الطغيان لإمام عبدالفتاح إمام
خاص ألف
2011-08-16
1 – أنواع الطغيان :
يرى أرسطو أن الطغيان صورة من صور الحكم الفردي عندما يتحول إلى حكم سيئ ينفرد فيه صاحبه بالسلطة دون حسيب ولا رقيب فلا يكون هناك قانون يحكم بل إرادة الفرد. و هناك ثلاثة أنواع تتدرج في السوء وإن اشتركت كلها في التفرد بالحكم :
النوع الأول: ما سبق أن تحدثنا عنه في النظام المللكي و هو الدكتاتور الذي يختاره الشعب للقيام بمهام معينة و لفترة محددة على نحو ما حدث عند الإغريق في فترة مبكرة من تاريخهم . و هو ما يمكن أن نسميه بلغتنا الحديثة » الحاكم العسكري العام « عندما تفرض الأحكام العرفية في بلد ما بسبب الحرب أو الكوارث الطبيعية أو انتشار أمراض وبائية.. الخ.
ويحتاج الأمر إلى قرارات سريعة وهو ضرب من الحكم وجد عند الرومان أيضا ، قد لا يكون سيئا، اللهم إلا إذا خرج فيه صاحبه عن المهام الموكولة إليه أو تجاوز حدود المدة الزمنية فاستمر في الانفراد بالحكم.
النوع الثاني: النظام الملكي المطلق الموجود عند » البرابرة « على نحو ما هو موجود مثلا في الإمبراطورية الفارسية حيث نجد سلطة الملك مطلقة لا يقيدها عرف و لا قانون و هذا الضرب من الحكم يقول عنه أرسطو إنه نصف ملكية ونصف طغيان. نصف ملكية لأن الحاكم هنا لم يغتصب الحكم و إن تولاه بناء على أساس شرعي عندما ورثه عن أبيه و نصف طغيان لأن الحاكم يسلك بمزاج السيد الذي يسيطر على عبيده فالحكم يسير طبقا لإرادة الحاكم وحدها.
النوع الثالث: الشكل الثالث من الطغيان هو ما يفهم عادة من هذا المصطلح و هو الذي يستحق فعلا هذا الاسم فالحاكم هنا يحكم حكما مطلقا بلا رقيب و لا حسيب و لا مسؤولية من أي نوع: إنه السيد الأوحد الذي يحكم بمصلحته الشخصية و لأهدافه الخاصة وحدها فالنوع السابق من الطغيان قد ينفرد فيه الحاكم بالحكم لكنه قد يضع في ذهنه مصلحة الناس و الخير العام للشعب . أما في الشكل الثالث فإننا نجد الحاكم لا يكترث لشيء سوى صالحه الخاص : ذلك هو الحكم الفردي الذي يتسلط فيه الطاغية بلا مسؤولية على مواطنين أنداد له بل قد يفضلونه و يتولى فيه السلطة بمصلحته الشخصية لا بمصلحة المحكومين بل دون أن يهتم أدنى اهتمام بمصالحهم الشخصية و هذا ما يجعله حكما بالإكراه إذ لا يخضع أحد من الأحرار طوعا لهذا الحكم.
و إذا كان هذا حكما بالإكراه فإن الطاغية في هذا الضرب من الحكم يغتصب السلطة اغتصابا دون أن يكترث برضا المواطنين ، إنه يصل إلى الحكم بالقوة ا لمسلحة أو بحد السيف.. . الخ. دون أن يستند إلى أي حق
شرعي في توليها.
وذلك هو تعريف الطاغية الذي ساد الفكر السياسي الأوروبي بعد ذلك. يقول جون لوك معرفا الطغيان تعريفا يكاد يكون هو نفسه تعريف أرسطو » إذا كان الاغتصاب هو ممارسة إنسان ما لسلطة ليست من حقه
فإن الطغيان هو ممارسة سلطة لا تستند إلى أي حق و يستحيل أن تكون حقا لإنسان ما . والخاصية الثانية التي سادت الفكر الأوروبي و أخذت عن أرسطو أيضا هي أن الطاغية يستخدم السلطة التي انفرد بها لصالحه الخاص. يقول الملك جيمس في خطاب أمام البرلمان الإنجليزي سنة 1630 .
» إن الفرق بين الملك و الطاغية هو أن الأول يجعل من القوانين حدا تنتهي عنده سلطته كما أنه يجعل من خير اﻟﻤﺠموع الغرض الأساسي لحكمه أما الطاغية فلا حد لسلطانه كما أنه يسخر كل شيء لإرادته و رغباته .
وإن كان من الممكن الجمع بين هاتين الخاصيتين في خاصية واحدة فهي »عدم ا لمساءلة « فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون!. وإذا كان طغاة اليونان كانوا يشبعون شهواتهم ومصالحهم الخاصة فقد تكون شهوات
طغاة اليوم أوسع وأعمق كتكوين إمبراطورية أو إقامة أمجاد زائفة لأنفسهم أو إعادة فكرة تاريخية عفا عليها الزمان!.
2 - اختلاف الطغيان عن النظام الملكي:
يعتقد أرسطو أن الطغيان هو أسوأ أشكال الحكومات كلها فحكومة الطاغية تجمع مساوئ و انحرافات و عيوب الحكومتين الأوليجاركية والديماجوجية و لهذا كانت أشد منهما ضررا على رعاياها.
وإذا كان أرسطو دائم الحديث عن الطغيان في النظام الملكي بل و الربط والمقارنة بينهما فإننا نراه ينبهنا الى أنهما إذا كانا متشابهين فإن بينهما فروقا أساسية و اختلافات مهمة .كأن أن نذكر بعضها على النحو التالي :
أ- من حيث ا لمنشأ فإننا نجد أن الملوك قد نشأوا في أسر رفيعة و خرجوا من طبقات عليا و هم مع ذلك يحمون بطبيعتهم الطبقات الشعبية ، ذلك لأنهم يعتمدون في حكمهم على السمو ، السمو الشخصي ، و سمو الأسرة في الخلق و السلوك.
ب- أما الطغاة فقد نشأوا على العكس في أجواء دنيا فقد خرجوا من الطبقات الشعبية و من الجماهير و لهذا استهدفوا في الأعم الأغلب حماية الجماهير الذين خرجوا من بينهم ضد طبقة النبلاء و الأشراف و يبدو أن
أرسطو متأثر هنا بفكرة أفلاطون القائلة بخروج نظام الطاغية من الديمقراطية أو الغوغاء ! فالطاغية يظهر لإنقاذ الجماهير و هو يتولى الحكم بدعوى رفع الظلم الواقع عليها . و يرى أرسطو أن سجلات التاريخ
تشهد بهذه الواقعة أو يمكن القول بحق إن معظم الطغاة بدأوا حياتهم ديماجوجيين ثم اكتسبوا ثقة الشعب بافتراءاتهم ضد طبقة النبلاء.
بل إن الطاغية قد يلجأ إلى إشاعة الفوضى و البلبلة و الاضطراب حتى يشعر الجماهير بحاجتها إليه و حمايتها من طبقة الأغنياء التي تستولي على حقوقها!.
ج - لكن أرسطو ينبهنا إلى أنه ليست هذه هي الطريقة الوحيدة لمنشأ الطغاة فعلى الرغم من أن العدد الأكبر من الطغاة نشأوا بهذه الطريقة في الأمة التي كانت بها الطبقات الشعبية قوية في الدولة فإن هناك بعض
الطغاة في فترات أكثر قدما نشأوا بطرق مختلفة . فقد استمد بعض الطغاة مصدره من طموحات الملوك الذين انتهكوا الحدود التقليدية لقوانين بلادهم فطمعوا في اكتساب سلطة استبدادية و معظم نظم الطغيان الأخرى أسسها رجال أصلاء انتخبهم الشعب في البداية بمهمات عليا . فالملوك قد ينقلبون طغاة إذا لم يتقيدوا بالقوانين و الحاكم العسكري قد ينتهز الفرصة فيمد السلطة ا لممنوحة له لأداء مهمة معينة و يتولاها طيلة حياته و يسخرها لأغراضه هو! بل قد يخرج الطاغية من قلب النظام الأوليجاركي ( حكم القلة الغنية) عندما تختار هذه القلة شخصا معينا يمنحه اختصاصات سياسية واسعة إلى أقص حد كالإشراف على شؤون الدولة و مراقبتها.
و في جميع هذه الحالات تسنح الفرصة لشخص من الأشخاص الطموحين ليصبح طاغية إذا أراد فقد يتاح له أن توضع السلطة كلها في يديه أو قد يخضع لسطوة االمنصب لا سيما إذا كان من ا لمناصب العليا أو
السامية.. و قد حدث ذلك طوال التاريخ اليوناني القديم في كثير منالمدن اليونانية . و على هذا النحو أصبح فيدون Pheidon طاغية مدينة أرجوس Argos و قد يبدأ الحاكم ملكا ثم يتحول إلى طاغية على نحو ما حدث لطغاة أيونيا Ionia و فلاريس Phalaris طاغية مدينة أجريجنتم Agrigentum فقد استغلوا مناصبهم جسرا للطغيان .
من سلسلة عالم المعرفة.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |