مونولوج
خاص ألف
2011-11-25
الزمان: 2011
المكان:سورية
(ظلام تام، بقعة ضوء تتشكل على طاولة وسط ويمين المسرح تجلس خلفها كاتبتنا المشغولة بالكتابة على أوراقها، مئات الأوراق المكورة والمجعلكة على الطاولة والأرض قربها مرمية بعشوائية)
(تضع الكاتبة قلمها جانباً وترفع رأسها فيتضح وجهها المنهك، وعيناها الغائرتان تحيط بها هالات سوداء)
الكاتبة: (صوتها الداخلي)
اسمعي أيتها الملعونة
مذ أن خلعوا عن عشتار رداء الألوهية وأردوها بنصوص قدسية
مذ أن رموك في أقفاص زجاجية وأشاروا بأصابع الاتهام نحو مثلث الخَلق والشهوة
مذ أن غلفوك بشرائط الهدايا والأصباغ والألوان والأغطية السميكة والأثواب الشفافة وحقنوك بالسموم والسيلكون ونعتوك بالعاهرة والفاسقة والزانية
(تنهض الكاتبة وتتحرك معها بقعة الضوء الصفراء أينما اتجهت، تتأكد من إحكام غلق الباب في الخلف، وتتجه إلى مقدمة المسرح أمام الجمهور وبشكل إيمائي تغلق النافذة المتخيلة ونسمع صوت إغلاقها، تتجه نحو الهاتف وتنزع الخط من القابس، تعود إلى كرسيها خلف الطاولة)
الكاتبة: (أيضاً صوتها الداخلي)
اسمعي أيتها الشقية
مذ أن رفع أقرانك وجوههم إلى السماء وأنعمت عليهم بقبلات الرصاص.
(صوتها العادي)
زينب .. مريم .. إيناس .. صباح .. ماري .. سارة .. ستناي .. لافا .. نوال .. رفاه .. ميديا .. إيمان
ماذا تفعلين؟!
أبحث عنك .. لا .. أبحث عن قاتلك
مريمٌ أنت
أهذا ما يهم ؟! .. أنتِ ما أنت
(تشرع بالكتابة)
مراتٍ ومرات .. ليالٍ وصباحاتٍ ليلاء .. آتيني لأكتبك .. فأقفز بحواسي المشرعة عن علياء سطوحي .. وأهرع تحت نوء الضباب .. أتلوى كأفعى في سراب الصحراء .. في عروق الوديان .. في أعشاش القمم وأنطمر تحت كثبان الرمال .. أجدني في كل مكان إلا أمام المرآة.
في بيتي لا أعلق يا عشتار .. مرآة.
أقطّع الخس .. البطاطا والجبن والبندورة .. أقطّع أصابعي وضحكاتي المقنّعة وأبجديتي المهترئة .. أحتسي الخمر وأحزاني المسمومة وصرخاتي المكمومة .. أدفن كل يوم تحت الوسادة قبلة .. رسالة .. طفل .. حبيب .. وطن.
أغضب يا صديقتي .. أجن .. أجفل .. لا أصرخني ولا أصرخك .. الصراخ يتبعه البكاء .. دموعي ادخرتها لسقوطي يا عشتار.
عند كل شارع وحي وزقاق تتبعني عيناك وتتسمران في جفوني لتصلباني .. لازلت مصلوبة على نعوش أهلنا الثقيلة .. رأيت موتك البطيء .. سمعت صوتك المخنوق يهدس كلمات في الهواء لوصية .. هذيتُ أنينك وأنين جسدك يعتليه المخبر والقذر والجبان .. يمشقه عضو الجلاد .. القاتل ذاته في كل زمان ومكان في كل قصة ورواية وأغنية .. في حكايا جدي عن السلطان بدر الزمان.
رغم خمائل الشوك التي تقنص عيوني نازعني موتك آلاف المرات .. أعاب عليك ذليل الخلائق والسلائق جسدك الهيفاء .. بياضك الفتّان .. شعلة خدودك .. أردافك .. صرتك .. خصرك المرسوم كعنق جرة .. فمك الموشوم بحمرة كرزة .. أعاب عليك فخذيك .. حلمتيك .. شعرك الليلكي الموشى بعطر البيادر بعد هطول المطر.
أبى جناحاك المبرعمان إلا أن يطيرا في رقصةٍ تطوي بين زغبها فنون الحياة .. وسقطت بين أصابع السجّان الملوثة .. ماذا فعل بك يا عشتار الضنية .. قطّع قدميك كيلا تركضي للحلم .. كيلا تقفزي وتتدحرجي وترتعشي فوق العشب والنبع والثلج .. قطّع يديك كيلا تكتبي للحرية .. كيلا ترسمي وجه السجان على الحيطان .. جمالك غير المعتاد فجعه فشوهه بلذة النشوان.. لم يفهم أنوثتك الطاغية .. فصرعك وعيناك ترتجان .. تغيبان .. تحلقان.
آهٍ يا عشتار
على صهوة الريح هندباءٌ أنت تنقل الأفكار وزرقة الحياة.
لا أجرؤ على الإقتراب ..
أبتعد
أغيب
تضيع مني الاتجاهات ..
اهرعي يا عشتار
القتَلى يتوسدون الليل لنزال الصباح .. لملمِ أشلائك واحتمِ في باطنك .. إنها لاتمطر بل تلك دموع الصمت التي تجيز للمجرم بالإجرام.
(تتجه نحو النافذة المتخيلة أمام الجمهور، علائم البؤس واليأس تنال من محياها، تصغر وتضيق بقعة الضوء إلى أن تصبح نقطة صغيرة جداً على جبينها تتحول إلى اللون الأحمر، صوت رصاصة، سقوط ثقيل يرافقه صوت زجاج النافذة يتكسر، صمت للحظات تمر ثقيلة ، ضوء خفيف ، يندفع الريح من النافذة يقلب الأوراق الموضوعة على الطاولة فتطير وتدور في فضاء المسرح وتنتشر في كل مكان).
(نهاية البداية)
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
16-كانون الثاني-2021 | |
22-آب-2020 | |
14-آذار-2020 | |
16-تشرين الثاني-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |