاً مهماً»، جاهزاً للاندراج ضمن هذه الاستراتيجية الجديدة.
لندع جانباً منطق التخوين. هذا إفساد للنقاش حول اجتماع هو مبادرة سياسية ويتعين أن يقيم بصفته كذلك. وكمبادرة سياسية، يبدو أن الاجتماع لبّى حاجة النظام إلى إعطاء انطباع، لـ «المجتمع الدولي» أولاً، بأنه منفتح على «المسيرة نحو الديموقراطية» (بلغة المتكلمة إياها)، وأن المشاركة في اجتماعات مثله عنصر في هذه «المسيرة» المزعومة، ما يتضمن نفي اللامشاركة والانتفاضة إلى عالم التطرف والسلبية.
وفي المحصلة، تتحول اجتماعات من هذا الصنف، وبصرف النظر عن نيات المشاركين وأقوالهم، إلى ورقة بيد النظام للضغط على الانتفاضة، بدل أن تكون ورقة بيد الانتفاضة للضغط على النظام. ويبدو واضحاً الآن، بعد يومين من الاجتماع، أنه كان عنصراً في ديناميكية سياسية وإعلامية أعادت النظام إلى مركز الحدث على حساب الانتفاضة. من هذا الباب يمكن القول إنه في المحصلة كان مبادرة فرعية، حُسمت من حساب المبادرة السورية الكبرى، الانتفاضة، ولم تضف إليه.
وإنما على المبادرة الكبرى يُعوّل من أجل تغيير سورية. هذا يتجاوز جذرياً «إصلاحات» النظام ومناوراته، ولا يتدنّى عن تغييره، أشخاصاً وعقلية وقواعد عمل. هنا الوضوح، وهنا الرحابة، وهنا «جراثيم» حياة فكرية وأخلاقية متجددة.
08-أيار-2021
04-شباط-2017 | |
02-تشرين الثاني-2015 | |
22-تموز-2015 | |
في الذكرى الثالثة للثورة السورية نهاية جيل من التفكير السياسي السوري وبداية جيل |
20-آذار-2014 |
04-كانون الأول-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |