الوضع السوري والموقف العربي المنتظر / محمد الحمادي
2011-08-07
إيران تهدد والنظام السوري يقتل شعبه، والعرب عاجزون والغرب يتفرج، ولا حل في سوريا ولا شيء بيد الشعب السوري إلا الموت! فربما وصل السوريون إلى مرحلة اللاعودة مع نظامهم، ولا يبدو واضحاً كيف يمكن أن يواصل النظام حكمه مستقبلاً؟ فبعد آلاف القتلى والجرحى، وآلاف المعتقلين الذين اختفوا منذ أسابيع، هناك آلاف النازحين، وملايين المتشككين الذين يتساءلون: كيف يمكن إصلاح ما تم تخريبه خلال الأشهر الماضية؟ وهل سيتم التخلص من المعارضين السياسيين والمواطنين البسطاء الذين اتهموا بأنهم مندسون وإرهابيون ومخربون، فقط لأنهم خرجوا في مظاهرات سلمية؟
منذ بدأت الاضطرابات في سوريا في مارس الماضي والكل يترقب وينتظر ماذا سيحدث في هذا البلد الذي كل ما فيه حساس ودقيق، الدولة التي تعاملت معها كبرى الدول العربية بحذر شديد، حتى تحافظ على شعرة معاوية بينها وبين نظامها، وحتى لا تخرج سوريا عن السرب العربي، فهي بموقعها الجغرافي وتأثيرها السياسي والأمني وتاريخها وشعبها… لا يمكن الاستهانة بها. وقد شهدت علاقات سوريا بعمقها العربي شداً وجذباً كما أدى الموقف السوري من بعض القضايا الإقليمية إلى تصنيف العرب في معسكرين، "اعتدال" و"تشدد"، وأدى التقارب السوري مع إيران إلى زعزعة الموقف العربي تجاه التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة الداخلية.
اليوم تبدو سوريا في وضع صعب لا تحسد عليه، وهو وضع تتأثر به الدول العربية بشكل مباشر، وهذا ما يفترض أن يجعل دمشق تعيد النظر في موقفها السياسي وعلاقاتها الإقليمية، فمصيرها مرتبط بالدول العربية وليس بغيرها، فعندما اندلعت الثورات العربية وصلت إليها، وعندما تزعزع الأمن فيها أصاب جيرانها وأشقاءها العربُ القلقَ، ولم يصب الآخرين غير الترقب والخوف على مصالحهم وخسارة نفوذهم في المنطقة!
التدخل الإيراني في الشأن السوري لا يخفى على أي مراقب للأوضاع، ومنذ أيام كشف مصدر بارز في كتلة "دولة القانون" العراقية عن أن إيران ضغطت على حلفائها في بغداد لدعم سوريا بـ10 مليارات دولار، وأن المالكي رضخ للمطلب الإيراني، كما أن إيران أطلقت تهديدات جادة منذ اندلاع الاضطرابات في سوريا، وإن لم يكن بعض التهديدات مباشرة ومعلنة، إلا أن أغلبها كانت معلنة والرسالة التي أرادت إيصالها وصلت إلى دول الجوار والدول العربية والمجتمع الدولي.
أما بالنسبة للغرب فلا شك أن أكثر ما يهمه هو أن يحافظ على مصالحه في المنطقة وأن يضمن أمن إسرائيل ويحمي أراضيه من الإرهاب الذي طالما أقلقه منذ سنوات، لذا فمواقفه وخطواته في دعم أي طرف ضد الآخر في بلاد الاضطرابات العربية هي مواقف وخطوات مبينة على ذلك الأساس، وهذا ما بدا واضحاً في ليبيا، فبعد التأييد الكبير للمجلس الانتقالي والثوار، تمهل الغرب وتوقف للتأمل في هذا الدعم ولإعادة النظر فيه بعد مقتل عبدالفتاح يونس على يد مجموعة من الثوار الإسلاميين.
الغرب يريد ضمان مصالحه -حتى وإن كانت مع الإسلاميين- لذا فإنه يترقب مع من ستكون الكفة في سوريا حتى يبدأ بإعلان مواقفه. هذا بالنسبة للغرب أما الدول العربية التي تتعامل مع الوضع السوري بنفس المنطق تقريباً فما تقوم به قد لا يكون صواباً، ذلك أن مصالح العرب مرتبطة بمصلحة سوريا، لذا فعلى العرب أن ينطلقوا في الأزمة السورية من نقطتين: الأولى دعم حق الشعب السوري، والأخرى تقديم النصيحة الصادقة لقيادته.
لماذا لا يقول العرب للنظام السوري بكل وضوح بأن هناك تخوفاً لدى المجتمع الدولي من أن انهيار السلطة قد يؤدي إلى صعود التيار الديني المتشدد ليسيطر على الدولة؟ لماذا لا يقولون له إن التدخل الإيراني في الشؤون السورية والشؤون العربية غير مقبول ويجب إيقافه، وإن عدم اتخاذ موقف هو رغبة منهم في عدم انتشار الفوضى في المنطقة؟ لماذا لا يقولون له إن الحل العربي هو الذي سيخرج سوريا من أزمتها الحالية؟ لماذا لا يقولون له إن استهداف المعارضين لا يمكن أن يستمر طويلاً؟ لماذا لا يطلبون منه أن يتعلم من أخطاء من سبقه، ويوضحوا له أين وصل عناد القذافي وأبناؤه بليبيا وماذا فعلوا بها؟
كما أنه من المهم أن يعترف النظام السوري أن الذين يتظاهرون منذ أشهر ليسوا مندسين وليسوا إرهابيين وليسوا مخربين، وإنما أبناء الشعب السوري الذين يريدون التغيير والإصلاح… يجب أن يعترف النظام السوري أن الأمور تغيرت عما كانت عليه قبل مارس 2011، وأن الشعب أصبحت لديه مطالب واضحة، وأن النظام عليه أن يستمع للمعارضة وألا يستمر في اتهامها وإقصائها… يجب أن يعترف بأن هناك انشقاقات في الجيش، وأن الضباط والجنود المنشقين ليسوا مندسين ولا مخربين ولا خونة، بل هم جزء من الشعب السوري رفض المشاركة في قتل السوريين… يجب أن يعترف بأخطائه ويبدأ بالتصحيح. لم يعد من الحكمة العناد والتمسك بالماضي، فالشعب السوري لن يقبل ذلك بعد أن أصبح واثقاً بأن لا شيء لديه سيفقده بعد أن صارت أرواح السوريين رخيصة، لذا فهو سائر في طريق التضحية ولو بأرواحه من أجل حلم لا يمكن العيش بدونه.
لقد تعقدت الأوضاع في سوريا، وما قامت به قوات الأمن والجيش السورية يوم الأحد الماضي في حماة وبعض مدن سوريا الأخرى، والذي راح ضحيته أكثر من 140 شخصاً أمر هز ضمير العالم، وجعل الوضع أكثر صعوبة ووجّه الأنظار نحو الدول العربية وموقفها تجاه الأحداث هناك.
العرب يرددون أنهم في وضع لا يمكنهم فيه اتخاذ قرار واضح، فالوقوف إلى جانب الشعب قد يثير إيران ولا أحد يعرف ماذا ستكون عليه ردة فعل طهران، كما يعتقدون أن الوقوف مع الشعب قد يؤدي إلى صعود نجم الإسلاميين كما حدث ويحدث في تونس ومصر… وفي المقابل لا يستطيعون الوقوف إلى جانب النظام لتورط في سفك الدماء، ولكونه عاجزاً عن السيطرة على الوضع وإعادة الأمن والاستقرار. لذا فالبعض يعتقد أن الأمر مربك ومقلق للدول العربية.. لكن الحقيقة أن سوريا "مربط الفرس" بالنسبة لمستقبل العرب الذين هم أمام فرصة تاريخية لتعديل الكفة لصالحهم وإنهاء حالة الإرباك التي تسببها بعض القوى الإقليمية.
عن جريدة الاتحاد الإماراتية 3/8/2011
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |