Alef Logo
كشاف الوراقين
              

المعنى السيميائي لرموز العائلة – 3 - تأليف : ليزا ويدين / ترجمة

ألف

خاص ألف

2011-10-08

في نظريات بعض البعثيين لبنية الأمة umma معنى أمومي واضح و له دلالة ، و إنه منذ بواكيره أضاف هذا الحزب القومي للجذر الإيتيمولوجي لكلمة أم umm و أمة umma علاقة مشتركة . و كان زكي الأرسوزي من أوائل الإيديولوجيين الذين مهدوا للحزب و كان الموجه الأساسي للعلويين البعثيين ومن ضمنهم الأسد ، و قد عمق على تفريعات هذا المعنى بكل ارتباطاته حينما قال : " مفهوم أمة و أم يثبت تلقائيا أنهما مشتفقان من نفس الجذر حيث أن فكرة الأمة هي امتداد للعائلة ، و هي ناجمة من رابطة أخوية بامتياز ". و يتابع قائلا : " إنها مفهوم يعبر عن تجربة تشبه الرحم ( الرحمانية )".
و من الصعب أن تتأكد بالضبط ماذا تعني " الخبرة الشبيهة بالرحم – الرحمانية " ، و لكن الأرسوزي يفسر ذلك بأن الأمة هي شرط مسبق للوجود ، و هي المكان الذي ينمو فيه الشخص. فالأمة تشبه الرحم لأنه المكان الذي تبدأ منه الحياة. أو بتعبير آخر ربما تعني الرحمانية الاشتقاق و الخروج من الرحم ، أو إنها شيء يوجد في لحظة الولادة ، شيء يولد في أو مع ، و لا يسعى المرء إليه.
توجد لوحة معلقة أمام ضريح أم الأسد و يبدو أنها تشير لهذه التضمينات الأمومية الخاصة المرتبطة بالأمة – القومية . و فيها يبرز الأسد بتمام أناقته ، ببذة ، و هو ينحني بتواضع ليقبل يد أمه ناعسة البالغة من العمر 73 عاما بينما هالة مضيئة تحيط برأسها. و تشير اللوحة رسميا إلى مفهوم الأسد كفارس معاصر ، إنه صلاح الدين الخليفة الذي يحمي الأمة و يحاول تحرير أراضيها المغتصبة. اللوحة تربط الأم و الابن ، و تؤكد أن الأسد مولود لأمة تعيش حتى الأبد ( انظر للهالة المشعة ) على الرغم من الجسد المسن و الفاني لتحولاتها ، و الذي تمثله صورة الأم.
و إن مفهوم الأمة بارتباطه الرمزي مع الرحم و الأم و كشرط مسبق لعلاقة الأخوة يبدو واضحا في صورة أخرى. و فيها لأم الأسد جناحان و يحيط بها ابناها ( حافظ و أخوه الأصغر رفعت ). و تتوفر نسخ من اللوحة تباع في مسقط رأس الأسد و هو اللاذقية. و قد بدأ ذلك بعد وفاة ناعسة عام 1992 . إن هذه اللوحة تشير إلى معادلة الأرسوزي عن الرحمانية ، الأمة - الأم التي ولدت الشقيقين و هما مؤسسا سوريا الحديثة.
و بمتابعة المفهوم التجريدي للقومية و الوحدة كما تراه في صورة الأم و الأخوة ، تشير اللوحة أيضا إلى أخطاء هذه الإدعاءات الطقوسية و إلى الحدود التي يعمل في ظلها نظام الأسد.
إن علاقات الأسد الحقيقية مع أخوته ضرورة للنظام و لكنها مرت بمشاكل. فقد اعتمد الأسد على أخوته أمنيا ، و إلى حد ما توجب عليه أن يتفاوض معهم لتقاسم السلطة. و لكن في نفس الوقت تعرض لتحديات هم مصدرها. ففي الأسابيع المضطربة التي أعقبت إصابته بالأزمة القلبية عام 1983 ، كان أخوة الأسد يشعرون بالمعنى القوي للرموز السياسية التي تختصرها أواصر القرابة ، و دفعهم ذلك للإعلان عن نظام قوى جديد. و احتل رفعت أماكن علنية و شعبية في دمشق و صحفها بصوره ، مع عبارة تقول إنه " القائد " ، و إلى جانيه صور أخيه الأكبر جميل و معها لقب " الأب الروحي ".
و هكذا شطر الأخوة في تقاطعهم سلطة الأب الأسطوري الأسد ، إلى نصفين ، بطل عسكري و رأس روحي.
في النهاية استعاد الأسد عافيته و سيطر مجددا على رموز السلطة ، و لكن فقط بعد استبعاد رفعت و إقصائه من مؤسسات وزارة الدفاع ، التي كان يعمل فيها كرجل داعم للنظام. و قبل نفي رفعت ، نشب خلاف بينه و بين الأسد و هذا تطلب توسط والدتهما . و هكذا إن صورة نفيسة التي يحيط بها ابناها تؤكد على دور و معنى الأمة – الأم الخالدة و المجنحة و الرمزية ، و قد وفر ذلك رابطة بين رجلين متساويين و متعادلين ، و لكن في نفس الوقت سجل مفهوم الأم الحرفي تاريخيا و التي توجب عليها أن تتوسط في نزاع أبنائها.
بمقدور الطقوس أن تضع رموز المحبة و الارتباط في مكانها الطبيعي و تبررها لأنها تدل بشكل مؤثر على العلاقات المضمونة ذات المعنى ، حتى لو فشل المثال الرسمي في الاستجابة للخبرات الحية و الواقعية الخاصة بأفراد المجتمع باعتبار أنهم أعضاء في نفس العائلة. وإن السردية الرسمية تشابه أيضا هذه العلاقات العائلية و كأنها مفاهيمم جنسانية تفسر الجماعة - الوطن. و مع أن طقس الأسد ليس أول معادلة أو تركيب يجنس التبعية الوطنية ، فقد سبقته الأمة – القومية ، فبلاغيات خطاب الطقس ( عبادة الشخص و الموضوع ) في سوريا يضع الأسد في االسرد الوطني الرسمي بأساليب تميل أيضا للإعلان عن غموض سلطته. إن الطقس الذي يصور سلطة الأسد المشتركة فيما بين أفراد عائلات أخرى أيضا يشير إلى اعتماده المؤقت ، على هؤلاء الأقارب ، و لكن ضمن إطار التفوق و الهيمنة و التسيد .
و هذا الاعتماد يمتد ليشمل موضوعات مادية خاصة بأمن النظام ، و موضوعات رمزية ، مثل الأساليب و الطرق التي يستمد منها أفراد العائلة مناسبات تساعد و تيسر إعادة إنتاج المسرودية المتعالية لطقس عبادة الأسد. و بمناسبة وفاة أم الأسد في عام 1992 ، و هذا على سبيل الذكر فقط ، نشرت وزيرة الثقافة آنذاك الدكتورة نجاح العطار ، قصيدة في جريدة تشرين بعنوان ( أمنا التي رحلت ). و في القصيدة ، التي تشير إلى الشعر الذي ظهر قبل الإسلام ( الشعر الجاهلي ) و إلى لشاعر العباسي المتنبي و إلى لـقرآن ، إن موت ناعسة يقدم مناسبة نادرة للتأكيد على سوبرمانية الأسد ، تقول : " دع كل شيء فوق الأرض و تحت السماء يغني لجسارة و أهمية هذا الرجل ".
و يبدو أن القصيدة تحاول أن تفسر لماذا لم يذرف الأسد الدموع في الجنازة. و تشير العطار إلى أن أفراد الشعب استغربوا من جفاء الأسد و جفافه العاطفي ، و هذا لديها دليل إثبات على أن مسؤولياته كقائد لا تسمح له أن ينهار و ينوح على أمه. و في سياق السرد العائلي ، يمكن للمرء أن يقول إن مسؤوليات الأسد تجاه أمه – الأمة تمنعه من الحزن و اللوعة على أمه الحقيقية. غير أن الفرق الكبير أنه علينا جميعا ، في موقف من هذا النوع ، أن نحزن و نتفجر و نصرخ قائلين : " وداعا يا أماه ". إنه فقط بسبب موقعه في النظام ، يجب أن يدفع الفدية كي يقوم بواجباته المضاعفة : إنه لم يبك ، مع أنه يمتلك حق البكاء على ذكرياته مع أمه ليخفف من وطأة الصدمة ، و لكن ( ثانيا ) حينما وقعت عينه عليها مسجاة في الضريح لم تسنح له فرصة البكاء مثلنا و تشييعها بقوله " وداعا أماه ".
إن القصيدة تدعو الأسد للبكاء و العزاء و في نفس الوقت تقدم له العزاء على أم سوريا. فالابن كشخص ، أخفى ألمه و حوله إلى آلام و مشقة الجماهير الواسعة ، إلى معاناة الأمة بشكل عام.
و عندما تعود لمسقط رأسك غدا أو بعد غد ، يا الله ، لن تجد أمك بالانتظار بذراعين مفتوحين كما فعلت حينما كنت صغيرا و شابا و بالغا و قائدا ، و ستجد بيتك الأمومي مليئا بالصمت ، و حينها فقط ستؤمن أنها ذهبت إلى الأبد. و أنا أقول إن الأمهات في هذا البلد الذي بنيته هن جميعا أمهات لك. و هناك دائما أم لكل شخص ، مهما كان موضعه ، و لكن هذا الرجل ( الأسد ) الذي تبوأ الموقع الذي يستحق ، يعلم كيف يحول الشخصي ، و الألم الخاص إلى آلام عامة ، و هذا ما فعلت و ها نحن نشترك به جميعا معك من القلب إلى القلب.
و تؤكد القصيدة أيضا على أهمية تبعية الأسد لمنشأه في رحم أمه. و تذكر العطار بوضوح الإنسان الفاني بجسده و الذي له صفات نوعية تشبه الآلهة فتكتب قائلة :
يكفينا أن حافظ الأسد هو ابن ناعسة الأسد و يكفينا أن ناعسة الأسد هي أم حافظ الأسد. إن مجد الأصل هو ما نصنعه بالأيدي القوية. و اليد القوية هي التي صنعت المجد للأم الراحلة. و إن رحم هذه الأم المباركة صنع مجدك و مجد بلدك و شعبك. و أنا لدي سؤال : هل علمت حينما كنت جنينا في بطنها ، ماذا سيكون شأنك في الأيام القادمة ؟.
إن هذه البلاغيات و الأيقونيات تؤكد أن الأمهات ترادفن مفهوم الأمة ، و تلدن القادة الرجال الإستثنائيين ، و تتدخلن في النزاعات بين الأخوة ، و لكنها تحمى و تحوز على المجد من أبنائها. و من الواضح غياب الأب من مسرودية العائلة باعتبار أنه رأس الابن المؤسس. لذلك إن الأم المباركة تبدو أنها من تقدم له نقطة المرجع ، الأصل ، فالأب الرمز لا ينافس هنا الابن – المؤسس الذي تحول إلى أب و لا يمهد الأرض لأي تفوق عليه. و لذلك يمكن له أن يكون أقل تعبيرا عن الحساسيات و العواطف.
- من كتاب ( القوة الغامضة ) للكاتبة الأمريكية ليزا ويدين ، الأستاذة في جامعة شيكاغو. تتناول الكاتبة فيما تبقى من فصول موضوع التطهير و المصالحة مع النظام بواسطة الدراما الفكاهية ( دريد لحام و ياسر العظمة ) و النكتة و الكاريكاتور ( علي فرزات ). للمؤلفة كتاب آخر عن اليمن و عائلة علي عبدالله صالح.
صدر الكتاب لأول مرة عام 1999 . الترجمة خريف 2011 .

ترجمة صالح الرزوق

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow