المعنى السيميائي لرموز العائلة – 1 - تأليف ليزا ويدين / ترجمة
خاص ألف
2011-09-28
تحمل البلاغة السورية غالبا همَّ النضال المستمر بوجه أعداء خارجيين، و همَّ " التطور " الاقتصادي و الاجتماعي، و همَّ إنجازات ثورة البعث بقيادة عائلة الأسد. و هذا يوقظ مفهوم " الحركة التصحيحية " و ما تعانيه ( بلغة الخطاب و بلاغياته ) من مصاعب و إشكالات مع المتلقي الغريب، و القوى الأخرى التي تتدخل بهذا الشأن، و هذا يبرر لديهم نبرة المديح العالي لإنجازات السلطة و النظام في تخطي المشاكل و المعوقات. إن هذا النظام الرمزي يقترن دائما بعلاقات القرابة و يتماهى معها كأساس يتحمل كل النشاطات و القضايا السياسية الداخلية. وإن هذا الورع الذي يشبه طقوس الدين يؤكد على رمزية و مجاز العائلة و ينتج بالتالي رسوما أيقونية لأقارب الأسد نفسه.
ومن الواضح إن الإيديولوجيات في سوريا لا بهذه الخصال، و هي ربط العلاقات السياسية و تشبيهها بالعلاقات العائلية. فالمنظرون السياسيون و الإيديولوجيون و على مر العصور و في أماكن متفرقة من العالم استخدموا الرموز و الاستعارات العائلية لتعريف و تحديد مصطلحات تتعلق بالانتماء السياسي. و كان السرد السياسي يتبنى الحياة العائلية و علاقاتها ( و هي مفردات ذات حمولة عاطفية و ذات مغزى ) مكان العلاقات التجريدية و غير الشخصية و البعيدة التي تربط المحكوم و الحاكم.
أو العكس، إن المنظرين قد يصنعون المعاني التجريدية و الثقيلة من خلال صور التجارب المعاشة و المادية التي يمر بها الشعب. و قد قرظ مكيافيلي بروتوس " لأنه والد التحرر الروماني "، و الذي من أجل أبنائه السياسيين أدان أبناءه البيولوجيين و حضر إعدامهم. و هنا يسأل جون أدامز فيقول : " هل بالإقرار أننا أطفال، ليس لنا حق الشكوى إذا قرر آباؤنا أن يحطموا لنا أطرافنا ". و إن البلاط الفرنسي قبل الثورة كان يطلب من الملك أحيانا أشياء خاصة لأنه " والد الجميع " و عليه أن يظهر لهم " الاهتمام الأبوي، و العاطفة الأبوية، و التسامح الأبوي ".
و ينجم عن توظيف هذه الاستعارات معان مختلفة إذا كانت في سياق مختلف. كان أدامز يبرر ثورات المستعمرات الأمريكية من خلال تصوير بريطانيا العظمى و سلطانها كأبوين آثمين . بينما حاول البلاط الفرنسي أن يعادل أو يخفف من القانون الملكي القاسي بالرحمة الأبوية . و بعد حرب تشرين الأول عام 1973 بدأت الإيديولوجيا السورية تصور الأسد بشكل مطرد على أنه " الأب " الوطني الذي يحل محل الأب البيولوجي الذي توفي في المعركة. و في أول احتفال بذكرى حرب 1973، على سبيل المثال، ذكر مقال في جريدة البعث بشكل علني " الأسد " باسم " والد كل أبناء الشهداء ".
و السؤال الآن ماذا تعني صورة الأسد كبطريرك للأمة على المستوى المادي في سوريا المحررة ؟. يعتمد الجواب على فهمنا للسياق التاريخي و السيميائي حيث أن توظيف الاستعارة العائلية في سوريا يحرض على انتشار المعنى الخاص به. و بالمثل يمكن مقارنة الحالة السورية بالمعادلة الفرويدية المعاصرة للمعاني في سرد سياسات العائلة .
إن بعض المختصين بالحياة السياسية المعاصرة يوظفون فرويد و مفاهيمه حول " رومانسيات العائلة " ليقولوا إن البلاغة السياسية و الفعل السياسي يتحركان بوحي و إلهام من البنية العائلية و من الرغبات التي تتبناها. و قد استخدم فرويد في الأساس هذه العبارة ليشير إلى خيالات عصاب الأطفال للحصول على " الحرية من الأبوين بعد أن يهبط رصيدهما في تصوراته و بعد أن يستبدلهما بآخرين، ممن، كقاعدة، يكون لهم وضع اجتماعي أعلى ". و قد استطرد لين هانت و ميشيل روغين، و هما على سبيل المثال و ليس الحصر، مع هذه الفكرة " فكرة رومانس العائلة " لما وراء علم نفس الأفراد و الأشخاص ليشمل النشاط العام و السياسة.
بالنسبة لهانت، إن الكتابة عن الثورة الفرنسية، و هو ما تدعوه " اللاشعور الجمعي " الذي يرغب بإعادة اكتشاف الشخص لأبويه و إعادة تركيب السمات الشخصية، يعني أن المواطنين يتصورون أنفسهم كما لو أنهم يقتلون أباهم ثم يحكمون بصفة أشقاء. و لكن بالنسبة لروغين عمد المواطنون في الثورة الأمريكية لاستبدال الأب الطاغي، و هو الملك جورج، و الأم الشريرة المتوحشة، و هي بريطانيا العظمى، بـ " الأب المؤسس " الرحيم. و يقدم روغين و هانت الأدلة لإثبات أنه في الثورتين الفرنسية و الأمريكية، كان الشعب حقيقة يتخيل لإعادة اكتشاف أبويه، و كانت المفردات السياسية تعبر عن هذا التخيل.
بالمقارنة، في سوريا إن إطلاق صفة " الأب " على الأسد لا تعكس كما يبدو رغبة السوريين لإعادة اكتشاف آبائهم. إن طقوس استعمال المجاز العائلي ليست بالضرورة محاولة لتصنيف مشاعر الحب و الرغبة الموجهة للأسد. بالعكس لا يوجد ما يؤكد أن الغالبية العظمى من السوريين يكنون فعلا هذه المشاعر أو أن تلك اللغة البلاغية تشير إلى خيالات نابعة من لا شعور باطني. إن المجاز العائلي يعمل في السرد الرسمي ليعكس العلاقات المثالية التي سنها النظام للسيطرة و للانتماء و ليحدد شكل الطاعة الشعبية في سوريا. و إن بناء طقوس العائلة الوطنية تستمد تماسكها و أصالتها من العلاقات الفعلية بين الأجناس و الواقع، و كل ما له علاقة بالجنسانية و السلطة ضمن العائلة السورية. فطقوس الأسد تشخصن السلطة، ليس من خلال ترجمة الفريق التجريدي و البعيد و غير الملموس إلى قائد مادي و قريب و ملموس، و أيضا من خلال وضع تلك السلطة في البنية الجنسانية و الجيلية لحياة العائلة البطريركية.
تعمد العوائل السورية، أحيانا، لأن تكون مرتبة هرميا و هذه الطبقات تتكون على أساس الجنس و العمر : الشباب يخضعون للكبار، و النساء تخضعن للرجال. و يتوقع الآباء الطاعة و يفترض بهم أن يضمنوا للعائلة الجاه و الثروة المادية. و إن سلطة الأسد بوضعها البطريركي الوطني تقدم نموذجا رمزيا بشكل صورة مهيمنة في مجتمع وطني مرتب هرميا. حيث أن المواطنين – الأولاد يدينون له بالطاعة. و لكن دور الأسد في هذا النظام كأب وطني يتضمن أيضا مسؤولياته في تأمين الاحتياجات المادية لهؤلاء المواطنين السوريين – الأبناء.
و حتى الآن الأسد يحول مؤسسات الدولة المصممة لتقديم السلع و الخدمات مقابل الطاعة و التحالف إلى مزارع شخصية له، و لكن بلاغيات الأب ( على المستوى المجازي ) تعمل لتقلل من أهمية دور الأسد كأب بطريركي : إنه يشبهنا و لكنه الأخ الأكبر، و الأفضل، و الأقوى من الأب العادي.
و في هذا المجاز لرمز الأب تجد أيضا الحب و الترابط بين الحاكم و المحكوم. و في ظل الأسد ليس من المستغرب أن ترى الشعارات و اللصاقات و الإشارات التي تدل على " الحب " أو تشير له ضمنا في القلب لتمثل نوعا من الولاء الشعبي. و في سوريا المعاصرة تبدوعلاقات القرابة بشكل مؤسسة تنظيم مركزية. و بلغة واضحة تعمل الروابط العائلية لتحريك الشعب و المصادر، بينما على المستوى الرمزي، تدفع القرابة العلاقات الحميمة، و أولوية الهيمنة الذكورية، و العلاقات المتبادلة و غير المتوازنة بين البالغين و الأطفال.
و إن الروابط بين أعضاء العائلة الحقيقية في سوريا تنعكس ماديا في الممارسات اللغوية التي تسجل ما تسميه الأنتروبولوجية سعاد جوزيف Suad Joseph بمصطلح " الترابط البطريركي ". و الترابط البطريركي يشير إلى " سيولة الحدود " بين أعضاء العائلة، و هذا يصف الطريقة التي بها " يشعر الأشخاص بحضور معنوي للآخرين ". على سبيل المثال، إن الآباء السوريين من كل الطبقات و الأديان يحملون لقبا روتينيا قوامه اسم الابن الأكبر ( من هذا القبيل " أم – أو أبو – باسل )، بينما ينادي كبار العائلة الأعضاء الأصغر و كأنهم مجرد امتداد لأنفسهم. و في الحياة العامة المعروفة و المرتبطة بهذا المفهوم تنادي الأمهات أولادهن باسم ( ماما – أمي ) و ينادي الآباء أولادهم باسم ( بابا – أبي ). و بالمثل يطلق الأعمام و الأخوال و الخالات و العمات و الجدان على أبناء و بنات العم و الخال و الأحفاد ألقابا مثل عمي ( أخ الأب ) و خالي ( أخ الأم ) و عمتي ( أخت الأب ) و خالتي ( أخت الأم ) و جدي ( والد الأبوين ) و ستي ( يا جدتي ).
و توجد مفردات أخرى تدل على أبناء و بنات أخ و أخت الأب و الأم و على الأحفاد، و لكن نادرا ما تستخدم في اللغة المحكية. إن فانتازيا النظام و بنية البلاغة تتماسك مع العلاقات الاجتماعية الأبوية و هذا يقود إلى تسييل و تمييع الحدود بين أعضاء العائلة و هكذا يعزى للسلطة الأبوية ميزات. و إن الإشارة المستمرة للعائلة تدل على تشكيل مؤمثل لروابط النظام و فيها يكون مواطنو و أبناء الأسد بمثابة أبناء لأب سوري حقيقي، و بمثابة امتداد لنفسه أو استطراد ينبع من ذاته.
يتبع
من كتاب ( السلطة الغامضة ) للكاتبة الأمريكية Lisa Wedeen . مطبوعات جامعة شيكاغو.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |