العار – مقتطفات من رواية تسليمة نسرين – ترجمة عصام زكريا
خاص ألف
2011-10-23
كان سورنجان راقدا في فراشه, حين دخلت أخته نيلانجانا ، التي يطلقون عليها اسم مايا ، الغرفة مرة أخرى و قالت :
- دادا ، ألا تنوي أن تستيقظ و تفعل شيئا قبل فوات الأوان ؟
عرف سورنجان أن مايا تريد منه البحث عن مكان يختبئون فيه مؤقتا من الخطر الذي يتهددهم, لكن مزاجه كان معاندا, لماذا ينبغي عليه الهروب من بيته ، لمجرد أن اسمه سورنجان دوتا؟,
هل من الضروري لأسرته ، أبوه سودهاموي و أمه كيرونموي و أخته نيلانجا ، أن يهربوا مثل المطاريد بسبب أسمائهم ؟ هل يجب أن يبحثوا عن ملجأ في بيوت كمال أو بلال ، أو حيدر كما فعلوا منذ عامين ؟
تذكر هذا اليوم 30 أكتوبر 1990 ، بوضوح, كمال الذي يعيش في إسكاتون ، خاف عليهم من التعرض لأي مكروه ، فقطع الطريق الطويل إلى بيتهم و حثهم على مغادرته ، و الذهاب معه, لم يكن هناك أي تقصير في كرم ضيافة بيت كمال, كانوا يفطرون البيض و التنوست ، و يتناولون السمكك و الأرز في الغداء ، و يقضون أمسيات طويلة كسولة على العشب الأخضر ، و كانوا ينامون في سلام و راحة على المراتب السميكة ، و يستمتعون جميعا بوقت رائع!,
و لكن مهما كان طعم السعادة التي تذوقوها في منزل صديقهم ، فإن هذا لا يجيب عن السؤال الأساسي : لماذا يتحتم عليهم أن يختبئوا في منزل كمال ؟ صحيح أن كمال صديق قديم لسورنجان ، و الأصدقاء يتبادلون الزيارات ، و لكن ليس في ظروف من هذا النوع, لم يتحتم عليه أن يهرب من بيته ؟, كمال لم يكن لديه سبب يدفعه إلى الهروب أبدا, أليس هذا الوطن وطنه كما هو وطن كمال ؟ ثم لماذا يحرم من حقوقه ، و لماذا بلده ظهره له ؟ لماذا لا يستطيع أن يقول له : أنا ابن هذا التراب ، أرجوك لا تسبب أي أذى ؟!,
كان سورنجان راقدا في فراشه ، مستغرقا في مثل هذه الأفكار ، و متجاهلا أخته التي دخلت و خرجت ، ثم بدأت تتمشى بلا هدف في أنحاء البيت و تفكر في أن أحدا منهم لا يدرك أنه يجب فعل شيء قبل أن يحدث لهم شيء بشع, في التليفزيون عرضت قناة ( CNN ) تفاصيل تدمير مسجد بابري في السادس من ديسمبر 1992 , و كان التلفزيون لا يزال يعرض بعض مشاهد الحادث, جلس سودهامي و كيرونموي أمام التلفزيون يراقبان عملية التدمير و يأملان أن يصحبهما سورنجان إلى بيت أحد أصدقائه المسلمين, و لكن سورنجان كان قد قرر أنه لن يفعل شيئا من هذا ، و أنه حتى لو جاء كمال أو أي صديق مسلم آخر لاصطحابه فسوف يقول له :
- لن أغادر بيتي مهما كانت الظروف,
هذه المشاهد في بيت آل دوتا كانت تجري في السابع من ديسمبر ,
في المساء السابق ، خيم ظلام كثيف على ضفاف نهر ساريو بمدينة أبودها الهندية, في ذلك اليوم المصيري ، عصابة من أتباع من يطلق عليهم " كار سيفاكس " هدموا مسجدا يزيد عمره على 400 أو 500 سنة, وفقا لأبرشية هندوس فيسوا فإن المسجد كان محل ميلاد " راما " ، نبي الهندوس ، و بهذا اعتبروه ملكية دينية لهم,
المتطوعون المتعصبون انضموا إلى مشروع لتطهير المسجد و ما حوله ، و قبل حوالي خمس و عشرين دقيقة من بداية العمل بدأت الكارثة ، عندما بدأ عمال التطهير في هدم المسجد بلا هوادة,
حدثت هذه الدراما بأكملها في حضور ضباط أصحاب رتب عالية ، و رجال دين أبرشية هندوس فيسوا ، و حزب بهارتيا جاناتا و غيرهم,
ضباط و جنود قوة الشرطة الاحتياطية المسلحة ، و شرطة وردية المنطقة المسلحة ، و شرطة أتار بارديش و قفوا يتفرجون دون أن يطرف لهم جفن ، بينما كان هدم المسجد مستمرا, في الثانية و خمس و أربعين دقيقة بعد الظهر سقطت واحدة من القباب ، في الرابعة انهارت الثانية ، و في الخامسة و خمس و أربعين دقيقة انكسرت القبة الثالثة إلى نصفين على يد المتعصبين ، أثناء عملية هدم المبنى الهائل دفن أربعة منهم تحت الأنقاض ، و تعرض مئات من الناس لإصابات خطيرة,
كل هذا و غيره ذكرته تقارير تفصيلية في الصحيفة التي كان يتصفحها سورنجان تحت عنوان ضخم يصرخ : " تدمير مسجد بابري " لم يذهب سورنجان إلى " أيودها " أبدا, و لم ير مسجد بابري ، و كيف يمكنه ذلك و هو لم يغادر بنجلاديش أبدا ؟ سواء كان المبنى الذي تم تدميره محل ميلاد راما أو جامعا مقدسا فهذا لم يكن يهم سورنجان كثيرا ، الواضح بالنسبة له هو أن تدمير أثر يعود للقرن السادس يمثل ضربة وحشية لمشاعر المسلمين في الهند و خارجها ، كما أنه يضر بالوحدة الوطنية بين الهنود أيضا ، لأنه اعتداء همجي على " الوئام الدولي و الضمير الجمعي للناس " على حد كلمات الصحيفة ، النتي واصلت على هذا المنوال في تقريرها :
لا يحتاج الأمر إلى القول بأنه في بنجلاديش أيضا سوف يسبب رد الفعل على هذا الحادث في خلق موجات مسعورة من الهستيرية الدينية ، و سوف تهدم المعابد و تسوى بالأرض ، و تحرق منازل الهندوس و محلاتهم ، و تنهب,
بتشجيع من حزب بهارتيا جاناتا قام المتعصبون بهدم مسجد بابري ليزيدوا من قوة رجال الدين الإسلامي في بنجلاديش, فهل مر بخاطر حزب بهارتيا جاناتا ، و أبرشية هندوس فيسوا و شركائهم أن ردود الفعل على عملهم المجنون في أيودها لن تقتصر على الحدود الجغرافية للهند ؟
في الهند أسفرت المحنة عن مولد أحداث عنف جماعي راح ضحيتها حتى الآن خمسمائة أو ستمائة ، و ربما ألف شخص ، و عدد الموتى يزداد كل ساعة,
هل أدرك الهندوس المتدينون ، المفترض بهم أن يرعوا مصالح دينهم و وحدتهم ، أن هناك حوالي خمسة و عشرين مليون هندوسي يعيشون في بنجلاديش أيضا ؟
أغلق سورنجان عينيه ، ثم فتحهما من جديد على مايا تهزه قائلة :
- ألن تفعل شيئا ؟ أرجو أن تدرك أن أبوينا يعتمدان عليك في حفظ سلامتنا,
تثاءب سورنجان و تمطى بكسل و قال :
- اذهبوا أنتم إذا شئتم ، أنا لن أتحرك خطوة واحدة من هذا البيت,
- و ماذا عن أبوينا ؟
- لا أعرف,
- ما الذي يمكن أن يحدث ؟
- أن يهاجموا منزلنا و يحرقوه !
- فليفعلوا,
- هل تعني أنك ستجلس و تنتظر حدوث ذلك؟
- لا ، لن أجلس ، سوف أنام,
أشعل سورنجان سيجارة على معدته الخاوية ، و اشتاق إلى كوب من الشاي, عادة ما كانت كيرونموي تحضر إليه الشاي في الصباح ، و لكنها لم تفعل ذلك اليوم,
لم يكن مجديا أن يطلب من مايا ، فسوف تهدم البيت بصراخها إذا طلب منها كوبا من الشاي ، كان يمكنه أن ينهض و يعد الشاي لنفسه ، و لكنه شعر بكسل شديد, في الغرفة المجاورة كان التلفزيون يطن, لم يكن يرغب حتى في الجلوس و التحديق في تغطية CNN للحادث, فجأة سمع مايا تصرخ مرة أخرى في الغرفة المجاورة,
- دادا يستلقي في الغرفة ، و يقرأ الصحف ، و لا يبدو أنه يبالي بأي شيء في العالم!,
لم تكن المسألة أن سورنجان لا يفهم خطورة الموقف ، ففي أي لحظة يمكن أن يقتحم البيت مجموعة من الناس ، ينهبون و يسرقون ، و ربما يحرقون البيت عن آخره ، في هذه الظروف لم يكن ليرفض كمال أو حيدر أن يأويهم ، و لكنه كان يخجل أن يهرب إلى أيهما, بدأت مايا في الاعتراض بصوت مرتفع :
- إن لم يكن لدى أحدكم نية الخروج من هنا ، فسوف أذهب وحدي ، سأذهب إلى بيت بارول ، و أبقى هناك حتى يتحسن الموقف ، لا أعتقد أن دادا ينوي اصطحابنا إلى أي مكان ، ربما لا يرغب في الحياة ، و لكنني أريد أن أحيا,
هذا الانفجار اليائس بين أن مايا قد أدركت أخيرا أن أخاها لن يفعل شيئا في سبيل توفير مأوى لهم ، و أن عليها أن تفعل ذلك بنفسها إذا أرادت, من جانبه ظل سورنجان راقدا في فراشه يفكر, حتى لو انتقلوا إلى مكان آخر هل سيكونون بمأمن ؟ لقد كانوا محظوظين في أكتوبر 1990 بنجاتهم من الرعب و الدمار,
استدعى في رأسه أحداث ذلك الشهر ، عشرات المعابد و دور العبادة ، و مئات من محلات و منازل الهندوس قد دمرت و أحرقت و نهبت, تذكر سورنجان الأماكن التي خربت في مذبحة 1990 واحدا وراء الآخر ، هذه الأحداث التي وصفت بأنها اضطرابات!
هل كلمة اضطراب – أو شغب – تعني قيام طائفة ما بالاعتداء الوحشي على طائفة أخرى لا ترد الاعتداء ؟, لا ، مثل هذه الظاهرة لا يمكن أن توصف بأنها اضطرابات ، الذي حدث فعليا أن أفراد طائفة ما قاموا بانتهاك مقدسات و خصوصيات طائفة أخرى ببرود و دون ندم ، و هذا ليس أقل من طغيان و قهر,
تسلل ضوء النهار عبر النافذة إلى جبهة سورنجان ، و لكنها شمس الشتاء الناعمة ، و لذلك لم يشعر بالضيق ، و واصل الرقاد حالما بكوب من الشاي,
الرواية من منشورات دار آرام بدمشق, ط1 1999
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |