عنف الدولة – مقتطفات من كتاب تحديات العنف لماجد الغرباوي
خاص ألف
2011-11-26
في كتابه الصادر عام 2009 عن معهد الأبحاث و التنمية الحضارية يوضح ماجد الغرباوي ماذا يقصد بالعنف. فهو مصطلح متحرك و له عدة أشكال و من ضمنها العنف المقدس ( أو الجهاد ) و عنف الدولة ( أو فرض القانون ). و بينهما توجد عدة أطياف و تدرجات أخرى منها عنف الأسرة و المؤسسة و المجتمع و رأس المال . حتى أن وسائل الإعلام المضادة و سوء استعمال الأنباء و الدعايات التجارية كلها تشترك في صناعة القرار و في توجيه تفكير الأفراد إما بالغش و التحايل أو بواسطة الإغراء و المحرضات القسرية. المشكلة إذا ليست في مفهوم العنف و لا في تطبيقه و لكن في أسلوب تعاملنا معه ، متى يكون مشروعا و متى يتحول إلى سلطة طاغية .
و أدناه جزء من الجواب.
ألف
عنف الدولة لماجد الغرباوي
يمثل عنف الدولة أحد الأخطار المستعصية التي عانت و ما تزال تعاني منها غالبية الشعوب طويلا. و تكمن الخطورة في هذا اللون من العنف كون الدولة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها ، كما أنها مركز القوة و السلطة و القرار ، أو كما هي عبارة أرسطو التاريخية : ( إن المجتمعات الإنسانية هي بالضرورة و الطبيعة مجتمعات سياسية ، فهي لا تستطيع أن تعيش من دون دولة ) ( 1 ). و تسبب العنف الذي تمارسه الدول في تخلف مجتمعاتها ثقافيا و حضاريا ، إذ تداعيات الارتكاز إلى العنف منهجا في التفكير السياسي و اسلوبا في الحكم لا تقتصر على إقصاء المعارضة و قمع الرأي الآخر ، و هي المعالم الرئيسية ، بل غن العنف ينغرس عميقا في لا وعي الشعب بشكل يقضي فيه على خيارات تسوية الخلافات و القضايا المطروحة و يحصرها في اسلوب واحد هو العنف. و حينئذ لا يجد الفرد مبررا للعدول عنه ما دامت جميع الأطراف ، بما فيها السلطة السياسية ، تلجأ إليه في حياتها اليومية. و إذا أردنا الغوص أكثر ، ربما لا يعي الأفراد ، المنقمعون في خندق العنف و العنف الضماد ، أسلوبا آخر للتفاهم و حل المشاكل العالقة ما عدا العنف. لأنهم لم يتعرفوا على الأساليب السلمية و لم يتذوقوا طعمها ، و إنما العنف أسلوبهم الوحيد في الحياة ، و بات يطوقهم من كل جانب و مكان، يملأ تفكيرهم ، و يطبع أخلاقهم ، و يوجه سلوكهم ، فيكون اللجوء له أشبه برد فعل تلقائي إذا لم يكن فعلا مباشرا كذلك.
إذن من أين يعي الفرد أساليب الحوار و التفاهم السلمي ؟ و كيف يتنازل عن العنف و هو مقموع في داخله ؟ و هل عنف السلطة بالنسبة له سوى أحد مستويات العنف التي يعيشها في كل آن داخل البيت ، المدرسة ، الدائرة ، المعمل ، المؤسسة ...؟ أليس النظام الأبوي ( البطركي ) هو النظام المسيطر في المجتمع على جميع المستويات ، فلماذا لا يمارسه الشخص ، كل شخص ، في دائرته الخاصة ( 2 ) ؟.
فالإشكالية إذن لا تختص بمسألة عنف السلطة و إنما أيضا هناك غشكالية تخلف المجتمع بسبب الممارسة الطويلة للعنف و الاستبداد الدموي ، الذي ما زال يلاحق الفرد في كل مكان و زمان ، و انحسار الثقافة و الفكر و سيادة مفاهيم العنف و الاستبداد و القوة و البطش.
ربما لا يتجاهر الأفراد في استخدام العنف المسلح خوفا من إرهاب السلطة و بطشها إلا أن سلوكهم و أساليبهم في الحياة تطفح بأنواع أخرى من العنف، فالسلطة خلقت منهم كائنات عنيفة، حتى بات التحدي سمة أساسية تتصف بها غالبية الشعب. كما تجد العنف المسلح يتربص أي فرصة لينطلق بأقصى مدياته. و مثل هذا الشعب سيعاني طويلا حتى يعود إلى مائدة الحوار و التخلي عن العنف بجميع أشكاله ، هذا إذ توفر على أجواء و ثقافة تساعده في تخطي محنة العنف و العنف المضاد. و هو أمر ليس مستحيلا ، إذ المجتمعات التي نأت بنفسها عن العنف في علاقاتها الداخلية قد مرت هي أيضا بمخاضات صعبة امتدت إلى مئات السنين ، ثم نجحت في اعتماد السلم منهجا في السياسة و أسلوبا في الحياة ، و بات العنف بالنسبة لها شيئا مكروها، تستنكره، ترفضه، و تحاسب بشدة على اقترافه حتى أصبح متعذرا على دول تلك الشعوب اللجوء للعنف ، في علاقاتها الخارجية فضلا عن علاقاتها الداخلية ، ما لم تتوافر على مبررات قانونية كافية و تضمن قناعة الأغلبية. و تمثل هذه الدول اليوم سلم الرقي الحضاري حكومة وشعبا ، و نموذجا تطمح له بقية الشعوب. و ليس هذا انبهارا بالآخر أو استلابا حضاريا أو فكريا أو ثقافيا ينطلق من عقدة النقص بقدر ما هي حقيقة ماثلة للعيان أمام الجميع. بينما واقع الدول المتخلفة ظل يعاني استبداد السلطة السياسية و تكريس القوة ، و ممارسة العنف ضدالشعوب ، بعد إنتاجه و تصديره و إعادة إنتاجه ، و التحايل في ممارسته بلصور بشعة و أساليب شتى. حتى صارت تنعت بأقسى النعوت و تتصف بـ ( انعدام آليات التداول الطبيعي للسلطة و احتكار مراكز القيادة من قبل نخبات لا تتمتع في أغلب الأحيان بالحد الأدنى من الأخلاق المدنية و الكفاءة المهنية ، و غياب الحريات العامة ، و تفاقم الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان ، و فرض المراقبة السياسية و الفكرية على الأفراد ، و هيمنة السلطة الشخصية من النمط الأبوي ، و الخلط المتزايد و الفاضح بين دولة الحزب الواحد و القبيلة أو الطائفة ، و تعميم إجراءات التعسف السياسي و القانوني ، و التمييز المشكوف بين المواطنين ، و القمع و العقاب الجماعيين ، كل هذه الظواهر التي لا يمكن أن تخفى على عين أي مراقب ، تشكل الحقيقة اليومية للسلطة في المجتمعات العربية ، و تعكس القطيعة التي لا تكف عن التفاهم بين الدولة و المجتمع ) ( 3 ).
و ليس الوضع غريبا على المنطقة بل إن ماضي الدولة تاريخ طويل من معاناة الشعوب و الظلم و الاضطهاد و التسلط و الدكتاتورية و الاستبداد. و منذ أن تحولت الدولة إلى ملك عضوض على يد الأمويين فقد الإنسان دوره كمواطن له حق المشاركة في اختيار الحاكم و محاسبة السلطة و نقد القرارات الحكومية.
و في المقابل بدأت السلطة المتمثلة يومئذ بشخص الخليفة ( الدولتان الأموية و العباسية ) أو السلطان أو الشاه ( الدولتان العثمانية و الفارسية ) و حاشيته ، تمارس العنف عملا يوميا ضد المعارضة ، و حشد طاقات الشعب لمحاربتها تحت دواع شتى. و تعمقت أزمة الشرعية السياسية بعد عصر الخلافة الراشدة ، و لم يجد الحكام طريقا للخلاص من الأزمة سوى الاتكاء أكثر على العنف و السيف و قمع المعارضين و ممارسة إرهاب السلطة ، حتى امتلأ التاريخ بأحداث جارفة اتسمت بالمواجهات و التمرد و القمع و القسوة و الخوف و القلق و ( رويدا رويدا تجذرت سياسة الغلبة بعيد الثورات الدموية المناهضة لمعاوية و قمعه الشديد لها ، و انقلب الحكم وراثيا ، و حرم الشعب من حق تقرير مصيره السياسي ، و صارت البيعة ، التي كانت لها في عصر الرسول الأكرم حتى تلك الأيام معنى و مفهوم سياسي و قانوني خاص ، صارت تعني التزام الأمة من طرف واحد بالطاعة المطلقة لحاكم يرتكز إلى السيف دون أن يفرض على حكومته أي شرط أو حد ) ( 4 ).
و عندما توفر فقيه السلطة تولى بنفسه شرعنة و تبرير ممارسات الحاكم التعسفية ضد شعبه و ضد خصومه السياسيين . فمثلا تجد المعارضة عبر التاريخ ، توصف ، وفقا لمنطق الفقه السلطاني ، بالفئة الباغية ، العاصية ، المارقة ، الكافرة. و أما الشعب فرعية السلطان و عبيده و مواليه ، فهو ولي أمرهم و نعمتهم ، الذي يغدق عليهم عطاياه و مننه ، أمير المؤمنين ، القاضي بالحق ، المنصور بالله ، المتوكل على الله أمين الله ، يحرم الخروج عليه و لو كان فاسقا أو فاجرا ، و إن لم يتورع عن اقتراف العنف و ارتكاب جرائم القتل ، إضافة إلى اعتياد الموبقات و الكبائر ( 5 ).
و لو أردنا تحري إشكاليات الدولة منذ تشكلها على يد الأمويين نجد أنها تنحصر في إشكاليتين متداخلتين ، الأولى : إشكالية الفكر السياسي و التنظير الفقهي لنظام الحكم و السلطة. و الثانية : إشكالية الممارسة السياسية المتمثلة بالحاكم أو رئيس السلطة السياسية و من ينوب عنه أيا كان اسمه ( خليفة / سلطان / شاه / والي ).
هوامش :
1 – انظر : برهان غليون ، المحنة العربية – الدولة ضد الأمة ، 1994 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، ص 28 .
2 – للاطلاع على خصائص النظام الأبوي ( البطركي ) انظر : هشام شرابي ، النظام الأبوي و إشكالية تخلف المجتمع العربي ، ترجمة : محمود شريح ، 1988 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت.
3 – د. برهان غليون ، المحنة العربية ، مصدر سابق ، ص 111 .
4 – السيد محمد خاتمي ، الدين و الفكر في شراك الاستبداد ، جولة في الفكر السياسي للمسلمين ، ترجمة ماجد الغرباوي ، 2001 ، دار الفكر بدمشق. ص 28 .
5 – انظر كتاب الأحكام السلطانية و غيرها ، لتلاحظ كيف يشرعن الفقيه سلطة المستبد الجائر ، و يخلق منها كيانا مقدسا لا يجوز الخروج عليه أو مخالفة أوامره تحت أي ذريعة.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |