الحاكمية الإلهية - أسباب العنف و التطرف الديني / ماجد الغرباوي
خاص ألف
2011-11-09
في كتابه ( تحديات العنف ) يقدم الأستاذ و المفكر ماجد الغرباوي عرضا تاريخيا موجزا لتطور معنى و أساليب العنف في التاريخ المعاصر ، و لا سيما بأهم أشكاله التي تسببت بانفجار الحرب العالمية 2 ، و هي النازية و الفاشية. و يسارع لربط ذلك بأصول العنف في المجتمع و الأفراد. و هو يرى أن كل اشكال الإيديولوجيات الإسلامية ( و منها حركة الإخوان المسلمين و التحرير الإسلامي ) تعبير أصيل عن المكبوت الذي تحول إلى سلوك دموي و انعزالي و منغلق على نفسه. و يعتقد أن الفرق بين التعاريف المختلفة لمعنى الجهاد كما تفسره الأحزاب هو مجرد استجابة موضوعية للظروف ، من إعلان الحرب ضد الأنظمة الملكية التي ترى أنها من بقايا دولة الخلافة و وريثتها الشرعية ، و حتى حرب الميليشيا السرية ضد الأنظمة العسكرية الشمولية التي رفعت شعار الأمة و تحرير الأرض.
و انطلاقا من هذه الرؤية للتاريخ يعيد الأستاذ الغرباوي تحديد العلاقة بين الإسلام و الديمقراطية ، الأمة ، الدولة ، الشعب ، إلخ. و يعيد النظر بأهمية المنظرين للميلشيات الإسلامية ، و يؤكد أنهم عبارة عن بيانات عاطفية جياشة و متهورة أو متقاطعة أحيانا. و لا تقدم نافذة عملية للخلاص بقدر ما هي أسلوب نفسي لتطهير الأفراد في محنتهم المستمرة مع النظام.
أدناه بعض المقتطفات.
ألف
الحاكمية الإلهية لماجد الغرباوي
كان أول مرة طرح فيها مفهوم الحاكمية الإلهية في حرب صفين ، عندما طالب الخوارج الإمام علي بالاستجابة لمبادرة معاوية ، و هتفوا : ( لا حكم إلا لله ) ، ( الحكم لله و ليس لك يا علي ) ، في إشارة إلى المصاحف التي رفعها جيش معاوية على الرماح. و قد استجاب الإمام علي لنداء التحكيم لكنه وصف دعواهم بأنها : ( كلمة حق يراد بها باطل ) ( 1 ) . و بالفعل فإن مفهوم الحاكمية من المفاهيم الزئبقية المغرية ، تستهوي الإنسان الثوري ، و تنطلي بسهولة عليه ، و يمكن توظيفه لخدمة أغراض شخصية و أخرى سياسية. فالمفهوم يوحي بدلالات واسعة ، تجعل الإنسان المؤمن يضحي حينما يتعامل مع المفهوم بسذاجة عالية ، و قد استقطب في حرب صفين عددا كبيرا من الخوارج ممن طالبوا الإمام بوقف القتال و التفاوض مع معاوية ، لكنه لم ينطل على العقول اليقظة ، لأنه مفهوم ملتبس في حدوده و تفصيلاته ، فلا ينبغي الانسياق مع إيحاءاته العاطفية. يقول أحد الباحثين : ( و عمليا فإن كلمة الحاكمية الإلهية كانت وراء استغلال الدهاة و ضلال السذج ، فقد استغلها أدهى الدهاة عمرو بن العاص عندما رفع المصاحف على أسنة الرماح ليعلي باطل معاوية على حق علي. و انخدع بها الخوارج فخذلوا عليا و هو أتقى الأتقياء ، و مكنوا معاوية من الانتصار بحجة لا حكم إلا لله ... حكمت الرجال في دين الله ) ( 2 ) .
ثم أعاد أبو الأعلى المدودي طرح مفهوم الحاكمية الإلهية ثانية في العصر الحديث ، و اعتبره جزءا من نظريته السياسية حول الدولة الإسلامية. و هنا ملخص عن نظريته كما جاء في كتيب (( منهاج الإنقلاب الإسلامي ) :
1 – ليس لفرد أو اسرة أو طبقة أو حزب أو لسائر القاطنين في الدولة نصيب من الحاكمية ، فإن الحاكم الحقيقي هو الله ، و السلطة الحقيقية مختصة لذاته تعالى وحده ، و الذين من دونه في هذه المعمورة إنما هم رعايا في سلطانه العظيم.
2 – ليس لأحد من دون الله شيء من أمر التشريع و المسلمون جميعا و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا لا يستطيعون أن يشرعوا قانونا و لا يقدرون أن يغيروا شيئا ممات شرع الله لهم.
3 – إن الدولة الإسلامية لا يؤسس بنيانها إلا على ذلك القانون المشروع الذي أتى به النبي من عند ربه مهما تغيرت الظروف و الأحوال. و الحكومكات التي بيدها زمام هذه الدولة لا تستحق طاعة الناس إلا من حيث أنها تحكم بما أنزل الله و تنفذ أمره تعالى في خلقه.
و من هنا يتضح لنا أن الدولة الإسلامية لا يمكن أن تعد ديمكقراطية بالمعنى الشائع لأنها لا تجعل إرادة الشعب هي أصل التشريع ، و لكنها حكومة إلهية ( ثيوقراطية theocracy ) مع اختلاف جذري في المدلول الأوروبي للكلمة ، لأن الحكومة الإسلامية لا تعرلاف طبقة السدنة ( رجال الدين ) الذين يتولون وحدهم في الدولة الثيوقراطية ، بالمفهوم الأوربي ، التقنين أو التفسير طبقا للشريعة ألإلهية.
و من هنا الثيوقراطية الإسلامية يمكن أن تكون ( ثيو – ديقراطية theo – democracy أو الحكومة الإلهية الجمهورية. و ذلك لأنها خولت للمسلمين حاكمية ( أو سيادة ) شعبية محدودة a limited popular sovereignty تحت سلطة الله القاهرة. و لا تتألف السلطة التنفيذية إلا بآراء المسلمين. و بيدهم يكون عزلهم من منصبها و كذلك جميع الشؤون تالتي لا يوجد عنها في الشريعة حكم صريح لا يقطع بشيء إلا بإجماع المسلمين.
و كلما مست الحاجة إلى إيضاح قانون أو شرح نص من نصوص الشرع لا يقوم بيانه طبقة أو اسرة مخصوصة وحدها بل يتولى شرحه و بيانه كل من بلغ درجة الاجتهاد من عامة المسلمين.
من هخذه الوجوه يعد الحكم الإسلامي ديمقراطيا إلا أنه – كما تقدم ذكره من قبل – إذا وجد نص من نصوص الكتاب و السنة في شأن من الشؤون فليس لأحد من أمراء المسلمين أو مجتهد أو عالم من علمائهم و لا للمجلس التشريعي بل و لا لجميع المسلمين في العالم أن يصلحوا أو يغيروا منه كلمة واحدة ، من هذه الجهة يصح إطلاق كلمة الثيوقراطية ( 3 ).
و إنما اقتبسنا النص بطوله لأنه يلخص فكرة المودودي عن الحاكمية الإلهية كاملة. ثم جاء سيد قطب و أخذ فكرة الحاكمية الإلهية و جاهلية المجتمع عن المودودي و صاغهما بأسلوبه الأدبي المعروف ، مشحونة هذه المرة بدلالات أكثر ثورية. و قدم سيد قطب فكرة الحاكمية على مستويين : نقدي و بنائي. ( الجانب النقدي يرى أمن العالم ألإسلامي المعاصر عالم جاهلية و طاغوت ، و أن أنظمة الحكم في العالم الإسلامي صارت جزءا منه. و الجانب البنائي يقول بضرورة إقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة ، لإعادة المشروعية إلى مجتمعات المسلمين و دولهم ) ( 4 ). و يعتبر كتاب معالم في الطريق مستودعا لكلا النظريتين اللتين نجد جذورهما مبثوثة أيضا في تفسير في ظلال القرآن . ( و قد أصبح معالم في الطريق هو الذي يلهم كل المجموعات الرافضة. و مع أن المضامين الثلاثة التي قام عليها ألا و هي : الحاكمية الإلإهية و العبودية لله و الجاهلية ، ليست جديدة تماما ، فقد قالها المكودودي من قبل ، إلا أن الجديد هو حسن تقديمه و صياغته و البرهنة عليها. لا بأدلة منطقية أو علمية فهذا ما يستبعد في مثل هذا الكتاب ، و لكن بنصوص أعطيت بريقا ليس لها ... و أصبح الكتاب وثيقة ملتهبة ) ( 5 ). و يضيف : ( إذن كان سيد قطب قد بعث أفكار المودودي ، و من ثم فلا تعد جديدة ، فإن الجديد الذي يمكن أن ينسب إليه هو تصوره للجهاد ، و إنه لم يكن للدفاع كما يذهب إلى ذلك المنهزمون كما ارتأى. و إنما هو أداة الإسلام لحمل رسالته و توصيلها للعالم أجمع ، و هو التصور الذي أدى لظهور جماعة الجهاد ، و أثر اثرا كبيرا على فهم هيئات إسلامية لمضمون الجهاد و كان للأسف الشديد مضمونا يشطح بالجهاد بعيدا عن حقيقته و يحمله ما لا يحمله ، بل و نقيض ما يحمل ) ( 6 ).
و النظرة المنصفة ، أن سيد قطب لم يقتصر على النقل و الاقتباس عن المودودي و إنما أعطى للمفهومين أبعادا ثورية جديدة ، و أعاد صياغتتههما و تسويقهما بشكل ألهب مشاعر الحركات الإسلامية ، و وضعها على مفترق طرق مع الأنظمة و المجتمعات الإسلامية.
إذ بات المفهوم يعني نوزع اي مظهر من مظاهر السلطة لغير الله تعاالى حتى على مستوى المشاعر و الأحاسيس و لم يقتصر على السياسية و الحكم. يقول قطب : ( إن الناس عبيد الله ، و لا يكونون عبيدا لله وحده إلا أن ترتفع راية لا إله إلا الله. لا إله إلا الله كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته ، لا حاكمية إلا الله ، و لا شريعة إلا من الله ، و لا سلطان لأحد على أحد ، لأن السلطان كله لله ) ( 7 ). و يضيف : ( كانوا يعرفون – اي العرب – أن الألوهية تعني الحاكمية العليا ، و كانوا يعرفون أن توحيد الألوهية و لإراد الله سبحانه بها ، معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان و مشيخة القبائل و الأمراء و الحكام ، و رده كله إلى الله ، تالسلطان على الضمائر ، و السلطان على الشعائر ، و السلطان على واقعيات الحياة ، و السلطان في المال ، و السلطان في القضاء ، و السلطان في الأرواح و الأبدان ) ( 8 ). إذن لم يقتصر قطب في بيان مفهوم الحاكمية على أبعاده المعرفية و إنما نجح في صياغة خطاب تحريضي ارتكز إليه التطر فالديني في ممارسته للعنف باسم الجهاد و باسم الحاكمية الإفهية ، يقول : ( كانوا يعلمون – أي العرب – أن لا إله إلا الله ثورة على السلطان الأرضي الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية ، و ثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الاغتصاب ، و خروج على السلطات التي تحكم بشريعة من عندها لم يأذن بها الله ، و لم يكن يغيب عن العرب ، و هم يعرفون لغتهم جيدا و يعرفون المدلول الحقيقي لدعوة ، لا إله إلا اللخه ، ماذا تعني هذه الدعوة بالنسبة لأوضاعهم و رياستهم و سلطانهم ، و من ثم استقبلوا هذه الدعوة – أو هذه الثورة – ذلك الاستقبال العنيف ، و حاربوها هذه الحرب التي يعرفها الخاص و العام ) ( 9 ).
و بإيجاز فإن لازم مفهوم الحاكمية عند المودودي و سيد قطب رفض حاكمية البشر و ضرورة الثورة عليهم ( لذلك خرجت الجماعات الدينية على النظم القائمة كما فعلت الخوارج من قبل ) ( 10 ). بل ( و ينتج عن فكرة الحاكمية ، تكفير النظام القائم ، و تكفير الحاكم و الخروج عليه ، و جواز قتله ، و اغتنام أموال الدولة ، و محاربة الجيش و البوليس ، و اعتبار الخدمة فيهما كفرا. فلا طاعة إلا لإمام ، و يجب عصيان أمارى الكفر و السفه و الجاهلية. تؤدي فكرة الحاكمية إذن إلى تقويض شرعية النظام القائم ) ( 11 ).
هوامش :
1 – نهج البلاغة . الخطبة رقم 40 .
2 – جمال البنا ، الإسلام دين و أمة و ليس دينا و دولة ، القاهرة ، دار الفكر الإسلامي ، ص 279 .
3 – النص مقتبس عن : جمال البنا ، مصدر سابق ، ص 267 – 268 .
4 – السيد رضوان ، الإسلام المعاصر و الليبرالية ، مجلة قضايا غسلامية معاصرة ، العدد 24 – 25 . 2003 – 1424 ، ص 176 .
5 – جمال البنا. مصدر سابق. ص 277 .
6 – المصدر نفسه. ص 281 .
7 – سيد قطب. معالم في الطريق. دار الشروق. 1979 . ص 24 . و يرى الدكتور حسن حنفي أن كتاب معالم في الطريق ليبس مؤلفا ذا بناء محكم و إنما هو ( مجرد تأملات تعبر عن عذاب ).
8 – المصدر نفسه ، ص 22 .
9 – المصدر نفسه . ص 22 .
10 – حسن حنفي ، الحركات اللدينية المعاصرة. الكتاب الخامس ضمن موسوعة الدين و الدولة في مصر. مكتبة مدبولي. ص 127 .
11 – حسن حنفي. الأصولية ألإسلامية. مكتبة مدبولي. ص 114 .
من تحديات العنف – ماجد الغرباوي . معهد الأبحاث و التنمية الحضارية. 2009 .
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |